الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ.
ــ
5149 - مسألة: (ولا يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ مِن غيرِ الجِنْسِ. نَصَّ عليه)
وبهذا قال زُفَرُ، ومحمدُ بنُ الحَسَنِ. وقال أبو حنيفةَ: إنِ اسْتَثْنَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، جازَ، وإنِ اسْتَثْنَى عَبْدًا أو ثَوْبًا مِن (1) مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ، لم يَجُزْ. وقال مالِكٌ، والشّافِعِىُّ: يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ مِن غيرِ الجنْسِ مُطْلَقًا؛ لأنَّه وَرَدَ في الكِتابِ العَزِيزِ ولُغةِ العَرَبِ، قال اللَّهُ تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} (2). وقال سُبحانَه: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا
(1) بعده في ق، م:«غير» .
(2)
سورة الكهف 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَلَامًا} (1). وقال الشاعرُ (2):
وبَلْدَةٍ ليس بها أَنِيسُ
…
إلَّا اليَعافِيرُ، وإلَّا العِيسُ
وقال آخَرُ (3):
أعْيَتْ جَوابًا وَمَا بالرَّبْعِ مِن أحدِ
إلَّا أوارىُّ لأْيًا ما أُبَيِّنُها
ولنا، أنَّ الاسْتِثْناءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِ الاسْتِثناءِ عمّا كان يَقْتَضِيه لَوْلَاه. وقيل: إخْراجُ بعضِ ما تَنَاوَلَه المُسْتثْنَى منه، مُشْتَقٌّ مِن قَوْلِه: ثَنَيْتُ فُلانًا عن رَأْيِه. إذا صَرَفْتَه عن رَأْىٍ كان عازِمًا عليه. وثَنَيْتُ عِنَانَ
(1) سورة مريم 62.
(2)
البيت من أرجوزة لعامر بن الحارث المعروف بجران العود، وهو هكذا في الكتاب 2/ 322، وانظر روايات البيت في خزانة الأدب 10/ 15 - 18.
وعلق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد عليه بقوله: وهكذا يرويه النحاة من سيبويه إلى اليوم، ولكن الرواية في ديوانه هكذا:
الذئب أو ذو لبد هموس
…
بسابسا، ليس به أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
…
وبقر ملمع كنوس
انظر: حاشية شرح شذور الذهب 265، 266. والبيت من الشواهد النحوية، انظر: معجم شواهد العربية 481.
واليعافير: جمع يعفور، وهو ولد الظبية وولد البقرة الوحشية أيضًا. والعيس: إبل بيض يخالط بياضها شقرة.
(3)
هو النابغة الذبيانى. ديوانه 2، 3.
وصدر الأول:
* وقفت فيها أُصيْلالا أسائلُها *
وعجز الثانى:
* والنُّوْئ كالحوضِ بالمظلومة الجَلَدِ *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دابَّتِى (1). إذا صَرَفْتُها به عن وِجْهَتِها التى كانَتْ تَذْهَبُ إليها. وغيرُ الجِنْسِ المَذْكُورِ ليس بِدَاخِلٍ في الكَلامِ، فإذا ذَكَرَه، فما صَرَفَ الكَلَامَ عن صَوْبِه، ولا ثَنَاه عن وَجْهِ اسْتِرْسالِه، فلا يكونُ اسْتِثْناءً، وإنَّما يُسَمَّى اسْتِثْناءً تَجَوُّزًا، وإنَّما هو في الحَقِيقَةِ اسْتِدْراكٌ. وإلَّا ههُنا بمَعْنَى «لكن» . هكذا قال أهْلُ العَرَبِيَّةِ؛ منهم ابنُ قُتَيْبةَ، وحَكَاه عن سِيبَوَيْهِ. والاسْتِدْراكُ لا يَأْتِى إلَّا بعدَ الجَحْدِ، ولذلك لم يَأْتِ الاستثناءُ في الكِتابِ العَزِيزِ مِن غيرِ الجِنْسِ إِلَّا بعدَ النَّفْى، ولا يأتِى بعدَ الإِثْباتِ إلَّا أن يُوجَدَ بعدَه (2) جُملةٌ. إذا تَقَرَّرَ هذا فلا مدْخَلَ للاسْتِدْراكِ في الإِقْرارِ؛ لأنَّه إثْباتٌ للمُقَرِّ به، فإذا ذَكَر الاسْتِدْراكَ بعدَه كان باطِلًا، وإن [ذكَرَه بعدَ] (3) جُمْلةٍ كأنَّه قال: له عِنْدِى مائةُ دِرْهمٍ إلَّا ثَوْبًا لِى عليه. فيكونُ مُقِرًّا لشئٍ مُدَّعِيًا لشئٍ سِواه، فيُقْبَلُ إقْرارُه، وتَبْطُلُ دَعْواه، كما لو صَرَّحَ بذلك بغيرِ لَفْظِ الاسْتِثْناءِ. وأمّا قولُه تعالى:{فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} . فإنَّ إبْلِيسَ كان مِن الملائكةِ، بدَلِيلِ أنَّ اللَّهَ تعالى لم يَأْمُرْ بالسُّجُودِ غيرَهُم، فلو لم يَكُنْ منهم، لَما (4) كان مَأْمُورًا بالسُّجُودِ، ولا عاصِيًا، بتَرْكِه، ولا قال اللَّهُ تعالى في حَقِّه:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (5). ولا
(1) في الأصل: «ابنى» .
(2)
في ق، م:«بعد» .
(3)
في ق، م:«ذكر بعده» .
(4)
في الأصل: «ما» .
(5)
سورة الكهف 50.