الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْمُزَارَعَةِ] [
مَسْأَلَة الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ]
ِ (4138) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ) مَعْنَى الْمُزَارَعَةِ: دَفْعُ الْأَرْضِ إلَى مَنْ يَزْرَعُهَا وَيَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا. وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ إلَّا وَيَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَابْنُ سِيرِينَ
وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُهُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَزِيدَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ، فَلَهُمْ كَذَا. وَكَرِهَهَا عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ النَّخِيلِ، إذَا كَانَ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَنَعَهَا فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ؛ لِمَا رَوَى «رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْفَعُ. قَالَ قُلْنَا: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، وَلَا يُكْرِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبْعٍ، وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا» . وَقَالَ جَابِرٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُخَابَرَةِ» . وَهَذِهِ كُلّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
وَالْمُخَابَرَةُ: الْمُزَارَعَةُ. وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْخَبَارِ، وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ، وَالْخَبِيرُ: الْأَكَّارُ. وَقِيلَ: الْمُخَابَرَةُ مُعَامَلَةُ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ جَابِرٍ مُفَسِّرًا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ.» وَرُوِيَ تَفْسِيرُهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ:«إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ إلَى الْيَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ وَالرُّبْعَ» .
وَهَذَا أَمْرٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ حَتَّى مَاتُوا، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ إلَّا وَعَمِلَ بِهِ، وَعَمِلَ بِهِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِهِ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ، ثَمَانُونَ وَسْقًا تَمْرًا، وَعِشْرُونَ وَسْقًا شَعِيرًا، فَقَسَّمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْطَعَ لَهُنَّ مِنْ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ الْأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَوْسُقَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ.» وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا شَيْءٌ عَمِلَ بِهِ إلَى أَنْ مَاتَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ، وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِ، وَعَمِلُوا بِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ نَسْخُهُ، وَمَتَى كَانَ نَسْخُهُ؟ فَإِنْ كَانَ نُسِخَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ عُمِلَ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ، وَكَيْفَ خَفِيَ نَسْخُهُ، فَلَمْ يَبْلُغْ خُلَفَاءَهُ، مَعَ اشْتِهَارِ قِصَّةِ خَيْبَرَ، وَعَمَلِهِمْ فِيهَا؟ فَأَيْنَ كَانَ رَاوِي النَّسْخِ، حَتَّى لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ بِهِ؟ فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ
فَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعٍ، مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ بِمَا لَا يُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: كُنَّا مِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَلَمْ يَنْهَنَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: فَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ، فَلَا بَأْسَ. وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ. الثَّانِي أَنَّ خَبَرَهُ وَرَدَ فِي الْكِرَاءِ بِثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، وَالنِّزَاعُ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَلَمْ يَدُلَّ حَدِيثُهُ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَحَدِيثُهُ الَّذِي فِيهِ الْمُزَارَعَةُ يُحْمَلُ عَلَى الْكِرَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، رُوِيَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيَجِبُ تَفْسِيرُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِمَا يُوَافِقُ الْآخَرَ.
الثَّالِثُ أَنَّ أَحَادِيثَ رَافِعٍ مُضْطَرِبَةٌ جِدًّا، مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهَا لَوْ انْفَرَدَتْ، فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَى مِثْلِ حَدِيثِنَا؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدِيثُ رَافِعٍ أَلْوَانٌ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ رَافِعٍ ضُرُوبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَدْ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ رَافِعٍ بِعِلَلٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِذَلِكَ، مِنْهَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهَا خَمْسٌ أُخْرَى. وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَقِيهَانِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ؛ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ
قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ قَدْ اقْتَتَلَا، فَقَالَ:" إنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ، فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْت لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْت الْمُخَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا. قَالَ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا، وَلَكِنْ قَالَ:" أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا "
ثُمَّ إنَّ أَحَادِيثَ رَافِعٍ مِنْهَا مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا، وَتَارَةً يُحَدِّثُ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، وَتَارَةً عَنْ سَمَاعِهِ، وَتَارَةً عَنْ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ، وَإِذَا كَانَتْ أَخْبَارُ رَافِعٍ هَكَذَا، وَجَبَ إخْرَاجُهَا وَاسْتِعْمَالُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي شَأْنِ خَيْبَرَ، الْجَارِيَةِ مَجْرَى التَّوَاتُرِ، الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، وَبِهَا عَمِلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ.
الْجَوَابُ الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ صِحَّةُ خَبَرِ رَافِعٍ، وَامْتَنَعَ تَأْوِيلُهُ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ، لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَسْخِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ، وَيَسْتَحِيلُ الْقَوْلُ بِنَسْخِ حَدِيثِ خَيْبَرَ؛ لِكَوْنِهِ مَعْمُولًا بِهِ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى حِينِ مَوْتِهِ، ثُمَّ مِنْ بَعِدَهُ إلَى عَصْرِ التَّابِعِينَ، فَمَتَى كَانَ نَسْخُهُ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُخَابَرَة، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الَّتِي حُمِلَ عَلَيْهَا خَبَرُ رَافِعٍ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ خَيْبَرَ أَيْضًا، فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْهِ، مَهْمَا أَمْكَنَ، ثُمَّ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ، لَكَانَ مَنْسُوخًا بِقِصَّةِ خَيْبَرَ؛ لِاسْتِحَالَةِ نَسْخِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
فَإِنْ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تُحْمَلُ أَحَادِيثُكُمْ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَيْنَ النَّخِيلِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْأَرْضِ الْبَيْضَاء جَمْعًا بَيْنَهُمَا. قُلْنَا: هَذَا بَعِيدٌ لِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ يَأْتِي مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ وَسْقٍ، لَيْسَ فِيهَا أَرْضٌ بَيْضَاءُ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَامَلَهُمْ عَلَى بَعْضِ الْأَرْضِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَنْقُلُ الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ الْقِصَّةَ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.