الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]
ِ الْمُسَاقَاةُ: أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ شَجَرَهُ إلَى آخَرَ، لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ، وَعَمَلِ سَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ لَهُ مِنْ ثَمَرِهِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُسَاقَاةً لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ أَكْثَرُ حَاجَةِ شَجَرِهِمْ إلَى السَّقْيِ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْ الْآبَارِ، فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. رضي الله عنه قَالَ:«عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَعَنْ آبَائِهِ:«عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ. وَهَذَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فِي مُدَّةِ خِلَافَتِهِمْ» ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَاوِيَ حَدِيثِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ، قَدْ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ»
وَهَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ، وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لِرُجُوعِهِ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ إلَى حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قُلْنَا: لَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رَافِعٍ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَلَا حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُعَامِلُ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ يُخَالِفُهُ؟ أَمْ كَيْفَ يُعْمَلُ بِذَلِكَ فِي عَصْرِ الْخُلَفَاءِ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ مَنْ سَمِعَ النَّهْيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَهُمْ، وَعَالِمٌ بِفِعْلِهِمْ، فَلَمْ يُخْبِرْهُمْ، فَلَوْ صَحَّ خَبَرُ رَافِعٍ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ خَبَرِ رَافِعٍ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ، بِإِسْنَادِهِ قَالَ: كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا تُسَمَّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ، فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ، وَرُبَّمَا تُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. وَرُوِيَ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ جِدًّا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُزَارَعَةِ فَقَالَ: رَافِعٌ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا ضُرُوبٌ. كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يُوهِنُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