الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آذنته بهم شجرة (1). ثم أوحى إليه خبرهم (2). وقد حددت رواية مرسلة عدد من الجن وأنهم كانوا تسعة (3). ولم تثبت من جن نصبين (4).
وبعد هذه الحادثة دعا الجن رسول الله مرة - وهو معسكر بأصحابه خارج مكة - فذهب معهم وقرأ عليه القرآن ثم أرى أصحابه آثارهم وآثار نيرانهم (5). وقد بين الشعبي أنهم وفد جن نصبين (6).
بدء الدعوة الجهرية:
انقضت مرحلة الدعوة السرية بنزول الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقال:"يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا ما جَّربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بن يدي عذاب شديد.
(1) صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 171) وصحيح مسلم بشرح النووي 4/ 171.
(2)
صحيح البخاري (الفتح 2/ 253) وصحيح مسلم بشرح النووي 4/ 167 - 168 وأما ما في مسند أحمد 1/ 167 من كونهم استمعوا إليه في صلاة العشاء، ففي إسناده انقطاع لأن عكرمة لم يسمع الزبير بن العوام كما قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (3/ 21 - 22) ولو ثبت فيمكن الجمع بينه وبين رواية الصحيح بأنه استمعوا إليه مرتين.
(3)
أخرجه الطبري من رواية محمد بن بشار والبزار من رواية أحمد بن إسحاق الأهوازي كلامها عن أبي أحمد الزبيري مرسلا وانفرد بوصله (عن عبد الله بن مسعود) أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف كما في الإصابة (مع الاستيعاب) 1/ 538. وتابع أبا أحمد الزبيري كل من يحي القطان ووكيع ويحي بن اليمان فرووه مرسلا (تفسير الطبري 26/ 31، 33 ودلائل النبوة 2/ 464).
(4)
أقوى ما يعول عليه هو حديث جابر الجعفي وهو ضعيف (جامع البيان للطبري 26/ 33 ومجمع الزوائد 7/ 106) وبقية الأحاديث في ذلك واهية (الطبري: جامع البيان 26/ 30 - 31،33 والطبراني: المعجم الكبير 11/ 256 وفي سندهما النضر أبو عمر متروك (مجمع الزوائد 7/ 106) والمعجم الأوسط 1/ 2أوفي إسناده عفير بن معدان متروك (مجمع الزوائد 7/ 106).
(5)
صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 168 - 170.
(6)
المصدر السابق من مرسل الشعبي، ويؤيده ما في صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 171) من حديث أبي هريرة.
فقال أبو لهب: تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا!! ثم قام.
فنزلت هذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (1).
وقد ذكرت روايات واهية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ثلاثين من أهل بيته على أثر نزول {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} فأكلوا وشربوا -وبعضها يشير إلى ظهور معجزة كفاية الطعام القليل للعدد الكبير- ثم سألهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة، وخليفتي في أهلي؟ فسكتوا. فقال علي: أنا (2). وفضائل علي رضي الله عنه كثيرة لكن هذه الرواية منكرة، وسائر شواهدها
(1) متفق عليه (فتح الباري 8/ 737) وصحيح مسلم من حديث ابن عباس 1/ 194 وقارن بروايتي أبي هريرة وعائشة 192 وهي مراسيل صحابة لأن الثلاثة لم يشهدوا الحادث (فتح الباري 8/ 502).
وحديث أبي هريرة مكمل لحديث ابن عباس في الخطبة حيث ساقها ابن عباس مقتصراً على بعضها وفيها يتكرر قوله "أنقذوا أنفسكم من النار" واقتصر أبو هريرة على بعضها الآخر (فتح الباري 5/ 382 وصحيح مسلم بشرح النووي 3/ 81) وقارن برواية أبي موسى الأشعري في سنن الترمذي 5/ 339 - 340 وعده الترمذي غريباً من حديث أبي موسى وأفاد أنه روى مرسلاً. وهكذا أخرجه مرسلاً الطبري في جامع البيان 19/ 120 وقارن برواية أبي يعلي الموصلي مسنده 2/ 40 - 41 بإسناد ضعيف فيه عبد الجبار بن عمر الأيلي ضعيف وعبد الله بن عطاء ضعيف (راجع عنهما تقريب التهذيب 332 وتهذيب التهذيب 6/ 103 - 104).
(2)
مسند أحمد 1/ 111 وكشف الأستار 3/ 183 بإسناد ضعيف ففي إسنادهما عباد بن عبد الله الأسدي ضعيف، وفيه شريك سيء الحفظ، وفيه عنعنة الأعمشي وهو مدلس.
