الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً، كَقِشْرَةِ جَوْزَةٍ، أَوْ قِشْرَةِ بَاذِنْجَانَةٍ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
وَكَذَلِكَ إنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي الشَّرْعِ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَيْهِ، وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، فَالْإِيجَابُ يَتَنَاوَلُهُ. وَالثَّانِي، لَا يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا يَجِبُ ضَمَانُهُ، وَهَذَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَنَحْوِهَا، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً عَلَى انْفِرَادِهِ.
وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَدِّ قَذْفٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ إلَى مَالٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَلَيَّ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَيَئُولُ إلَى الْمَالِ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَوْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
وَهَذَا الْإِقْرَارُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، إذَا أَرَادَ أَنَّ حَقًّا عَلَيَّ رَدُّ سَلَامِهِ إذَا سَلَّمَ، وَتَشْمِيتُهُ إذَا عَطَسَ؛ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ:«لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا: يَرُدُّ سَلَامَهُ، وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ، وَيُجِيبُ دَعْوَتَهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» .
وَإِنْ قَالَ: غَصَبْته شَيْئًا. وَفَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَصْبِ يَقَعُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: غَصَبْته نَفْسَهُ. لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْفَصْلُ أَكْثَرُهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلْ تَفْسِيرُ إقْرَارِهِ بِغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الشَّيْءُ فِي الْإِقْرَارِ، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَصَحَّ التَّفْسِيرُ كَالْمَكِيلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ.
[فَصْل الْإِقْرَار بِمَالِ]
(3864)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] . وَقَوْلِهِ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19] .
وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ؛
أَحَدُهَا، كَقَوْلِنَا.
وَالثَّانِي؛ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَوَّلُ نِصَابٍ مِنْ نُصُبِ الزَّكَاةِ، مِنْ نَوْعِ أَمْوَالِهِمْ. وَالثَّالِثُ، مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَيَصِحُّ مَهْرًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . وَلَنَا، أَنَّ غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، وَيَتَمَوَّلُ عَادَةً، فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ، كَاَلَّذِي وَافَقُوا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا آيَةُ الزَّكَاةِ فَهِيَ عَامَّةٌ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ، وقَوْله تَعَالَى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19] . لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكَاةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، ثُمَّ يَرُدُّ قَوْلَهُمْ قَوْله تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . وَالتَّزْوِيجُ جَائِزٌ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ، وَبِمَا دُونَ النِّصَابِ.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ، أَوْ خَطِيرٌ. جَازَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَالٌ. لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَيَكُونُ صَدَاقًا عِنْدَهُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ بِأَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَبِهِ قَالَ صَاحِبَاهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ أَقَلَّ زِيَادَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَدْرَ الدِّيَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: اثْنَانِ وَسَبْعُونَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [التوبة: 25] . وَكَانَتْ غَزَوَاتُهُ وَسَرَايَاهُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْحَبَّةَ لَا تُسَمَّى مَالًا عَظِيمًا وَلَا كَثِيرًا. وَلَنَا، أَنَّ مَا فُسِّرَ بِهِ الْمَالُ فُسِّرَ بِهِ الْعَظِيمُ، كَاَلَّذِي سَلَّمُوهُ، وَلِأَنَّ الْعَظِيمَ وَالْكَثِيرَ لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَلَا الْعُرْفِ، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْظِمُ الْقَلِيلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْظِمُ الْكَثِيرَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَحْتَقِرُ الْكَثِيرَ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ حَدٌّ يُرْجَعُ إلَى تَفْسِيرِهِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ مَالٍ إلَّا وَهُوَ عَظِيمٌ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ عَظِيمًا عِنْدَهُ؛ لِفَقْرِ نَفْسِهِ وَدَنَاءَتِهَا، وَمَا ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ فِيهِ تَحْدِيدٌ لِلْكَثِيرِ، وَكَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ كَثِيرًا لَا يَمْنَعُ الْكَثْرَةَ فِيمَا دُونَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45] . فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة: 249] . فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ: عَظِيمٌ جِدًّا، أَوْ عَظِيمٌ عَظِيمٌ. كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْهُ؛ لِمَا قَرَّرْنَاهُ.