المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقَدّمَة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه - السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية - جـ ١

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقَدّمَة

- ‌منهج كتابة تاريخ صدر الإسلام

- ‌ملامح التصور الإسلامي للتفسير التاريخي

- ‌ضرورة المرونة في تطبيق قواعد المحدثين في نطاق التاريخ الإسلامي العام

- ‌مصادر السيرة النبوية

- ‌الفصل الأولالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة

- ‌قبل البعثة

- ‌صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌النبي المختار:

- ‌حفر زمزم:

- ‌نذر عبد المطلب:

- ‌زواج عبد الله من آمنة:

- ‌وفاة عبد الله:

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل:

- ‌صفة حمل آمنة به:

- ‌مرضعاته:

- ‌معجزة شق الصدر:

- ‌قصة بحيرى الراهب:

- ‌شهوده حلف المطيبين:

- ‌زواجه من خديجة:

- ‌صيانة الله له قبل البعثة (إرهاصات البعثة):

- ‌بشارات الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌بشارات علماء أهل الكتاب بنبوته:

- ‌إرهاصات نبوته:

- ‌البعثة المحمدية:

- ‌الوحي:

- ‌مرحلة الدعوة السرية:

- ‌المسلمون الأوائل:

- ‌إسلام الجن:

- ‌بدء الدعوة الجهرية:

- ‌أذى المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اضطهاد قريش للمسلمين:

- ‌لجوء قريش إلى المفاوضات:

- ‌لجوء المشركين إلى المطالبة بالمعجزات لإثبات النبوة:

- ‌مجادلة قريش:

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة:

- ‌إسلام عمر بن الخطاب:

- ‌دخول المسلمين شعب أبي طالب:

- ‌وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها:

- ‌رحلته إلى الطائف:

- ‌أسانيد قصة عداس

- ‌الإسراء والمعراج:

- ‌الطواف على القبائل طلبا للنصرة:

- ‌الاتصال بالأنصار ودعوتهم:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌ بيعة العقبة الثانية

- ‌الهجرة إلى المدينة المنورة:

- ‌أوائل المهاجرين:

- ‌الفَصْل الثَانيالرُّسُولُ صلى الله عليه وسلم في المَدِيْنَةِ خَصَائِصُ المُجْتَمع المَدَنِّي وَتَنْظِيمَاته الأوْلى وإجْلَاءُ اليَهُود

- ‌خصائص المجتمع المدني وتنظيماته الأولىالمجتمع المدني قبل الهجرة:

- ‌أثر الإسلام في المجتمع المدني

- ‌الهجرة وأثرها في التكوين الاجتماعي لسكان المدينة:

- ‌نظام المؤاخاة في عهد النبوة

- ‌آصرة العقيدة هي أساس الارتباط بين الناس

- ‌الحب أساس بنية المجتمع المدني

- ‌الأغنياء والفقراء يجاهدون في صف واحد

- ‌أهل الصفةفقراء المهاجرين:

- ‌إعلان دستور المدينة (المعاهدة)

- ‌نقض يهود المدينة للمعاهدة وإجلاؤهم عنها

- ‌تاريخ الغزوة:

- ‌الطريق إلى خيبر:

- ‌وصف فتح خيبر:

- ‌أثر فتح خيبر:

- ‌كيفية توزيع غنائم خيبر:

- ‌نماذج من المجاهدين:

الفصل: ‌ ‌المقَدّمَة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه

‌المقَدّمَة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الاهتمام بكتابة السيرة النبوية ظهر مبكراً في تاريخ الإسلام، وقد تناولها بالتصنيف المؤرخون والمحدثون في القرون الأولى.

وتمتاز كتابات المؤرخين مثل الواقدي والبلاذري بالعناية بمراعاة ترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً وموضوعياً، في حين تظهر التجزئة للأحداث في كتابات المحدثين الذين التزموا بقواعد الرواية وتمييز الأسانيد عن بعضها، وربما قطَّعوا الرواية الواحدة فخرجوا بعضها في مكان وبقيتها في مكان آخر لموضوعات (تراجم) مؤلفاتهم، كما يظهر ذلك جلياً في قسم المغازي الذي كتبه الإمام البخاري ضمن صحيحه، ويظهر بصورة أخف في صحيح الإمام مسلم بسبب عنايته الخاصة بسرد المتون الطويلة وتحرير ألفاظها. لأنه أقل عناية من البخاري بتقطيع الرواية حسب تراجم كتابه.

وبعض المؤلفين جمع بين صفتي المحدث والمؤرخ مثل محمد بن إسحاق وخليفة بن خياط، ويعقوب بن سفيان الفَسَوى، ومحمد بن جرير الطبري، وهؤلاء أفادوا من منهج المحدثين بالتزام سرد الأسانيد ومحاولة إكمال صورة الحادث عن طريق جمع الأسانيد أحياناً أو سرد الروايات التي تشكل وحدة موضوعية تحت عناوين دالة.

ولكن سائر الذين كتبوا في السيرة اهتموا بجمع ما أمكنهم من الروايات وتدوينها دون أن يشترطوا الصحة فيما يكتبونه، وأحالوا القارئ على الأسانيد التي أوردوها ليعرف الصحيح من الضعيف، ويشذ عن ذلك البخاري ومسلم حيث شرطا الصحة فيما روياه من روايات السيرة ضمن كتابيهما في الصحيح.

ص: 11

وكان المتخصصون في القرون الأولى يعرفون الرواة وأحوالهم والأسانيد وشروط صحتها، فكان بوسعهم الحكم على الروايات وتمييزها، لكن هذه المعرفة بالرجال والأسانيد لم تعد من أسس الثقافة في القرون المتأخرة، بل يندر أن تجد من يهتم بذلك من مثقفي هذا العصر، لذلك جاءت كتابات المعاصرين من الكتاب والمؤرخين خلواً من تمييز الروايات وفق قواعد مصطلح الحديث، ولكن كبار المؤرخين في عصرنا يترسمون مناهج (النقد التاريخي) الذي ظهر ونما في الغرب خلال القرنين الأخيرين، وهم يتعاملون مع روايات السيرة من خلال هذه المناهج النقدية التي وضعت بعد استقراء الكتابات التاريخية الغربية، ولم تكيف للتعامل مع الرواية التاريخية الإسلامية التي لها سماتها الخاصة والتي من أبرزها وجود سلاسل السند التي تتقدم الرواية عادة، والتي يعتمد منهج المحدثين عليها بالدرجة الأولى في الحكم على الرواية بالصحة أو عدمها. مما أدى إلى ظهور مكتبة ضخمة مَعْنِيَّة بتراجم الرواة وبيان أحوالهم وإمكان التقائهم ببعضهم أو عدمه، والحكم عليهم من خلال استقراء مروياتهم بالإضافة إلى رأي معاصريهم فيهم، وهذه الثورة الهائلة من المعلومات والمكتبة النفيسة ظلت بمعزل عن الإفادة منها في الدراسات التاريخية المتعلقة بتاريخ الإسلام ومنها دراسات السيرة. وما أعظمها من خسارة أن نئد جهود المئات من كبار العلماء الذين قدموا لنا هذه الخدمة الخاصة بالتعامل مع "الرواية التاريخية الإسلامية". بسبب جهلنا بقيمتها والتزامنا الحرفي بمنهج النقد التاريخي الغربي. (Historical Method)

وهنا تلزم الإشارة إلى أن إهمال نقد الأسانيد في الرواية التاريخية الإسلامية والاكتفاء بنقد المتون يوقعنا في حيرة أمام الروايات الكثيرة المتعارضة عندما تكون متونها جميعاً متفقة مع المقاييس والقواعد النقدية العقلية، وهذا يحدث مع كثير من تفاصيل الأحداث التأريخية، وخاصة المتعلقة بتاريخ صدر الإسلام. إن ذلك يحتم علي الباحث استعمال منهج المحدثين في نقد الأسانيد وإلا فإنه سيقف أمام العديد من المشاكل دون حل أو ترجيح.

ص: 12

إن هذا لا يعني غمط النقد الغربي حقه، والتعسف في الحكم عليه، فلا شك أنه ثمرة عقول مفكرين كبار، طوروه من خلال التجربة والاستقراء، فأضاف اللاحق منهم على السابق حتى وصل إلى ما وصل إليه من تكامل وشمول وعمق، وهو يلتقي في كثير من جزئياته وقواعده وأصوله بمنهج العلماء المسلمين الذين سبقوا الغربيين في هذا الميدان بعدة قرون، مما يدل على جذور التأثير الإسلامي في الفكر الأوروبي منذ أن حصل التماس بين الغرب وحضارة الإسلام في العصور الوسطى الأوروبية. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن منهج البحث العلمي عند المسلمين لا يقتصر على معطيات مدرسة المحدثين، فهناك معطيات أخرى يقدمها علماء أصول الفقه في منهجهم المنطقي العقلي وتتبلور في كتب أصول الفقه، ومعطيات يقدمها علماء الطب والفلك والرياضيات المسلمون وتتمثل في منهج البحث التجريبي، وهو المنهج الذي ارتبط في تاريخ الفكر الغربي باسم العالم روجر بيكون الذي عول في دراسته على كتب العرب وحدها كما يصرح غوستاف لوبون (1)، وهو المنهج الذي يرجع إليه الفضل في بلوغ حضارة الغرب المادية إلى مستواها التقني الرائع. ولكن الذي يهم هذه المقدمة منهج المحدثين الذي يهتم مباشرة بالتعامل مع "الرواية الحديثية" وبالتالي يمكن سحبه إلى أقرب ميدان ليتعامل مع "الرواية التأريخية" وهو الذي يلتقي كثيراً مع "منهج البحث التاريخي".

