الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
إن لله رجالاً فطنا
نظروا فيها فلما علموا
…
أنها ليست لحي وطنا
جعلوا لجة واتخذوا
…
صالح الأعمال فيها سفنا
كان عبد الله بن ثعلبة يقول في موعظته: تضحك يا هذا ولعل أكفانك عند القصار! ! (1).
يا راقدًا وقد أوذن بالرحيل، يا مشيد البنيان في مدارج السيول، بادر العمل قبل انقضاء العمر .. لا تنس من يعد الأنفاس للقائك.
أخي الحبيب:
خذ من الرزق ما كفا
…
ومن العيش ما صفا
كل هذا سينقضي
…
كسراج إذا انطفا
قال يحيى بن معاذ: الدنيا ذات اشتغال، والآخرة دار أهوال، ولا يزال العبد بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار، إما إلى جنة وإما إلى نار (2).
أخي المسلم:
من بذل وسعه في التفكر التام، علم أن هذه الدار رحلة، فجمع للسفر رحله، ويعلم أن مبدأ السفر من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات، ثم إلى الدنيا، ثم إلى القبر، ثم إلى الحشر، ثم إلى دار الإقامة الأبدية، فدار الإقامة هي دار السلام من جميع الآفات، وهي
(1) العاقبة: 88.
(2)
الزهد: للبيهقي، 248.
دار الخلود، والعدو سبانا إلى دار الدنيا، فنجتهد في فكاك أسرنا، ثم في حث السير إلى الوصول إلى دارنا الأولى. وليعلم أن مقدار السير في الدنيا يسير ويقطع بالأنفاس، ويسير بالإنسان سير السفينة ولا يحس بسيرها وهو جالس فيها.
ولا بد له في سفره من زاد، ولا زاد إلى الآخرة إلا التقوى، فلا بد من تعب الشخص والتصبر على مرارة التقوى، لئلا يقول وقت السير: رب ارجعون، فيقال: كلا، فلينتبه الغافل من كسل مسيره، فإن الله تعالى يريه في قطع مسافة سفره آيات يرسلها تخويفًا لعباده، لئلا يميلوا عن طريقهم المستقيم، ونهجهم القويم، فمن مالت به راحلته عن طريق الاستقامة، فرأى ما يخاف منه، فليرغب إلى الله بالرجوع إليه عما ارتكبه من السبل، فيتوب من معصيته (1).
والحال في الدنيا كما وصفها الربيع بن خثيم عندما سئل: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا (2).
وكان شميط بن عجلان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى، فارسهم يركض، وراجلهم يسعى سعيًا، لا غنيهم ولا فقيرهم يقنع (3).
(1) عدة الصابرين: 330.
(2)
صفة الصفوة: 3/ 67.
(3)
صفة الصفوة: 3/ 346.