الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَالِفُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا، وَالتَّالِفُ يَحْسِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ الرِّبْحِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
(3725)
فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا يَتَّجِرُ فِيهِ، فَرِبْحَ، فَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا لِي رِبْحُهُ كُلُّهُ. وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ قِرَاضًا فَرِبْحُهُ بَيْنَنَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ خُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ. فَإِذَا حَلَفَ قَسَمْنَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَكُونَ لِلْعَامِلِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا شَرَطَهُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ أَجْرِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَرَبُّ الْمَالِ مُعْتَرِفٌ لَهُ بِهِ، وَهُوَ يَدَّعِي الرِّبْحَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَمَلِهِ مَعَ يَمِينِهِ.
كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رِبْحِ مَالِهِ، فَإِذَا حَلَفَ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ مَا عَمِلَ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا عَمِلَ لِغَرَضٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَنَصَّ، أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ بِضَاعَةً. وَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ كَانَ قِرَاضًا. احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَهُ لَهُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَيَكُونَ لِلْعَامِلِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ أَجْرِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ زِيَادَةً عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ أَجْرَ مِثْلِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قِرَاضًا، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ. وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ بِضَاعَةً. وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا. حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ لَا غَيْرُ.
وَإِنْ خَسِرَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: كَانَ قَرْضًا. وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً. فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَطَ الْمُضَارِبُ النَّفَقَةَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ]
(3726)
فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُضَارِبُ النَّفَقَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ، فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدَيْهِ، أَوْ قَدْ رَجَعَ إلَى مَالِكِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْدَ رَدِّهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَمِينٌ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ، وَكَالْوَصِيِّ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ.
(3727)
فَصْلٌ: إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِأَمْرِ الْآخَرِ بِأَلْفٍ، وَقَالَ: لَمْ أَقْبِضْ ثَمَنَهُ. وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَبَضَهُ، وَصَدَّقَهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ، بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ نِصْفِ ثَمَنِهِ؛ لِاعْتِرَافِ شَرِيكِ الْبَائِعِ بِقَبْضِ وَكِيلِهِ حَقَّهُ،
فَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ، وَتَبْقَى الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَشَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي.
فَإِنْ خَاصَمَهُ شَرِيكُهُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ إنَّك قَبَّضْته نَصِيبِي مِنْ الثَّمَنِ. فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا. وَإِنْ خَاصَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. فَإِذَا حَلَفَ، أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ ظُلْمًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتَهُ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَمِنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ تَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْكُلِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُخَاصَمَةِ الشَّرِيكِ قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَهَا. وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ شَرِيكَ الْبَائِعِ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ، نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ أَذِنَ لِشَرِيكِهِ فِي الْقَبْضِ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْقَبْضِ، لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَكِّلْهُ فِي الْقَبْضِ، فَقَبْضُهُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ.
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَرِيكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ، وَلِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ شَرِيكَهُ قَبَضَ حَقَّهُ. وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ دَفْعُ نَصِيبِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ بِبَقَاءِ حَقِّهِ. وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى شَرِيكِهِ، لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ، فَإِذَا قَبَضَ حَقَّهُ، فَلِشَرِيكِهِ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَهُمَا ثَابِتٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، فَمَا قَبَضَ مِنْهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ مِيرَاثًا.
وَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ، وَيُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِحَقِّهِ كُلِّهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الشَّرِيكُ مُشَارَكَتَهُ فِيمَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ ثَمَنَ نَصِيبِهِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ فِي صَفْقَةٍ. وَيُخَالِفُ الْمِيرَاثَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْوَرَثَةِ لَا يَتَبَعَّضُ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ تَبْعِيضُهُ، وَهَا هُنَا يَتَبَعَّضُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ اثْنَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، وَلِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْرُوثِ، فَكَانَ مَا يَقْبِضُهُ لِلْمَوْرُوثِ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ. مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ مَا يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ.
فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ. فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَيَأْخُذُ مِنْ الْقَابِضِ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ، وَيُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ، إذَا حَلَفَ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا. وَلَيْسَ لِلْمَقْبُوضِ مِنْهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِعِوَضِ مَا أَخَذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُ ظُلْمًا، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ظَلَمَهُ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ.
وَإِنْ خَاصَمَ الْمُشْتَرِي شَرِيكَ الْبَائِعِ، فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ، فَكَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ شَرِيكَهُ قَبَضَ الثَّمَنَ، لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِشَيْءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَلَا يَقَعُ قَبْضُهُ لَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ مُشَارَكَةِ شَرِيكِهِ لَهُ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي.
وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَحَلَفَ، أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ، وَإِنْ نَكَلَ، أَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ نِصْفَهُ.