الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود أنهم بايعوا على وفق بيعة النساء التي نزلت بها الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} (1) بعد صلح الحديبية (2). حيث لم يرد في بيعة العقبة الأولى ذكر القتال.
ومعنى ذلك أن عبادة حدث بهذا النص بعد نزول الآية فشبه بيعة العقبة الأولى ببيعة النساء. ويلاحظ أن نص البيعة يكل معاقبة الجرائم إلى الله تعالى في الآخرة لعدم تشريع الحدود الإسلامية مما يؤكد قدم النص وأنه يخص بيعة العقبة الأولى.
ولما انجزت بيعة العقبة الأولى، وعاد الأنصار إلى المدينة بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين. فقام بمهمته خير قيام وانتشر على يديه الإسلام، ورجع إلى مكة قبل
بيعة العقبة الثانية
(3).
بيعة العقبة الثانية:
ولما انتشر الإسلام في المدينة، واطمأن المسلمون المهاجرون بين إخوانهم الأنصار، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يلاقي عنت قريش وأذاها الذي كان يشتد على مر الأيام، قدم وفد من الأنصار في موسم الحج فبايعوا بيعة العقبة الثانية.
قال جابر بن عبد الله الأنصاري:"فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله نبايعك.
(1) الممتحنة 12.
(2)
ابن حجر: فتح الباري 1/ 66، 12/ 197 ويلاحظ أن الحافظ رحمه الله خلط بين نصوص بيعتي العقبة الأولى والثانية مما جعل كلامه متداخلاً مضطرباً. وأنظر تراجعه في 7/ 222 (انظر سليمان العودة: السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق 346).
ولا يعيب هذا الحافظ ابن حجر فكثيراً ما حل لنا المشكلات العويصة في السيرة.
(3)
سيرة ابن هشام 1/ 438
قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
قال: فقمنا إليه فبايعناه. وأخذ بيده أسعد من زرارة - وهو من أصغرهم - فقال: رويدا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف. فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله.
قالوا: أمط عنا يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها.
قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة.
"وقد نظر العباس في وجوه وفد الأنصار ثم قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث. مما يدل على غلبة الشباب على الوفد (1).
وهكذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والنصرة والحرب لذلك سماها عبادة بن الصامت بيعة الحرب (2).
وتقِّدم رواية الصحابي كعب بن مالك الأنصاري- وهو أحد المبايعين في العقبة الثانية - تفاصيل مهمة؛ قال: "خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا
…
ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق
…
وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا
…
فنمنا تلك
(1) مسند أحمد 3/ 322 - 323، 339 - 340 بإسناد حسن ومستدرك الحاكم 2/ 624 - 625 وصححه وأقره الذهبي.
والسيرة النبوية لابن كثير 2/ 196 وصححه على شرط مسلم ويرى ابن حجر أن فيه علة تدليس أبي الزبير وقد عنعن. ويقول: فعل تصحيحه أو تحسينه بالنظر لشواهده (فتح الباري 7/ 222 - 223.
(2)
سيرة ابن هشام 2 - 63 ومسند أحمد 5/ 316 بإسناد صحيح لغيره.
الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعين رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب .. ، وأسماء بنت عمرو
…
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس ابن عبد المطلب - وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له - فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب "فبين أن الرسول في منعة من قومه بني هاشم ولكنه يريد الهجرة إلى المدينة، ولذلك فإن العباس يريد التأكد من حماية الأنصار له وإلا فليدعوه. فطلب الأنصار أن يتكلم رسول الله فيأخذ لنفسه ولربه ما يحب من الشروط.
"فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، دعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق، لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزرنا فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر" فقاطعه أبو الهيثم بن التيهان متسائلاً: "يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالاً وإنا قاطعوها (يعني اليهود) فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم بالدم والهدم بالهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم".
ثم قال: أَخْرِجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس"
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الانصراف إلى رحالهم، وقد سمعوا الشيطان يصرخ منذراً قريشاً، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنَّ على أهل منى غداً بأسيافنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم".