الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّأْدِيبُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ خِلَافُهُ، وَلَوْ أَمْكَنَ التَّأْدِيبُ بِدُونِ الضَّرْبِ، لَمَا جَازَ الضَّرْبُ، إذْ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِيلَامٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ. وَإِنْ أَسْرَفَ فِي هَذَا كُلِّهِ، أَوْ زَادَ عَلَى مَا يَحْصُلُ الْغِنَى بِهِ، أَوْ ضَرَبَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ حَصَلَ التَّلَفُ بِعُدْوَانِهِ.
[مَسْأَلَة لَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ وَلَا خَتَّانٍ وَلَا مُتَطَبِّبٍ]
(4293)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا مُتَطَبِّبٍ، إذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهمْ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، لَمْ يَضْمَنُوا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونُوا ذَوِي حِذْقٍ فِي صِنَاعَتِهِمْ، وَلَهُمْ بِهَا بِصَارَةٌ وَمَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، وَإِذَا قَطَعَ مَعَ هَذَا كَانَ فِعْلًا مُحَرَّمًا، فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ، كَالْقَطْعِ ابْتِدَاءً. الثَّانِي أَنْ لَا تَجْنِيَ أَيْدِيهِمْ، فَيَتَجَاوَزُوا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ
فَإِذَا وُجِدَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ. لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا قَطْعًا مَأْذُونًا فِيهِ، فَلَمْ يَضْمَنُوا؛ سِرَايَتَهُ، كَقَطْعِ الْإِمَامِ يَدَ السَّارِقِ، أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا إنْ كَانَ حَاذِقًا وَجَنَتْ يَدُهُ، مِثْلُ أَنْ تَجَاوَزَ قَطْعَ الْخِتَانِ إلَى الْحَشَفَةِ، أَوْ إلَى بَعْضِهَا، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ يَقْطَعُ الطَّبِيبُ سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ، فَيَتَجَاوَزُهَا، أَوْ يَقْطَعُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، أَوْ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، ضَمِنَ فِيهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الْمَالِ، وَلِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَيَضْمَنُ سِرَايَتَهُ، كَالْقَطْعِ ابْتِدَاءً
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي النِّزَاعِ، وَالْقَاطِعِ فِي الْقِصَاصِ، وَقَاطِعِ يَدِ السَّارِقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
[فَصْلٌ خَتَنَ صَبِيًّا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ]
(4294)
فَصْلٌ: وَإِنْ خَتَنَ صَبِيًّا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ مِنْ صَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَسَرَتْ جِنَايَتُهُ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، أَوْ فَعَلَهُ مَنْ أَذِنَا لَهُ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا.
[فَصْلٌ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْخِتَانِ وَالْمُدَاوَاةِ وَقَطْعِ السِّلْعَةِ]
(4295)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْخِتَانِ، وَالْمُدَاوَاةِ، وَقَطْعِ السِّلْعَةِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ حَجَّامًا لِيُحَجِّمهُ]
(4296)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ حَجَّامًا لِيَحْجُمَهُ، وَأَجْرُهُ مُبَاحٌ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: أَنَا آكُلُهُ. وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْقَاسِمُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرَبِيعَةُ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُبَاحُ أَجْرُ الْحَجَّامِ. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَقَالَ: وَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ، فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيَصْرِفُهُ فِي عَلْفِ دَوَابِّهِ، وَطُعْمَةِ عَبِيدِهِ، وَمُؤْنَةِ صِنَاعَتِهِ، وَلَا يَحِلُّ، لَهُ أَكْلُهُ.
وَمِمَّنْ كَرِهَ كَسْبَ الْحَجَّامِ عُثْمَانُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك ". وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ:«احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَهُ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: لَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، كَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ، وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا، وَلَا نَجِدُ كُلَّ أَحَدٍ مُتَبَرِّعًا بِهَا، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، كَالرَّضَاعِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ: أَطْعِمْهُ رَقِيقَك. دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ كَسْبِهِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، فَإِنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيُّونَ، يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَحْرَارِ، وَتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا أُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَتَسْمِيَتُهُ كَسْبًا خَبِيثًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ، فَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الثُّومَ وَالْبَصَلَ خَبِيثَيْنِ، مَعَ إبَاحَتِهِمَا
وَإِنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِلْحُرِّ تَنْزِيهًا لَهُ؛ لِدَنَاءَةِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ. وَلَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَلَا الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيه كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَكْلِهِ نَهَاهُ، وَقَالَ:" اعْلِفْهُ النَّاضِحَ وَالرَّقِيقَ ". وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِهِ، بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ، كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ، عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْحَجَّامِ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ
إذْ لَا يُعْطِيه مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عليه السلام يُعَلِّمُ النَّاسَ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَكَيْفَ يُعْطِيهِمْ إيَّاهَا، وَيُمَكِّنُهُمْ مِنْهَا، وَأَمْرُهُ بِإِطْعَامِ الرَّقِيقِ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ نَهْيِهِ عَنْ أَكْلِهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعَهُ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ سَائِرُ مِنْ كَرِهَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا، وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَائِلٌ بِالتَّحْرِيمِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَيُكْرَهُ تَعَلُّمُ صِنَاعَةِ الْحِجَامَةِ، وَإِجَارَةُ نَفْسِهِ لَهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ فِيهَا دَنَاءَةً، فَكُرِهَ الدُّخُولُ فِيهَا، كَالْكَسْحِ
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