الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن قصارى أهلها لنفاد (1)
وما هي إلا دار لهو وفتنة
قال بلال بن سعد ليذكرنا بمآلنا ومصيرنا: يا أهل التقى، إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما تنقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في جنة أو نار (2).
ولذلك قال الحسن: إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الاشتغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل، إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب (3).
وقال ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها (4).
أيا نفس ويحك جاء المشيب
…
فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كأن لم يكن
…
وجاء مشيبي كأن لم يزل
كأني بنفسي على غرة
…
وخطب المنون بها قد نزل (5)
أخي الحبيب:
أساس كل خير أن تعلم: أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه، فتشكره عليها، وتتضرع
(1) المنتخب: 401.
(2)
السير: 5/ 91.
(3)
الزهد، لابن المبارك:189.
(4)
شذرات الذهب: 1/ 304.
(5)
وفيات الأعيان: 3/ 310.
إليه أن لا يقطعها عنك، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك (1).
عندما سئل إبراهيم بن أدهم: كيف أنت؟ قال:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
…
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه
…
وجاد بدنياه لما يتوقع
إن من علامات حب الدنيا: حب أهل الدنيا، والتملق لهم، ومحاباتهم، وعدم إنكار منكرهم .. وقد أكد ذلك سفيان الثوري بقوله: إني لأعرف حب الرجل للدنيا، بتسليمه على أهل الدنيا (2).
وانظر إلى الفقير الصالح المتعفف .. لا يتحدث معه .. بل ويسلم عليه سلام من يخاف أن يعديه بفقره .. السلام: بأطراف الأصابع .. والسؤال عن الحال: فيه عبوس وجه، وسوء أدب.
والتفت -أخي- يمنة لترى كيف وقف القوم .. يهللون ويرحبون .. من القادم؟ إنه من أهل الدنيا .. من حاز الدينار والدرهم .. وربما أنه لا يصلي ..
وربما يصم الآذان، ويزكم الأنوف .. سوء عمله .. ولكن انظر الفرق .. بين من لو أقسم على الله لأبره، وكيف هو لا يسأل عنه، إن غاب أو حضر، وبين من لا يزن عند الله جناح بعوضة كيف استقباله
(1) الفوائد: 127.
(2)
حلية الأولياء: 7/ 37.