الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ رَجَعَ شُهُودُ القِصَاصِ أوِ الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، لَمْ يُسْتَوْفَ، وإنْ كَانَ بَعْدَهُ، وَقَالُوا: أخْطَأْنَا. فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ، وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ، فَإن رَجَعَ أحَدُهُمْ وَحْدَهُ، غَرِمَ بِقِسْطِهِ.
ــ
ضَمانٌ. وبه قال أبو حنيفةَ. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخْرَى، عليهما ضَمانُ المُسَمَّى في الصَّداقِ؛ لأنهما فَوَّتا عليه نِكاحًا وجَبَ عليه به عِوَضٌ، فكانَ عليهما ضَمانُ ما وَجَبَ به، كما قبلَ الدُّخولِ. وقال الشافعىُّ: يَلْزَمُهما له مَهْرُ المِثْلِ؛ لأنَّهما أتْلَفا البُضْعَ عليه (1). وقد سَبَق الكَلامُ معه في هذا، ولا يَصِحُّ القياسُ على ما قبلَ الدُّخولِ؛ لأنَّهما قَرَّرَا عليه نِصْفَ المُسَمَّى، وكان بعَرَضِ (2) السُّقوطِ، وهاهُنا قد تقَرَّر المَهْرُ كلُّه بالدُّخولِ، فلم يُقَرِّرَا عليه شيئًا، ولم يُحرِجَا مِن مِلْكِه مُتَقَوَّمًا، فأشْبَهَ ما لو أخْرَجَاه مِن مِلْكِه بقَتْلِها، أو أخرَجَتْه هى برِدَّتِها.
5081 - مسألة: (وإن رَجَعَ شُهُودُ القِصَاص أو الحَدِّ قبلَ الاسْتِيفَاءِ، لم يُسْتَوْفَ، وإن كان بعدَه، وقالوا: أخْطَأَنَا. فعليهم دِيَةُ ما تَلِفَ، ويُقَسَّطُ الغُرْمُ على عَدَدِهم، فإن رَجَعَ أحَدُهم، غَرِمَ بقِسْطِهِ)
(1) سقط من: ق، م.
(2)
في الأصل: «يعرض» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملةُ ذلك، أنَّ الشُّهودَ إذا رَجَعُوا عن شَهادَتِهم بعدَ أدائِها، لم تَخْلُ مِن ثَلاثةِ أحْوالٍ؛ أحدُها، أن يَرْجعُوا قبلَ الحُكْمِ بها، فلا يجوزُ الحكمُ بها، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وحُكِىَ عن أبى ثَوْرٍ، أنَّه شَدَّ عن أهلِ العلمِ، وقال: يُحْكَمُ بها؛ لأنَّ الشَّهادةَ قد أُدِّيَتْ، فلا تَبْطُلُ برُجوعِ مَن شَهِدَ بها، كما لو رَجَعا بعدَ الحُكْمِ. وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّ الشَّهادَةَ شَرْطُ الحُكْمِ، فإذا زَالَتْ قبلَه، لم يَجُزْ، كما لو فَسَقا، ولأنَّ رُجوعَهما يَظْهَرُ به كَذِبُهما، فلم يَجُزْ به الحكمُ، كما لو شَهِدَا (1) بقَتْلِ رجلٍ، ثم عَلِمَ حَياتَه، ولأنَّه زالَ ظَنُّه في أنَّ ما شُهِدَ به حَقٌّ، فلم يَجُزْ لَه (2) الحُكْمُ به، كما لو تَغَيَّرَ اجْتِهادُه. وفارَقَ [ما بعدَ](3) الحكمِ، فإنَّه تَمَّ بشَرْطِه، ولأنَّ الشَّكَّ لا ئزيلُ ما حُكِمَ به، كما لو تَغَيَّرَ اجْتِهادُه. الحالُ الثانى، أن يَرْجِعا بعدَ الحُكْمِ وقبلَ الاسْتِيفاءِ؛ فإن كان المحكومُ به عُقوبَةً، كالحدِّ والقِصاصِ، لم يَجُزِ
