المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أخي المسلم: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى - الدنيا ظل زائل

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌أخي المسلم: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى

‌أخي المسلم:

إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادًا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.

كتب بعض السلف إلى أخ له: يا أخي: يخيل إليك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تساق مع ذلك سوقًا حثيثًا، الموت متوجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك. وما مضى من عمرك فليس بكار عليك يوم التغابن (1).

ونحن نسير في ركب الزاهدين وتمر بنا قوافل الصالحين .. كيف نرى الجمع بين الدنيا والآخرة .. وبين الزهد والقناعة ..

قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا؟ قال: يا أبا علي، إنما أفعل ذلك لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، قال: يا ابن المبارك .. ما أحسن هذا إن تم هذا! !

‌أخي الحبيب:

كيف ترانا على هذه الدنيا؟ ! ما أحسن الدنيا إذا أتت من حلال .. وصرفت في حلال .. فأوجه الخير لا تحصى .. فمن: صدقة،

(1) جامع العلوم والحكم: 381.

ص: 21

إلى إعانة ملهوف، ونجدة مصاب .. إلى رعاية أرامل، وكفالة أيتام.

أخي .. قال سفيان: احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئًا من الدنيا فلا تجده أن تسخط على ربك.

إن من قسم الأرزاق في هذه الدنيا هو: الله، فلا بد أن ترضى لما قسم لك قل أو كثر .. أتى أو ذهب .. وسواء أقبلت الدنيا أو أدبرت .. لا بد أن ترضى بنصيبك منها ولا تشغل بالك .. فلا تتسخط لما قسم لك الله، ولا تنظر إلى من أعلى منك دنيا، ولكن انظر إلى الصالحين الأخيار ..

من شاء عيشًا رحيبًا يستطيل به

في دينه ثم في دنياه إقبالاً

فلينظرن إلى من فوقه ورعًا

ولينظرن إلى من دونه مالا (1)

وخير من ذلك كله ما قاله -جل وعلا- في محكم كتابه: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: 131].

قال إبراهيم الأشعث: سمعت الفضيل يقول: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة، من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله لما يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته (2).

(1) الإحياء: 4/ 131.

(2)

السير: 8/ 426.

ص: 22