وقد استقر منهج المحدثين في كتب مصطلح الحديث منذ القرن الخامس للهجرة على يد الخطيب البغدادي، ولم تلحق به إضافات أساسية، وإن أعيدت الصياغة والترتيب لأغراض مدرسية على يد ابن الصلاح والقاضي عياض، وجرت إضافات دقيقة نتيجة تطبيق الحافظ الذهبي والحافظ ابن كثير ومن بعدهما الحافظ ابن حجر لهذا المنهج في مؤلفاتهم، ولكن المنهج لم يتعرض لتعديل

(1) غوستاف لوبون: حضارة العرب، ص26.

ص: 13

جوهري، بل تعتبر إضافات الذهبي وابن كثير وابن حجر في جزئيات القواعد العامة، وهي إضافات مهمة تعطينا تصوراً لما كان يمكن أن يصل إليه هذا المنهج من الاكتمال لو استمرت الحركة الفكرية نشيطة في "عالم الإسلام" ولم يتوقف إبداعها ونموها في عصور التخلف الطويلة.

إن الجمع بين معطيات منهج المحدثين ومنهج النقد الغربي يعطي أمثل النتائج إذا حَكَمت الأخير معايير التصور الإسلامي، ولا شك أن الدراسات التاريخية الإسلامية الحديثة ومنها دراسات السيرة النبوية ما زالت في بداية الطريق، وهي تحتاج إلى جهود هائلة للارتقاء بها إلى مستوى الدراسات التاريخية العالمية. ويكفي أن القارئ لدارسة حديثة في السيرة لا يكاد يحس فرقاً مهماً بينها وبين كتاب سيرة ابن هشام أو زاد المعاد على تباين أسلوب ومنهج الكتابين، رغم التطور الهائل في الدراسات الاجتماعية في العصر الحديث. وما تقدمه العلوم الحديثة من معطيات ضخمة تخدم الدراسات الاجتماعية، وللأسف فإننا نعيش على حافة العالم الحديث ولم نجرؤ على اقتحامه لنفيد من معطياته الثرية المتنوعة، مع أن ما ورثناه من أسلافنا في حقل التأليف التاريخي أعظم بكثير مما ورثه المؤرخون الغربيون عن أسلافهم.

وإذا كان النقد التاريخي يبدو ضعيفاً في دراساتنا، فإن التحليل للروايات والتعامل معها يبدو أكثر قصوراً، بسبب النظرة التجزيئية للقضايا والسطحية في التعامل مع الروايات وعدم وضوح التصور الإسلامي لحركة التاريخ ودور الفرد والجماعة والعلاقة الجدلية بين القدر والحرية وقانون السببية والربط بين المقدمات والنتائج. فضلاً على أن الكتب التاريخية القديمة لا تمدنا بمنحى واضح في التحليل والتصور الكلي بسبب اعتمادها على سرد الروايات فقط، إذ قلما يشير المؤرخ الإسلامي القديم للسنن والنواميس والقوانين الاجتماعية التي تحكم حركة التاريخ رغم أن القرآن الكريم لفت نظر المسلمين إلى ذلك كله بوضوح بل أن أحدا من مؤرخي الإسلام لم يحاول إعادة صياغة النظرة القرآنية للتاريخ وتقديم

ص: 14

الوقائع والتطبيقات والشواهد التاريخية عليها بشكل نظريات كلية حتى وقت متأخر عندما كتب ابن خلدون مقدمته، رغم أن المفكرين المسلمين تعاملوا مع الفلسفة والمنطق منذ القرون الأولى وأفادوا منها في بناء علوم اللغة وأصول الفقه بوضوح وتصرفوا في ذلك بعقليتهم اليقظة التي تنفي ما يناقض المعتقد الإيماني والتصور الإسلامي، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، وكان نجاحهم في تخطي التجربة يرتبط بمدى وضوح العقيدة وصفائها في عقولهم.

ويرى العديد من الدارسين -وخاصة المستشرقين- أن علماء المسلمين عنوا بنقد أسانيد الروايات وأهملوا نقد متونها، وقد يتصور البعض أن غياب العقلية النقدية هو سبب إهمال محاكمة المتن، وهنا يلزم الانتباه إلى أن هذا الكلام ليس على إطلاقه، فرغم توسع علماء المسلمين في نقد الأسانيد إلا أنهم لم يهملوا نقد المتون ومحاكمتها، بل عنوا بذلك أيضاً، ويصعب حصر الشواهد على ذلك لكثرتها، ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعض المحاكمات التاريخية التي استندت إلى نقد المتن.

لقد رفض ابن حزم الرقم الذي ذكرته المصادر الكثيرة عن عدد جند المسلمين في غزوة أحد بناء على محاكمة المتن وفق أقيسة عقلية بحتة.

وقدَّم موسى بن عقبة غزوة بني المصطلق إلى السنة الرابعة مخالفاً معظم كتاب السيرة الذين يجعلونها في السنة السادسة، وتابعه ابن القيم والذهبي بناء على نقد المتن، حيث اشترك سعد بن معاذ بالغزوة وقد استشهد في أعقاب غزوة بني قريظة.

وقد وقع اختلاف في تاريخ غزوة ذات الرقاع بين قدامى المؤرخين بناء على محاكمة المتن، فأخرها البخاري، وتابعه ابن القيم وابن كثير وابن حجر إلى ما بعد خيبر، خلافاً لرأي ابن إسحق والواقدي، بناء على اشتراك أبي موسى الأشعري وأبي هريرة فيها، وقد قدما على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر مباشرة.

ص: 15

وجرت مناقشات مستفيضة حول تاريخ تشريع صلاة الخوف ومعظمها مبني على محاكمة المتن.

وقد كشف الخطابي عن نسخ تحريم وادي وج بالطائف بناء على محاكمة المتن.

وهذه الموضوعات يمكن مراجعتها في مظانها من هذا الكتاب فهي نماذج مستقاة منه.

وهناك نماذج أخرى لا يتسع المقام لسردها، ولكن لا بد من الاعتراف بحقيقة تاريخية وهي أن القرون الثلاثة الأولى انصب فيها جهد المؤرخين على جمع الروايات وتدوينها وتصنيفها في الكتب، مع قدر من الانتقاء، يتضح من المقابلة بين المؤلفات ومصادرها الأقدم، حيث يُسقط المتأخر مجموعة من روايات المتقدم، كما فعل ابن هشام مع ابن إسحق، والطبري مع مصادره الأولية.

ورغم أن الانتقاء نفسه يمثل عملاً نقدياً إلا أن الجهد الضخم الذي بذل في تثبيت الروايات وحفظها في الكتب استنفد طاقة الأوائل من المؤرخين، وقام المتأخرون منهم بدور التلخيص لأعمال الأوائل والتذييل عليهم.

وتبرز في مؤلفات متأخرة محاكمات دقيقة للمتون كما يتضح ذلك بجلاء لمن يطلع على (البداية والنهاية) لابن كثير و (فتح الباري) للحافظ ابن حجر في شرحه لقسم المغازي من صحيح البخاري، ولكن ذلك لا يعني أن نقد المتن تم بنفس التوسع الذي فازت به نصوص التاريخ الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين، بعدما اكتملت مناهج النقد التاريخي، ولكن هل من الإنصاف أن تُقَوَّمَ جهود القدامى بمقاييس حديثة هي من منجزات التقدم العلمي في كل ميدان عبر عدة قرون؟!

ومع ذلك فإن تقويم العقلية النقدية عند علماء المسلمين القدامى ينبغي ألا يتم من خلال الكتب التاريخية وحدها، وإنما ينظر إلى جملة النتاج الفكري في الفقه والفقه المقارن (كتب أحاديث الأحكام) فلا شك أن كتب الفقه ركزت

ص: 16

على المتون تركيزاً عظيماً تفسيراً وتوضيحاً وإعراباً واستنباطاً. ومن الواضح أن عمل المحدثين والفقهاء يتكامل، فلا بد للمنصف أن يعترف بأن السنة النبوية نالت عناية عظيمة ومتوازنة من قبل العلماء المسلمين.

وتتضح في كتب أصول الفقه المحاكمات الدقيقة للمتون التي تكشف عن عقلية نقدية فذة، وإذا كان المؤرخون القدامى معظمهم له جهود في حقول العلوم الإسلامية الأخرى، فإن الحكم عليهم ينبغي أن يكون من خلال تقويم جملة نتاجهم الفكري مع مراعاة عنصر الزمن حتى لا يغمطوا حقهم من التقويم.

وأيضاً لا بد من توضيح أن الجانب النظري لنقد المتن كان متبلوراً إلى حد كبير منذ القرون الأولى في كتب مصطلح الحديث كما في أقسام المدرج والمعلل والمضطرب والشاذ والمنكر والموضوع وغيرها مما يدور الكلام فيها على نقد الأسانيد والمتون معاً، ولكن القصور كان في تطبيق ذلك عملياً عند التعامل مع الرواية التأريخية التي لم تحظ بنفس القدر من النقد الذي حظيت به الأحاديث النبوية.

ولابد أيضاً من الإشارة إلى الموقف من المعجزات النبوية وإثباتها حيث أن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة وإن كان القرآن معجزته الدائمة الباقية.

