الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الصفة
فقراء المهاجرين:
أعقب هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة ظهور مشكلة تتعلق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فراراً بدينهم من طغيان المشركين.
ولا شك ان بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة لأن الطابع الزراعي يغلب على اقتصاد المدينة وليست للمهاجرين خبرة زراعية فمجتمع مكة تجاري، كما أنهم لا يملكون أرضاً زراعية في المدينة وليست لديهم رءوس أموال فقد تركوا أموالهم بمكة. وقد وضع الأنصار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين لكن بعض المهاجرين بقى محتاجاً إلى المأوى.
واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائم أو مدة إقامتهم.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فكر في إيجاد المأوى للفقراء المقيمين والوفود الطارقين.
الصفة:
وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وذلك بعد ستة عشر شهراً من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (1) حيث بقى حائط القبلة
(1) خليفة: التاريخ حـ1 ص23 وينقل روايات أخرى تذكر أن ذلك كان بعد تسعة أشهر أو عشرة أو سبعة عشر شهراً أو سنتين. وفي صحيح البخاري كتاب الصلاة - باب التوجه نحو القبلة 1/ 104 أنه كان بعد ستة عشر او سبعة عشر شهراً.
الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصفة أو الظلة (1) ولم يكن لها ما يستر جوانبها (2).
ويذكر ابن جبير في رحلته ان الصفة دار في آخر قباء يسكنها أهل الصفة، وتأول السمهودي ذلك بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار فيما بعد فاشتهرت بذلك، أي أن المكان الذي ذكره ابن جبير نسب إلى أهل الصفة ولم ينسبوا هم إليه، لأن نسبتهم كانت إلى صفة المسجد النبوي بالمدينة.
ولا يعرف سعة الصفة، ولكن يبدوا أنها كانت تتسع لعدد كبير حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدمها في وليمة حضرها ثلاثمائة شخص، وإن كان بعضهم قد جلس في حجرة من حجرات ازواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد (3).
سكان الصفة:
أول من نزل الصفة المهاجرون (4)، لذلك نسبت إليهم فقيل صفة المهاجرين (5). وكذلك كان ينزل بها الغرباء من الوفود التي كانت تقدم على النبي صلى الله عليه وسلم معلنة إسلامها وطاعتها (6) وكان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له
(1) السمهودي: وفاء الوفا 1/ 321. ياقوت: معجم البلدان (ظلة) ابن منظور لسان العرب مادة (صفف). ويلاحظ أن كلمة (صفة) لم يقتصر استعمالها على صفة المسجد بل أطلقت على المكان المسقوف منذ الفترة المبكرة فهناك صفة النساء في المسجد النبوي بالمدينة (النسائي: سنن 8/ 77 أبو داود: سنن 2/ 448) وهناك صفة زمزم بمكة (البخاري: الصحيح: 2/ 44 النسائي: سنن: 3/ 135) كما أطلقت الصفة على المكان المظلل في بيوت الناس أيضاً (البخاري: الصحيح 1/ 215).
(2)
ريكندورف: دائرة المعارف الإسلامية ص 105.
(3)
مسلم: الصحيح - كتاب النكاح- حديث رقم (94).
(4)
السمهودي: وفاء الوفا 1/ 323.
(5)
أبو داود: السنن كتاب الحروف 2/ 361.
(6)
البخاري: الصحيح -كتاب الصلاة- باب نوم الرجال في المساجد.
وابن ماجة: السنن -كتاب الصيد- باب الضب.
عريف نزل عليه. وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة (1). فكان أبو هريرة (رض) عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دعوتهم عهد إلى أبي هريرة فدعاهم لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم في العبادة والمجاهدة (2). وإلى جانب المهاجرين والغرباء نزل بعض الأنصار في الصفة حباً لحياة الزهد والفقر رغم استغنائهم عن ذلك ووجود دار لهم في المدينة، ومنهم كعب بن مالك الأنصاري (3) وحنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة) وحارثة بن النعمان الأنصاري وغيرهم.
