الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْضًا قَطِيعَةَ أَبِي بَكْرٍ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَسَأَلَ عُيَيْنَةُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ كِتَابًا فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَدِّدُ شَيْئًا رَدَّهُ عُمَرُ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
لَكِنَّ الْمُقْطَعَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَوْلَى بِإِحْيَائِهِ، فَإِنْ أَحْيَاهُ، وَإِلَّا قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: إنْ أَحْيَيْته، وَإِلَّا فَارْفَعْ يَدَك عَنْهُ. كَمَا قَالَ عُمَرُ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقْطِعْك لِتَحْجُبَهُ دُونَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَقْطَعَك لِتَعْمُرَ، فَخُذْ مِنْهَا مَا قَدَرْت عَلَى عِمَارَتِهِ، وَرُدَّ الْبَاقِيَ.
وَإِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ طَلَبَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ يُمْهَلْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُتَحَجِّرِ
وَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ فَأَحْيَاهُ قَبْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ نَاسًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ أَرْضًا، فَعَطَّلُوهَا، فَجَاءَ قَوْمٌ فَأَحْيَوْهَا، فَخَاصَمَهُمْ الَّذِينَ أَقْطَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَتْ قَطِيعَةً مِنِّي، أَوْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ أَرُدَّهَا، وَلَكِنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنَا أَرُدُّهَا» ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَطِيعَةً مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. وَالثَّانِي، لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقْطَعِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ»
أَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ، لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَحَجِّرِ، وَهَذَا مِثْلُهُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ]
(4349)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا اسْتَقْطَعَهُ أَبْيَضُ بْنُ حَمَّالٍ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. رَجَعَهُ مِنْهُ» . وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَفِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ وَجْهَانِ، ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا مَضَى.
[فَصْلٌ لَا يَقْطَع الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ الْمَوَاتِ إلَّا مَا يُمْكِنُهُ إحْيَاؤُهُ]
(4350)
فَصْلٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَع الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ الْمَوَاتِ، إلَّا مَا يُمْكِنُهُ إحْيَاؤُهُ؛ لِأَنَّ فِي إقْطَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. فَإِنْ فَعَلَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إحْيَائِهِ، اسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ، كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ عِمَارَتِهِ مِنْ الْعَقِيقِ، الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[فَصْلٌ فِي الْحِمَى]
(4351)
فَصْلٌ: فِي الْحِمَى، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَحْمِيَ أَرْضًا مِنْ الْمَوَاتِ، يَمْنَعُ النَّاسَ رَعْيَ مَا فِيهَا مِنْ الْكَلَأِ، لِيَخْتَصّ بِهَا دُونَهُمْ.
وَكَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعْرِفُ ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى نَشَزَ، ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ. وَوَقَفَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ بِالْعُوَاءِ، فَحَيْثُمَا انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ. فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ. وَرَوَى الصَّعْبُ بْن جَثَّامَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَقَالَ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالنَّارِ، وَالْكَلَأِ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ سِوَى الْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمِيَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى. فَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» . لَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ:«حَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالنَّقِيعُ، بِالنُّونِ: مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ، لِمَكَانِ مَا يَصِيرُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ
وَأَمَّا سَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ، وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ الَّتِي يَقُومُ الْإِمَامُ بِحِفْظِهَا، وَمَاشِيَةُ الضَّعِيفِ مِنْ النَّاسِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَيْسَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمِيَ؛ لِقَوْلِهِ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» . وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حَمَيَا، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ إجْمَاعًا
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، عَلَامَ تَحْمِيهَا؟ فَأَطْرَقَ عُمَرُ، وَجَعَلَ يَنْفُخُ، وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ، وَكَانَ إذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ فَتَلَ شَارِبَهُ، وَنَفَخَ فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ مَا بِهِ جَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ فِي شِبْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ. وَعَنْ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ لِهُنَيٍّ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى حِمَى الرَّبَذَةِ: يَا هُنَيُّ، اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ،