المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مصادر السيرة النبوية - السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية - جـ ١

[أكرم العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقَدّمَة

- ‌منهج كتابة تاريخ صدر الإسلام

- ‌ملامح التصور الإسلامي للتفسير التاريخي

- ‌ضرورة المرونة في تطبيق قواعد المحدثين في نطاق التاريخ الإسلامي العام

- ‌مصادر السيرة النبوية

- ‌الفصل الأولالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة

- ‌قبل البعثة

- ‌صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌النبي المختار:

- ‌حفر زمزم:

- ‌نذر عبد المطلب:

- ‌زواج عبد الله من آمنة:

- ‌وفاة عبد الله:

- ‌مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل:

- ‌صفة حمل آمنة به:

- ‌مرضعاته:

- ‌معجزة شق الصدر:

- ‌قصة بحيرى الراهب:

- ‌شهوده حلف المطيبين:

- ‌زواجه من خديجة:

- ‌صيانة الله له قبل البعثة (إرهاصات البعثة):

- ‌بشارات الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌بشارات علماء أهل الكتاب بنبوته:

- ‌إرهاصات نبوته:

- ‌البعثة المحمدية:

- ‌الوحي:

- ‌مرحلة الدعوة السرية:

- ‌المسلمون الأوائل:

- ‌إسلام الجن:

- ‌بدء الدعوة الجهرية:

- ‌أذى المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌اضطهاد قريش للمسلمين:

- ‌لجوء قريش إلى المفاوضات:

- ‌لجوء المشركين إلى المطالبة بالمعجزات لإثبات النبوة:

- ‌مجادلة قريش:

- ‌الهجرة إلى الحبشة:

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة:

- ‌إسلام عمر بن الخطاب:

- ‌دخول المسلمين شعب أبي طالب:

- ‌وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها:

- ‌رحلته إلى الطائف:

- ‌أسانيد قصة عداس

- ‌الإسراء والمعراج:

- ‌الطواف على القبائل طلبا للنصرة:

- ‌الاتصال بالأنصار ودعوتهم:

- ‌بيعة العقبة الأولى:

- ‌ بيعة العقبة الثانية

- ‌الهجرة إلى المدينة المنورة:

- ‌أوائل المهاجرين:

- ‌الفَصْل الثَانيالرُّسُولُ صلى الله عليه وسلم في المَدِيْنَةِ خَصَائِصُ المُجْتَمع المَدَنِّي وَتَنْظِيمَاته الأوْلى وإجْلَاءُ اليَهُود

- ‌خصائص المجتمع المدني وتنظيماته الأولىالمجتمع المدني قبل الهجرة:

- ‌أثر الإسلام في المجتمع المدني

- ‌الهجرة وأثرها في التكوين الاجتماعي لسكان المدينة:

- ‌نظام المؤاخاة في عهد النبوة

- ‌آصرة العقيدة هي أساس الارتباط بين الناس

- ‌الحب أساس بنية المجتمع المدني

- ‌الأغنياء والفقراء يجاهدون في صف واحد

- ‌أهل الصفةفقراء المهاجرين:

- ‌إعلان دستور المدينة (المعاهدة)

- ‌نقض يهود المدينة للمعاهدة وإجلاؤهم عنها

- ‌تاريخ الغزوة:

- ‌الطريق إلى خيبر:

- ‌وصف فتح خيبر:

- ‌أثر فتح خيبر:

- ‌كيفية توزيع غنائم خيبر:

- ‌نماذج من المجاهدين:

الفصل: ‌مصادر السيرة النبوية

‌مصادر السيرة النبوية

تعتمد دراسة السيرة النبوية على مصادر متنوعة، منها الأصلية ومنها التكميلية، فمن المصادر الأصلية في دراسة السيرة النبوية القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب الدلائل والشمائل وكتب السيرة المختصة والتواريخ العامة، أما المصادر التكميلية فهي لا تختص بالسيرة أو التاريخ، بل تتناول موضوعات أخرى لكنها تفيد في حقل دراسة السيرة، مثل كتب الأدب ودواوين الشعر وكتب الرجال والتراجم وكتب الجغرافية التاريخية وكتب الفقه وكتب الأنساب ومعاجم اللغة

إلخ.

ولا شك أن استيعاب هذه المصادر عند دراسة السيرة يعطي (أكمل صورة ممكنة) وهي صورة واضحة فيها كثير من التفاصيل.

وسأحاول إعطاء فكرة عن هذه المصادر وقيمتها وكيفية استعمالها، وأول ما ينبغي أن يلتفت إليه الباحث أن هذه المصادر تتباين قوة وضعفاً وأصالة ووضعاً، لذلك لا ينبغي أن توضع في مصاف واحد وتعامل على السواء، فلا يمكن معارضة آية قرآنية أو حديث صحيح برواية من كتب التاريخ أو الأدب (1)، فلابد إذًا من تقويم هذه المصادر ووضعها في الموضع الذي تستحق.

ويقف القرآن الكريم في مقدمة مصادر السيرة (2)، والقرآن هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى بطريق الوحي، ويتضمن بيان العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية، وترد فيه آيات الأحكام ذات الأهمية

(1) ممن وقع في هذا الخطأ أبو رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) وانظر التنبيه عليه في (مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 293 - 294).

وانتقد جواد علي كلا من المستشرقين شبرنكر وكايتاني لاعتمادهما على الشاذ والغريب والضعيف والروايات المتأخرة وتقديمهما ذلك على الروايات المعتبرة في دراستيهما للسيرة بغية اثارة التشكيك فيها (جواد علي: تاريخ العرب في الإسلام، السيرة النبوية ص 9 - 11).

(2)

حلل محمد عزت دروزة الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة في كتابه "سيرة الرسول".

ص: 47

الكبيرة في بيان النظم الإسلامية ونشأتها فهي تلقي ضوءاً على التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمل بمقتضاها النبي صلى الله عليه وسلم في إدارة الدولة الإسلامية الأولى.

وفي القرآن الكريم ذكر لبعض الأحداث التاريخية في عصر السيرة مثل بدر، أحد، الخندق، حنين (1)، حيث يصور الظروف والأجواء العامة التي وقعت فيها الغزوات والأحداث الأخرى الهامة، وخاصة الأبعاد النفسية مما لا نستطيع الحصول عليه - بالدقة والصدق التي ترد في القرآن الكريم - من المصادر الأخرى.

وكذلك نجد فيه تصويراً دقيقاً للصراع الفكري والمادي بين المسلمين واليهود في الحجاز (2) وبإشارة القرآن الكريم إلى الأمم الماضية وسَّع النظرة التاريخية عند المسلمين فشملت دراساتهم التاريخية الأنبياء السابقين والأمم الماضية، وبتطرقه إلى أحداث خارج شبه الجزيرة العربية كالصراع بين الروم والفرس جعلهم يهتمون بالتاريخ العالمي فيسجلون أخبار الروم والفرس والترك والأحباش وغيرها (3).

ولكن ينبغي أن لا نتوقع تفاصيل عن الأحداث التاريخية في القرآن الكريم لأنه ليس كتاباً في التاريخ بل هو دستور للحياة، ثم إن هناك صعوبة في معرفة أسباب ووقت نزول كثير من الآيات، إما لعدم ورود روايات في ذلك أو لتضارب الروايات الواردة (4) مما يحتاج إلى تحقيق لتمييز الروايات الصحيحة أولاً ثم إزالة التعارض إن وجد بعد ذلك.

