الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِإنْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أقَرَّ أنَّ المَبِيعَ لِغَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِى، وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعُ، وَلَزِمَهُ غَرامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أقَرَّ بِهِ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِى ثُمَّ مَلَكْتُهُ بَعْدُ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنةٍ.
ــ
أَقْرَرْتُ لأَقْبِضَها. فالحُكْمُ كذلك، ولأنَّه يُمْكِنُ أن يكونَ قد أَقَرَّ بذلك بِنَاءً على قولِ وَكِيلِه وظَنِّه، والشَّهادَةُ لا تجوزُ إلَّا على اليَقِينِ.
5166 - مسألة: (وإن باعَ شيئًا ثم أقَرَّ أنَّ المَبِيعَ لغيرِه، لم يُقْبَلْ قولُه على المُشْتَرِى)
لأنَّه يُقِرُّ على غيرِه (ولا يَنْفَسِخُ البَيْعُ) لذلك (ويَلْزَمُه غَرامَتُه للمُقَرِّ له) لأنَّه فَوَّتَه عليه بالبَيْعِ (وكذلك إن وَهَبَه أو أعْتَقَه ثم أقَرَّ به)
5167 - مسألة: (وإن قال: لم يَكُنْ مِلْكِى ثم مَلَكْتُه بعدُ. لم
وَإِنْ كَانَ قَدْ أقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ ثَمَنَ مِلْكِى. وَنَحْوَهُ، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا.
ــ
يُقْبَلْ قَوْلُه) لأَنَّ الأَصْلَ أنَّ (1) الإنسانَ إنَّما يتَصرَّفُ فيما له التَّصرُّفُ فيه، إلَّا أن يُقِيمَ بَيِّنةً، فيُقْبَلُ ذلك (فإن كان قد أقَرَّ أنَّه مِلْكُه، أو قال: قَبَضْتُ ثمنَ مِلْكِى. أو نحوه، لم تُسْمَعْ بَيِّنتُه أيضًا) لأنَّها تَشْهَدُ بخِلافِ ما أقَرَّ به.
فصل: إذا قال: له هذه الدارُ هِبَةً، أو: سُكْنَى، أو: عارِيَّةً. كان إقرارًا بما أَبْدَلَ به كَلامَه، ولم يكُنْ إقْرارًا بالدارِ؛ لأنَّه رَفَعَ بآخِرِ كلامِه بعضَ ما دَخَلَ في أَوَّلِه، فصَحَّ، كما لو أَقَرَّ بجُمْلةٍ واسْتَثْنَى بعضَها. وذكَر القاضِى في هذا وَجْهًا أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه اسْتِثْناءٌ مِن غيرِ الجِنْسِ. وليس هذا اسْتِثْناءً إنَّما هو [بدَلٌ شائِعٌ في اللغةِ، ويُسمَّى](2) بَدَلَ الاشْتِمالِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو أن يُبْدِلَ مِن الشئِ بعضَ ما يَشْتَمِلُ عليه ذلك الشئُ، كقَوْلِه تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} (1). فإنَّه أَبدَلَ القِتالَ مِن الشَّهْرِ المُشْتَمِلِ عليه. وقال تعالَى إخبارًا عن فَتَى مُوسَى عليه السلام أنَّه قال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (2). أى أنْسانِى ذِكْرَه. وإن قال: [له هذه الدارُ](3)، ثُلُثُها، أو: رُبْعُها. صَحَّ، ويكونُ مُقِرًّا بالجُزْءِ الذى أبْدَلَه، وهذا بَدَلُ البَعْضِ، وليس ذلك اسْتِثْناءً، ومنه قولُه تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (4). ولكنَّه في مَعْنَى الاسْتِثْناءِ، في كَوْنِه يُخْرِجُ مِن الكَلامِ بعضَ ما يَدْخُلُ فيه لَوْلَاه، ويُفارِقُه في أنَّه يجوزُ أن يَخْرُجَ أكْثَرُ مِن النصْفِ، وأنَّه يجوزُ إبْدالُ الشئِ مِن غيرِه إذا كان مُشْتَمِلًا عليه، ألا تَرَى أنَّ اللَّهَ تعالى أبْدَلَ المُسْتَطِيعَ للحَجِّ مِن الناسِ، وهو أقَلُّ مِن نِصْفِهم (5)، وأَبْدَلَ القِتَالَ مِن الشَّهْرِ الحَرامِ، وهو غيرُه؟ ومتى قال: له هذه (6) الدارُ سُكْنَى، أو: عارِيّةً. ثَبَت فيها حُكْمُ ذلك، وله أن لا (7) يُسْكِنَه إيّاها،
(1) سورة البقرة 217.
(2)
سورة الكهف 63.
(3)
في الأصل: «هذه الدار له» .
(4)
سورة آل عمران 97.
(5)
في الأصل: «بعضهم» .
(6)
في الأصل: «في هذه» .
(7)
سقط من النسخ، والمثبت من المغنى 7/ 275.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأن يَعُودَ فيما أعَارَه. واللَّهُ أعْلَمُ.
فصل: إذا قال: بِعْتُكَ جارِيَتِى. هذه. قال: بل زَوَّجْتَنِيها. فلا يَخْلُو؛ إمّا أن يكونَ اخْتِلافُهُما قبلَ نَقْدِ الثمنِ أو بعدَه، وقبلَ الاسْتِيلادِ أو بعدَه، فإن كان بعدَ اعْتِرافِ البائعِ بقَبْضِ الثَّمَنِ، فهو مُقِرٌّ بها لمُدَّعِى الزَّوْجِيَّةِ؛ لأنَّه (1) يَدَّعِى عليه شيئًا، والزَّوْجُ يُنْكِرُ أنَّها مِلْكُه، ويَدَّعِى حِلَّها بالزَّوْجيَّةِ، فيَثْبُتُ الحِلُّ؛ لِاتِّفاقِهما عليه، ولا تُرَدُّ إلى البائعِ، لاتِّفاقِهما أنَّه لا يَستَحِقُّ أخْذَها. وإن كان قبلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وبعدَ الاسْتِيلادِ، فالبائِعُ يُقِرُّ أنَّها صارت أُمَّ وَلَدٍ، ووَلَدَها حُرٌّ، وأنَّه لا مَهْرَ له (2)، ويَدَّعِى الثمنَ، والمُشْتَرِى يُنْكِرُ ذلك كلَّه، فيُحْكَمُ بحُرِّيَّةِ الوَلَدِ؛ لإِقْرارِ مَن يُنْسَبُ إليه مِلْكُه بحُرِّ. ليه، ولا وَلَاءَ عليه؛ لِاعْتِرافِه بأنَّه حُرُّ الأَصْلِ، ولا تُرَدُّ الأمَةُ إلى البائعِ؛ لِاعْتِرافِه بأنَّها أُمُّ وَلَدٍ، لا يجوزُ نَقْلُ المِلْكِ فيها. ويَحْلِفُ المُشْتَرِى أنَّه ما اشْتَراها، ويَسْقُطُ عنه الثَّمنُ إلَّا قَدْرَ المَهْرِ، فإنَّه يَجِبُ؛ لِاتِّفاقِهِما على وُجُوبِه، وإنِ اخْتُلِفَ في سَبَبِه. وهذا قولُ بعضِ أصحابِ الشّافعىِّ. وقال بعضُهم: يَتَحالَفَانِ (3)، ولا يَجبُ مَهْرٌ ولا ثَمَنٌ. وهو قولُ القاضِى، إلَّا أنَّه لا يَجْعَلُ على البائعِ يَمِينًا؛ لأَنَّه لا يَرَى اليَمِينَ في إنْكارِ النِّكاحِ. ونَفَقةُ الوَلَدِ على أبِيه؛ لأنَّه حُرٌّ،
(1) في الأصل: «لا» .
(2)
في م: «لها» .
