الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبُيُوتِ، بِحَيْثُ إذَا قُسِّمَ لَمْ يُسْتَضْرَ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَمَّامًا، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبِئْرُ وَالدُّورُ وَالْعَضَائِدُ، مَتَى أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ، كَالْبِئْرِ يَنْقَسِمُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ. وَهَكَذَا الرَّحَى إنْ كَانَ لَهَا حِصْنٌ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْحَجَرَانِ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ كَانَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ، يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرَيْنِ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إبْقَائِهَا رَحَى، لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ، فَإِنَّ الدَّارَ إذَا بِيعَتْ وَلَهَا طَرِيقٌ فِي شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ نَافِذٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِي تِلْكَ الدَّارِ وَلَا فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَأَحَدٍ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَلَا طَرِيقَ لِلدَّارِ سِوَى تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الدَّارَ تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا.
وَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ بَابٌ آخَرُ، يُسْتَطْرَقُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ يُفْتَحُ مِنْهُ بَابٌ لَهَا إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، نَظَرْنَا فِي طَرِيقِ الْمَبِيعِ مِنْ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ مَمَرًّا لَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، كَغَيْرِ الطَّرِيقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الشُّفْعَةُ فِيهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ بِتَحْوِيلِ الطَّرِيقِ إلَى مَكَان آخَرَ، مَعَ مَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ تَفْرِيقِ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَقَارِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَجُزْ.
كَمَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ فِي الطَّرِيقِ شَرِيكًا فِي الدَّارِ، فَأَرَادَ أَخْذَ الطَّرِيقِ وَحْدَهَا. وَالْقَوْلُ فِي دِهْلِيزِ الْجَارِ وَصَحْنِهِ، كَالْقَوْلِ فِي الطَّرِيقِ الْمَمْلُوكِ. وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي مِنْ الطَّرِيقِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الزَّائِدِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَعَدَمِ الْمَانِعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِهَا تَبْعِيضَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَخْلُو مِنْ الضَّرَرِ.
[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الشُّفْعَة أَنَّ يَكُونَ الشِّقْصُ مُنْتَقِلًا بِعِوَضِ]
(4015)
فَصْلٌ: الشَّرْطُ الرَّابِعُ، أَنْ يَكُونَ الشِّقْصُ مُنْتَقِلًا بِعِوَضٍ، وَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْمُنْتَقِلِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ، وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّرِكَةِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالْمُتَّهَبِ دُونَ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى شِرَاءِ الشِّقْصِ، وَبَذْلَهُ مَالَهُ فِيهِ، دَلِيلُ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، فَانْتِزَاعُهُ مِنْهُ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ أَخْذِهِ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ، وَلِأَنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ هُوَ الْبَيْعُ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ إلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِهِ،
وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثَمَنِهِ، لَا بِقِيمَتِهِ، وَفِي غَيْرِهِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، فَافْتَرَقَا.
فَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ بِعِوَضٍ فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، مَا عِوَضُهُ الْمَالُ، كَالْبَيْعِ، فَهَذَا فِيهِ الشُّفْعَةُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ جَرَى مَجْرَى الْبَيْعِ، كَالصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَالْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا ثَوَابٌ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ ثَبَتَتْ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، وَهَذَا مِنْهَا. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا ثَوَابٌ حَتَّى يَتَقَابَضَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبْضِ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، كَالْبَيْعِ، وَلَا يَصِحُّ مَا قَالُوهُ مِنْ اعْتِبَارِ لَفْظِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ صَرَفَ اللَّفْظَ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَجَعَلَهُ عِبَارَةً عَنْ الْبَيْعِ، خَاصَّةً عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ الَّذِي لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي، مَا انْتَقَلَ بِعِوَضٍ غَيْرِ الْمَالِ، نَحْوُ أَنْ يَجْعَلَ الشِّقْصَ مَهْرًا، أَوْ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، أَوْ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ لِغَيْرِ الْبَيْعِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاخْتَارَهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا بِمَ يَأْخُذُهُ؟ فَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِأَنَّنَا لَوْ أَوْجَبْنَا مَهْرَ الْمِثْلِ، لَقَوَّمْنَا الْبُضْعَ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَأَضْرَرْنَا بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَتَفَاوَتُ مَعَ الْمُسَمَّى، لِتَسَامُحِ النَّاسِ فِيهِ فِي الْعَادَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ الشِّقْصُ صَدَاقًا، أَوْ عِوَضًا فِي خَلَعَ، أَوْ مُتْعَةً فِي طَلَاقٍ، أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَهْرِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْعُكْلِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الشِّقْصَ بِبَدَلٍ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى قِيمَةِ الْبَدَلِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِعِوَضٍ، وَاحْتَجُّوا عَلَى أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ بِأَنَّهُ عَقَارٌ مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِغَيْرِ مَالٍ، أَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ وَالْمَوْرُوثَ، وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَخْذُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، وَبِالْقِيمَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِوَضَ الشِّقْصِ، فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهَا، كَالْمَوْرُوثِ، فَيَتَعَذَّرُ أَخْذُهُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ وَالْمَوْرُوثَ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ أَمْكَنَ الْأَخْذُ بِعِوَضِهِ.
فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ. فَطَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، بَعْدَ عَفْوِ الشَّفِيعِ، رَجَعَ بِنِصْفِ مَا أَصْدَقَهَا؛ لِأَنَّهُ