المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخي الحبيب…أين نحن من هؤلاء - الدنيا ظل زائل

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌أخي الحبيب…أين نحن من هؤلاء

أيها الناس! إن سهام الموت صوبت إليكم، فانظروها، وحبالة الأمل قد نصبت بين أيديكم، فاحذروها، وفتن الدنيا قد حاطت بكم من كل جانب، فاتقوها، ولا تغتروا بما أنتم فيه من حسن الحال، فإنه إلى زوال، ومقيمة إلى ارتحال، وممتدة إلى تقلص واضمحلال (1).

تمر بنا الأيام تترى وإنما

نساق إلى الآجال والعين تنظر

فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى

ولا زائل هذا المشيب المكدر (2)

فمن تكفر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر (3).

وقد لهونا في هذه الدنيا .. وتتابعت ذنوب خلف ذنوب.

‌أخي الحبيب

أين نحن من هؤلاء

؟ !

عن أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم، ولو قيل له: غدًا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة (4).

عجبت لحالنا .. الدنيا مولية عنا، والآخرة مقبلة علينا، ونشتغل بالمدبرة، ونعرض عن المقبلة .. كأننا لن نصل إليها .. ولن نحط رحالنا فيها ..

وقد قال عمر بن عبد العزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار

(1) العاقبة: 69.

(2)

شذرات الذهب: 6/ 231.

(3)

صيد الخاطر: 25.

(4)

السير: 5/ 366.

ص: 9

قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا -رحمكم الله- منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وإذا لم تكن الدنيا للؤمن دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين، إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة (1).

فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها

ولكن إلى الملك القدير أصير

ومالي شيء غير أني مسلم

بتوحيد ربي مؤمن وخبير (2)

والناس تتصارع وتتكالب على هذه الدنيا .. يفقد البعض دينه، وينسى الكثير أبناءه .. انتشرت الأحقاد .. وزرعت الضغائن .. وعمت البغضاء .. لنرى كيف نظر الفضيل إلى هذه الدنيا بقوله: لا يسلم لك قلبك حتى لا تبالي من أكل الدينا.

أخي الحبيب:

تبلغ من الدنيا بأيسر زاد

فإنك عنها راحل لمعاد

وغض عن الدنيا وزخرف أهلها

جفونك وأكحلها بطيب سهاد

وجاهد على اللذات نفسك جاهدًا

فإن جهاد النفس خير جهاد

(1) جامع العلوم: 379.

(2)

شذرات الذهب: 2/ 119.

ص: 10