الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَبَتَتْ عَدَالتهُمْ.
وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ، عَزَّرَهُ، وَطَافَ بِهِ فِى الْمَوَاضِعِ الَّتِى يَشْتَهِرُ فِيهَا، فَيُقَالُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ.
ــ
حَكَمَ بشهادَتِهم، إذا ثَبَتَتْ عَدالتُهم) لأنَّهم أدَّوُا الشَّهادةَ، أشْبَهَ ما لو كانوا أحْياءً، وكذلك إن جُنُّوا؛ لأن جُنونَهم بمَنْزلةِ مَوْتِهم.
5087 - مسألة: (وإذا عَلِمَ الحَاكِمُ بِشاهِدِ الزُّورِ، عَزَّرَه، وَطافَ به في المَوَاضِعِ التى يَشْتَهِرُ فيها، فيُقالُ: إنَّا وَجَدْنَا هذا شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوه)
شَهادةُ الزُّورِ مِن أكْبرِ الكبائرِ، وقد نَهَى اللَّهُ عنها في كتابِه، مع نَهْيِه عن الأوْثانِ، فقال سبحانَه:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (1). ورَوَى أبو بَكْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» . قالوا: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ. قال: «الإشْرَاكُ باللَّهِ وعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» . وكانَ مُتَّكِئًا فَجلَسَ فقال: «ألَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» . فما زالَ يُكَرِّرُها، حتى قُلْنا: لَيْتَه سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عليه (2). ورَوَى أبو حنيفةَ،
(1) سورة الحج 30.
(2)
تقدم تخريجه في 29/ 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن مُحارِبِ بنِ دِثَارٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«شَاهِدُ الزُّورِ، لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى تَجِبَ لَهُ النَّارُ» (1). فمتى ثَبَت عندَ الحاكمِ أنَّ رَجلًا شَهِدَ بزُورٍ عَمْدًا، عَزَّرَه، وشَهَّرَه. في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه (2). وهو قولُ شرَيْحٍ، والقاسمِ ابنِ محمدٍ، وسالمِ بنِ عبدِ اللَّهِ، والأوْزاعِىِّ، وابن أبى ليلَى، ومالكٍ، والشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُعَزَّرُ، ولا يُشَهَّرُ؛ لأنَّه قَوْلُ مُنْكَرٍ وزُورٍ، فلا يُعَزَّرُ به، كالظِّهارِ. ورَوَى عنه الطَّحاوِىُّ أنَّه يُشَهَّرُ. وأنْكَرَه المُتَأَخِّرُون. ولَنا، أنَّه قَوْلٌ مُحَرَّمٌ يَضرُّ به الناسَ، فأوْجَبَ العُقوبَةَ على قائلِه، كالسَّبِّ والقَذْفِ، ويُخالِفُ الظِّهارَ مِن وِجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أنَّه يَخْتَصُّ بِضرَرِه. والثانى، أنَّه أوْجَبَ كفَّارةً شاقَّةً هى أشَدُّ مِن التَّعْزِيرِ، ولأنَّه قولُ عمر، رَضِىَ اللَّهُ عنه، ولا نَعْلَمُ له في الصَّحابَةِ مُخالِفًا. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ عُقُوبَتَه غيرُ مُقَدَّرَةٍ، وإنَّما ذلك مُفَوَّضٌ إلى رَأْىِ الحاكِمِ؛ إن رأى ذلك بالجَلْدِ، فَعَلَ، وإن رآه بحَبْسٍ أو كَشْفِ رأْسِه وتَوْبِيخِه،
(1) تقدم تخريجه في 28/ 490.
(2)
تقدم تخريجه في 26/ 461.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَعَل، ولا يَزِيدُ في جَلْدِه على عَشْرِ جَلَداتٍ. وقال الشافعىُّ: لا يَزيدُ على تِسْعٍ وثلاثين. وقال ابنُ أبى ليلَى: يُجْلَدُ خَمْسةً وسبعين سوطًا. وهذا أحدُ قَوْلَىْ أبى يوسُفَ. وقال الأوْزاعِىُّ في شاهِدَىِ الطَّلاقِ: يُجْلَدان مائةً، ويَغْرَمان الصَّداقَ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُجْلَدُ أَحدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إلَّا فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . مُتُّفَقٌ عليه (1). وقال القاسمُ، وسالمٌ: يُخْفقُ (2) سَبْعَ خَفَقاتٍ. فأمَّا شُهْرَتُه بينَ الناسِ، فإنَّه يُوقَفُ في سُوقِه إن كان مِن أهلِ السُّوقِ، أو في قَبِيلَتِه إن كان مِن أهلِ القبائلِ، أو في مَسْجدِه إن كان مِن أهلِ المساجدِ، ويقولُ المُوَكَّلُ به: إنَّ الحاكمَ يَقْرأُ عليكم السَّلامَ، ويقولُ: هذا شاهِدُ زُورٍ، فاعْرِفُوه. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وأُتِىَ الوليدُ بنُ عبدِ الملكِ بشاهدِ زُورٍ، فأمرَ بقَطْعِ لِسانِه، وعندَه القاسمُ وسالمٌ، فقالا: سبحانَ اللَّهِ، بحَسْبِه أن يُخفَقَ سَبْعَ خَفَقاتٍ، ويُقامَ بعدَ العَصرِ، فَيُقالَ: هذا أبو قُبَيْسٍ، وجَدْناه شاهِدَ زُورٍ. فَفعَلِ ذلك به. ولا يُسَخَّمُ وَجْهُه، ولا يُرْكَبُ، ولا يُكَلَّفُ أن يُنادِىَ على نفْسِه. ورُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه يُجْلَدُ أرْبعينَ
(1) تقدم تخريجه في 26/ 455.
