المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدًا سمع بالجنة والنار - الدنيا ظل زائل

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدًا سمع بالجنة والنار

قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدًا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها: بذكر، أو صلاة، أو قراءة، أو إحسان، فقال له رجل: إني أكثر البكاء، فقال: إنك إن تضحك مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك. وإن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه، فقال: أوصني، فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبًا وإن أطعمت أطعمت طيبًا، وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه (1).

‌أخي الحبيب:

ما تذكر أحد الموت إلا هانت الدنيا في عينه، وزالت الغشاوة من أمام ناظره .. فإنها سنوات معدودة مهما جمعت فيها ومهما حصلت على كنوزها؛ فإن وراء ذلك هادم اللذات ومفرق الجماعات.

قال الحسن: إن الموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحًا (2).

وأي فرح -أخي- وها هي الدنيا ..

قد نادت الدنيا على نفسها

لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر أفنيته

وجامع بددت ما يجمع (3)

قال أبو عبيدة الناجي رحمه الله: دخلنا على الحسن

(1) الفوائد: 153.

(2)

تاريخ بغداد: 14/ 444.

(3)

طبقات الشافعية: 6/ 78.

ص: 23

البصري رحمه الله في يومه الذي مات فيه، فقال: مرحبًا بكم وأهلاً، وحياكم الله بالسلام، وأحلنا وإياكم دار المقام، هذه علانية حسنة إن صدقتم وصبرتم، فلا يكونن حظكم من هذا الأمر أن تسمعوه بهذه الآذان، وتخرجوه من هذه الأفواه، فإن مَنْ رأى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه غاديًا ورائحًا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولكن رفع له علم فشمر إليه .. الوحا الوحا، النجاء النجاء، علام تعرجون؟ ارتبتم ورب الكعبة، كأنكم والأمر معًا، رحم الله امرءًا جعل العيش عيشًا واحدًا، فأكل كسرة، ولبس خلقًا، ولصق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وفر من العقوبة، وطلب الرحمة، حتى يأتيه أجله وهو على ذلك (1).

قال النابغة الجعدي عن الدنيا وحال الإنسان فيها:

المرء يرغب في الحيا

ة وطول عيش قد يضره

تفنى بشاشته ويبـ

ـقى بعد حلو العيش مره

وتسوءه الأيام حتـ

ـى ما يرى شيئًا يسره

روى أبو كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الدنيا أربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً؛ فهو صادق النية، فيقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو

(1) العاقبة: 89.

ص: 24