(1) نجد تفصيلاً عن بدر في سورة الأنفال، وعن أحد في سورة آل عمران وعن الخندق في سورة الأحزاب، وعن حنين في سورة التوبة، كما أشارت آيات في سور أخرى إلى هذه الغزوات.

(2)

انظر عن الصراع الفكري سورة البقرة، وعن الصراع المادي سورة الحشر والأحزاب مثلاً.

(3)

الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب ص 18، 51.

(4)

صالح العلي: محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام (فصل المصادر).

ص: 48

وينبغي التفطن إلى أن الإفادة التامة من القرآن الكريم لا تتم إلا بالرجوع إلى كتب التفسير الموثقة، وخاصة التفسير بالمأثور مثل تفسير الطبري وتفسير ابن كثير، وينبغي أيضاً الرجوع إلى كتب الناسخ والمنسوخ، وكتب أسباب النزول وغيرها مما يتصل بالقرآن وعلومه.

إن بعض المؤرخين المعاصرين يأنفون من الرجوع إلى هذه المؤلفات، ويعتمدون على ذوقهم في فهم أساليب اللغة ومعانيها مما يؤدي بهم إلى وقوع في أخطاء كبيرة، مثل تفسير المستشرقين لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} حيث ذهبوا إلى أن الأمية هنا تعني الجهل بالدين لا الكتابة، في حين أن القرآن الكريم وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} ولا يعقل أن يكون النبي جاهلاً بالدين (1).!!!.

إن النزاهة العلمية تقتضي الرجوع إلى كتب التفسير الموثقة وإعطاء النصوص القرآنية معانيها الصحيحة المرادة، وليس تأويلها تبعاً للهوى رغبة في دعم رأي أو مذهب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله:"من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليبوأ مقعده من النار"(2).

أما عن أهمية الحديث في دراسة السيرة المطهرة، فإن الأحاديث توضح العقائد والآداب الإسلامية، وتبين أحاديث الأحكام النواحي العبادية والتشريعية من صوم وصلاة وحج وزكاة ونظم سياسية ومالية وإدارية، ولا يمكن تكامل تصور الإسلام إلا بمعرفة الحديث، ولكل هذه الجوانب التي تناولتها الأحاديث صلة بالحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وما تلاه، لأن المسلمين التزموا - بتطبيق "السنة" في حياتهم إلى حد كبير.

(1) صبحي الصالح: علوم الحديث ص 15 - 16.

(2)

مقدمة تفسير ابن كثير.

ص: 49

وكذلك فإن بعض مصنفات الحديث تخصص قسماً للمغازي والسير مثل صحيح البخاري (1). ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحه لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سنداً ومتناً، وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث لم تحظ به الكتب التاريخية، ولكن ينبغي التفطن إلى أن كتب الحديث - بحكم عدم تخصصها - لا تورد تفاصيل المغازي وأحداث السيرة بل تقتصر على بعض ذلك، مما ينضوي تحت شرط المؤلف أو وقعت له روايته، ومن ثم فإنها لا تعطي صورة كاملة لما حدث وينبغي إكمال الصورة من كتب السيرة المختصة، وإلا فقد يؤدي ذلك إلى لبس كبير (2).

ولكن بسبب ترتيب الأحاديث في كتب الحديث إما على الرواة من الصحابة مثل كتب المسانيد ومن أجلّها مسند الإمام أحمد بن حنبل أو على المواضيع مثل الكتب الستة، دون مراعاة عنصر الزمن في كلا الترتيبين، لذلك تبرز أمام الباحث صعوبة في تحديد الأحاديث زمنياً على أن كتب السير والتاريخ المرتبة على السنين تسد هذا النقص في كثير من الحالات. إن أقدم كتب الحديث الشاملة التي وصلت إلينا هي موطأ مالك وصحيحا البخاري ومسلم وسنن أبي داود

(1) انظر كتاب المغازي في الجزء الخامس منه.

(2)

ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجم بني المصطلق وهم غارون (أي بغتة دون إنذار) وهو يخالف منهجه صلى الله عليه وسلم المتمثل بالآية الكريمة {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} وكتب السيرة توضح أنه أنذر بني المصطلق، فلو اقتصرنا على رواية الصحيحين دون أن نتبين حكم الإسلام في إنذار العدو لوقعنا في خطأ ولبس (أنظر محمد الغزالي فقه السيرة، ط 4 ص 10، 308).

ص: 50

والترمذي والنسائي وابن ماجة ومسند الدارمي ومسند أحمد بن حنبل (1).

أما كتب الدلائل فهي تتناول المعجزات والدلائل التي تبين صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

ورغم أن كتب الحديث اشتملت على أبواب في علامات النبوة وآياتها ودلائلها (2) وخصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أقدم من أفردها محمد بن يوسف الفريابي (ت 212 هـ) وهو محدث ثقة ثبت في كتابه (دلائل النبوة) * ثم على ابن محمد المدائني (ت 225 هـ) في كتابة (آيات النبي)(3) وداود بن علي الأصبهاني (ت 270 هـ) في كتابه (أعلام النبوة) وابن قتيبة (ت 276 هـ) في مؤلفه (أعلام رسول الله) وابن أبي حاتم (ت 327 هـ) في كتابه (أعلام النبوة) وأبو بكر بن أبي الدنيا (ت 281 هـ) وأبو عبد الله بن مندة (ت 395 هـ) وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ) وقد طبع مختصر منه، وفيه روايات كثيرة ضعيفة. والقاضي عبد الجبار المعتزلي (ت 415 هـ) في كتابه (تثبيت دلائل النبوة) وهو مطبوع.

وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري (ت 432 هـ).

وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ) وكتابه مطبوع، ويضم أحاديث صحيحة وحسنة وأخرى ضعيفة وموضوعة، وقد امتدح الحافظ الذهبي هذا الكتاب (4).

وأبو الحسن على بن محمد الماوردي (ت 450 هـ) وكتابه مطبوع.

(1) يعطي كتاب (مفتاح كنوز السنة) لفنسنك فكرة عن كمية الأحاديث المهمة المتعلقة بموضوعات السيرة كما يعين كتاب (المعجم المفهرس في ألفاظ الحديث النبوي) لفنسنك وجماعة من المستشرقين على تخريج أحاديث السيرة.

(2)

صحيح البخاري 2/ 140 ط. بولاق، وصحيح مسلم وغيرهما من الكتب.

(*) الألباني: فهرست مخطوطات الظاهرية 373.

(3)

ابن النديم: الفهرست 113.

(4)

سير أعلام النبلاء 6/ 116.

ص: 51

وأبو القاسم إسماعيل الأصفهاني (ت 535 هـ).

وعمر بن علي بن الملقن (ت 804 هـ) في كتابه (خصائص أفضل المخلوقين) وأخيراً جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه (الخصائص الكبرى) وهو مطبوع ويتناول السيرة والدلائل والشمائل. وكتب الخصائص كثيرة فاقتصرت على بعضها، وليست هذه القائمة مشتملة على سائر ما ألِّف فهناك مؤلفات أخرى في هذا الموضوع.

أما كتب الشمائل فتتناول أخلاق وآداب وصفات النبي صلى الله عليه وسلم، وأقدم من أفرادها: أبو البختري وهب بن وهب الأسدي (ت 200 هـ) في مؤلفه "صفة النبي" ثم أبو الحسن على بن محمد المدائني (ت 224 هـ) في كتابه "صفة النبي" ثم داود بن علي الأصبهاني (ت 270 هـ) في كتابه (صفة أخلاق النبي) كما ذكر ابن النديم (1) والحافظ الترمذي (ت 279 هـ) في كتاب (الشمائل النبوية والخصائص المصطفوية) وهو مطبوع.

ثم أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني (ت 369 هـ) في كتابه (أخلاق النبي وآدابه) وهو مطبوع.

ثم أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري (ت 406 هـ) في كتاب (شرف المصطفى). ثم أبو العباس المستغفري (ت 432 هـ) في كتاب (شمائل النبي).

ثم القاضي عياض (ت 544 هـ) بعنوان (كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى) وهو مطبوع أيضاً، وهو كتاب جامع.

وخرّج أحاديثه الحافظ السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه (مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا). وهو مطبوع.

وشرحه عدد من العلماء منهم علي القاري (ت 1014 هـ) في (شرح

(1) الفهرست 272.

ص: 52

الشفا) مطبوع، والخفاجي (ت 1069 هـ) في كتابه (نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض)، ثم صنف الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) كتابه (شمائل الرسول) وهو مطبوع.

أما كتب السيرة المختصة فإنها تلي من حيث الدقة القرآن الكريم والحديث الشريف، ومما يعطيها قيمة علمية كبيرة أن أوائلها كتبت في وقت مبكر جداً، وعلى وجه التحديد في جيل التابعين حيث كان الصحابة موجودين فلم ينكروا على كتاب السيرة مما يدل على إقرارهم لما كتبوه، والصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة لأنهم عاشوا أحداثها وشاركوا فيها، وكانت محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتعلقهم به ورغبتهم في اتباعه وأخذهم بسنته في الأحكام سبباً في ذيوع أخبار السيرة ومذكراتهم فيها وحفظهم لها، فهي التطبيق العملي لتعاليم الإسلام. وقد اشتهر عدد من الصحابة باهتمامهم الكبير بموضوع السيرة منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب (1).

وكذلك فإن التبكير في كتابة السيرة قلل إلى حد كبير من احتمال تعرضها للتحريف أو للمبالغة والتهويل أو للضياع.

ولقد كتبت عدة دراسات حديثة عن رواد كتابة السيرة من التابعين ومن تلاهم (2)، ولكنها لم تهتم ببيان حالهم من الجرح والتعديل ولم تقوم مؤلفاتهم من زاوية حديثية ووفق قواعد مصطلح الحديث وهم:

أبان بن عثمان بن عفان (ت101 - 105 هـ) وهو محدث ثقة عن التابعين.

(1) ابن سعد 5/ 292 ومسند أحمد 2/ 179، 180، 184، 204، 207، 222.

(2)

من الدراسات الشاملة في تاريخ كتابة السيرة:

هوروفتس: المغازي الأولى ومؤلفوها.

مارغوليوس: دراسات عن المؤرخين العرب.

عبد العزيز الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب

صالح العلي: فصل ضمن كتابه (محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام). =

ص: 53

عروة بن الزبير بن العوام (ت 94 هـ) وهو محدث ثقة من التابعين، وبعد أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة (1).

عامر بن شراحيل الشعبي (ت 103 هـ). وهو محدث ثقة له كتاب المغازي (2). عصام بن عمر بن قتادة (ت 119 هـ) وهو محدث ثقة.

محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت124 هـ) وهو من كبار المحدثين في عصره (3).

= جواد علي: فصل في بداية كتابه (تاريخ العرب في الإسلام، السيرة النبوية).

سيدة إسماعيل كاشف، دراسة في مصادر التاريخ الإسلامي.

مارسدن جونس: مقدمته لكتاب (مغازي الواقدي).

حسين نصار: نشأة التدوين التاريخي عند العرب.

وكتبت بحوث خاصة بواحد من رواد المغازي مثل مقال الدوري (دراسة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومؤلفها ابن إسحق) ودراسة fuck عن محمد بن إسحق (بالانكليزية) ومقال خالد العسلي عن على المدائني ومقال أكرم العمري عن موسى بن عقبة، والحاجة الشديدة إلى قيام ببحوث دقيقة أخرى تتناول بقية رواد المغازي.

(1)

تصرح رواية ابن سعد بأن أبان بن عثمان بن عفان كتب المغازي (الطبقات 5/ 156) وتبيّن رواية أخرى أنه كتاب كبير وأنه يبرز فضائل الأنصار، وأنه كتبه قبل سنة اثنتين من الهجرة (الموفقيات 222 - 123) وانظر التفاصيل في دراسة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي:(مغازي عروة بن الزبير 27 - 29) ويرى الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف (تهذيب الكمال للمزي 1/ 91 حاشية 1) أن نسبة كتاب المغازي لأبان بن عثمان مجرد وهم والصواب أنه لأبان بن عثمان البجلي مولاهم المعروف بالأحمر، حيث ينسب الصفدي إليه كتاب "المبتدأ والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والردة" وهذا الذي ذهب إليه الدكتور الفاضل ترده روايتا ابن سعد والزبير بن بكار. وقد أخذ المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني المغازي كتابة عن أبان بن عثمان بن عفان، فكانت كثيراً ما تقرأ عليه، وقبل وفاته أمر أولاده بتعليمها (ابن عساكر: تاريخ دمشق 17/ ق 202 ترجمة المغيرة بن عبد الرحمن).

(2)

جمع الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي مرويات عروة من رواية أبي الأسود عن عروة فقط، ونشرت من قبل مكتب التربية العربي لدول الخليج. وقد نص على تأليف عروة في المغازي كل من ابن النديم (الفهرست 123) والذهبي:(سير أعلام النبلاء 6/ 150) وابن حجر: (فتح الباري 5/ 333) والسخاوي: (الإعلان بالتوبيخ 88) وحاجي خليفة (كشف الظنون 2/ 1747).

(3)

الخطيب: تاريخ بغداد 12/ 230.

ص: 54

وثقة الجهابذة من علماء الجرح والتعديل، وهو أول من استخدم طريقة جمع الأسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد، وقد انتقد الزهري لتلفيقه الحديث أحياناً عن عدد من شيوخه دون أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر، لكن هذا الانتقاد الذي حكاه القاضي عياض عن القدامى ردّه كبار العلماء مثل النووي والعراقي، حيث أوضحا أن عمله جائز ما دام قد بين ذلك وما دام الجميع ثقات (1).

شرحبيل بن سعد المدني (ت 123) وهو صدوق اختلط بآخره، مات وقد قارب المائة (2). وقد خرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في صحيحيهما، وقال ابن عيينة: لم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه (3).

يزيد بن هارون الأسدي المدني (ت 130 هـ) تابعي ثقة، ألفّ في المغازي معتمداً على عروة والزهري، يروي عنه ابن إسحق (4).

عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم (ت 135 هـ)، وهو محدث ثقة من التابعين.

موسى بن عقبة (ت 140 هـ) وهو محدث ثقة من تلاميذ الزهري، وقد أثنى الإمام مالك على كتابه في المغازي وقال إنه أصح المغازي (5). وقال يحي ابن معين:"كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب"(6).

وقال الإمام الشافعي: "ليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره"(7).

(1) انظر النووي شرح صحيح مسلم 5/ 628، والعراقي: طرح التثريب 8/ 47.

(2)

تقريب التهذيب / 265.

(3)

تهذهيب التهذيب 4/ 321 - 322.

(4)

ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 225.

(5)

الذهبي: سير أعلام النبلاء 6/ 115.

(6)

المصدر السابق 6/ 117.

(7)

الخطيب: الجامع لأخلاق الراوي وآداب الجامع 225.

ص: 55

وقال الذهبي: "وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها وغالبها صحيح ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة"(1).

وقد اطلع الحافظ ابن حجر على مغازي موسى بن عقبة وتملك حق روايتها بالإجازة (2). وكذلك سمعها على بن عثمان بن الصيرفي (ت 844 هـ) من حسن بن محمد بن القريشة (3).

سليمان بن طرخان التيمي (ت 143 هـ) وهو محدث ثقة من التابعين، ويعتبر من علماء الجرح والتعديل، وقد اطلع الحافظ ابن حجر على سيرته (*). له كتاب (السيرة الصحيحة) مفقود إلا قسما (4).

معمر بن راشد (ت 153 هـ) وهو محدث ثقة من تلاميذ الزهري أيضا. "كان من أوعية العلم مع الصدق والتحري والورع والجلالة وحسن التصنيف"(5).

محمد بن إسحق (ت151 هـ) من تلاميذ الزهري، إمام في المغازي لكن مروياته لا ترقي إلى درجة الصحيح بل الحسن بشرط أن يصرح بالتحديث لأنه مدلس، سيرته على الحسن والضعيف معاً، وقد قال ابن عدى "وقد فتشت أحاديث فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو يهم، كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به".

(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 6/ 115 - 116.

(2)

المعجم المفهرس 1/ 184، 2/ 27 ب.

(3)

معجم الشيوخ لابن فهد 175.

(*) فتح الباري 1/ 23، 7/ 497، 8/ 711 ويذكر أن الذي رواه هو محمد بن عبد الأعلى عن معمر بن سليمان عن أبيه وكان قد أطلع عليها من قبله ابن خير الأشبيلي وتمتلك حق روايتها (فهرست 231) ونقل منها السهيلي (الروض الأنف 1/ 271، 272، 273، 2/ 53،48).

(4)

نشره فون كريمر بالهند في آخر كتاب مغازي الواقدي وهو في 77 صفحة.

(5)

سير أعلام النبلاء 7/ 6.

ص: 56

وهذه الشهادة عظيمة الأهمية لا لمكانة ابن عدي ولتشدده في التوثيق فقط، بل لأنها مبنية على سبر الروايات وليس على نقل أقوال النقاد القدامى فقط والتي تدور حول اتهام ابن إسحق بالقدر وبالتشيع والتدليس (1) وبالتصحيف فقد انتقده يحيي بن سعيد الأموي بقوله:"ابن إسحق يصحف في الأسماء لأنه إنما أخذها من الديوان"(2) ومرة باحتمال كذبه في الرواية عن فاطمة زوجة هشام بن عروة بن الزبير، ولم يثبت كذبه فقد رد الاتهام عدد من الأئمة النقاد منهم الإمام أحمد بن حنبل، وقال الحافظ الذهبي:"لا ريب أن ابن إسحق كثَّر وطول بأنساب مستوفاة، اختصرها أملح، وبأشعار غير طائلة حذفها أرجح، وبآثار لم تصحح، مع أنه فاته شئ كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح ورواية ما فاته"(3).

وقال الذهبي:"ابن إسحق حجة في المغازي وله مناكير وعجائب"(4).

وقد أجاد الحافظ الذهبي في بيان مرتبة حديثه فقال عنه: "وله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة، إلا فيما شذّ فيه فإنه يعد منكراً"(5).

وقال الحافظ العراقي: "المشهور قبول حديث ابن إسحق إلا أنه مدلس فإذا صرّح بالتحديث كان حديثه مقبولاً"(6).

وقال الحافظ الذهبي (7): "والذي يظهر لي أن ابن إسحق حسن الحديث صالح الحال صدوق، وما تفرّد ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئاً، وقد احتج به الأئمة".

(1) المصدر السابق 7/ 139

(2)

العسكري: تصحيفات المحدثين 1/ 26.

(3)

المصدر السابق 6/ 116.

(4)

العلو للعي الغفار 39.

(5)

الذهبي: سير أعلام النبلاء 7/ 141.

(6)

العراقي: طرح التثريب شرح التقريب 8/ 72.

(7)

الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 475.

ص: 57

وقال أيضاً "كان أحد أوعية العلم حبراً في معرفة المغازي والسير، وليس بذلك المتقن، فانحط حديثه عن رتبة الصحة، وهو صدوق في نفسه مرضي"(1).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "ما ينفرد به وإن لم يبلغ الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث

وإنما يصحح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن، ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحاً، وهذه طريقة ابن حبان ومن ذكر معه" (2). ولا يعني ذلك توثيق سائر مرويات كتابه في السيرة، فقد أورد فيها روايات منكرة ومنقطعة كما قال عنه الحافظ الذهبي: "صالح الحديث ماله عندي ذنب إلا ما قد حشاه في السيرة من الأشياء المنكرة والمنقطعة" (3).

وقد قام الحافظ ابن حجر بتخريج الأحاديث المنقطعة في سيرة ابن هشام في مصنف مستقل، وللأسف فقد هذا المصنف (4).

إن رواة السيرة عن ابن إسحق هم يزاد بن عبد الله البكائي - ومن طريقه رواها ابن هشام - وبكر بن سليمان - ومن طريقه يروي خليفة بن خياط في التاريخ - وسلمة بن الفضل الأبرش - وفيه يقول الطبري: "ليس من لدن بغداد إلى أن يبلغ خراسان اثبت في ابن إسحق من سلمة بن الفضل"(5).

ويونس بن بكير (ت 195 هـ) - ويرى ابن حجر أنه صدوق يخطئ (6)،

(1) الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/ 173.

(2)

ابن حجر: فتح الباري 11/ 163.

(3)

الذهبي: ميزان الاعتدال 11/ 469.

(4)

عنوان المجد 1/ ق 51.

(5)

ابن حجر: تهذيب التهذيب 4/ 154.

(6)

ابن حجر: تقريب التهذيب 2/ 384، وسقطت منه كلمة "صدوق" لكنها مثبتة في الطبعة الباكستانية ص 340.

والذهبي: سير أعلام النبلاء 9/ 245.