(2)
خفق فلانا بالسوط ونحوه: ضربه به خفيفًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جلدةً، ويُسَخَّمُ وَجْهُه، ويُطالُ حَبْسُه. رواه الإِمامُ أحمدُ (1). وقال سَوَّارٌ: يُلَبَّبُ (2)، ويُدارُ به على حِلَقِ المسجدِ، فيقولُ: مَن رآنِى فلا يَشْهدْ بزُورٍ. ورُوِىَ عن عبدِ الملكِ بنِ يَعْلَى، قاضى البَصْرَةِ، أنَّه أمرَ بحَلْقِ بعضِ رُءوسِهم، وتَسْخِيمِ وُجوهِهم، ويُطافُ بهم في السُّوقِ، والذى شَهِدُوا له معهم. ولَنا، أنَّ هذا مُثْلَةٌ، وقد نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن المُثْلَةِ (3). وما رُوِى عن عمرَ، فقد رُوِى عنه خِلافُه، وأنَّه حَبَسَه يومًا وخَلَّى سَبيلَه (4). وفى الجُملةِ، ليس في هذا تقْديرٌ شَرْعِىٌّ، فما فعلَ الحاكمُ ممَّا رآهُ، ما (5) لم يَخْرُجْ عن مُخالفَةِ نَصٍّ أو معنَى نصٍّ، فله ذلك، ولا يُفْعَلُ به شىئٌ مِن هذا حتى يتَحَقَّقَ أنَّه شاهِدُ زُورٍ، وتَعَمَّدَ (6) ذلك، [إمَّا بإقْرارِ](7)، أو يَشْهَدُ على رجلٍ بفِعْلٍ في الشَّامِ، ويُعْلَمُ أنَّ المشْهودَ عليه في ذلك الوقتِ في العِراقِ، أو يَشْهَدُ بقَتْلِ رجلٍ، وهو
(1) تقدم تخريجه في 26/ 461.
(2)
يلبب: أى تجمع ثيابه عند نحره ويجر بها.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 86.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب ما يفعل بشاهد الزور، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 141. وعبد الرزاق، في: باب عقوبة شاهد الزور، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 325.
(5)
سقط من: م.
(6)
في الأصل: «بعد» .
(7)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَىٌّ، وأنَّ هذه البَهِيمةَ في يَدِ هذا منذُ ثلاثةِ أعوام، وسِنُّها (1) أقَلُّ مِن ذلك، أو يَشْهَدُ على رَجُلٍ أنَّه فعلَ شيئًا، وقد مات قبلَ ذلك، وأشْباهُ هذا ممَّا يُعْلَمُ به كَذِبُه، ويُعْلَمُ تَعَمُّدُه لذلك. فأمَّا تَعارُضُ البَيِّنتَيْنِ، أو ظُهورُ فِسْقِه، أو غَلَطِه في شَهادَتِه، فلا يُؤَدَّبُ؛ لأَنَّ الفِسْقَ لا يَمْنَعُ الصِّدْقَ، والتَّعارُضَ لا [يُعْلَمُ به](2) كَذِبُ إحْدَى البَيِّنَتَيْنِ بعَيْنِها، والغَلَطَ قد يَعْرِضُ للصَّادِقِ العَدْلِ ولا يَتَعَمَّدُه، فيُعْفَى عنه، قال اللَّهُ تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (3).
فصل: ومتى عَلِمَ أنَّ الشّاهِدَيْنِ شَهِدَا بالزُّورِ، تَبَيَّنَ أنَّ الحُكْمَ كان باطِلًا، ولَزِمَ نقضُه؛ لأنَّا تَبَيَّنَّا كَذِبَهما؛ فإن كان المحْكُومُ به مالًا، رُدَّ إلى صاحِبه، وإن كان إتْلافًا، فعلى الشّاهِدَيْنِ ضَمانُه؛ لأنَّهما سبَبُ إتْلافِه، إِلَّا (4) أن يَثْبُتَ ذلك بإقْرارِهما على أنْفُسِهما مِن غيرِ مُوافَقَةِ المَحْكومِ له، فيكونَ ذلك رُجوعًا منهما عن شَهادَتِهما، وقد مَضَى حكمُ ذلك.
(1) في الأصل: «تبينا» .
(2)
في م: «يمنع أنه» .
(3)
سورة الأحزاب 5.
(4)
في ق، م:«إلى» .