(3)
في الأصل: «هم يتحالفون» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونَفَقةُ الأمَةِ على زَوْجِها؛ لأنَّه إمَّا زَوْجٌ وإمّا سَيِّدٌ، وكِلاهُما سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقةِ. وقال القاضِى: نَفَقَتُها في كَسْبِها، فإن كان فيه فَضْلٌ، فهى مَوْقُوفةٌ؛ لأنَّنا أزَلْنا عنها مِلْكَ السَّيِّدِ، وأثْبَتْنا لها حُكْمَ الاسْتِيلادِ، فإن ماتَت وتَرَكَتْ مالًا، فلِلبائعِ قَدْرُ ثَمَنِها؛ لأنَّه إمّا أن يكون صادِقًا، فهو يَسْتَحِقُّ على المُشْتَرِى ثَمَنَها، وتَرِكَتُها للمُشْتَرِى، والمُشْتَرِى مُقِرٌّ للبائعِ بها، فيَأْخُذُ منها قَدْرَ ما يَدَّعِيه، وإن كان كاذِبًا، فهى مِلْكُه، وتَرِكَتُها كلُّها له، فيَأْخُذُ منها قَدْرَ ما يَدَّعِيه، وبَقيَّتُه مَوْقُوفةٌ (1). وإن ماتَتْ بعدَ الواطِئِ (2)، فقد ماتَتْ حُرَّةً، ومِيراثُها لوَلَدِها وَوَرَثَتِها (3). فإن لم يكُنْ لها وارِثٌ، فمِيراثُها مَوْقوفٌ؛ لأَنَّ أحَدًا لا يَدَّعِيه، وليس للسَّيِّدِ أن يَأْخُذَ منه قَدْرَ الثَّمَنِ؛ لأنَّه يَدَّعِى الثمنَ على الواطِئِ، ومِيراثُها ليس له؛ لأنَّه قد مات قَبْلَها. وإن كان اخْتِلافُهُما قبلَ الاسْتِيلادِ، فقال شيخُنا (4): عندى أنَّها تُقَرُّ في يَدِ الزَّوْجِ؛ لِاتِّفاقِهما على حِلها له، واسْتِحْقاقِه إمْساكَها، وإنَّما اخْتَلَفا في السَّبَبِ، ولا تُرَدُّ إلى السَّيِّدِ؛ لِاتِّفاقِهِما على تَحْرِيمِها عليه. وللبائِعِ أقَلُّ الأمْرَيْنِ مِن الثَّمَنِ أو المَهْرِ؛ لِاتِّفاقِهِما (5) على اسْتِحْقاقِه لذلك. والأمْرُ في الباطِنِ على ذلك، فإنَّ
(1) في الأصل: «موقوف» .
(2)
في م: «الوطء» .
(3)
في الأصل: «وورثها» .
(4)
في: المغنى 7/ 312.
(5)
في الأصل: «لاتفاقه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السَّيِّدَ إن كان صادِقًا، فالأمَةُ حَلَالٌ لِزَوْجِها بالبَيْعِ، وإن كان كاذِبًا، فهى حَلَالٌ له بالزَّوْجِيَّةِ. والقَدْرُ الذى اتَّفَقا عليه، إن كان السيدُ صادِقًا، فهو يَسْتَحِقُّه ثَمَنًا، وإن كان كاذِبًا، فهو يَسْتَحِقه مَهْرًا. وقال القاضى: يَحْلِفُ الزَّوْجُ أنَّه ما اشْتَراها؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، ويَسْقُطُ عنه الثمنُ، ولا يَحْتاجُ السَّيِّدُ إلى اليَمِينِ على نَفْى الزَّوْجِيَّةِ؛ لأنَّه لا يُسْتَحْلَفُ فيه. وعندَ الشّافعىِّ، يَتَحالَفانِ معًا، ويَسْقُطُ الثمنُ عن الزَّوْجِ؛ لأَنَّ البَيْعَ ما ثَبَتَ، ولا يَجِبُ المَهْرُ؛ لأَنَّ السَّيِّدَ لا يَدَّعِيه، وتُرَدُّ الجارِيةُ إلى سَيِّدِها. وفى كَيْفِيّةِ رُجُوعِها وجهان؛ أحدُهما، تَرْجِعُ إليه، فيَمْلِكُها ظاهِرًا وباطِنًا، كما يَرْجِعُ البائعُ في السِّلْعةِ عند فَلَسِ المُشْتَرِى بالثَّمنِ؛ لأَنَّ الثَّمَنَ ههُنا قد تَعَذَّرَ، فيَحْتاجُ السَّيِّدُ أن يقولَ: فَسَخْتُ البَيْعَ. وتَعُودُ إليه مِلْكًا. والثانى، تَرْجعُ إليه في الظاهِرِ دونَ الباطِنِ؛ لأنَ المُشْتَرِىَ امْتَنَعَ مِن أدَاءِ الثَّمَنِ مع إمكانِه. فعلى هذا، يَبِيعُها الحاكِمُ ويُوَفِّيه ثَمَنَها، فإن كان وَفْقَ (1) حَقِّه أو دُونَه، أخَذَه (2)، وإن زادَ، فالزِّيادَةُ لا يَدَّعِيها أحَدٌ؛ لأَنَّ المُشْتَرِىَ يُقِرُّ بها للبائعِ، والبائِعُ لا يَدَّعِى أكْثَرَ مِن الثَّمَنِ الأَوَّلِ، فهل تُقَرُّ في يَدِ المُشْتَرِى أو تَرْجِعُ إلى بَيْتِ المالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فإن رَجَعَ البائعُ فقال: صَدَقَ خَصْمِى، ما بِعْتُه إيّاها، بل زَوَّجْتُه. لم يُقْبَلْ في إسْقاطِ حُرِّيَّةِ الوَلَدِ، ولا في اسْتِرْجاعِها إن صارت أُمَّ وَلَدٍ، وقُبِلَ في إسْقاطِ
(1) في الأصل: «فوق» .