ولأن أهل الصفة كانوا أخلاطاً من قبائل شتى سماهم النبي صلى الله عليه وسلم (الأوفاض) وقيل في سبب هذه التسمية أيضاً إن كل واحد منهم كان معه وفضة: وهي مثل الكنانة الصغيرة يلقى فيها طعامه لكن القول الأول أجود (4).
عددهم وأسماؤهم:
كان عددهم يختلف باختلاف الأوقات، فهم يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ويقلون إذا قل الطارقون من الغرباء، على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلاً (5). وقد يزيد عددهم كثيراً حتى
(1) أحمد: المسند 3/ 487 وأبو نعيم: الحلية 1/ 339/374 والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 323 والعريف: النقيب أو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة (لسان العرب مادة "عرف").
(2)
أبو نعيم: الحلية 1/ 376.
(3)
ابن أبي حاتم جـ3 ق2 ص 160.
وانظر سامي مكي العاني: ديوان كعب بن مالك الأنصاري ص 77 حيث ينفي صحة نسبته إليهم لأنه أنصاري وأهل الصفة مهاجرون فقراء. ولكن لعله أحب حياة الفقر والزهد فخالطهم وساكنهم مع وجود دار له في المدينة، وقد أورد أبو نعيم في الحلية (1/ 355/ 356) أسماء بعض الأنصار من أهل الصفة.
(4)
أحمد: المسند 6/ 391. وأبو نعيم: الحلية 1/ 339.
وابن منظور: اللسان مادة (وفض).
(5)
أبو نعيم: الحلية 1/ 339، 341.
أن سعد بن عبادة كان يستضيف وحده ثمانين منهم فضلاً عن الآخرين الذين يتوزعهم الصحابة (1).
ويذكر السمهودي أن أبا نعيم سرد أسماءهم في الحلية فزادوا على المائة (2).لكن عدد من سماهم أبو نعيم اثنان وخمسون فقط منهم خمسة نفى أبو نعيم أن يكونوا من أهل الصفة. وأبو نعيم وحده الذي يقدم إلينا قائمة طويلة بأسماء المشهورين من أهل الصفة، وهو ينقل من مصدر أسبق لا يصرح باسمه، ولعله الكتاب الذي صنفه أبو عبد الرحمن السلمي (ت 412 هـ) في أهل الصفة (3).
وفيما يلي قائمة بأسماء أهل الصفة كما ذكرها أبو نعيم (4) مضافاً إليهم من ذكرتهم بقية المصادر ممن لم يذكر أبو نعيم:
1 -
أبو هريرة (رض) حيث نسب نفسه إليهم (5).
2 -
أبو ذر الغفاري (رض) حيث نسب نفسه إليهم (6).
3 -
واثلة بن الأسقع (7).
4 -
قيس بن طهفة الغفاري، حيث نسب نفسه إليهم (8).
5 -
كعب بن مالك الأنصاري (9).
(1) المصدر السابق 1/ 341.
(2)
السمهودي: وفاء الوفا 1/ 321.
(3)
حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 286 وابن حجر: الاصابة قسم 1/ 601 وسماء أصحاب الصفة وقسم 6/ 550.
(4)
أبو نعيم: الحلية 1/ 348 فيما بعد.
(5)
البخاري: الصحيح -كتاب البيوع- باب (1) وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 256. وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 317 وابن حجر: الاصابة ترجمة رقم 5505.
(6)
ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 317 وابن سعد الطبقات 1/ 256.
(7)
ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 317.
(8)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 256.
وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 317، وابن حجر: الاصابة ترجمة رقم 4300.
(9)
ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل جـ3 ق2 ص160.
6 -
سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي.
7 -
سلمان الفارسي (رض).
8 -
أسماء بنت حارثة بن سعيد الأسلمي.
9 -
حنظلة بن أبي عامر الأنصاري (غسيل الملائكة).
10 -
حازم بن حرملة.
11 -
حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري.
12 -
حذيفة بن أسيد أبو سريحة الأنصاري.
13 -
حذيفة بن اليمان (رض) وهو من المهاجرين حالف الأنصار فعد في جملتهم.
14 -
جارية بن جميل بن شبة بن قرط.
15 -
جعيل بن سراقة الضمري.
16 -
جرهد بن خويلد (وقيل بن رزاح) الأسلمي (1).
17 -
رفاعة بن لبابة الأنصاري، وقيل اسمه بشير بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف.
18 -
عبدالله ذو البجادين.
19 -
دكين بن سعيد المزني وقيل الخثعمي (2)
20 -
خبيب بن يساف بن عنبة.
21 -
خريم بن أوس الطائي.
22 -
خريم بن فاتك الأسدي.
23 -
خنيس بن حذافة السهمي.
(1) أبو داود السنن- كتاب الحمام- باب النهي عن التعري 2/ 363.
وأحمد: المسند 3/ 479.
(2)
وقال أبو نعيم: الحلية 1/ 365 (لا أعلم لاستيطانه الصفة ونزولها أثراً صحيحاً) ولم يجزم بنفي نسبته إليهم.
24 -
خباب بن الأرت.
25 -
الحكم بن عمير الثمالي.
26 -
حرملة بن أياس، وقيل هو حرملة بن عبد الله العنبري.
27 -
زيد بن الخطاب.
28 -
عبد الله بن مسعود.
29 -
الطفاوي الدوسي.
30 -
طلحة بن عمرو النضري.
31 -
صفوان بين بيضاء الفهري.
32 -
صهيب بن سنان الرومي.
33 -
شداد بن أسيد.
34 -
شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
35 -
السائب بن خلاد.
36 -
سالم بن عمير من الأوس من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف.
37 -
سالم بن عبيد الأشجعي (*).
38 -
سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
39 -
سالم مولى أبي حذيفة.
40 -
أبو رزين.
41 -
الأغر المزني.
42 -
بلال بن رباح.
43 -
البراء بن مالك الأنصاري.
44 -
ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
45 -
ثابت بن وديعة الأنصاري.
46 -
ثقيف بن عمرو بن شميط الأسدي.
(*) ذكره أيضا النسائي في أصحاب الصفة (فضائل الصحابة 5 حديث رقم 8).
47 -
سعد بن مالك أبو سعيد الخدري (رض).
48 -
العرباض بن سارية (1).
49 -
غرفة الأزدي (2).
50 -
عبدالرحمن بن قرط (3).
51 -
عباد بن خالد الغفاري (4).
وقد أورد أبو نعيم أسماء رجال ذكروا في أهل الصفة، ونفى نسبتهم إليها وهم (5).
1 -
سعد بن أبي وقاص، وقد اعتمد من نسبه إليهم على قول سعد (رض) فينا نزلت {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه} والآية مكية - كما في تفسير ابن كثير- ولم تنزل في أهل الصفة.
2 -
حبيب بن زيد بن عاصم الأنصاري النجاري. وهو من أهل (العقبة) فوقع تصحيف فصارت (الصفة).
3 -
أبو أيوب الأنصاري: وهو من أهل (العقبة) فصحفت.
4 -
حجاج بن عمرو المازني الأنصاري.
5 -
ثابت بن الضحاك الأنصاري.
انقطاعهم للعلم والعبادة والجهاد:
ينقطع أهل الصفة للعلم ويعتكفون في المسجد للعبادة ويألفون الفقر والزهد، فكانوا في خلواتهم يصلون ويقرأون القرآن ويتدارسون آياته ويذكرون الله تعالى، ويتعلم بعضهم الكتابة حتى أهدى أحدهم قوسه لعبادة بن الصامت
(1) السراج: حديثه، حديث رقم 75 وابن حجر: الاصابة ترجمة رقم 5505.
(2)
الاصابة: ترجمة رقم 6913.
(3)
الاصابة ترجمة رقم 5190.
(4)
الاصابة ترجمة رقم 4463.
(5)
انظر عنهم التعاقب الحلية 1/ 368، 355، 361، 357، 351.
(رض) لأنه كان يعلمهم القرآن والكتابة (1)، واشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل أبي هريرة (رض) الذي عرف بكثرة تحديثه، وحذيفة بن اليمان الذي اهتم بأحاديث الفتن.
لكن انقطاع أهل الصفة للعلم والعبادة لم يعزلهم عن المشاركة في أحداث المجتمع والإسهام في الجهاد، بل كان منهم الشهداء ببدر مثل صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي وخبيب بن يساف وسالم بن عمير وحارثة بن النعمان الانصاري (2)، ومنهم من استشهد بأحد مثل حنظلة الغسيل (3)، ومنهم من شهد الحديبية مثل جرهد بن خويلد وأبو سريحة الغفاري (4)، ومنهم من استشهد بخيبر مثل ثقف بن عمرو (5)، ومنهم من استشهد بتبوك مثل عبدالله ذو البجادين (6)، ومنهم من استشهد باليمامة مثل سالم مولى أبي حذيفة وزيد بن الخطاب (7)، نعم هكذا كانوا رهبانا في الليل فرسانا في النهار.
ملابسهم:
لم يكن لأهل الصفة من الملابس ما يقيهم من البرد أو يسترهم ستراً كاملاً، فليست عندهم أردية (8). وما لأحد منهم ثوب تام (9). فكانوا يربطون في أعناقهم الأكسية أو البرد (10)، أو يأتزرون بالأزر (11)، أو الكساء، فمنهم من
(1) أبو داود: السنن 2/ 237 وابن ماجة: السنن 2/ 730.
(2)
انظر عنهم على التعاقب الحلية 1/ 373، 363، 364، 371، 356.
(3)
المصدر السابق 1/ 375.
(4)
المصدر السابق 1/ 353، 355.
(5)
المصدر السابق 1/ 352.
(6)
المصدر السابق 1/ 365.
(7)
المصدر السابق 1/ 367،370.
(8)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 255، وأبو نعيم: الحلية 1/ 377، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 317.
(9)
الحلية 1/ 341.
(10)
الحلية 1/ 377.
(11)
البخاري: الصحيح 1/ 114، وابن سعد: الطبقات 1/ 255.
تغطي منهم ما يبلغ نصف الساقين وأحياناً قد لا يبلغ الركبتين، وتذكر المصادر انهم كانوا يلبسون الحِوْتكية (1) وهي عمَّة يُتعمم بها (2).
والحنف وهي برد شبه اليمانية تعمل من نوع غليظ من أردأ الكتان (3)، وكانوا يخجلون من الظهور بملابسهم احياناً لأنها لا تسترهم ستراً كاملاً (4). وسرعان ما كانت تتسخ ملابسهم فجوانب الصفة كانت مكشوفة للهواء والتراب حتى اتخذ العرق من جلودهم طوقاً من الوسخ والغبار (5).
طعامهم:
كان جل طعامهم التمر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجري لكل رجلين منهم مداً من تمر في كل يوم، وقد اشتكوا من أكل التمر وقالوا إنه أحرق بطونهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يوفر لهم طعاماً غيره فصبرهم وواساهم (6)، وكان كثيراً ما يدعوهم إلى تناول الطعام في بيته، لكنه لم يتمكن من تقديم الطعام الجيد لهم فلم يكون يوسع على نفسه وأهله بالنفقة، ففي بعض المرات سقاهم لبناً، ومرة أطعمهم جشيشة (طحين ولحم أو تمر مطبوخ) ومرة أخرى حيسة (طعام من التمر والدقيق والسمن) وثالثة شعير محمص، لكنهم نالوا في إحدى المرات الثريد (7)، وكان عليه الصلاة والسلام يعتذر إليهم إذا لم يكن الطعام جيداً، فقد قدم لهم مرة صحفة فيها صنيع من شعير، وقال:"والذي نفس محمد بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس شيئاً ترونه"(8).
(1) أحمد: المسند 4/ 128
(2)
(لسان العرب مادة "حتك").
(3)
أحمد: المسند 3/ 487،والحلية 1/ 374، والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 323.
(4)
الحلية 1/ 342
(5)
المصدر السابق 1/ 341
(6)
أحمد: المسند 3/ 487، وأبو نعيم: الحلية 1/ 339، 374 والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 323.