ص: 58

ويرى الذهبي بأنه حسن الحديث. وقد أخرج له مسلم في الشواهد لا في الأصول، وذكره البخاري في الشواهد (1). في حين أن ناقداً قديماً هو أبو داود السجستاني كان يصرح بأنه ليس بحجة وأنه كان يأخذ كلام ابن اسحق فيوصله بالأحاديث (2). وإبراهيم بن سعد الزهري (ت 185 هـ) - ومن طريقه يروي أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي- وهي الرواية التي اقتبس بواسطتها الحاكم النيسابوري في المستدرك (3). - وهارون بن أبي عيسى - حيث اعتمد ابن سعد على روايته - وعبد الله بن إدريس الأودي- ومن طريقه أخذ ابن سعد أيضاً. ويحيى بن سعد الأموي الذي تحصل على المغازي عن ابن اسحق سماعاً وزاد فيها (4). وتوجد بعض الاختلافات بين هذه الروايات للسيرة، مما يدل على أن ابن إسحق كان ينقح في سيرته مع الأيام.

ويبدو أن رواية يونس بن بكير من أقدم هذه الروايات، وأن البكائي حمل نسخة كان ابن إسحق قد نقحها، ومن ذلك أن عبد الله بن مسعود ذكره ابن إسحق - في رواية البكائي - في مهاجرة الحبشة الهجرة الثانية (5). وفي رواية يونس ابن بكير عده في المهاجرين الأولين (6).

كذلك فقد ورد في رواية البكائي أن جعفر بن أبي طالب هو الذي كلم النجاشي باسم المسلمين.

أما في رواية يونس بن بكير فإن عثمان بن عفان هو الذي كلم النجاشي، وأن جعفر بن أبي طالب قام بعمل المترجم فقط، ولكن ابن إسحق عقب على هذه الرواية بنفي صحتها (7).

(1) ابن حجر: تهذيب التهذيب 11/ 434 - 435.

(2)

الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 478.

(3)

الحاكم: المستدرك 3/ 128.

(4)

الخطيب: تأريخ بغداد 14/ 133.

(5)

سيرة ابن هشام 1/ 358.

(6)

ابن إسحق: السير والمغازي، تحقيق سهيل زكار، 176، 228.

(7)

المصدر السابق 218.

ص: 59

ومن هذه الاختلافات بين الروايات العديدة لسيرة ابن إسحق ما ذكره ابن إسحق في رواية يونس بن بكير من أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى النجاشي الأصحم كتاباً - في الوقت الذي أرسل فيه كتاباً إلى ملوك الأرض - يدعوه إلى الإسلام (1). في حين لم يذكر (الأصحم) في رواية البكائي (2).

مما يدل على تنقيح ابن إسحق لسيرته، لأن النجاشي أصحمة أسلم فتكون الدعوة موجهة لنجاشي آخر بعده كما نص على ذلك الإمام مسلم (3).

أبو معشر السندي (ت 171 هـ) وهو بصير في المغازي ضعيف في الحديث، لكن ضعفه نسبي يكتب معه حديثه، لاسيما حديثه عن محمد بن كعب ومحمد بن قيس تمشياً مع رأي الطبقة المتوسطة من النقاد، لأن منهج المحدثين الأخذ بقول الطبقة المتوسطة في التجريح إذا تعارض مع قول الطبقة المتشددة (4).

وعبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن حزم المدني (ت 176 هـ) محدث ثقة في كتابه "المغازي"(5).

يحيي بن سعيد الأموي (ت 194 هـ) محدث ثقة صنف المغازي.

الوليد بن مسلم الدمشقي (ت 196 هـ) محدث ثقة.

ويونس بن بكير (ت 199 هـ) وهو أحد رواة سيرة ابن إسحق وله زيادات على المغازي كما ذكر الحافظ ابن حجر (6).

(1) سيرة ابن إسحق، تحقيق محمد حميد الله 210.

(2)

سيرة ابن هشام 4/ 279.

(3)

صحيح مسلم 3/ 1397.

(4)

راجع ابن حبان: المجروحين 3/ 60، والتاريخ الكبير للبخاري 8/ 114، وتاريخ بغداد للخطيب 13/ 427، والذهبي: سير أعلام النبلاء 7/ 435 - 440، وابن حجر: تهذيب التهذيب 10/ 420 - 421.

(5)

ابن النديم: الفهرست 282.

(6)

الإصابة 1/ 242.

ص: 60

محمد بن عمر الواقدي (ت207 هـ). وهو ضعيف عند المحدثين (1) مع غزارة مادته العلمية، ويقدم أحياناً إضافات على سيرة ابن إسحق، ويبدي رأيه في الروايات ويرجح بينها (2). وكان يمتلك مكتبة كبيرة تضم ستمائة قمطر كتب، واحتاج نقلها من الكرخ إلى الرصافة إلى عشرين ومائة وقر (3). ولم يقتصر على ما في الكتب بل تتبع مواضع الأحداث التاريخية بنفسه ووصفها، ولا تصلح مروياته للاحتجاج بها فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة، ولكنها تنفع في وصف تفاصيل الأحداث مما لا يتصل بالعقيدة والشريعة، خاصة إذا لم يخالف الأخبار الصحيحة، فقد قال الحافظ ابن حجر - وهو الذي حكم على الواقدي بأنه متروك:"والواقدي إذا لم يخالف الأخبار الصحيحة ولا غيره من أهل المغازي فهو مقبول عند أصحابنا"(4). وقد انتقى الحافظ ابن حجر من مغازي الواقدي وقال إنه في نفسه مصدر عند أهل العلم وأركان معدي المغازي مما لا يخالف غيره فيه (5).والملاحظ في استقراء مغازيه أنه يسوق روايات كثيرة، من طرق فيها رجال لا نجد لهم تراجم في كتب علم الرجال، وأما الروايات التي ينقلها ابن سعد عن الواقدي فيبدو أنه انتقاها، حيث نجد تراجم رجال الإسناد في كتب علم الرجال، ومعنى ذلك أن أسانيد الواقدي فيها رجال ليست لهم رواية في الحديث، لذلك لم تترجم لهم كتب الرجال، أو أنهم مختلقون وضع أسماءهم الواقدي أو بعض شيوخه. وقد قال الإمام أحمد:"الواقدي يركب الأسانيد"(6). ومن هنا يتضح سبب اتهام المحدثين النقاد له بالكذب والوضع

(1) الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 21.

(2)

الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب 31.

ومارسدن جونسن: مقدمة مغازي الواقدي 34.

(3)

الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 5 - 6.

(4)

ابن حجر: التلخيص الحبير 2/ 291.

(5)

ابن حجر: منتقى من مغازي الواقدي ق 83 ب.

(6)

الخطيب تاريخ بغداد 3/ 13.

ص: 61

وحكمهم عليه بأنه متروك، ولا شك أن جمع مرويات الراوي ودراستها والحكم عليه من خلالها كان منهج كثير من الأئمة النقاد في الحكم على الرواة المكثرين. وقد لخص الحافظ الذهبي الحكم عليه بدقة بارعة فقال:"جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطّرحوه لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم". ثم قال: "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، وتورد آثاره من غير احتجاج. أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر، فهذه الكتب الستة ومسند أحمد وعامة من جمع في الأحكام تراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئاً. مع أن وزنه عندي أنه ضعيف يكتب حديثه ويروي لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه كيزيد وأبي عبيد والحربي ومعن، إذ انقعد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة وأن حديثه في عداد الواهي"(1).

وقد مال أبو داود السجستاني إلى أن الواقدي كان يفتعل الحديث، وأضاف:"ليس ننظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره، وروى في فتح اليمين وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري"(2).