(2)
في م: «أخذها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّمَنِ، واسْتِحْقاقِ [المهرِ، وأخذِ زيادةِ الثمنِ، واستحقاقِ](1) مِيراثِها ومِيراثِ وَلَدِها. وإن رَجَعَ الزَّوْجُ، ثَبَتَتِ الحُرِّيَّةُ، ووَجَبَ عليه الثَّمنُ.
فصل: ولو أقَرَّ رَجُلٌ بحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثم اشْتَراه، أو شَهِدَ رَجُلانِ بحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لغَيْرِهما (2)، ثم اشْتَراه أحَدُهُما مِن سَيِّدِه، عَتَق في الحالِ، لِاعْتِرافِه بأنَّ الذى اشْتَراه حُرٌّ، ويكونُ البَيْعُ صَحِيحًا بالنِّسْبةِ إلى البائعِ؛ لأنَّه مَحْكومٌ له بِرِقِّه، وفى حَقِّ المُشْتَرِى اسْتِنْقَاذًا، فإذا صار في يَدَيْهِ، حُكِمَ بحُرِّيَّته، لإِقْرارِه السابِقِ، ويَصِيرُ كما لو شَهِدَ رَجُلانِ على رَجُلٍ أنَّه طَلَّقَ زَوْجَتَه ثَلاثًا، فَردَّ الحاكِمُ شَهادَتَهما، فدَفَعا إلى الزَّوْجِ عِوَضًا لِيَخْلَعَها، صَحَّ، وكان في حَقِّهِ خُلْعًا صَحِيحًا، وفى حَقِّهِما اسْتِخْلاصًا، ويكونُ وَلاؤُه مَوْقُوفًا، لأَنَّ أحدًا لا يَدَّعِيه، فإنَّ البائعَ يقولُ: ما أعْتَقْتُه (3). والمُشْتَرِى يقولُ: ما أعْتَقَه إلَّا البائعُ، وأنا اسْتَخْلَصْتُه. فإن ماتَ وخَلَّفَ مالًا، فرَجَعَ أحَدُهما عن قولِه، فالمالُ له؛ لأَنَّ أحَدًا لا يَدَّعِيه سِوَاه، لأَنَّ الرَّاجِعَ إن كان البائعَ، فقال: صَدَقَ المُشْتَرِى، كنتُ أعْتَقْتُه. فالوَلاءُ له، ويَلْزَمُه رَدُّ الثَّمنِ إلى المُشْتَرِى، لإِقْرارِه بِبُطْلانِ البَيْعِ. وإن كان الراجعُ المُشْتَرِىَ، قُبلَ في المالِ، لأَنَّ أحدًا لا يَدَّعِيه سِوَاه، ولا يُقْبَلُ قولُه في نَفْى الحُرِّيَّةِ؛ لأَنَّها حَقٌّ لغيرِه. وإن رَجَعا معًا،
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في المغنى 7/ 313: «فرُدت شهادتهما» .
(3)
في الأصل: «عتقته» .