الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِن بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ،
ــ
فصلٌ: وإن شَهِدَ رجلانِ على رَجُلٍ بنِكاحِ امرأةٍ، بصَداقٍ ذكَراه، وشَهِدَ آخَران بدُخولِه بها، ثم رَجَعُوا بعدَ الحكمِ عليه بصَداقِها، فعلى شُهودِ النِّكاحِ الضَّمانُ؛ لأنَّهم ألْزَمُوه المُسَمَّى. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ عليهم النِّصْفُ، وعلى الآخَرَيْن النِّصْفُ؛ لأنَّهما قَرَّراهُ، وشاهِدَا النِّكاحِ أوْجَباه، فيُقْسَمُ بينَ الأرْبعةِ أرْباعًا. وإن شَهِدَ مع هذا شاهِدَان بالطَّلاقِ، لم يَلْزَمْهما شئٌ؛ لأنَّهما لم يُفوِّتا عليه شيئًا يَدَّعِيه، ولا أوْجَبا عليه ما لم يكُنْ عليه (1) واجِبًا.
5085 - مسألة: (وإن بان بعدَ الحُكْمِ أنَّ الشّاهِدَيْن كانا
(1) سقط من: ق، م.
نُقِضَ، وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إِتْلَافًا، فَالضَّمَانُ عَلَى المُزَكِّينَ. فَان لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ، فَعَلَى الْحَاكِمِ. وَعَنْهُ، لَا يُنْقَضُ إِذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ.
ــ
كَافِرَيْنِ، أو فاسِقَيْنِ، نُقِضَ، ويُرْجَعُ بِالمالِ أو ببَدَلِه على المَحْكُومِ له. وإن كان المَحْكُومُ به إتْلافًا، فالضَّمانُ على المُزَكِّينَ. فإن لم يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ، فَعلى الحَاكِمِ. وعنه، لا يُنْقَضُ إذا كانا فاسِقَيْنِ) وجملةُ ذلك، أنَّ الحاكمَ إذا حَكَمَ بشَهادةِ شاهِدَيْنِ، ثم بانا فاسِقَيْنِ أو كافِرَيْنِ، فإنَّ الإِمامَ ينْقُضُ حُكْمَه، ويَرُدُّ المالَ إن كان قائِمًا، أو عِوَضَه إن كان تالِفًا. فإن تعَذَّرَ ذلك؛ لإِعْسارِه أو غيرِه، فعلى الحاكمِ، ثم يَرْجِعُ على المشْهودِ له. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخْرَى، لا يَنْقُضُ حُكْمَه إذا كانا فاسِقَيْن، ويَغْرَمُ الشُّهودُ المالَ. وكذلك إذا شَهِدَ عندَه عَدْلان أنَّ الحاكِمَ قَبْلَه حكمَ بشَهادةِ فاسِقَيْنِ، ففيه الرِّوَايتان. واخْتَلَفَ أصْحابُ الشافعىِّ فيه أيضًا. ولا خِلافَ بينَ الجميعِ في (1) أنَّه يَنْقُضُ حُكْمَه إذا كانا كافِرَيْنِ،
(1) سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَنْقُضُ حكمَ غيرِه إذا ثَبَت عندَه أنَّه حَكَمَ بشَهادةِ كافِرَيْنِ، فنَقِيسُ على ذلك إذا حكَمَ بشَهادةِ فاسِقَيْنِ، فإنَّ شَهادةَ الفاسِقَيْنِ مُجْمَعٌ على رَدِّها، وقد نَصَّ اللهُ تَعالى على التَبّيِّنِ فيها، فقال سبحانَه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (1). وأمَرَنا بإشْهادِ العُدولِ، فقال سبحانه:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2). وقال سبحانه: {مِمَّن
(1) سورة الحجرات 6.
(2)
سورة الطلاق 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (1). فيجبُ نَقْضُ الحُكمِ لفَواتِ العَدالةِ، كما يَجِبُ نَقْضُه لفَواتِ الإسْلامِ، ولأنَّ الفِسْقَ معْنًى لو ثَبَت عندَ الحاكمِ قبلَ الحُكمِ مَنَعَه، فإذا شَهِدَ شاهِدَان أنَّه كان مَوْجُودًا حالَ الحُكْمِ، وجَبَ نَقْضُ الحكمِ، كالكُفْرِ والرِّقِّ في العُقوباتِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ أبا حنيفةَ قال: لا يَسْمَعُ الحاكمُ الشَّهادةَ بفِسْقِ الشّاهِدَيْنِ قبلَ الحُكْمِ ولا بعدَه، ومتى جرَحَ المشْهودُ عليه البَيِّنَةَ، لم تُسْمَعْ بَيِّنَتُه بالفِسْقِ، لكنْ يُسْأَلُ عن الشّاهِدَيْن، ولا يُسْمَعُ على الفِسْقِ شَهادةٌ؛ لأنَّ الفِسْقَ لا يتعَلَّقُ به حَقُّ أحدٍ، فلا تُسْمَعُ فيه الدَّعْوَى والبَيِّنَةُ. ولَنا، أنَّه معْنًى يَتعلَّقُ به الحُكْمُ، فسُمِعَتْ فيه الدَّعْوَى والبَيِّنَةُ، كالتَّزْكِيَةِ. وقولُه: لا يَتَعلَّقُ به حَقُّ أحَدٍ. مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ المَشْهودَ عليه يتَعلَّقُّ حَقُّه بفِسْقِه في مَنْعِ الحُكْمِ عليه قبلَ الحكمِ، ونَقْضِه بعدَه، وتَبْرِئتِه مِن أخْذِ مالِه أو عُقُوبتِه بغيرِ حَقٍّ، فوجبَ أن تُسْمَعَ فيه الدَّعْوَى والبَيِّنَةُ، كما لو ادَّعَى رِقَّ الشَّاهدِ ولم يَدَّعِه لنَفْسِه، ولأنَّه إذا لم تُسْمَعِ البَيِّنَةُ بالفِسْقِ أدَّى إلى ظُلْمِ المشْهودِ عليه؛ [لأنَّه يُمْكِنُ أن لا يَعْرِف فِسْقَ الشّاهِدَيْنِ إلَّا شُهودُ المشْهودِ عليه](2)،
(1) سورة البقرة 282.
(2)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإذا لم تُسْمَعْ عليه شَهادتُهم، وحُكِمَ عليه بشَهادةِ الفاسِقَيْن، كان ظالِمًا له. فأمَّا إن قامتِ البَيِّنَةُ أنَّه حكَمَ بشَهادةِ والدَيْنِ، أو وَلَدَيْنِ، أو عَدُوَّيْنِ؛ فإن كان الحاكمُ الذى حَكَم بشَهادتِهما ممَّن يَرَى الحُكْمَ به، لم يَنْقُضْ حُكْمَه؛ لأنَّه حَكَم باجْتِهادِه فيما يَسُوغُ فيه الاجْتِهادُ، ولم يُخالِفْ نَصًّا ولا إجْماعًا. فإنْ كان (1) ممَّن لا يَرَى الحُكْمَ بشَهادتِهم، نَقَضَه؛ لأنَّ الحاكِمَ يَعْتَقِدُ بُطْلانَه.