إنَّ إثبات المعجزة الخالدة (القرآن الكريم) ونفي بقية المعجزات الثابتة بالنقل الصحيح إنما هو في الحقيقة خضوع وانصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية، ولا بد للمسلم من الاستعلاء والاعتزاز الذي يحقق له الاستقلال التام في النظر والبحث العلمي. ومن ثم فإن هذا البحث عُنِيَ بإثبات المعجزات جميعها عندما تثبت بالنقل الصحيح.

وقد اهتم البحث بالإشارة إلى الأحكام الفقهية وتاريخ تشريعها، لأن التاريخ للسيرة ينبغي أن يعني بالجانب التشريعي الذي يحتكم إليه المجتمع ويوضح الضوابط الخلقية والقانونية التي تحكم حركة الأفراد والجماعات ولا يمكن الفصل بين الجانب السياسي والعسكري والجانب الخلقي والتشريعي

ص: 17

خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة والشريعة تشابكاً وثيقاً بحيث يصعب فهم حركة التاريخ في تلك المرحلة دون فهم روح الإسلام ومبادئه.

وقد لاحظ البحث إعطاء مساحة مناسبة لحركة الفرد إلى جانب الحركة الجماعية فمن خلال بعض الشخصيات تظهر ملامح وأبعاد الحركة التاريخية لقوة فاعليتهم وأثرهم في دفع عجلة التاريخ، فليس من الصحيح إهمال أخبار الأبطال التاريخيين بحجة أنهم مجرد دمى في حركة المجتمع الواسعة. ولكن هؤلاء الأفراد لم يبرزوا لمجرد تفوقهم وامتيازهم على أقرانهم ووجود الاستعداد عندهم، إذ ما كانت هذه السمات المميزة لتظهر لولا العقيدة التي مست شغاف قلوبهم وأوقدت وهجاً منيراً في عقولهم وبصيرة عميقة في نفوسهم، فكان أن حدث التغيير الكبير في بناء الشخصية العربية ومقوماتها، وهذا الفهم سيعطي الفضل الأكبر للعقيدة ويمنع الانزلاق نحو تمجيد "الفردية" والإغراق في غرس نزعة الاستعلاء والغرور. ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بطل الأبطال كان ينحني لله تعالى ويخشع بالدعاء ويرد إليه الفضل أولاً وآخراً في كل نصر وفتح.

ولا يجد القارئ أي اهتمام بالرد على الشبهات التي أثارتها بعض الدراسات الحديثة في موضوعات السيرة وخاصة دراسات المستشرقين سواء كانت نتيجة تعسف في تفسير النصوص والأحداث بسبب الأهواء الدينية والعنصرية أو بسبب سوء فهم للغة العربية أو للإسلام وأحكامه ونظمه ومقاصده، وذلك لأن هذا المؤلَّف قصد إِلى رسم معالم السيرة بصورة صحيحة، وهو جانب إيجابي يستحق أن يُفْرَد فيه مصنف، ولا يعني ذلك التقليل من أهمية تصحيح الأخطاء سواء كانت عفوية أم مقصودة، وقد نهضت بهذا العبء دراسات أخرى في الموضوع، وإن كنت أعتقد أن الاهتمام بالتاريخ الإسلامي ينبغي أن ينصب أولاً على إعادة البناء قبل تناول الشبهات.

ص: 18

إن هذه الدراسة التي أقدم لها لا تمثل طموحي، ولكنها محاولة للإفادة من منهج المحدثين في نقد الرواية التاريخية، ويظهر بها التركيز على نقد الأسانيد والرواة إلى جانب نقد المتن، وخاصة في عملية الانتقاء من مجموع الروايات الضخمة التي دونها القدامى في السيرة. إذ أن الاعتماد على الروايات التي صححها النقاد القدامى أحياناً، أو الإفادة من منهجهم في تصحيح أو تضعيف ما لم يحكموا عليه من الروايات، هو أهم ما تهدف إليه هذه الدراسة، لينال البحث ثقة القارئ، وليعطي أصدق صورة عن السيرة.

وقد تبرز معان خلقية ودينية مؤثرة في الروايات التي أهملتها، لكنني لم أكترث لذلك ما دامت ضعيفة الثبوت، وقد ظهر جلياً أن الاعتماد على صحيح الروايات وحسنها يكفل توضيح الأبعاد التاريخية للسيرة النبوية دون حاجة إلى الضعيف من الروايات.

ويلاحظ القارئ أن الروايات الضعيفة من الناحية الحديثية لم تستبعد نهائياً بل تمت الإفادة منها في الموضوعات التي لا تتعلق بالعقيدة أو الشريعة، حيثما لم نجد روايات صحيحة وفق معايير المحدثين، حيث يمكن التعامل معها وفق معايير منهج النقد التاريخي.