وانظر شواهده التالفة عند ابن إسحاق: (السير والمغازي 145 - 146) وفي سنده عبد الغفار بن القاسم أبو مريم متروك كذاب شيعي (الطبري: تفسير 19/ 74 - 75 وابن كثير: التفسير 3/ 351) وراجع ترجمته في (الضعفاء للعقيلي 30/ 101) وابهمه ابن إسحاق في سنده، وكشف عنه أحمد بن عبد الجبار العطاري رواية السيرة (البيهقي: دلائل النبوة 2/ 178 - 180) وابن سعد: طبقات 1/ 187 وفي إسناده الواقدي ويزيد بن عياض متروكان. وابن أبي حاتم في تفسيره بإسناد فيه عبد الله بن عبد القدوس، رافضي ضعيف (ابن كثير: تفسير 3/ 351 - 352 وابن تيمية: منهاج السنة 4/ 81) والنسائي: خصائص على رقم 66 والطبري: تاريخ 2/ 321 كلاهما بإسناد ضعيف فيه ربيعة بن ناجد الأزدي الكوفي قال عنه الذهبي: "لا يكاد يعرف، وعنه أبو صادق بخبر منكر فيه علي أخي ووارثي"(ميزان الاعتدال 2/ 45) وأما توثيق الحافظ ابن حجر له في التقريب 208 فتابع فيه ابن حبان والعجلي وهما متساهلان (تهذيب التهذيب 3/ 263).
واهية حبكها الكاذبون وتخيلها القصاصون من أصحاب الأهواء. ويجعل الطبري نزول الآية " {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} " إيذانا بانتهاء مرحلة السرية، والآية مكية، وفيها ما يفيد الأمر بالجهر بالقرآن، ويحتمل أن تكون نزلت لتنهي مرحلة السرية، ولكن يصعب الجزم بذلك لضعف إسناد الرواية. (1)
"ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ أن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لابد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لابد وأن يكون له وقع كبير على بقية القبائل .. على أن هذا لا يعني أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محددة بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية، والواقع أن كثيراً من الآيات المكية كانت تنص على أن القرآن {مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} الأمر الذي يدل على أن فكرة الدعوة العالمية كانت قائمة منذ هذا الوقت المبكر"(2).
وقد أسلم في مرحلة الدعوة العلنية أبو ذر الغفاري، فقد استدل ابن حجر من قصة إسلام أبي ذر ورؤية علي له بأنها وقعت بعد المبعث بأكثر من سنتين بحيث يتهيأ لعلي أن يستقل بمخاطبة الغريب ويضيفه (3).
وقد وردت قصة إسلام أبي ذر من حديث صحابيين هما عبد الله بن عباس في صحيحي البخاري ومسلم، وعبد الله بن الصامت في صحيح مسلم وحده، وبينهما تعارض، ويرى القرطبي أن الجمع بينهما فيه تكلف شديد، في حين يرى
(1) تاريخ الطبري 2/ 318 وتفسير الطبري 14/ 68 وفي سنده موسى بن عبيدة ضعيف كما في التقريب.
(2)
عماد الدين خليل: دراسة في السيرة 66.
(3)
فتح الباري 7/ 174.
الحافظ ابن حجر أن بينهما مغايرة كثيرة ولكن الجمع بينهما ممكن (1). وعلى أية حال فالقاعدة أن الأصح ما اتفق عليه البخاري ومسلم لذلك يلزم عند التعارض اعتماد رواية ابن عباس، ويؤخذ من الروايات الصحيحة أنا أبا ذر رضي الله عنه كان منكراً لحال الجاهلية، يأبى عبادة الأصنام وينكر على من يشرك بالله، وكان يصلي لله قبل إسلامه، بثلاث سنوات دون أن يخص قبلة بعينها بالتوجه، ويبدو أنه كان متأثراً بالأحناف، ولما سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قدم إلى مكة وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع فرآه علي رضي الله عنه فعرف أنه غريب، فاستضافه ولم يسأله عن شئ، ثم غادره صباحاً إلى المسجد الحرام فمكث حتى أمسى، فرآه علي فاستضافه لليلة ثانية، وحدث مثل ذلك في الليلة الثالثة ثم سأله عن سبب قدومه، فلما استوثق منه أبو ذر أخبره بأنه يريد مقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له علي:"فإنه حق وهو رسول الله فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، فتبعه وقابل الرسول صلى الله عليه وسلم واستمع إلى قوله فأسلم، فقال له النبي ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري. فقال: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه"، فأتى العباس بن عبد المطلب فحذرهم من انتقام غفار والتعرض لتجارتهم التي تمر بديارهم إلى الشام. فأنقذه منهم (2). وهذه الرواية تفيد وجود بعض الأحناف في البوادي ولعل ما بدا من حذر علي رضي الله عنه وما وقع من ضرب قريش لأبي ذر ومن وصف أنيس أخي أبي ذر الحالة في مكة عندما دخلها قبيل دخول أبي ذر فقال
(1) فتح الباري 7/ 174، 175.
(2)
صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 173) وصحيح مسلم 4/ 1923 - 1925) وأما رواية عبد الله بن الصامت ففي صحيح مسلم (4/ 1919 - 1923) وتذهب رواية ابن الصامت إلى أن اللقاء الأول بين أبي ذر والرسول صلى الله عليه وسلم تم قرب الكعبة المشرفة بحضور أبي بكر ولا تذكر علياً.
لأخيه محذراً "وكن على حذر من أهل مكة فإنهم قد شنفوا له وتجهموا"(1) لعل في ذلك كله ما يؤكد أن إسلامه جرى بعد إعلان الدعوة وانتهاء المرحلة السرية.
لقد عاد أبو ذر إلى غفار فأسلم نصفهم، وأسلم النصف الثاني بعد الهجرة النبوية.
كذلك يظهر من سياق قصة إسلام ضماد - من ازد شنوءة - أنه تم في بداية مرحلة الجهر بالدعوة، وبعد أن جاهر الرسول صلى الله عليه وسلم بتسفيه عقائد المشركين، فردوا عليه بالدعاية الكاذبة واصفين إياه بالجنون، فلما قدم ضماد مكة وسمع سفهاء مكة يتهمون النبي بالجنون، وكان ضماد يرقي من مس الجنون ذهب إلى الرسول وعرض عليه أن يرقاه. فقال رسول الله:"إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد" فقال ضماد: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال ضماد: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ثم أسلم وبايع عن نفسه وقومه (2).
إن الكلمات النبوية تلمس شغاف قلوب البشر وتزيل الحجب بينهم وبين حقيقة توحيد الألوهية التي غابت عنهم آماداً طويلة فتنقلهم الكلمات بصدقها
(1) صحيح مسلم 4/ 1923 وشنفوا له أي أبغضوه.
وقارن برواية الطبراني: المعجم الأوسط 1/ 156 أي بإسناد ضعيف فيه أبو طاهر مولى الحسن بن علي مجهول (الكني للبخاري 46 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/ 397 وابن حبان: الثقات 5/ 575 - 576) والحاكم: المستدرك 3/ 339 - 341 وفي إسناده عباد بن الريان مجهول الحال (الأسماء والكني للدولابي 2/ 18).
وأما الواقدي فقد خالف الروايات الصحيحة فروى ما يشير إلى أن أبا ذر كان قاطع طريق، وأنه أسلم بعد أبي بكر بيوم أو يومين ثم ناقضها برواية تقول أن أبا ذكر كان متألها فما أعجب ما يروي الواقدي!! (طبقات ابن سعد 4/ 222 - 224).
(2)
صحيح مسلم 2/ 593.
ومباشرتها وملامستها للفطرة إلى عالم الإسلام (1).
وهناك قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي وكرامته لكنها، لم يثبت منها إلا أنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للالتجاء إلى حصن دوس المنيع فأبى الرسول ذلك (2). ولا بد أن الدعوة هذه جرت بعد اشتداد المقاومة القرشية.
وتشير رواية صحيحة أن الطفيل دعا قومه إلى الإسلام ولقى منهم صدوداً حتى طلب الطفيل من رسول الله أن يدعو عليهم لكن الرسول دعا لهم بالهداية (3). وكان الرسول آنئذ بالمدينة المنورة (4).
أما عثمان بن مظعون فقد أسلم مبكراً لكن قصة إسلامه فيها ضعف (5) وقد أسلم حمزة في وقت اشتدت فيه جرأة قريش على رسول الله ولكن تفاصيل قصة إسلامه لم تثبت من طريق صحيحة (6).
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 216 - 217 بإسناد غير محفوظ وفيه انقطاع لأن صالح بن كيسان لم يدرك الطفيل بن عمرو. والمحفوظ من رواية ابن إسحاق بدون إسناد (سيرة ابن هشام 2/ 22 - 24).
وقال ابن حجر: "ذكرها ابن إسحاق في سائر النسخ بدون إسناد"
(الإصابة ومعها الاستيعاب 2/ 216 - 217)
(2)
صحيح مسلم 1/ 109 وأخرجه أحمد كما في البداية والنهاية لابن كثير 3/ 98 وأبو يعلي: المسند 4/ 126.
(3)
صحيح البخاري (فتح الباري 6/ 107) ومسند أحمد 2/ 243، 448، 502.
(4)
ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 76.
(5)
مسند أحمد 1/ 318 وطبقات ابن سعد 1/ 174 - 175 بإسناد قال عنه ابن كثير: "إسناد جيد متصل حسن قد بين فيه السماع المتصل"(تفسير القرآن العظيم 2/ 583) لكن فيه شهر بن حوشب" صدوق كثير الارسال والأوهام (تقريب التهذيب 269) فإن زالت علة الإرسال بقيت علة كثرة الوهم، فالسند فيه ضعف لا محالة.
(6)
وردت رواية من مرسل محمد بن كعب القرظي عند الطبراني وفي سندها إسماعيل الخفاف لم أقف له على ترجمة ومفادها أن إسلام حمزة كان حمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبر بشتم أبي جهل للرسول، فمضى إلى الكعبة حيث ضرب أبا جهل بقوسه فشجه وأعلن إسلامه (المعجم الكبير 3/ 152 - 153)
وساق الواقدي بسنده مرسل محمد بن كعب القرظي والواقدي متروك (طبقات ابن سعد 3/ 9) =