الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخي:
خذ القناعة من دنياك وارض بها
…
لو لم يكن لك فيها إلا راحة البدن
ومن استعد للقاء الله، واستثمر أوقاته فيما يعود عليه نفعها في الآخرة؛ فإنه سيفرح يوم لا ينفع مال ولا بنون .. يوم تتطاير الصحف، وترتجف القلوب، وتتقلب الأفئدة .. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى .. ولكن عذاب الله شديد.
قال أنس بن عياض: رأيت صفوان بن سليم .. لو قيل له غدًا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة (1).
هؤلاء قوم جاهدوا أنفسهم .. وتفكروا في آخرتهم .. واستعدوا لمعادهم.
إذا ما عدت النفس
…
عن الحق زجرناها
وإن مالت إلى الدنيا
…
عن الأخرى منعناها
تخادعنا ونخدعها
…
وبالصبر غلبناها (2)
قال محمد بن الحنفية: كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل (3).
فمن أراد الدنيا للدنيا انقطعت عنه مع أنفاسه الأخيرة .. وولت هاربة عنه في لحظاته الرهيبة .. ومن أراد الدنيا طريقًا إلى الآخرة وسبلاً إلى جنة عرضها السموات والأرض، فحسبه ما
(1) حلية الأولياء: 3/ 159.
(2)
صفة الصفوة: 4/ 114.
(3)
حلية الأولياء: 3/ 176.
طرق .. وسبيله إلى دار السلام برحمة من الله ورضوان.
وأهل الطاعة والصلاح قوم مثلنا يحبون الدنيا وزينتها، ولكنهم قدموا باقية على فانية، فسهل الله لهم الطريق وأذل لهم الصعاب.
صبرت على اللذات لما تولت
…
وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وكانت على الأيام نفس عزيرة
…
فلما رأت عزمي على الذل ذلت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة
…
فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت
خليلي لا والله ما من مصيبة
…
تمر على الأيام إلا تجلت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
…
فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت (1)
قال رجل للفضيل بن عياض: كيف أصبحت يا أبا علي؟ فكان يثقل عليه، كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ ! فقال: في عافية، فقال: كيف حالك؟ فقال: على أي حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف عمله، وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يخضع للموت، ولم يتشمر للموت، ولم يتزين للموت
…
وتزين للدنيا (2).
وحال الكثير منا يصفه عوف بن عبد الله حينما قال: إن من كان قبلكم كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم اليوم
(1) شذرات الذهب: 2/ 364.
(2)
حلية الأولياء: 8/ 86.