الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سيار أبو الحكم: الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد، إذا سكن أحدهما القلب فر الآخر (1).
أخي الحبيب:
حاسب زمانك في حالي تصرفه
…
تجده أعطاك أضعاف الذي سلبا
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
…
فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا؟ ! (2)
حال أبي الدرداء في الجاهلية والإسلام يرويها بنفسه فيقول: كنت تاجرًا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أخذت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة، وتركت التجارة.
ولا شك أنه رضي الله عنه ضحى بدنيا فانية وأعوام قليلة لينعم برحمة الله في دار كرامته.
وليس معنى ذلك ترك العمل وتحصيل المعاش وبذل الأسباب ولكن لا يكن الهم الأول جمع الدنيا واللهث ورائها .. وإلا فالإسلام يحث على العمل، ويعتبره نوع من أنواع الجهاد، إذا خلصت النية، واستوفى الشروط الأخرى من أمانة وإخلاص وغيرهما.
قال عبد الله بن مسعود: من أراد الدنيا أضر بالآخرة، ومن أراد الآخرة أضر بالدنيا، يا قوم، فأضروا بالفاني للباقي.
لا تأسف على الدنيا وما فيها
…
فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
واعمل لدار البقاء رضوان خازنها
…
والجار أحمد والجبار بانيها (3)
(1) صفة الصفوة: 3/ 13.
(2)
موارد الظمآن: 2/ 77.
(3)
الزهر الفائح: 79.
نصيب الدنيا في حياتنا كبيرة وتعلقنا بها شديد .. لا نتحدث إلا فيها ولا نغتم إلا من أجلها .. بل ربما العلاقات الاجتماعية أصبحت المادة أساسًا لها .. ولقد هالني يومًا ما رأيته من قلة زائري أحد جيراننا - وكان مسئولاً كبيرًا فالباب مفتوح كما هو والجار جالس في صدر المجلس في وسط حديقة غناء بعد صلاة العشاء ولم أر حركة ولا زوارًا .. فإذا به تلك الليلة أحيل للتقاعد. زوار الأمس هم زوار الدنيا وأهل الكراسي .. أما زوار الآخرة والمحبة الصادقة فإنهم لا يتجاوزون نصف عدد أصابع اليد الواحدة.
هذه هي النظرة المادية .. والمرض الاجتماعي .. ولو تحدث أحدهم لذم الدنيا والتكالب عليها، ولكن ظهر منه حب الدنيا والقرب من المسئولين دون أن يشعر ودون أن يعلم ..
يحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك؟ لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها.
كم سنصوم من السنين لو حسبنا حسابه وسلكنا طريقه .. !
قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: 131].
وقد ارتاح من أفرغ قلبه من هم الدنيا، وأقبل على الله، واستعد ليوم الرحيل .. هذا حماد بن سلمة لو قيل له: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا (1).
(1) تذكرة الحفاظ: 1/ 203.