وقال يحيي بن معين: "نظرنا في حديث الواقدي، فوجدنا حديثه عن المدنيين عن شيوخ مجهولين أحاديث مناكير، فقلنا يحتمل أن تكون تلك الأحاديث المناكير منه، ويحتمل أن تكون منهم، ثم نظرنا إلى حديثه عن ابن أبي ذئب ومعمر فإنه يضبط حديثهم، فوجدناه قد حدث عنهما بالمناكير، فعلمنا أنه منه فتركنا حديثه"(3).

(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 9/ 454، 469.

(2)

الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 15، 16.

(3)

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 20.

ص: 62

وقال ابن حبان: "كان يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الثقات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك"(1).

وقال ابن عدي: "ومتون أخبار الواقدي غير محفوظة، وهو بيّن الضعف والبلاء منه"(2).

وقد دافع ابن سيد الناس عن الواقدي فقال: "إن سعة العلم مظنة لكثرة الإغراب، وكثرة الإغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم فكثرت غرائبه"(3).

ومال إلى صدقه الحافظ ابن كثير فقال:"الواقدي عنده زيادات حسنة وتاريخ محرر غالباً، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار"(4).

محمد بن عائذ الدمشقي (ت 234 هـ) محدث ثقة. سمع الحافظ الذهب معظم كتاب المغازي له (5). وقرأ الحافظ ابن حجر جزءا منتقى من مغازيه (6)

على بن محمد المدائني (ت 225 هـ) ذكر ابن عدي أنه ليس بالقوي في الحديث، وترجم له العسقلاني في لسان الميزان - وهو كتاب يختص بتراجم الضعفاء - مما يدل على أنهم تكلموا فيه بالتضعيف في الحديث (7). ولكن ورد في ترجمته ما يدل على صدقه في الأخبار. قال عنه الطبري:"كان عالما بأيام الناس صدوقاً في ذلك"(8) وقال عنه الحافظ الذهبي: "العلامة الحافظ الصادق ..

(1) ابن حبان: المجروحين 2/ 290.

(2)

ابن عدي: الكامل 6/ 2245.

(3)

ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/ 26 وقد ذكر ابن المديني وابن معين أن الواقدي أغرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين ألف حديث (الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 13).

(4)

ابن كثير: البداية والنهاية 3/ 234.

(5)

الذهبي: سير أعلام النبلاء 11/ 6

(6)

ابن حجر: المعجم المفهرس ق 27 ب

(7)

ابن حجر: لسان الميزان 4/ 253

(8)

المصدر السابق: 4/ 253.

ص: 63

كان مصدقاً فيما ينقله عالي الإسناد" (1).

ويمتاز المدائني بتناوله موضوعات من السيرة أفردها في مصنف، وهي مهمة في دراسة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للسيرة، ويعتبر فقدانها خسارة جسيمة لعلم التاريخ الإسلامي.

وصالح بن إسحق الجرمي النحوي (ت 225 هـ)"كان جليلاً في الحديث والأخبار، وله كتاب في السيرة عجيب"(2).

وإسماعيل بن جميع (ت 277 هـ) في كتابه (أخبار النبي ومغازيه وسراياه)(3).

وسعيد بن يحيي بن سعيد الأموي (ت 249 هـ) محدث ثقة صنف المغازي (*).

وأحمد بن الحارث الخرَّاز (ت 258 هـ) في كتابه (مغازي النبي وسراياه وأزواجه).

وعبد الملك بن محمد الرقاشي البصري (ت 276 هـ) في كتابه (المغازي) وهو صدوق يخطئ.

وإبراهيم بن إسماعيل العنبري الطوسي (ت 280 هـ) في كتابه (المغازي).

وإسماعيل بن إسحق القاضي (ت 282 هـ) في كتابه (المغازي).

وقد ذكرت كتب التراجم أسماء عدد من التابعين وأتباعهم من وتلاهم ووصفتهم بالعلم بالسيرة والاهتمام بها، مثل عكرمة مولى ابن عباس الذي قال عنه الطحاوي "عكرمة مولى ابن عباس والزهري عليهما يدور أكثر أخبار المغازي"(4) وأبي إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي (ت 127 هـ) ويعقوب بن عتبة بن المغيرة المدني (ت 128 هـ) وداود بن الحسين الأموي (ت 135 هـ)، وعبد الرحمن بن عبد العزيز الحنيفي (ت 162 هـ).

(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 400 - 401.

(2)

الخطيب: تاريخ بغداد 9/ 314.

(3)

الفهرست لابن النديم 112.

(4)

الطحاوي: شرح معاني الآثار 3/ 312.

(*) الذهبي: سير 9/ 139.

ص: 64

ومحمد بن صالح بن دينار (ت 168 هـ).

وعبد الله بن جعفر المخرمي المدني (ت170 هـ).

وهؤلاء لم تصرح المصادر بتأليفهم كتباً في السيرة بل أشارت إلى عنايتهم واهتمامهم بالتحديث بها (1).

لذلك لم أثبتهم ضمن أسماء المؤلفين في السيرة واكتفيت بهذه الإشارة إليهم.

هؤلاء هم الرواد الأوائل في كتابة السيرة، ويتضح من توثيق نقاد الحديث لأكثرهم ما تميزوا به من العدالة والضبط، وهما شرطان عند العلماء لتوثيق الرواة، فلئن كانوا قد وثقوا عند المحدثين رغم دقة شروطهم في التوثيق، ورغم ونظرتهم لهم على أنهم محدثون مادتهم الأحاديث وليسوا إخباريين مادتهم الأخبار، والنقاد يتشددون في مادة الحديث كثيراً ويتساهلون في قبول الأخبار (2) فإن هذا التوثيق يعطي كتاباتهم في السيرة قيمة علمية كبيرة.

لقد حفظ الله تعالى سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم من الضياع والتحريف والمبالغة والتهويل بأن هيأ لها جهابذة المحدثين ليعنوا بها ويدونوا أصولها الأولى قبل أن تتناولها أقلام المؤرخين والقصاصين، وهذه ميزة لمصادر السيرة لم تتوافر لغيرها من كتب التاريخ والأخبار.

ميزة لكون المحدثين ثقات مأمونين في الرواية، وميزة لكونهم علماء لهم مناهج واضحة في نقد الروايات سنداً ومتناً، ولهم أسلوب يتسم بالجدية والبعد عن الحشو والمبالغة.

(1) انظر: تراجمهم في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 260، وتاريخ بغداد 12/ 230، وتهذيب التهذيب 8/ 63 - 67، و 5/ 172، 6/ 388، و 11/ 293، وتاريخ التراث العربي 2/ 456.

(2)

أكرم العمري: مقدمة تاريخ خليفة بن خياط ص 24 - 25.

ص: 65

وحقاً فإن مصنفات هؤلاء الأعلام الذين ذكرتهم في السيرة معظمها مفقود لكن المصادر التالية التي وصلت إلينا اعتمدت على مصنفاتهم فنقلت عنها كثيراً بالأسانيد، وقد ظلت مادة المصنفات الأولى هي الأساس في المصنفات المتأخرة، ليس في المادة فقط بل في طريقة العرض أيضاً، ومن أبرز المصادر التي وصلت إلينا في السيرة.

