الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3820)
الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا اسْتَثْنَى عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ، أَوْ وَرِقًا مِنْ عَيْنٍ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّتِهِ؛ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتَارَ الْخِرَقِيِّ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ أَحَدِهِمَا مَعْلُومٌ مِنْ الْآخَرِ، وَيُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، فَإِنَّ قَوْمًا يُسَمُّونَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ دِينَارًا، وَآخَرُونَ يُسَمُّونَ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ دِينَارًا، فَإِذَا اسْتَثْنَى أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ، عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْبِيرَ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فِي مَوْضِعٍ يُعَبِّرُ فِيهِ بِالدِّينَارِ عَنْ تِسْعَةٍ، كَانَ مَعْنَاهُ: لَهُ عَلَيَّ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةً.
وَمَتَى أَمْكَنَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، لَمْ يَجُزْ إلْغَاؤُهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَوَجَبَ تَصْحِيحُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الصِّحَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنْهُ، وَرِوَايَةِ الْبُطْلَانِ عَلَى مَا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ ذَكَرَ نَوْعًا مِنْ جِنْسٍ وَاسْتَثْنَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي الْإِقْرَارِ]
(3821)
فَصْلٌ: وَلَوْ ذَكَرَ نَوْعًا مِنْ جِنْسٍ وَاسْتَثْنَى نَوْعًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةُ آصُعٍ تَمْرًا بَرْنِيًّا، إلَّا ثَلَاثَةً تَمْرًا مَعْقِلِيًّا. لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. وَيُخَالِفُ الْعَيْنَ وَالْوَرِقَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ جَوَازُهُ؛ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَهُمَا كَالْعَيْنِ وَالْوَرِقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ غَيْرُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ]
(3822)
فَصْلٌ: فَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا دَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَجَائِزٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] . وَقَالَ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]{إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: 31] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّهِيدِ: «يُكَفَّرُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كُلُّهَا إلَّا الدَّيْنَ.» وَهَذَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرٌ، وَفِي سَائِرِ كَلَامِ الْعَرَبِ.
فَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ، كَانَ مُقِرًّا بِالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا عَشْرَةً. كَانَ مُقِرًّا بِتِسْعِينَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ أَنْ يَدْخُلَ فِي اللَّفْظِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ لَمَا أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْعَشَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ لَمَا قُبِلَ مِنْهُ إنْكَارُهَا. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] . إخْبَارٌ بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ،
فَالِاسْتِثْنَاءُ بَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَاةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ، كَمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَخْصُوصَ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، وَإِنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ. كَانَ مُقِرًّا بِمَا سِوَى الْبَيْتِ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إلَّا ثُلُثَهَا، أَوْ رُبُعَهَا. صَحَّ، وَكَانَ مُقِرًّا بِالْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي. صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ، لِكَوْنِهِ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ إلَّا هَذَا. صَحَّ، وَكَانَ مُقِرًّا بِمَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ. وَإِنْ قَالَ: إلَّا وَاحِدًا. صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَصِحُّ مَجْهُولًا، فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ، وَيُرْجَعُ فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَثْنَى إلَيْهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ. وَإِنْ عَيَّنَ مَنْ عَدَا الْمُسْتَثْنَى، صَحَّ، وَكَانَ الْبَاقِي لَهُ. فَإِنْ هَلَكَ الْعَبِيدُ إلَّا وَاحِدًا، فَذَكَرَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، قُبِلَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا يُقْبَلُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُرْفَعُ بِهِ الْإِقْرَارُ كُلُّهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِمْ لِمَعْنًى هُوَ مَوْجُودٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، فَقُبِلَ كَحَالَةِ حَيَاتِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا رَفْعًا لِلْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمُقَرّ بِهِ لِتَلَفِهِ، لَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى التَّفْسِيرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَهُ فِي حَيَاتِهِمْ، فَتَلِفَ بَعْدَ تَعْيِينِهِ. وَإِنْ قُتِلَ الْجَمِيعُ إلَّا وَاحِدًا، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْبَاقِي، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ قُتِلَ الْجَمِيعُ، فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ، وَيُرْجَعُ فِي التَّفْسِيرِ إلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُك هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا. فَهَلَكُوا إلَّا وَاحِدًا؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَسْتَحِقُّ قِيمَةَ الْهَالِكِينَ، فَلَا يُفْضِي التَّفْسِيرُ بِالْبَاقِي إلَى سُقُوطِ الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا فَصْلٌ (3823) : وَحُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ بِسَائِرِ أَدَوَاتِهِ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرْهَمٍ، أَوْ لَيْسَ دِرْهَمًا، أَوْ خَلَا دِرْهَمًا، أَوْ عَدَا دِرْهَمًا، أَوْ مَا خَلَا أَوْ مَا عَدَا دِرْهَمًا، أَوْ لَا يَكُونُ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ. بِفَتْحِ الرَّاءِ، كَانَ مُقِرًّا بِتِسْعَةٍ. وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ دِرْهَمٍ، بِضَمِّ رَائِهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، كَانَ مُقِرًّا بِعَشْرَةٍ، لِأَنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِلْعَشَرَةِ الْمُقَرِّ بِهَا، وَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً. فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ اسْتِثْنَاءً كَانَتْ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