ويلاحظ الاهتمام في الدراسة بنقل الخبر عن شاهد عيان مشارك بالحادثة، وهو منهج معتبر في الدراسات التاريخية المعاصرة، كما أنه معتبر في الدراسات الحديثية في القرون الهجرية الأولى، ونلحظ أن الإمام البخاري في صحيحه كثيراً ما يختار الرواية من طريق الصحابي المشارك بالحادثة، كما فعل في نقل قصة الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وسبب نزول سورة المنافقين عن زيد ابن الأرقم، وسبب نزول سورة الجمعة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وقصة نزول سورة التحريم عن عائشة، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة (1). فشاهد

(1) عصام عبد المحسن الحميدان: أسباب النزول وأثرها في التفسير 37 - 39 (رسالة ماجستير مطبوعة على الآلة الكاتبة مقدمة لقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة محمد بن سعود الإسلامية).

ص: 19

العيان أدق رواية إذ تشترك الحواس العديدة من العين والسمع واللمس في ضبط الخبر

وهذا أقوى من النقل بواسطة السمع فقط كما يحدث عندما يغيب عن الرواية شاهد العيان.

إن هذه الدراسة لم تبن على انتقاء للروايات يرتبط بخدمة فكرة معينة ويهدف لتحقيق كسب (ايديولوجي) بل إنه انتقاء للقوى من الروايات سواء عومل بمعايير المحدثين أو بمعايير النقد التاريخي.

وبالتالي فإن الصورة التي ستعطيها الروايات هي أقرب الصور إلى الحقيقة التاريخية، خاصة أن فهمها والاستنباط منها تم وفق أساليب العربية وقواعدها دون أي تعسف أو تمحل في التفسير.

وينبغي الانتباه إلى أن الانتقاء عندما يتم وفق قواعد صارمة، فإنه يدع مجالاً

لتفلت العديد من النصوص التاريخية التي يمكن التعامل معها وفق معايير أقل صرامة، ومن ثم فإن قراءة نصوص الواقدي وفق منهج النقد التاريخي تتيح الفرصة لإضافات أخرى لمادة السيرة، وهذا ينطبق على الروايات التي أوردها ابن إسحق دون إسناد، كما ينطبق على روايات ابن سعد التي نقلها عن ابن الكلبي

إن هؤلاء الرجال المتخصصين في فن السيرة قد عوملوا من قبل النقاد القدامى بتساهل كبير بغية الإفادة من رصيدهم التاريخي الهائل.

إن الأمور المتفق عليها بين هؤلاء الإخباريين يمكن أن تحتل مكانها في الدراسات التاريخية ما لم تتعلق بالعقيدة أو الشريعة ..

أما بخصوص الآيات التي استشهدت بها في هذه الدراسة فقد راجعت الروايات المتعلقة بأسباب النزول وأثبت ما تبين أنه نزل في الحادثة التاريخية أو تعقيباً عليها.

ص: 20

وقد نبه الحافظ ابن حجر إلى أنه "يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي، فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه - يعني سليمان بن طرخان التيمي صاحب السيرة- أو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبه، فهو أصلح مما فيها من كتاب محمد بن إسحاق، وما كان من رواية ابن إسحق أمثل مما فيها من رواية الواقدي"(1).

ومعنى أسباب النزول ذكر الأحداث والأسئلة التي نزل بشأنها وقت وقوعها (2) أو بعده بيسير (3). ولكن دراسة روايات أسباب النزول لإفادة منها تاريخياً تقف أمامها عوائق عديدة أهمها الاختلاف القديم حول سبب نزول العديد من الآيات. وخاصة عندما تتعارض الروايات الصحيحة في هذا المجال كما يحدث في كتاب التفسير من صحيح البخاري. وعندما يصار إلى محاولة الجمع بالقول بتعدد المرات التي نزلت فيها الآية الواحدة (4) فالقصص قد تتعدد، والأحداث المتماثلة تتوالى في وقت متقارب، مما يحتاج إلى جواب أو فتيا، فتنزل الآية لتجيب أصحاب الوقائع عن حكم ما حدث لهم. لذلك قال ابن حجر:"لا مانع أن تتعدد القصص ويتعدد النزول"(5).

(1) ابن حجر: العجاب في بيان أسباب النزول ق والوسيطي: الدر المنثور 8/ 702.

(2)

مثل سبب نزول (ويسألونك عن الروح) الإسراء 85 فيما أخرجه البخاري 8/ 401 حديث رقم 4721 ومسلم حديث رقم 2794.

(3)

مثل حادثة الإفك فإنها سبب نزول الآيات (صحيح البخاري حديث رقم 4750 وصحيح مسلم حديث رقم 1797).

(4)

ابن حجر: فتح الباري 8/ 233، 282، 450.

(5)

فتح الباري 8/ 450 وانظر: عصام عبد المحسن الحميدان: أسباب النزول وأثرها في التفسير 45 حيث أورد جميع ما ظهر فيه تعارف بين روايات البخاري في أسباب النزول.

