الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا، جَازَ، وَالْأَجْرُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلِهِمَا، وَالْعَمَلُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ، وَالْآلَةُ وَالْبَيْتُ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْعَمَلِ الْمُشْتَرَكِ، فَصَارَا كَالدَّابَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَجَرَاهُمَا لِحَمْلِ الشَّيْءِ الَّذِي تَقَبَّلَا حَمْلَهُ.
وَإِنْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ، قُسِمَ مَا حَصَلَ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا وَأَجْرِ الدَّارِ وَالْآلَةِ. وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا آلَةٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ لَأَحَدِهِمَا بَيْتٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِالْآلَةِ أَوْ فِي الْبَيْتِ وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا، جَازَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ دَفَعَ رَجُلٌ دَابَّتَهُ إلَى آخَر لِيَعْمَل عَلَيْهَا وَمَا يَرْزُقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ كَيْفَمَا شَرَطَا]
فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ رَجُلٌ دَابَّتَهُ إلَى آخَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا، وَمَا يَرْزُقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ كَيْفَمَا شَرَطَا، صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ وَأَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ. وَنُقِلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَصِحُّ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِوَضُ مِنْهَا.
وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَبَةُ، وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَكُونُ بِالتِّجَارَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَهَذِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِ مَالِكِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَصِحَّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ أَجْرُ الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا فَالْأَجْرُ لِمَالِكِهَا، وَإِنْ تَقَبَّلَ حَمْلَ شَيْءٍ فَحَمَلَهُ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مُبَاحًا فَبَاعَهُ، فَالْأُجْرَةُ وَالثَّمَنُ لَهُ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا لِمَالِكِهَا.
وَلَنَا، أَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا، كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَكَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ، وَلَا هُوَ مُضَارَبَةٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ، فَإِنَّهُ دَفْعٌ لِعَيْنِ الْمَالِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فِي مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً؛ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ ثُلُثِهِ، جَازَ. وَلَا أَرَى لِهَذَا وَجْهًا؛ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا الْعِلْمُ بِالْعِوَضِ، وَتَقْدِيرُ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْإِجَارَةِ الْمُعَامَلَةَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي تَقَدَّمَ.
وَقَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى مَا يَدُلُّ عَلَى تَشْبِيهِهِ لِمِثْلِ هَذَا بِالْمُزَارِعَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالثَّوْبِ يُدْفَعُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ.» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ إلَى الْجَوَازِ؛ لِشَبَهِهِ بِالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، لَا إلَى الْمُضَارَبَةِ، وَلَا إلَى الْإِجَارَةِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد، عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ يُعْطِي فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْغَنِيمَةِ:
أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا كَانَ عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَكْسِبَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ أَوْ رُبْعه، فَجَائِزٌ، وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ. وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا يَبِيعُهَا، وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا بِحَقِّ عَمَلِهِ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَإِنْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ رُبُعِهِ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَجْهُولٌ وَعَمَلٌ مَجْهُولٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ جَوَازِهِ. وَإِنْ جَعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ الْجَوَازُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، وَمَا رُوِيَ غَيْرُ هَذَا فَعَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّه يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالثَّوْبِ يُدْفَعُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ. وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطِي الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمَيْنِ؟ قَالَ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ. وَالثُّلُثُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ نَرَاهُ جَائِزًا؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ. قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّه: فَإِنْ كَانَ النَّسَّاجُ لَا يَرْضَى حَتَّى يُزَادَ عَلَى الثُّلُثِ دِرْهَمًا؟ قَالَ: فَلْيَجْعَلْ لَهُ ثُلُثًا وَعُشْرَيْ ثُلُثٍ وَنِصْفَ عُشْرٍ وَمَا أَشْبَهَ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَيُّوبَ، وَيَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، أَنَّهُمْ أَجَازُوا ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَرِهَ هَذَا كُلَّهُ الْحَسَنُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: هَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالُوا: لَوْ دَفَعَ شَبَكَتَهُ إلَى الصَّيَّادِ لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَالصَّيْدُ كُلُّهُ لِلصَّيَّادِ، وَلِصَاحِبِ الشَّبَكَةِ أَجْرُ مِثْلِهَا. وَقِيَاسُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ صِحَّةُ الشَّرِكَةِ، وَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ فِيهَا، فَصَحَّ دَفْعُهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا كَالْأَرْضِ.
