الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ]
(4218)
فَصْلٌ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا فِيهَا، فَأَرَادَ الْعُدُولَ بِهَا إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا فِي الْقَدْرِ أَضَرَّ مِنْهَا، أَوْ تُخَالِفُ ضَرَرَهَا، بِأَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَحْسَنَ وَالْأُخْرَى أَخْوَفَ، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ كَانَ مِثْلَهَا فِي السُّهُولَةِ وَالْحُزُونَةِ وَالْأَمْنِ، أَوْ الَّتِي يَعْدِلُ إلَيْهَا أَقَلَّ ضَرَرًا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ عُيِّنَتْ لِيَسْتَوْفِيَ بِهَا الْمَنْفَعَةَ، وَيَعْلَمَ قَدْرَهَا بِهَا، فَلَمْ تَتَعَيَّنْ، كَنَوْعِ الْمَحْمُولِ وَالرَّاكِبِ
وَيَقْوَى عِنْدِي، أَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْمُكْرِي غَرَضٌ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا، مِثْلُ مِنْ يُكْرِي جِمَالَهُ إلَى مَكَّةَ فَيَحُجُّ مَعَهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى غَيْرِهَا. وَلَوْ أَكْرَاهَا إلَى بَغْدَادَ، لِكَوْنِ أَهْلِهِ بِهَا، أَوْ بِبَلَدِ الْعِرَاقِ لَمْ يَجُزْ الذَّهَابُ بِهَا إلَى مِصْرَ. وَلَوْ أَكْرَى جِمَالَهُ جُمْلَةً إلَى بَلَدٍ، لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا، بِالسَّفَرِ بِبَعْضِهَا إلَى جِهَةٍ، وَبِبَاقِيهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسَافَةَ لِغَرَضٍ فِي فَوَاتِهِ ضَرَرٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ، كَمَا فِي حَقِّ الْمُكْتَرِي
فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ حَمْلَهُ إلَى غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَمَا لَوْ عَيَّنَ طَرِيقًا سَهْلًا أَوْ آمِنًا، فَأَرَادَ سُلُوكَ مَا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ.
[فَصْلٌ اكْتَرِي قَمِيصًا لِيَلْبَسهُ]
(4219)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ، كَالْعَقَارِ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَةِ بِالْمُدَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ نَزْعَ ثِيَابِهِمْ عِنْدَ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ، فَعَلَيْهِ نَزْعُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَهُ لُبْسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَإِنْ نَامَ نَهَارًا، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَزْعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ. وَيَلْبَسُ الْقَمِيصَ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فَيَشُقُّهُ، وَفِي اللُّبْسِ لَا يَعْتَمِدُ
وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ. وَمِنْ مَلَكَ شَيْئًا، مَلَكَ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ. وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ فِي الْقَمِيصِ، أَشْبَهَ الِاتِّزَارَ بِهِ.
[فَصْلٌ اسْتِئْجَار أَرْضِ]
(4220)
فَصْل: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، صَحَّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَرَى الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ، وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَ مَا يَكْتَرِي لَهُ مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَصْلُحُ لِهَذَا كُلِّهِ، وَتَأْثِيرُهُ فِي الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ. فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُكهَا لِتَزْرَعَهَا
أَوْ تَغْرِسَهَا. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت، أَوْ تَغْرِسَهَا مَا شِئْت
صَحَّ. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَزْرَعُ وَيَغْرِسُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ، وَيَزْرَعُ نِصْفَهَا، وَيَغْرِسُ نِصْفَهَا. وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى إبَاحَةَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت. وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسَيْنِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت. إذْنٌ فِي نَوْعَيْنِ وَأَنْوَاعٍ، وَقَدْ صَحَّ، فَكَذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ، وَلَهُ أَنْ يَغْرِسَهَا كُلَّهَا، وَإِنْ أَحَبَّ زَرَعَهَا، كُلَّهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْوَاعِ الزَّرْعِ كُلِّهِ، كَانَ لَهُ زَرْعُ جَمِيعِهَا نَوْعًا وَاحِدًا، وَلَهُ زَرْعُهَا مِنْ نَوْعَيْنِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا
وَإِنْ أَكْرَاهَا لِلزَّرْعِ وَحْدَهُ، فَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:(4221) إحْدَاهُنَّ، أَكْرَاهَا لِلزَّرْعِ مُطْلَقًا، أَوْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت. فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَهُ زَرْعُ مَا شَاءَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ الْبَيَانِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَكْتَرِي لَهُ مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ. وَلَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِأَكْثَرِ الزَّرْعِ ضَرَرًا، وَيُبَاحُ لَهُ جَمِيعُ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهُ، فَإِذَا عَمَّمَ أَوْ أَطْلَقَ، تَنَاوَلَ الْأَكْثَرَ، وَكَانَ لَهُ مَا دُونَهُ، وَيُخَالِفُ الْأَجْنَاسَ الْمُخْتَلِفَةَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، لَوَجَبَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ. قُلْنَا: لِأَنَّ إجَارَةَ الْمَرْكُوبِ لِأَكْثَرِ الرُّكَّابِ ضَرَرًا لَا تَجُوزُ، بِخِلَافِ الْمَزْرُوعِ، وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إطْلَاقُ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى مُطْلَقًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ يَضُرُّ بِهَا، كَالْقَصَّارِ وَالْحَدَّادِ، فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا يَضُرُّ بِهَا؟ قُلْنَا السُّكْنَى لَا تَقْتَضِي ضَرَرًا، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ إسْكَانِ مَنْ يَضُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقْتَضِهِ، وَالزَّرْعُ يَقْتَضِي الضَّرَرَ، فَإِذَا أَطْلَقَ كَانَ رَاضِيًا بِأَكْثَرِهِ، فَلِهَذَا جَازَ
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَا يَبْنِيَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(4222)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، أَكْرَاهَا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ، أَوْ نَوْعٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ زَرْعَ مَا يُعَيِّنُهُ وَمَا ضَرَرُهُ كَضَرَرِهِ أَوْ دُونَهُ. وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا عَيَّنَهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا دَاوُد وَأَهْلَ الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لَهُ زَرْعُ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ، حَتَّى لَوْ وَصَفَ الْحِنْطَةَ بِأَنَّهَا سَمْرَاءُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ بَيْضَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ بِالْعَقْدِ، فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ. كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْمَرْكُوبَ، أَوْ عَيَّنَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّمَنِ
وَلَنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ الْقَمْحِ، وَلِهَذَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعِوَضُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ،