الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحب أساس بنية المجتمع المدني
وقد أقام الإسلام المجتمع المدني على أساس الحب والتكافل، كما في الحديث الشريف "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". فالتواد والرحمة والتواصل أساس العلاقة بين أفراد المجتمع كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم حاكمهم ومحكومهم.
وقد تكفلت تعاليم الإسلام بتدعيم الحب وإشاعته في المجتمع، ففي الحديث النبوي "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فيعيش المؤمنون بعيداً عن الأثرة والاستغلال وهم يتعاونون في مواجهة أعباء الحياة فمن (كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي والإمام أحمد (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود.
وعلاقات المؤمنين قائمة على الاحترام المتبادل فلا يستعلي غني على فقير ولا حاكم على محكوم ولا قوي على ضعيف "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "رواه الإمام مسلم".
وقد تفتر العلاقة بين المسلم وأخيه أو تنقطع ساعة غضب لكن انقطاعها لا يستمر فوق ثلاث ليال "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" كما في الصحيحين.
وتدعم أسس الحب بالصلة والصدقة (تهادوا تحابوا) ويضع الغني أمواله في خدمة المجتمع وسد الثغرات التي تظهر في بنائه الاقتصادي بسبب التفاوت في توزيع الثروة فيخرج زكاة أمواله فريضة من الله ويواسي المحتاجين بأمواله حتى إنهم ليفرحوا إذا كثرت ثروته إذ تعود عليهم بالخير والمواساة.
أخرج الإمام البخاري (6/ 31 كتاب التفسير) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أبو طلحة أكثر النصارى بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. فلما نزلت {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (1) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أمولي إليّ (بيرحاء)، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مال رايح (2)، ذلك مال رايح، وقد سمعت ما وقلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه".
وكان أغنياء الصحابة يعرفون أنهم مستخلفون على المال الذي اكتسبوه، فإذا وجدوا ثغرة تعجز الدولة عن سدها أو لا تنتبه لها بذلوا أموالهم في سدها .. وقد ثبت في التاريخ أن عثمان رضي الله عنه تصدق بقافلة ضخمة-ألف بعير تحمل البر والزيت والزبيب- على فقراء المسلمين عندما حلت الضائقة الاقتصادية بالمدينة المنورة في خلافة الصدَيق رضي الله عنه وقد عرض عليه التجار خمسة أضعاف ثمنها ربحاً فقال: أعطيت أكثر من ذلك. فقالوا: من الذي أعطاك وما سبقنا إليك أحد، ونحن تجار المدينة؟ قال: إن الله أعطاني عشرة أمثالها ثم قسمها بين الفقراء المسلمين.
ومثل هذا كثير في سير المسلمين من سلفنا الصالح لذلك لم تظهر الروح
الطبقية ولم يحدث الصراع الطبقي .. ولم يتكتل الناس وفق مصالحهم
الاقتصادية لحرب من فوقهم أو تحتهم .. إن المجتمع الإسلامي لم يشهد صراع
الطبقات ولا يعرف استعلاء غني على فقير ولا حاكم على محكوم ولم يعترف ابتداء باختلاف البشر تبعاً لألوانهم وأعراقهم أو دمائهم، فالمسلمون سواسية كأسنان
(1) آل عمران آية 92.
(2)
أي أن أجرها يروح ويغدو عليه (فتح الباري 3/ 326).
المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى .. والمجتمع الإسلامي مفتوح أمام الجميع ففرص الارتقاء والكسب متكافئة أمام أفراده والعلاقات الاجتماعية متكافئة أيضاً فلم يحدث أن مُنع فقير من الزواج بغنية أو حُجب ضعيف عن الترقي إلى أرفع مناصب الدولة وأعلى مراكز القيادة والتوجيه في المجتمع، فليست هناك طبقة يصطدم رقي الفرد بسقوفها ولو قدر للمجتمع الإسلامي أن يستمر في تقدمه العلمي والحضاري ويمسك بزمام البشرية اليوم لظهرت مزايا الإسلام في بناء مجتمع متراص على أساس الحب والتكافل وليس الحقد والصراع الذي ليس وراءه إلا الدمار.
وإذا كان هذا هو موقف أغنياء المسلمين في المجتمع المدني فما هو موقف ضعفائهم وفقرائهم؟.