الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى، كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى ضَرْبِ لَبِنٍ فَضَرَبَ بَعْضَهُ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الْعَرْضِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فِي الطُّولِ، فَلَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ. وَإِنْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي أَحَدِهِمَا، نَاقِصًا فِي الْآخَرِ، فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي الزَّائِدِ، وَهُوَ فِي النَّاقِصِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: يُخَيَّرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بَيْنَ دَفْعِ الثَّوْبِ إلَى النَّسَّاجِ وَمُطَالَبَتِهِ بِثَمَنِ غَزْلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْمُسَمَّى فِي الزَّائِدِ، أَوْ بِحِصَّةِ الْمَنْسُوجِ فِي النَّاقِصِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ، لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالطَّوِيلِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِالْقَصِيرِ، وَيُنْتَفَعُ بِالْقَصِيرِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِالطَّوِيلِ، فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ غَزْلَهُ
وَلَنَا أَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِعِوَضِهِ، كَمَا لَوْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الطُّولِ وَحْدَهُ. فَأَمَّا إنْ أَثَّرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ النَّقْصُ فِي الْأَصْلِ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِنَسْجِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ لِيَكُونَ الثَّوْبُ خَفِيفًا، فَنَسَجَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَصَارَ صَفِيقًا، أَوْ أَمَرَهُ بِنَسْجِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِيَكُونَ صَفِيقًا، فَنَسَجَهُ عَشَرَةً، فَصَارَ خَفِيفًا، فَلَا أَجْرَ لَهُ بِحَالٍ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ.
[فَصْلٌ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ إنْ كَانَ يُقْطَعُ قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ فَقَالَ هُوَ يُقْطَعُ وَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِ]
(4282)
فَصْلٌ: إذَا دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا، فَقَالَ: إنْ كَانَ يُقْطَعُ قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ. فَقَالَ: هُوَ يُقْطَعُ. وَقَطَعَهُ، فَلَمْ يَكْفِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. وَإِنْ قَالَ: اُنْظُرْ هَذَا يَكْفِينِي قَمِيصًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اقْطَعْهُ. فَقَطَعَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ، لَمْ يَضْمَنْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَرَّهُ فِي الْأُولَى، لَكَانَ قَدْ غَرَّهُ فِي الثَّانِيَةِ
وَلَنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأُولَى بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ، فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَذِنَ لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَافْتَرَقَا، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الْأُولَى لِتَغْرِيرِهِ، بَلْ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي قَطْعِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ، فَلَا يَكُونُ إذْنًا فِي غَيْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ.
[فَصْلٌ أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصَ رَجُلٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرَأَةٍ]
(4283)
فَصْلٌ: فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصَ رَجُلٍ، فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرَأَةٍ، فَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا؛ لِأَنَّ هَذَا قَطْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ مَا بَيْنَ قَمِيصِ امْرَأَةٍ وَقَمِيصِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي قَمِيصٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ قَمِيصٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَإِذَا قَطَعَ قَمِيصًا غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِمَا أُذِنَ فِيهِ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِابْتِدَاءِ الْقَطْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَطْعِ أَجْرًا، وَلَوْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، لَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ.
(4284)
فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ: أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ امْرَأَةٍ. وَقَالَ: بَلْ أَذِنْت لَك فِي قَطْعِهِ قَمِيصَ رَجُلٍ. أَوْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَمِيصًا. قَالَ: بَلْ قَبَاءً. أَوْ قَالَ الصَّبَّاغُ: أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَحْمَرَ. قَالَ: بَلْ أَسْوَدَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ قَوْلَانِ، كَالْمَذْهَبَيْنِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، كَالْمُتَبَايِعِينَ يَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ إذْنِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ، فَكَذَلِكَ فِي صِفَتِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيه. وَلَنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ لَهُ، كَالْمُضَارِبِ إذَا قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً. وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِلْكِ الْخَيَّاطِ الْقَطْعَ، وَالصَّبَّاغِ الصَّبْغَ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا مَلَكَهُ، وَاخْتَلَفَا فِي لُزُومِ الْغُرْمِ لَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَصَبْغِهِ أَحْمَرَ. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، وَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِعِوَضٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى ثَبَتَ بِقَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ، فَلَا يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
فَأَمَّا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا يَعْتَرِفُ رَبُّ الثَّوْبِ بِتَسْمِيَتِهِ أَجْرًا، وَقَطْعِهِ قَمِيصًا، وَصَبْغِهِ أَسْوَدِ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ. فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا أَذِنْت فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَلَا صَبْغِهِ أَحْمَرَ. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمُسَمَّى. وَلَا يَجِبُ لِلْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَلْبَسُ الْأَقْبِيَةَ وَالسَّوَادَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
وَعَلَى الصَّانِعِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالْقَطْعِ، وَضَمَانُ مَا أَفْسَدَ، وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ رَبِّ الثَّوْبِ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَتَتَرَجَّحُ دَعْوَاهُ بِهِمَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عِقْدٌ أَوْ أَزَجٌ، رَجَّحْنَا دَعْوَاهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، رَجَّحْنَا دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ. وَلَوْ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي الْآلَةِ الَّتِي فِي دُكَّانِهِمَا، رَجَّحْنَا قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آلَةِ صِنَاعَتِهِ. فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ: مَا أَذِنْت لَك فِي قَطْعِهِ قَبَاءً
وَيَكْفِي هَذَا لِأَنَّهُ يَنْتَفِي بِهِ الْإِذْنُ، فَيَصِيرُ