(3623)
فَصْلٌ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» . وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الطَّحَّانَ أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً يَطْحَنُهَا بِقَفِيزِ دَقِيقٍ مِنْهَا. وَعِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ بَعْضَ مَعْمُولِهِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ، فَيَصِيرُ الطَّحْنُ مُسْتَحَقًّا لَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ، وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا صِحَّتُهُ، وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ جَوَازُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ الْمَسَائِلِ.
(3624)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لِرَجُلِ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ إكَافٌ وَجُوَالِقَاتٌ، فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يُؤْجَرَاهُمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، لِأَنَّ هَذِهِ أَعْيَانٌ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا، فَكَذَلِكَ فِي مَنَافِعِهَا، إذْ تَقْدِيره:
آجِرْ دَابَّتَك لِتَكُونَ أُجْرَتُهَا بَيْنَنَا، وَأُؤْجِرُ جُوَالِقَاتِي لِتَكُونَ أُجْرَتُهَا بَيْنَنَا. وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَصْلِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مِلْكِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، هَذَا إذَا أَجَرَ الدَّابَّةَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْإِكَافِ وَالْجُوَالِقَاتِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.
فَأَمَّا لَوْ أَجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكَهُ مُنْفَرِدًا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرُ مِلْكِهِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِهِ: آجِرْ عَبْدِي، وَالْأَجْرُ بَيْنَنَا. كَانَ الْأَجْرُ لِصَاحِبِهِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ.
(3625)
فَصْلٌ فَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ؛ مِنْ أَحَدِهِمْ دَابَّةٌ، وَمِنْ آخَرَ رَاوِيَةٌ، وَمِنْ آخَرَ الْعَمَلُ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ، صَحَّ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الدَّابَّةِ يَدْفَعُهَا إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ لَهُمَا الْأُجْرَةَ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَهَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَالرَّاوِيَةُ عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَهِيَ كَالْبَهِيمَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُمَا وَكَّلَا الْعَامِلَ فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ بِآلَةٍ دَفَعَاهَا إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا.
وَهَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَحَدِهِمْ دُكَّانٌ وَمِنْ آخَرَ رَحًى، وَمِنْ آخَرَ بَغْلٌ، وَمِنْ آخَرَ الْعَمَلُ، عَلَى أَنْ يَطْحَنُوا بِذَلِكَ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ، صَحَّ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَرَطُوهُ وَقَالَ الْقَاضِي: الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَارَكَةً وَلَا مُضَارَبَةً، لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا الْعُرُوضَ، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهِمَا عَوْدَ رَأْسِ الْمَالِ سَلِيمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسْتَوْفَى رَأْسُ الْمَالِ بِكَمَالِهِ.
وَالرَّاوِيَةُ هَاهُنَا تَخْلُقُ وَتَنْقُصُ، وَلَا إجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَتَكُونُ فَاسِدَةً. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِلسَّقَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَرَفَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ مَلَكَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ فَثَمَنُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ عِوَضُ مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ مِلْكَهُمَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمَا، فَكَانَ لَهُمَا أَجْرُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا طَحَنُوا لِرَجُلٍ طَعَامًا بِأُجْرَةِ، نَظَرْت فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابَهُ، وَلَا نَوَاهُمْ، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَوَى أَصْحَابَهُ، أَوْ ذَكَرَهُمْ، كَانَ كَمَا لَوْ عَقَدَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكُمْ لِتَطْحَنُوا لِي هَذَا الطَّعَامَ بِكَذَا. فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ لَزِمَهُ طَحْنُ رُبْعِهِ بِرُبْعِ الْأَجْرِ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ بِرُبْعِ أَجْرِ مِثْلِهِ.
وَإِنْ كَانَ قَالَ: اسْتَأْجَرْت هَذَا الدُّكَّانَ وَالْبَغْلَ وَالرَّحَى، وَهَذَا الرَّجُلَ بِكَذَا وَكَذَا، لِطَحْنِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الطَّعَامِ. صَحَّ، وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