(1) في ق، م:«شهد» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتِيفاؤُه؛ لأنَّ الحُدودَ تُدْرَأْ بالشُّبُهاتِ، [ورُجوعُهما مِن أعْظمِ الشُّبُهاتِ](1)، ولأنَّ المحكومَ به عُقوبَةٌ لم يَبْقَ ظَنُّ اسْتِحْقاتِها، ولا سبيلَ إلى جَبْرِها (2)، فلم يَجُزِ اسْتِيفاؤُهَا، كما لو رَجَعا قبلَ الحُكْمِ. وإن كان المحكومُ به مالًا، اسْتُوفىَ، ولم يُنْقَضِ الحكمُ، وقد ذكَرْناه. وفارَقَ المالُ القِصاصَ والحدَّ، فإنَّه يُمْكِنُ جَبْرُه، بإلْزامِ الشاهِدِ عِوَضَه، والحَدُّ والقِصاصُ لا يُجْبَرُ بإيجابِ مِثْلِه على الشَّاهِدَيْن؛ لأنَّ ذلك ليس بِجَبْرٍ، ولا يَحْصُلُ لمَن وَجَب له منه عِوَضٌ، وإنَّما شُرِعَ للزَّجْرِ والتَّشَفِّى والانْتِقامِ، لا للجَبْرِ. فإن قِيلَ: فلِمَ قُلْتُم: إنَّه إذا حُكِمَ بالقِصاصِ، ثم فَسَقَ الشَّاهِدُ، اسْتُوفِىَ فِى أحَدِ الوَجْهَيْن. قُلْنا: الرُّجوعُ أعْظَمُ في الشُّبْهَةِ مِن طَرَيانِ الفِسْقِ؛ لأنَّهما يُقِرَّان أنَّ شَهادتَهما زُورٌ، وأنَّهما كانا فاسِقَيْن حين شَهِدَا، وحينَ حَكَم الحاكمُ بشَهادَتِهما، وهذا الذى طَرَأَ فِسْقُه لا يتحَقَّقُ كونُ شَهادتِه كَذِبًا، ولا أنَّه كان فاسِقًا حينَ أدَّى الشَّهادةَ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في ق، م:«خبرها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا حينَ الحُكمِ بها، ولهذا لو فَسَقَ بعدَ الاسْتِيفاءِ، لم يَلْزَمْه شئٌ، والرّاجِعان تَلْزَمُهما غَرامَةُ ما شَهِدَا به، فافْتَرَقا. الحالُ الثالثُ، أن يَرْجِعا بعدَ الاسْتِيفاءِ، فإنَّه لا يَبْطُلُ الحكمُ، ولا يَلْزَمُ المَشْهودَ له شئٌ، سَواءٌ كان المَشْهودُ به مالًا أو عُقوبةً؛ لأنَّ الحُكْمَ قد تَمَّ باسْتِيفاءِ المحْكومِ به، ووُصولِ الحق إلى مُسْتَحِقِّه، ويَرْجِعُ به على الشّاهِدَيْن. فإن كان المَشْهودُ به (1) إتْلافًا في مِثْلِه القِصاصُ، كالقتلِ والجَرْحِ، وقالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه بالزُّورِ؛ ليُقْتَلَ، أو: يُقْطَعَ. فعليهما القِصاصُ. وبه قال ابنُ أبى ليلَى، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا قَوَدَ عليهما؛ لأنَّهما لم يُباشِرَا الإتْلافَ، فأشْبَها حافِرَ البِئْرِ، إذا تَلِفَ به شئٌ. ولَنا، أنَّ عليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، شَهِدَ عندَه رَجلان على رجلٍ بالسَّرِقَةِ، فقطَعَه، ثم عادَا، فقالا: أخْطَأْنا، ليس هذا السَّارِقَ.