(7)
البخاري: الصحيح 8/ 68، 119 وأحمد: المسند 2/ 515، 3/ 490، وابن سعد 1/ 256، والحلية 1/ 373 - 374، والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 323.
(8)
ابن سعد: الطبقات 1/ 256.
ولا شك أنهم كانوا ينالون طعاماً أجود عندما يضيفهم احد أغنياء الصحابة في داره وكثيراً ما كانوا يفعلون (1)، ولكنهم في كثير من الأحيان ما كانوا يحصلون على ما يمسك رمقهم، فأثر فيهم ذلك فكانوا يخرون في الصلاة لما بهم من الجوع حتى يقول الأعراب إن هؤلاء مجانين وكان أبو هريرة (رض) يصرع بين المنبر وحجرة عائشة (رض) لما به من الجوع (2)، لكن قلة طعامهم ما كانت لتؤدي بهم إلى الشره والمغالبة على الطعام، بل كانت حقوق الأخوة وآدابها تحكم علاقاتهم ببعضهم، وقد حكى أبو هريرة (رض) أنهم كانوا إذا اجتمعوا على أكل التمر وأكل أحدهم تمرتين معاً قال لأصحابه (إني قد قرنت فأقرنوا) لئلا ينال من التمر أكثر منهم (3).
لقد قنعوا بالقليل من الطعام والخشن من الثياب، وعافت نفوسهم القصور لينقطعوا إلى العبادة والعلم والمجاهدة، فكانوا أمثلة للزهد والترفع عن الدنيا.
رعاية النبي والصحابة لأهل الصفة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد أهل الصفة بنفسه، فيزورهم ويتفقد أحوالهم ويعود مرضاهم (4) كما كان يكثر مجالستهم ويرشدهم ويواسيهم ويذكرهم ويقص عليهم ويوجههم إلى قراءة القرآن الكريم ومدارسته وذكر الله والتطلع إلى الآخرة ويشجعهم على احتقار الدنيا وعدم تمني الحصول على متاعها (5)، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها (6)، وكثيراً ما كان يدعوهم إلى تناول الطعام في إحدى حجرات
(1) البخاري: الصحيح -كتاب المواقيت- باب السمر مع الضيف والأهل، والحلية 1/ 341.
(2)
الحلية 1/ 339 - 378.
(3)
المصدر السابق 1/ 339 - 340.
(4)
المصدر السابق 1/ 375.
(5)
أحمد: المسند 4/ 8 وأبو نعيم: الحلية 1/ 340،341.
والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 322.
(6)
البخاري: الصحيح-رقاق- باب (14) وأحمد: المسند 2/ 515.
وأبو نعيم: الحلية 1/ 377، 339 والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 322.
أزواجه (رض)(1) ولم يكن يغفل عنهم مطلقاً، بل كانت حالتهم ماثلة أمامه، وقد طلب من ابنته فاطمة (رض) أن تتصدق عليهم لما ولدت الحسن (رض) بوزن شعره من الفضة (2). وقد جاءه مرة سبي فسألته ابنته فاطمة (رض) خادماً لأنها تعبت من كثرة أعمالها وكلت فأجابها عليه الصلاة والسلام:) "أخدمكما وأدع أهل الصفة تطوي" وأوضح لها أنه سيبيع السبي وينفقه على أهل الصفة، ويبدو أنها سألته أيضاً أن يعطيها مالاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زار عليا (رض) فوجد أن فراشهما قصير لا يغطيهما فعلمهما كلمات في الدعاء وآثر إعطاء أهل الصفة عليهما وقال:"لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوي بطونهم من الجوع"(3). وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتصدق على أهل الصفة (4) فجعلوا يصلونهم بما استطاعوا من خير (5) فكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إليهم (6) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أهل الصفة بين أصحابه بعد صلاة العشاء ليتعشوا عندهم، ويقول:"من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامس أو سادس (7) فيأخذ الصحابة بعضهم ومن بقى منهم يصحبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره فيتعشون معه"(8).