(سيرة ابن هشام): وهي تهذيب لسيرة ابن إسحق، حيث حذف ابن هشام منها كثيراً من الإسرائيليات والأشعار المنتحلة وأضاف إليها معلومات في اللغة والأنساب، مما جعلها - بعد التهذيب - تنال رضا جمهور العلماء فليس من مؤلف بعده إلا كان عيالاً عليه. والحق أن الصورة التي تعطيها مغازيه عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تقترب إلى حد كبير مما أوردته كتب الحديث الصحيحة مما يعطي سيرته توثيقاً كبيراً. وقد شرح سيرة ابن هشام الحافظ السهيلي (ت 581 هـ) في كتابه "الروض الأنف" وهو مطبوع.

ومنها (الطبقات الكبرى) لمحمد بن سعد (ت 230 هـ) حيث خصص المجلدين الأولين من كتابه للسيرة، وابن سعد ثقة يتحرى في كثير من رواياته كما يقول الخطيب البغدادي والعسقلاني، لكنه ينقل عن الضعفاء مثل الواقدي الذي أكثر من النقل عنه حتى اتهمه ابن النديم بسرقة مصنفاته، لكن التدقيق يثبت أن ابن سعد مؤلف له منهجه وأنه يكثر النقل عن الواقدي كما يكثر عن شيوخ آخرين يبرز بينهم عفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى والفضل بن دكين والثلاثة من ثقات المحدثين (1). وقد ذكر الحافظ الذهبي:"ويقولون إن ما رواه عنه - أي الواقدي - كاتبه في الطبقات هو أمثل قليلاً في رواية الغير عنه"(2)

ومنها (تاريخ خليفة بن خياط) المتوفى 240 هـ، وهو محدث ثقة من شيوخ

(1) أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 56 - 57.

(2)

سير أعلام النبلاء 9/ 464.

ص: 66

الإمام البخاري في "الصحيح"، وكتابه تاريخ عام تناول في بدايته أحداث السيرة باقتضاب معتمداً على ابن إسحق بالدرجة الأولى (1).

ومنها (أنساب الأشراف) لأحمد بن يحيي بن جابر البلاذري (ت 279 هـ) وهو تاريخ عام مرتب على النسب وقد خصص البلاذري القسم الأول منه للسيرة، وينظر المحدثون إلى البلاذري نظرة تضعيف، فقد أورد العسقلاني ترجمته في كتابه عن الضعفاء (لسان الميزان).

ومنها (تاريخ الرسل والملوك) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) حيث خصص قسماً من تاريخه للسيرة والطبري ثقة واعتمد على ابن إسحق بالدرجة الأولى، ومنهج الطبري أنه لا يهتم بنقد الروايات التي يوردها من حيث الصحة والضعف بل يسوقها بأسانيدها تاركاً للقارئ مهمة التحقيق والترجيح (2).

ومنها (الدرر في اختصار المغازي والسير) لابن عبد البر القرطبي (ت 463 هـ) وهو من أعلام المحدثين في عصره، وقد اعتمد على سيرة ابن إسحق وسيرة موسى بن عقبة وتاريخ ابن أبي خيثمة إضافة إلى كتب الحديث (3)، ولم يصرح بالنقل عن الواقدي إلا في موضع واحد (4)، لكنه أشار إلى روايته لمغازيه (5)، وقد صرح بمتابعة ابن إسحق في البناء العام لكتابه (6)، ولم يتقيد بذكر الإسناد كثيراً.

ومنها (جوامع السيرة) لابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) وقد تخلى عن

(1) أكرم العمري: مقدمة تاريخ خليفة بن خياط ص 26 - 27.

(2)

الطبري: تاريخ الرسل والملوك (ط أبي الفضل إبراهيم) 1/ 8.

(3)

شوقي ضيف: مقدمة كتاب الدرر ص 8.

(4)

ابن عبد البر: الدرر ص 39.

(5)

المصدر السابق: ص 276.

(6)

المصدر السابق ص 29 وانظر شوقي ضيف: مقدمته للدرر ص 12.

ص: 67

طريقة ذكر الأسانيد ولم يشر إلى مصادره (1)، ورجح بين الروايات وأثبت في كتابه ما اختاره وحقق في تواريخ الأحداث (2) وغلبت عليه طريقة التلخيص فجرد السيرة من الأشعار والقصص (3).

ومنها (الكامل في التاريخ) لابن الأثير الجزري (ت 632 هـ)، وهو مؤرخ ثقة وكتابه تاريخ عام خصص قسماً منه للسيرة.

ومنها (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) لابن سيد الناس (ت 734 هـ) وهو محدث ثقة، وثقه الذهبي وابن كثير، وقد أكثر فيه النقل عن كتب الحديث إلى جانب كتب المغازي التي سبقته، وقد ذكر مصادره في مقدمة كتابه.

ومنها (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) وهو من أعلام العلماء في عصره، وكتابه نفيس في الشمائل والآداب والفقه والمغازي، فهو مزيج من ذلك كله.

ومنها (السيرة النبوية) للحافظ الذهبي (ت 748 هـ)، وهو مؤلف ثقة يمتلك عقلية ناقدة جيدة وخاصة في استخدام قواعد المحدثين التي يعتبر من أهل الاستقراء التام فيها، وقد اقتصر على نقد بعض الروايات في كتابه هذا.

ومنها (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير (ت 774 هـ) وهو تاريخ عام خصص قسماً منه للسيرة، وابن كثير من الأئمة الثقات المتحققين وثقه الذهبي والعسقلاني ابن العماد الحنبلي.

(1) لكنه صرح بالنقل عن خليفة بن خياط في ثلاثة مواضع، وعن تاريخ أبي حسان الزيادي في ثلاثة مواضع أيضاً، وعن الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر في موضع واحد، ورأي محققوا كتابه أنه نقل عن الدرر كثيراً بتصرف وقطع بذلك شوقي ضيف (راجع جوامع السيرة، المقدمة ص8 والدرر، المقدمة ص 15).

(2)

جوامع السيرة، مقدمة ص10.

(3)

المصدر نفسه ص 13.

ص: 68

ومنها (إمتاع الأسماع) للمقريزي، وهو ثقة، وقصد الاختصار وتخلي عن ذكر الإسناد، وقال السخاوي عن (الإمتاع):"فيه الكثير مما ينتقد"(1).

ومنها (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) لأحمد بن محمد القسطلاني (ت 923 هـ).

ومنها (شرح المواهب اللدنية) لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت 1122 هـ).

والمواهب وشرحه من الكتب الجامعة في الشمائل والسيرة.

ومنها (السيرة الحلبية) لبرهان الدين الحلبي (ت 841 هـ) فيه حشو وقصص إسرائيلي (2). وقد حذف أسانيد الروايات واكتفى بذكر راوي الخبر وشرح بعض الغريب وإضافة تعليقات أخرى.

ومنها (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) لمحمد بن يوسف الدمشقي الشامي (ت 942 هـ) انتخبها من أكثر من 300 كتاب.

هذا أهم ما وصل إلينا من مصادر السيرة، وهي كما ذكرت تلي من حيث الدقة القرآن الكريم والحديث الشريف، ولكن هذا لا يعني أن كل ما أوردته كتب السيرة له نفس القيمة من حيث الصحة، بل ولا يشترط أن يكون كله صحيحاً، بل فيه الصحيح والضعيف، وينبغي عند دراسة السيرة الاعتماد على الصحيح أولا ثم استكمال الصورة بما هو حسن أو مقارب للحسن، ولا يلجأ إلى الضعيف فيما له أثر في العقائد أو التشريع، ولا بأس من الأخذ به - عندما لا نجد غيره من الروايات القوية - فيما سوى ذلك من أخبار تتعلق بالحث على مكارم الأخلاق أو وصف لعمران أو صناعات أو زرع، أو ما شاكل ذلك.