(1) سقط من: الأصل، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال علىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه: لو أعْلَمُ أنَّكما تَعَمَّدْتُما، لقَطَعْتُكما (1). ولا مُخالِفَ له في الصَّحابةِ، ولأنَّهما تَسَبَّبا إلى قَتْلِه وقَطْعِه، بما يُفْضِى إليه غالِبًا، فلَزِمَهما القِصاصُ، كالمُكْرَهِ، وفارَقَ الحَفْرَ، فإنَّه لا يُفْضِى إلى القَتْلِ غالبًا. وقد ذكَرْنا هذه المسألةَ في الجِناياتِ (2). فإن قالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه، ولم نَعْلَمْ أنَّه يُقْتَلُ بهذا. وكانا ممَّن يجوزُ أن يَجْهَلا ذلك، وجَبَتِ الدِّيَةُ في أمْوالِهما مُغلَّظَةً؛ لأنَّه شِبْهُ عَمْدٍ، ولم تَحْمِلْه العاقِلَةُ؛ لأنَّه ثَبَتَ باعْتِرافِهما. وإن قال أحدُهما: عمَدْتُ قَتْلَه. وقال الآخَرُ: أخْطَأْتُ. فعلى العامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وعلى الآخَرِ نِصْفُها مُخَفَّفَةً. ولا قِصاصَ في الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وإن قال كُلُّ واحدٍ منهما:[عَمَدْتُ وأخْطَأَ صاحِبى. احْتملَ وجُوبُ القِصاصِ عليهما به؛ لاعْتِرافِ كُلِّ واحدٍ منهما بعمدِ نفسِه. واحتمل أن لا يَجِبَ إلا الدِّيَةُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما](3) إنَّما اعْتَرفَ بعَمْدٍ شارَكَ فيه مُخْطِئًا، وهو لا يُوجِبُ القِصاصَ، والإنْسانُ إنَّما يُؤاخَذُ بإقْرارِه، لا بإقْرارِ غيرِه. فعلى هذا، تَجِبُ عليهما دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ. وإن قال أحدُهما: عَمَدْنا جميعًا. وقال الآخَرُ: عَمَدْتُ وأخْطأَ صاحِبى. فعلى الأوَّلِ القِصاصُ، وفى الثّانى وَجْهان، كالتى قبلَها. وإن قالا: أخْطَأْنا. فعليهما الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً في
(1) تقدم تخريجه في 25/ 32.
(2)
في 25/ 31 - 34.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمْوالِهما؛ لأنَّ العاقِلَةَ لا تَحْمِلُ الاعْترافَ. وإن قال أحدُهما: عَمَدْنا معًا. وقال الآخَرُ: أخْطَأْنا معًا. فعلَى الأوَّلِ القِصاصُ، وعلى الثانى نِصْفُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُؤاخَذُ بإقْرارِه. وإن قال كلُّ واحدٍ منهما: عَمَدْتُ، ولا أدْرِى ما فَعَلَ صاحِبِى. فعليهما القِصاصُ؛ لإِقْرارِ كلِّ واحدٍ منهما بالعَمْدِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ عليهما القِصاصُ؛ لأنَّ إقْرارَ كلِّ واحدٍ منهما لو انْفَرَدَ، لم يجِبْ عليه قِصاصٌ، وإنَّما يُؤاخَذُ الإنْسانُ بإقرارِه، لا بإقْرارِ صاحِبِه. وإن قال أحدُهما: عَمَدْتُ، ولا أدْرِى ما قَصَدَ صاحِبى. سُئِلَ صاحِبُه، فإنْ قال مثلَ قَوْلِه، فهى كالتى قبلَها، وإنْ قال: عَمَدْنا معًا. فعليه القِصاصُ، وفى الأوَّلِ وَجْهانِ. وإنْ قال: أخْطَأْتُ. أو: أخْطَأْنا. فلا قِصاصَ على واحدٍ منهما. وإن جُهِلَ حالُ الآخَرِ؛ بجُنونٍ، أو مَوْتٍ، أو لم يُقدَرْ عليه، فلا قِصاصَ على المُقِرِّ، وعليه نَصِيبُه مِن الدِّيَةِ المُغَلَّظَةِ.
فصل: وإن رجَعَ أحدُ الشّاهِدَيْن وحدَه، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في رُجوعِهما، في أنَّ الحاكمَ لا يَحْكُمُ بشَهادتِهما، إذا كان رُجوعُه قبلَ الحُكْمِ، ولا تُسْتَوْفَى العُقوبَةُ إذا رجعَ قبلَ اسْتِيفائِها؛ لأنَّ الشَّرْطَ يَخْتَلُّ برُجوعِه، كاخْتِلالِه برُجوعِهما. وإن كان رُجوعُه بعدَ الاسْتِيفاءِ، لَزِمَه حُكْمُ إقْرارِه وحدَه، فإن أقَرَّ بما يُوجِبُ القِصاصَ، وجَبَ عليه، وإنْ أقَرَّ بما يُوجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً، وجَبَ عليه قِسْطُه منها، وإنْ أَقَرَّ بالخطَأ، وجَبَ عليه قِسْطُه مِن الدِّيَةِ المُخَفَّفَةِ. وإن كان الشُّهودُ أكثرَ