(1) البخاري: الصحيح - الرقاق باب (14) - واستئذان باب (14) وأحمد: المسند 2/ 515، 3/ 429، 490.
وابن ماجة: سنن -كتاب المساجد والجماعات- باب النوم في المسجد وأبو نعيم: الحلية 1/ 338 - 339 والسمهودي: وفاء الوفا 1/ 322 - 323.
(2)
البيهقي: سنن 9/ 304
(3)
أحمد: المسند 1/ 79،106
(4)
المصدر السابق 6/ 391 والحلية 1/ 399.
(5)
الحلية 1/ 340.
(6)
الحلية 1/ 378.
(7)
البخاري - الصحيح- كتاب المواقيت- باب السهر مع الضيف والأهل.
(8)
المصدر السابق وابن سعد: الطبقات 1/ 255 والحلية 1/ 338، 341، 373.
ويبدو أن الأمر كان كذلك في بداية الهجرة، فلما جاء الله بالغنى لم تعد هناك حاجة لتوزيعهم على دور الصحابة (1).
وقد استثارت حالة أهل الصفة سبعين من الأنصار يقال لهم القراء - وهم الذين استشهدوا يوم بئر معونة- فكانوا يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء (2) وقد اقترح محمد بن مسلمة الأنصاري وآخرون من الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج كل واحد منهم قنوا (3) من بستانه حين ينضج التمر لأهل الصفة والفقراء فوافق على ذلك، ووضح في المسجد حبلاً بين ساريتين فأخذ الناس يعقلون الأقناء على الحبل، فربما اجتمعت عشرين قنواً وأكثر.
وكان معاذ بن جبل (رض) يقوم على حراسة الأقناء. وتشير رواية أخرى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أشار على الناس بالتصدق بقنو من ثمار بساتينهم ليرفع الله تعالى عنهم عاهة أصابت ثمارهم ففعلوا (4).
وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل علق قنوا فيه حشف وأراد أن يكون التصدق بأطيب من ذلك (5). ويشير نص أورده السمهودي إلى استمرار عادة تعليق الأقناء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة - على الأقل- خلال القرن الثاني الهجري (6).
الآيات التي قيل إنها نزلت في أهل الصفة:
1 -
قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ
(1) ابن سعد: الطبقات 1/ 255
(2)
مسلك: الصحيح - كتاب الامارة- حديث (147). وأحمد: المسند 3/ 270. وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/ 514.
(3)
القنو العذق بما فيه من الرطب وجمعه أقناء، (لسان العرب - مادة "قنا")
(4)
السمهودي: وفاء الوفا 1/ 324 - 325
(5)
المصدر السابق 1/ 325 والحشف: اليابس الفاسد من التمر، (لسان العرب مادة "حشف").
(6)
المصدر السابق أيضاً 1/ 324.
بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (1) فقد ذكر الطبري وأبو نعيم بسندهما إلى عمرو بن حريث وغيره: إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب الصفة. لكن الآية مكية فلا تصح أن تكون فيهم (2).
2 -
فقد ذكر ابن سعد بسنده إلى ابن كعب القرظي قال: هم أصحاب الصفة (4) وذكر الطبري بأسانيده عن مجاهد والسدي أنها في فقراء المهاجرين (5).
3 -
قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ..} (6) وقد ذكر ابن كثير أنها مكية لا يمكن نزولها في أهل الصفة (7)، وإلى ذلك تذهب بعص روايات الطبري (8).
4 -
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
…
} (9) لكنها مكية لا يمكن نزولها في أهل الصفة.
5 -
قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ
(1) الشورى آية 26
(2)
الطبري: تفسير (طـ مصطفى البابي الحلبي) جـ 25 ص30 والحلية 1/ 338.
(3)
البقرة 273.
(4)
الطبقات الكبرى 1/ 255.
(5)
الطبري: تفسير 5/ 591 (طـ محمود محمد شاكر).
(6)
الأنعام من الآية 52.
(7)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/ 135.
(8)
الطبري: تفسير 11/ 376 (طـ محمود محمد شاكر).
