الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قادر، وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له، ولا تعدوا هذه الدنيا شيئًا فإنها لا تبقي على أحد، ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها.
والمرء ما عاش في الدنيا له أمل
…
إذا انقضى سفر منها أتى سفر
لها حلاوة عيش غير دائمة
…
وفي العواقب منها المر والصبر (1)
قال عبيد بن عمير يحذرنا من كثرة الدنيا وحسرة إقبالها: ما كثر مال عبد إلا اشتد حسابه، ولا أكثر أتباعه إلا كثر شياطينه، ولا زاد من السلطان قربًا إلا زاد من الله بعدًا.
ومن هذا الخوف كان مسروق يقول: إنما تحفة المؤمن حفرته.
أخي الحبيب:
جعل الله الدنيا عرضًا عاجلاً ومتاع غرور، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب، وحف الدنيا بالشهوات وزينها بها، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ
وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}
[آل عمران: 14].
فأخبر سبحانه أن هذا الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها، وما هو غاية أماني طلابها ومؤثريها على الآخرة، هو
(1) التبصرة: 1/ 109.
سبعة أشياء: النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة، والبنين اللذان بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزه، والذهب والفضة اللذان هما مادة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها، والخيل المسومة التي هي عز أصحابها وفخرهم، وحصونهم. وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم، والأنعام التي منها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم، وأمتعتهم وغير ذلك من مصالحهم، والحرث الذي هو مادة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابهم، وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك.
ثم أخبر سبحانه أن ذلك متاع كله: متاع الحياة الدنيا، ثم شوق عباده إلى متاع الآخرة، وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى، فقال:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15].
ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع، ومن هم أهله الذين هم أولى به، فقال:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 16 - 17](1).
أخي المسلم: لنتأمل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويل لمن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله، عظيم بطنته، قليل فطنته، عالم
(1) عدة الصابرين: 209.