المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صلاة الجماعة لأوهى الأعذار .. ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه: - الدنيا ظل زائل

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: صلاة الجماعة لأوهى الأعذار .. ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه:

صلاة الجماعة لأوهى الأعذار ..

ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه: اعبروها ولا تعمروها، وروي أنه قال: من ذا الذي يبني على موج البحر دارًا؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارًا (1).

لنسير مع مسروق بن الأجدع وقد أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة فقال: ألا أريك الدنيا، هذه الدنيا، أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأنضوها، سفكوا فيها دماءهم، واستحلوا فيها محارمهم، وقطعوا فيها أرحامهم (2).

وقال الحسن يصف حال الأخيار والصالحين: رحم الله أقوامًا كانت الدنيا عندهم وديعة، فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ثم راحوا خفافًا (3).

وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت

أقلب كفي أثرة متندمًا (4)

‌أخي الحبيب:

هذه الدنيا التي نحب؟ ما نهايتها؟ وهذه الأموال التي نجمع أين مصيرها؟

كتب رجل إلى أخ له: أما بعد، فإن الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث أحلام، والسلام.

وانظر -أخي الحبيب- إلى ما فات من عمرك إنه كأضغاث

(1) جامع العلوم والحكم: 379.

(2)

حلية الأولياء: 2/ 97.

(3)

الإحياء: 3/ 221.

(4)

شذرات الذهب: 3/ 57.

ص: 37

أحلام

سنوات مرت كلمح البصر ذهبت بأفراحها وأحزانها .. وحلوها ومرها .. ولكن -أخي- بقي الحساب! !

لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها

ولا للذة وقت عجلت فرحًا

فالدهر أسرع شيء في تقلبه

وفعله بين للخلق قد وضحا

كم شارب عسلاً فيه منيته

وكم تقلد سيفًا من به ذبحا (1)

قال ضرار بن مرة: قال إبليس، إذا استمكنت من ابن آدم ثلاثًا أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه (2).

قال بعض السلف: احذروا دار الدنيا، فإنها أسحر من هاروت وماروت، فإنهما يفرقان بين المرء وزوجه، والدنيا تفرق بين العبد وربه (3).

عنت الدنيا لطالبها

واستراح الزاهد الفطن

كل ملك نال زخرفها

حسبه مما حوى كفن

يقتني مالاً ويتركه

في كلا الحالين مفتتن (4)

حالنا كما يراه أبو الدرداء رضي الله عنه بقوله: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحًا مسرورًا، والليل والنهار دائبان في هدم عمره لا

(1) السير: 18/ 296.

(2)

صفة الصفوة: 3/ 116.

(3)

تسلية أهل المصائب: 248.

(4)

السير: 19/ 483.

ص: 38

يحزنه ذلك، ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص (1).

الكثير يحملهم طلب الدنيا على الهم والغم وتكدر العيش، ولم نر إلا القليل يحزن لذهاب عمره ودنو أجله.

ينسى الكثير سنوات عمره التي مضت، وأيامه التي انقضت، ولا ينسى شيئًا من أمور الدنيا .. كأن الهدف جمع الدنيا

والتفرغ لها.

تفكرت في الدنيا فأبصرت رشدها

وذلك بالتقوى من الله حدها

أسأت بها ظنًا فأخلفت وعدها

وأصبحت مولاها وقد كنت عبدها (2)

هذا صوت يأخذه العجب من عدم توازن الأمور .. هذا يحيى بن معاذ يقول: عجبت ممن يحزن عن نقصان ماله! ! كيف لا يحزن على نقصان عمره؟ !

لم نر ولم نسمع عمن بات مهمومًا مغمومًا من نقصان عمره .. وذهاب أوقاته .. ولكننا نرى الكثير مهمومًا مغمومًا من نقصان ماله! ! أين هو عن تبدل المنازل بعد فترة يسيرة؟ أين هو عن الحساب والجزاء؟ !

من كان يوحشه تبديل منزله

وأن يبدل منها منزلاً حسنا

ماذا يقول إذا ضمت جوانبها

عليه واجتمعت من هاهنا وهنا

ماذا يقول إذا أمسى بحفرته

فردًا وقد فارق الأهلين والسكنا

(1) السير: 19/ 483.

(2)

طبقات الحنابلة: 285.

ص: 39