المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فليكن سرورك بما قلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على - الدنيا ظل زائل

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: فليكن سرورك بما قلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على

فليكن سرورك بما قلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحًا، وليكن همك فيما بعد الموت.

أرى طالب الدنيا وإن طال عمره

ونال من الدنيا سرور وأنعما

كبانٍ بنى بنيانه فأقامه

فلما استوى ما قد بناه تهدما (1)

‌أخي الحبيب:

يقال: غم الأحياء خمسة أشياء، ينبغي للإنسان أن يكون غمه في هذه الخمسة:

أولها: غم الذنوب الماضية، لأنه قد أذنب ذنبًا، ولم يتبين له العفو، فينبغي أن يكون مغمومًا بها مشغولاً بها.

الثاني: أنه قد عمل الحسنات، ولم يتبين له القبول.

الثالث: قد علم حياته فيما مضى كيف مضت؟ ولا يدري كيف يكون الباقي.

الرابع: قد علم أن لله تعالى دارين، ولا يدري إلى أية دار به يصير.

الخامس: لا يدري أن الله تعالى راض عنه أم ساخط عليه.

فمن كان غمه في هذه الأشياء الخمسة في حياته فإنه يمنعه من الضحك (2).

قال إبراهيم التيمي: كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم

(1) إرشاد العباد: 120.

(2)

تنبيه الغافلين: 1/ 213.

ص: 59

الدنيا فهربوا. وأدبرت عنكم فاتبعتوها (1)(2).

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى

ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم

محاها مجال الريح بعدك والقطر

على ذاك مروا أجمعون وهكذا

يمرون حتى يستردهم الحشر

فحتى متى لا تصحو وقد قرب المدى

وحتى متى لا ينجاب عن قلبك السكر

بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا

وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر

قام أبو ذر الغفاري: عند الكعبة فقال: يا أيها الناس أنا جندب الغفاري، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق، فاكتنفه الناس، فقال: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرًا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلى، قال: فإن سفر طريق يوم القيامة أبعد ما تريدون، فخذوا ما يصلحكم، قالوا: وما يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديدًا حره لطول النشور، وصلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم، تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها، اجعل الدنيا مجلسين، مجلسًا في طلب الحلال، ومجلسًا في طلب الآخرة، الثالث: يضرك ولا ينفعك لا ترده. اجعل المال درهمين: درهمًا تنفقه على عيالك من حله، ودرهما تقدمه لآخرتك.

(1) صفة الصفوة: 3/ 90.

(2)

السير: 5/ 61.

ص: 60