ص: 21

وتجدر الإشارة إلى أن صحيح البخاري من أوسع كتب السنة التي استقصت روايات أسباب النزول إضافة إلى أنها في أعلى درجات الصحة (1). وأن أوسع الصحابة رواية لأسباب النزول هو ابن عباس (2). ويلي صحيح البخاري في كثرة العناية بأسباب النزول مستدرك الحاكم (3) ومعظم ما أورده الحاكم من حديث ابن عباس (29 رواية) ويليه حديث عائشة (7 روايات).

أما أوسع كتب السنة رواية لأسباب النزول فهو مسند أحمد (28 رواية) معظمها صحيح وقليل منها ضعيف، حيث أورد معظم ما أورده البخاري وزاد عليه (4).

وتبقى كتب التفسير التي تكفلت ببيان أسباب النزول سواء كانت الرواية مرفوعة أو موقوفة على الصحابة شاهدي العيان أم كانت موقوفة على التابعين فمن بعدهم، وخاصة تفسير الطبري الذي احتوى على خمسمائة سبب نزول غير مكررة (5) وقد يخرج للآية الواحدة خمسة أسباب لكنه لا يلتزم صحة الروايات، وأكثرها موقوف أو مقطوع (6). والآيات التي وردت روايات صحيحة مسندة إلى الصحابة في أسباب نزولها لا تكاد تبلغ الثلاثمائة من عدد آي القرآن (6200 آية)(7).

وقد اختصت بعض الكتب بحصر الروايات في أسباب النزول وهي: "أسباب النزول" للواحدي، و"لباب النقول" للسيوطي، و"العجاب في الأسباب" لابن حجر العسقلاني، وهذه الكتب هي العمدة في هذا الفن، وقد بلغت زيادات السيوطي على الواحدي 370 رواية (8).

* * *

(1) - (8) عصام عبد المحسن: أسباب النزول 72، 74، 79، 82، 97، 98 - 99، 162، 192 حاشية 2.

ص: 22

لقد قمت بتدريس السيرة النبوية عشرين سنة في كلية الآداب بجامعة بغداد أولا ثم في الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد دونت محاضراتي لطلبة الجامعتين، ونقحتها مراراً، ونشرت بعض الموضوعات منها (1).

على أمل أن أعيد النظر فيها لإعدادها للنشر كاملة، ثم واتتني الفرصة لإعادة كتابة قسم السيرة منها بعد أن أشرفت على رسائل العديد من طلبة الدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد وجهت تلك الرسائل إلى نقد مرويات السيرة النبوية وتحكيم مناهج النقد عند المحدثين فيها. فكانت محاولة ضخمة طبقت فيها تلك القواعد على سائر الروايات التي أوردتها كتب الحديث والتاريخ والتراجم والأدب عن السيرة، وتقع هذه الرسائل في أكثر من ستة آلاف صفحة (فلوسكاب) وقد استغرق تنفيذ هذا المشروع أكثر من عشر سنوات (1976 - 1988)، ويعتبر أعظم إنجاز في توثيق مرويات السيرة النبوية رغم ما يكتنف التجارب الأولى من قصور في العادة (2)، وأملي كبير في أن يتمكن الباحثون من تطوير هذا الإنجاز والإفادة منه

(1) منها (أول دستور أعلنه الإسلام) - دراسة في كتابه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار واليهود في المدينة) نشر في مجلة كلية الإمام الأعظم سنة 1972 م.

و (أهل الصفة) نشر في مجلة الدراسات الإسلامية 1968 م.

و (موسى بن عقبة، أحد رواد المغازي الأوائل) نشر في مجلة كلية الدراسات الإسلامية 1967 م.

و (نظرة في مصادر السيرة النبوية) نشر في مجلة كلية الدراسات الإسلامية ببغداد 1970م

(2)

نوقش من هذه الرسائل ما يلي:

1 -

مرويات غزوة بني المصطلق (رسالة ماجستير) للدكتور إبراهيم القريبي، أعدها بإشرافي، ونشرها المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

2 -

مرويات غزوة حنين وفتح الطائف (أطروحة دكتوراه) أعدها بإشرافي الدكتور إبراهيم القريبي، ويقوم المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بنشرها حالياً.

3 -

مرويات غزوة أحد (رسالة ماجستير) أعدها بإشرافي الدكتور حسين الباكري.

4 -

مرويات فتح مكة (رسالة ماجستير) أعدها بإشرافي محسن الدوم رحمه الله.