(9)
الكهف من الآية 28.
عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
…
} (1) فذكر أبو نعيم أنها نزلت في أهل الصفة (2). لكن الروايات التي يوردها كل من الطبري وابن كثير لا تنص على ذلك، وأغلبها تنص على أن الآية نزلت في السبعة البكائيين من بني مزينة (3).
المؤرخون لأهل الصفة:
أقدم من عقد فصلاً في أهل الصفة هو محمد بن سعد (ت 230 هـ) وسائر ما ذكره مأخوذ عن الواقدي، ومع ذلك فلا نجد تلك النصوص في كتاب المغازي للواقدي (طبعة مارسدن) فلعلها من كتاب الآخر (الطبقات) وهو مفقود (4) وينقل عنه ابن سعد كثيراً في الطبقات الكبرى (5).
لكن أقدم من علمته أفرد كتاباً في أهل الصفة هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي النيسابوري (ت 412 هـ) في كتابه (تاريخ أهل الصفة)(6) وهو مفقود ولعله المصدر الذي نقل عنه أبو نعيم كثيراً في الفصل الذي عقده لأهل الصفة من كتابه حلية الأولياء وإن لم يصرح باسمه، لكنه صرح بالنقل عنه في موضع آخر من كتابه (7)، وقد وصفه بأنه مرتب على حروف المعجم وأن فيه
(1) التوبة من الآية 91
(2)
الحلية 1/ 371 - 372
(3)
انظر الطبري: تفسير 14/ 421 - 423 (ط محمود محمد شاكر).
وابن كثير: تفسير 2/ 381 - 382.
(4)
أكرم العمري: بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 53.
(5)
المصدر السابق ص 56.
(6)
حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 286 لكنه سماه "تاريخ أهل الصفة" ولعله تحريف (انظر مقدمة كتاب طبقات الصوفية للسلمي بقلم نور الدين شريبة جـ 1 ص 34).
(7)
أبو نعيم: الحلية 8/ 25.
"أسماء جماعة عرفوا من أهل القبلة نسبوا إلى أهل الصفة وهو تصحيف من بعض النقلة"(1).
ومن المتأخرين ألف تقي الدين السُّبكي (ت 756 هـ) كتاباً عنهم سماه: (التحفة في الكلام على أهل الصفة)(2)، وألف شمس الدين السخاوي رسالة بعنوان "رجحان الكفة في أخبار أهل الصفة"(3). كما عقد السمهودي مقالاً عن أهل الصفة جمع فيه الروايات المشتتة في كتب الحديث والتاريخ والجغرافية ومعاجم اللغة.
* * *
رحم الله القوامين الصوامين المجاهدين الزاهدين أهل الصفة وصدق الله العظيم (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا).
فأنيّ هذا النموذج مما حدثه الفقراء المدقعون في المجتمعات الجاهلية من تكوين العصابات التي تتولى أعمال السرقة والقتل وأنواع العدوان الذي يفقد المجتمعات الاستقرار والإحساس بالأمن
…
ألا إنه الفرق بين تربية محمد صلى الله عليه وسلم والتربية الجاهلية
…
والفرق بين نظام الله والنظم البشرية.
والآن أعرض لصورة من الارتباط القوي الذي أوجده الإسلام عملياً في المدينة المنورة حيث تظهر صورة المجتمع الإسلامي بأزهى وأكمل حالاتها ومنها نتبين لماذا لا يحدث الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي ولماذا يقف الأغنياء والفقراء في صف واحد لدعم رسالة الإسلام، إنها الأخوة بين المؤمنين والتكافل بينهم كما يظهران في تشريع دستور دولة المدينة المنورة.
(1) المصدر السابق 1/ 347.
(2)
ريكندورف دائرة المعارف الإسلامية ص 106.
(3)
تقع في 32 ورقة، 21 سطراً، 18 ×16سم وهى مجلدة بمكتبة الجمعية الآسيوية بكلكتا بالهند، 1321 - ف3141، ومنها صورة في مكتبة كلية الآداب بجامة الملك عبد العزيز بجدة.