الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِىَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ، تَعَالَى اسْمُهُ.
ــ
يَحْلِفَ لكُلِّ واحدٍ يَمِينًا. وهو أحدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشافعىِّ؛ لأَنَّ اليَمِينَ حُجَّةٌ في حقِّ الواحدِ، فإذا رَضِىَ بها اثْنان، صارَتِ الحُجَّةُ في حقِّ كلِّ واحدٍ منهما ناقِصَةً، [والحُجَّةُ الناقِصَةُ لا تَكْمُلُ](1) برِضَا الخَصْمِ، كما لو رَضِىَ أن يحْكمَ عليه بشَاهدٍ واحدٍ. والصَّحيحُ الأَوَّلُ؛ لأَنَّ الحقَّ لهما، فإذا رَضِيَا به، جازَ، ولا يَلْزَمُ مِن رِضَاهُما بيَمِينٍ واحدةٍ أن يكونَ لكُلِّ واحدٍ بعضُ اليَمِينِ كما أنَّ الحُقوقَ إذا قامتْ بها بَيِّنَةٌ واحدةٌ لا تكونُ لكُلِّ حقٍّ بعضُ البَيِّنَةِ. فأمَّا إن حَلَّفَه الحاكمُ لجميعِهم يَمِينًا واحدةً [بغيرِ رِضاهم، لم تَصِحَّ يمينُه. بلا خِلافٍ نَعْلَمُه. وقد حَكَى الإِصْطَخْرِىُّ، أنَّ إسماعيلَ بنَ إسحاقَ، حلَّفَ رجلًا بحقٍّ لرجلَيْن يَمِينًا واحِدَةً](2)، فخَطَّأَه أهْلُ عصرِه (3).
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله: (واليَمِينُ المَشْرُوعَةُ هى اليَمِينُ
(1) في م: «لا يعمل» .
(2)
سقط من: م.
(3)
انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 332، 333.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
باللَّهِ، تَعالى اسْمُه) [وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ اليمينَ المشروعةَ هى اليمينُ باللَّهِ، تعالى اسمُه](1)، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا أنَّ مالِكًا أحَبَّ [أَنْ يَحْلِفَ](1) باللَّهِ الذى لَا إلهَ إلَّا هو، وإنِ اسْتَحْلفَ [حاكم باللَّهِ، أجْزَأَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: وهذا أحَبُّ إلىَّ؛ لأَنَّ ابنَ عبَاسٍ رَوَى، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْلفَ](2) رجلًا، فقال:«قُلْ: وَاللَّهِ الَّذى لا إلهَ إلَّا هُوَ، مَا لَهُ عِنْدَكَ شَىْءٌ» . رواه أبو داودَ (3). وفى حديثِ عمرَ حينَ حَلَف لأُبَىٍّ، قال (4): واللَّهِ الذى لا إلهَ إلَّا هو، إنَّ النَّخْلَ لنَخْلى وما لأُبىِّ فيها شَىْءٌ (5). وقال الشافعىُّ: إن كان المُدَّعَى قِصاصًا، أو عَتاقًا، أو حَدًّا، أو مالًا يَبْلُغُ نِصابًا، غُلِّظَتِ اليَمِينُ، فَيَحْلِفُ باللَّه اِلذى لا إلهَ إلَّا هو، عالمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، الذى يَعْلمُ مِن السِّرِّ ما يَعْلَمُ مِن العَلَانِيَةِ، وقال في القَسامَةِ: عالمِ خائِنَةِ الأعْيُنِ وما تُخْفِى الصُّدورُ. وهذا اخْتِيارُ أبى الخَطَّابِ. وذكرَ القاضى أنَّ هذا في أيْمانِ القَسامةِ خاصَّةً، وليس بشَرْطٍ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (6). وقال تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا
(1) سقط من: ق، م.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 115.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
تقدم تخريجه في 27/ 502.
(6)
سورة المائدة 106.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} (1). وقال تعالى في اللِّعانِ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} (2). وقال سبحانه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (3). قال بعضُ المفَسِّرين: مَن أقْسَمَ باللَّهِ فقد أَقْسَمَ باللَّهِ جَهْدَ اليَمِينِ. واسْتَحْلفَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم رُكانَةَ بنَ عبدِ (4) يَزِيدَ في الطَّلاقِ، فقال:«آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً؟» (5). وقال عثمانُ لابنِ عُمَرَ: تحْلِفُ باللَّهِ لقد بِعْتَه وما به داءٌ تَعْلَمُه (6). ولأَنَّ [في اللَّهِ](7) كِفَايَةً، فوجبَ أَنْ يُكْتَفَى باسْمِه في اليَمِينِ، كالمواضِعِ التى سَلَّمُوها. فأمّا حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ [وعُمَرَ](8)، فإنَّه يدُلُّ على جَوازِ الاسْتِحْلافِ كذلك (9)، وما ذكَرْناه يدُلُّ على الاكْتِفاءِ باسْمِ (10) اللَّهِ تعالَى وحدَه، وما ذكَرَه الباقونَ تحَكُّمٌ لا نَصَّ فيه، ولا قِياسَ يَقْتَضِيه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ اليَمِينَ في حقِّ المسلمِ والكافرِ جميعًا باللَّهِ تعالى، لا يَحْلِفُ أحدٌ بغيرِه؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} . ولِقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ
(1) سورة المائدة 107.
(2)
سورة النور 6.
(3)
سورة الأنعام 109، سورة النحل 38، سورة النور 53، سورة فاطر 42.
(4)
في الأصل: «عبيد» .
(5)
تقدم تخريجه في 22/ 239.
(6)
تقدم تخريجه في 11/ 256، 28/ 433.
(7)
في م: «فيه» .
(8)
في النسخ: «وابن عمر» . والمراد حديث عمر المتقدم حين حلف لأبى، وانظر: المغنى 14/ 223.
(9)
في النسخ: «لذلك» . وانظر المغنى الموضع السابق.
(10)
في ق، م:«ببسم» .