وهذا المنهج اتبعه أهل الحديث أنفسهم، قال عبد الرحمن بن مهدي (ت 197 هـ) "إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام شدّدنا في

(1) السخاوي: الإعلان بالتوبيخ (ملحق علم التاريخ عند المسلمين) لروزنتال ص 30.

(2)

جواد على تاريخ العرب قبل الإسلام، السيرة النبوية ص 10.

ص: 69

الأسانيد وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال" (1).

إن السيرة بحاجة إلى تمحيص أسانيدها ومتونها تبعاً لقواعد المحدثين في نقد الحديث، ومما يعين على ذلك أن سائر مصادر السيرة المهمة قد أوردت الروايات تتقدمها الأسانيد، وأن معظم رواة السير من المحدثين الذين ترجمت لهم كتب الرجال وأوضحت حالهم وبينت ما قيل فيهم من جرح وتعديل.

إن عدم استعمال البعض لهذا المنهج يرجع إلى ما في ذلك من صعوبة وجهد في معرفة الرجال وأحوالهم والتفتيش عنهم، وفي إتقان علوم الحديث والتمرس على تطبيقها في النقد التاريخي، لكن آخرين قد يتجاهلون هذا المنهج ويغمطونه حقه بالتقليل من جدواه والتشكيك من قيمته وتوسيع بعض المآخذ عليه.

إن هؤلاء - لا شك - يجهلون حقيقته - وقد أوضح أسد رستم - وهو رجل نصراني لا يتعصب لدين - قيمة مناهج المحدثين في النقد مثبتاً لهم سابقتهم وإبداعهم، وذلك في كتابه (مصطلح التاريخ)، إنه لا بد من ابتاع هذا المنهج في نقد دراسة السيرة، بل دراسة التاريخ الإسلامي عامة، فلئن كان التدقيق في حقل السيرة أهم وأولى لتعلقها بالعقيدة والشريعة وصياغة الشخصية الإسلامية، فإن الحاجة إلى استعمال هذا المنهج في دراسة تاريخ الراشدين والأمويين والعباسيين شديدة لتأثير الأهواء على الإخباريين واختلاط الحق بالباطل اختلاطاً يصعب تمييزه إلا على المتضلعين بالرجال ومعرفة جرحهم وتعديلهم وميولهم وعقائدهم. إن كتب التاريخ مزيج من مقتطفات أوردها إخباريون ذوو اتجاهات سياسية ومذهبية متباينة، فلو أريد إعطاء صورة عن العصر الأموي مثلاً من خلال مرويات أبي مخنف فقط، فإنها تكون مغايرة كثيراً للصورة التي تكونها مرويات عوانة ابن الحكم أو أبي اليقظان النسابة وحدها.

(1) فتح المغيث 1/ 284.

ص: 70

مصادر أخرى تكميلية:

وتأتي المصادر التكميلية بعد القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب السيرة المختصة من حيث الدقة والأهمية، وهي تكمل معالم الصورة، وتملأ بعض الثغرات التي ظلت باقية بعد استيفاء المصادر الأصلية.

فكتب الأدب تلقي ضوءاً على الحياة الثقافية ومستوى المعيشة وأنواع الملابس والأطعمة والعادات وغير ذلك من جوانب الحياة في عصر السيرة، والشعر خاصة يعتبر وثيقة تأريخية مهمة حيث يعكس الحياة العقلية والاجتماعية ويصور المعارك ويبرز البطولات، ويكفي هنا الإشارة إلى دور كل من حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة في تصوير بعض أحداث السيرة، ولكن ينبغي الانتباه إلى أن كتب الأدب تعني بالشاذ والغريب والطريف فتدونه أكثر من عنايتها بأحداث الحياة الرتيبة، ومن هنا نتبين خطورة تعميم ما فيها.

وكتب معرفة الصحابة تترجم للجيل الذي عاش أحداث السيرة، فتقدم معلومات تاريخية موثقة، وإن كانت مشتتة وقليلة، بعضها يتناول أنسابهم وبعضها يتناول أخبارهم، وبقية كتب التراجم والرجال (إضافة لكتب معرفة الصحابة) تفيد في التعريف برجال أسانيد كتب السيرة مما له أثر كبير في دراسة موارد تلك الكتب وفي التمكين من نقد أسانيدها.

وكتب الجغرافية التاريخية تلقي ضوءاً على تضاريس الجزيرة العربية التي دارت فيها أحداث السيرة وتبين مستوى المعيشة وحاصلاتها الزراعية وتحدد المسافات بين الأماكن وتوضح توزيع العشائر.

وهكذا، فإن المصادر التكميلية تساعد على استكمال دراسة جوانب السيرة وإجلاء تفاصيلها ودقائقها.

(وبعد): فهذه نظرة عجلى في مصادر السيرة، ولا يسعني في الختام إلا الإشارة إلى حاجتنا إلى مناهج شاملة في النقد التاريخي والتفسير التاريخي، حيث

ص: 71

ستظل الدراسات التاريخية الإسلامية قاصرة وعاجزة عن التعبير - بصدق وعلمية - عن مسيرة أمتنا التاريخية ما لم تتكامل مناهج النقد والتفسير التاريخيين.

لقد قدم الفكر الأوروبي مجموعة كبيرة من الدراسات عن طبيعة التاريخ ومناهج نقده وتفسيره، بعضها مترجم إلى العربية (1)، ولكن هذه الدراسات تعكس وجهة النظر الغربية وهي نابعة من فلسفة الحياة الأوروبية، وطبيعة التاريخ الأوروبي ومشاكل دراسته، كما أن تطبيقاتها مأخوذه منه، ونحن بحاجة إلى دراسات - في مستواها - تنبع من عقيدتنا وتتكيف لتاريخنا ولا تنظر إليه من خلال زاوية النظر الغربية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض العرب المسلمين كتبوا دراسات أولية (2)، وطرحوا تصورات مفيدة بهذا الصدد، ولا شك أن توالي الجهود وتضافرها سينتهي إلى منهج كامل للبحث ونظرية شاملة لتفسير التاريخ الإسلامي من المنطلقات الإسلامية الصحيحة.

(1) مثل كولنوود: فكرة التاريخ.

ادورد كار: ما هو التاريخ؟

أ. ل. راوس: التاريخ أثره وفائدته.

فردريك انجلز: التفسير الاشتراكي للتاريخ.

لا نجلوا وسينيبوس: النقد التاريخي.

آرنت كاسيرر: في المعرفة التاريخية.

جوزيف هورس: قيمة التاريخ.

ايمري نف: المؤرخون وروح الشعر.

(2)

سيد قطب: في التاريخ فكرة ومنهاج.

فتحي عثمان: أضواء على التاريخ الإسلامي.

عبد الرحمن الحجي: نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي.

عماد الدين خليل: التفسير الإسلامي للتاريخ.

عبد الحميد صديقي: تفسير التاريخ.

ص: 72