5 -

مرويات السيرة في العهد المكي إلى نهاية حادث الإسراء والمعراج (رسالة ماجستير)، أعدها بإشرافي عادل عبد الغفور. =

ص: 23

ليتم إعادة تحليل السيرة وعرضها من جوانبها المختلفة بالاعتماد على الروايات الموثقة ووفق التصور الإسلامي الصحيح للأحداث والدوافع والسمات. لقد أغنت هذه الرسائل الجامعية تجربتي في كتابة السيرة، ومكنتني من الاستقراء الشامل من جديد لسائر مرويات السيرة مع الموازنة بينها والتأمل فيها خلال عشر سنوات انصرمت. وما زال العديد من الرسائل يكتب في السيرة بإشرافي. وإنني آمل أن يفيد المعنيون بكتابة السيرة النبوية من هذه الرسائل الجامعية في تقديم دراسات تحليلية نافعة، وهو الجانب الذي ما زال بحاجة إلى عناية كبيرة من قبل الكتاب المتمرسين وأصحاب الأقلام الراسخين والمفكرين الناضجين وذلك خدمة للسيرة النبوية وتعميقاً للمعاني السامية التي تحتاجها الأجيال الصاعدة

= 6 - أمهات المؤمنين (أطروحة دكتوراه)، أعدها بإشرافي الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف.

7 -

مغازي موسى بن عقبة (رسالة ماجستير)، أعدها محمد باقشيش بإشرافي.

8 -

مرويات تاريخ يهود المدينة (رسالة ماجستير)، أعدها الدكتور أكرم حسين على بإشرافي.

9 -

السرايا والبعوث في عصر السيرة النبوية (رسالة ماجستير) يعدها بريك محمد بإشرافي.

10 -

مرويات صلح الحديبية، (رسالة ماجستير) أعدها الدكتور حافظ محمد الحكمي، بإشراف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد.

11 -

مرويات غزوة بدر، (رسالة ماجستير) أعدها الدكتور أحمد العليمي، بإشراف الدكتور السيد الحكيم.

12 -

مرويات غزوة خيبر، (رسالة ماجستير)، أعدها الدكتور عوض الشهري، بإشراف الدكتور السيد الحكيم

13 -

أحاديث الهجرة (رسالة ماجستير) أعدها الدكتور سليمان السعود، بإشراف الدكتور السيد الحكيم.

14 -

مرويات غزوة تبوك، (رسالة ماجستير) أعدها عبد القادر السندي، بإشراف الدكتور محمد خليل هراس، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

15 -

السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق في العهد المكي (أطروحة دكتوراه) أعدها الدكتور سليمان العودة، بإشراف الدكتور عبد الله بن يوسف الشبل، بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية.

16 -

مرويات غزوة الخندق أعدها الدكتور إبراهيم محمد عمير، بإشراف الشيخ عبد المحسن ابن حمد العباد

ص: 24

بدرجة لا تقل عن الضرورات من وسائل المعيشة التي تسعى تكنولوجيا العصر إلى تهيئتها للإنسان، إذ إنما يمتاز الإنسان بروحه وعقله وهما ينموان بالمعاني التي تغذيهما كما يغذي الطعام الجسد وإلا فإن إنسان الغد سيتحول إلى جسد بلا روح.

إن التخلف في مستوى النتاج الفكري الإسلامي لن يؤدي إلا إلى رضاع الأجيال من لبان العقول الغربية التي تشبعت عبر قرون طويلة بجفاف المادية القاتلة والبُعد عن الله تعالى والتمرد على القيم الروحية والانقياد للفكر الوضعي الحائر. وإن ما صارت إليه المجتمعات الغربية المعاصرة من أخطار اجتماعية وخلقية هو نتاج الشجرة المسمومة التي غذتها الأفكار العلمانية فلا بد أن يسعى مفكرونا لتجنيب أجيالنا أن تمر في نفس الأطوار الاجتماعية التي مرت بها أوروبا .. وخير سلاح أن ترضع الأجيال المعاصرة من لبان الإسلام وفكره فهو خير سبيل للوقاية من أخطار المادية القاتلة.

وأملي كبير في نقد هذه التجربة وتقويمها من قبل العلماء المدققين والباحثين المعنيين بدراسات السيرة والتاريخ الإسلامي للإفادة من آرائهم في هذا الشأن إذ ما زلنا في أول الطريق نحو تطبيق منهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية في القرون الأولى، وهو أمر عسير يحتاج إلى استيعاب دقيق لمصطلح الحديث، ومرونة في التعامل وفقه مع الرواية التاريخية.

لقد سبق أن نشرت المقدمة والبابين الأول والثاني من (السيرة الصحيحة) بعنوان (المجتمع المدني) ولكنني في هذه الطبعة الجامعة نقحت ما سبق نشره وضممت إليه فوائد جديدة.

والله أسأل أن يتقبل عملي ويجعله من حسناتي في حياتي وصدقاتي بعد مماتي إنه خير مأمول وأعظم مسئول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور أكرم ضياء العمري

المدينة المنورة.

ص: 25

منهج كتابة تاريخ صدر الإسلام ومصادر السيرة النبوية

ص: 27