فصل: فإن كان المحكومُ به إتْلافًا، كالقَطْعِ في السَّرِقَةِ والقتلِ، ثم
(1) في م: «كل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بانَ أنَّهما كافِرَان، أو فاسِقَانِ، أو عَبْدان، أو أحدُهما، فلا ضَمانَ على الشّاهِدَيْن؛ لأنَّهما مُقِيمانِ على أنَّهما صادِقَان فيما شَهِدَا به، وإنَّما الشَّرْعُ مَنَعَ قَبولَ شَهادَتِهما، بخِلافِ الرّاجِعَيْنِ عن الشَّهادَةِ، فإنَّهما اعْتَرفا بكَذِبِهما. فإنْ لم يكُنْ ثَمَّ مُزَكُّون، فالضَّمانُ على الحاكمِ أو الإِمامِ الذى تَوَلَّى ذلك؛ لأنَّه حكمَ بشَهادةِ مَن لا يجوزُ له الحُكْمُ بشَهادَتِه، ولا قِصاصَ عليه؛ لأنَّه مُخْطِئٌ، وتَجِبُ الدِّيَةُ. وفى مَحَلِّها رِوايتان؛ إحداهما، في بيتِ المالِ. والثانيةُ، على العاقِلَةِ. وقد ذكَرْنا ذلك فيما مضَى. وللشافعىِّ قَوْلان كالرِّوايَتَيْن. فإن قُلْنا: الدِّيَةُ على العاقِلَةِ. لم تَحْمِلْ إلَّا الثُّلُثَ فما زادَ، ولا تَحْمِلُ الكَفَّارةَ؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ ذلك في مَحَلِّ الوِفَاقِ، كذا ههُنا، وتكونُ الكَفَّارةُ في مالِ القاتلِ. وإن قُلْنا: في بيتِ المالِ. فيَنْبَغِى أن يكونَ فيه القليلُ والكثيرُ؛ لأنَّه يَكْثُرُ فيه (1) خَطَؤُه، فجَعْلُ الضَّمانِ عليه يُجْحِفُ به وإن قَلَّ، ولأَنَّ جَعْلَه في بيتِ المالِ لعِلَّةِ أنَّه نائِبٌ عنهم، وخَطَأُ النَّائِبِ على مُسْتَنِيبِه، وسواءٌ توَلَّى الحاكمُ الاسْتِيفاءَ بنَفْسِه أو أَمَرَ مَن يَتَولَّاه. قال أصْحابُنا: وإن كان الوَلِىُّ اسْتَوْفاه، فهو كما لو
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَوْفاه الحاكمُ؛ لأَنَّ الحاكِمَ سَلَّطَه على ذلك، ومَكَّنَه منه، والولِىَّ يَدَّعِى أنَّه حَقُّه. فإن قيلَ: فإذا كانَ الوَلِىُّ اسْتَوْفَى حَقَّه، فيَنْبَغِى أن يكونَ الضَّمانُ عليه، كما لو حَكَم له بمالٍ فقَبضَه، ثم بانَ فِسْقُ الشُّهودِ، كان الضَّمانُ على المُسْتَوْفِى دونَ الحاكم، كذا ههُنا. قُلْنا: ثَمَّ حصَلَ في يَدِ المُسْتَوْفِى مالُ المحْكُومِ عليه بغيرِ حَقٍّ، فوَجبَ عليه رَدُّه أو ضَمانُه إن تَلِفَ، وههُنا لم يحْصُلْ في يَدِه شئٌ، وإنما أتْلَفَ شيئًا بخَطَأَ الإِمامِ وتَسْلِيطِه عليه، فافْتَرَقا.
فصل: فإنْ كان ثَمَّ مُزَكُّون، مثلَ أن يَشْهَدَ بالزِّنَى أرْبَعَةٌ، فيُزَكِّيهم (1) اثْنان، فَرُجِمَ المَشْهودُ عليه، ثم بانَ أنَّ (2) الشُّهودَ فَسَقَةٌ، أو عبيدٌ، أو بعضُهم، فلا ضَمانَ على الشُّهودِ؛ لأنَّهم يَزْعُمون أنَّهم مُحِقُّون، ولم يُعْلَمْ كَذِبُهم يَقِينًا، والضَّمانُ على المُزَكِّين. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وقال القاضى: الضَّمانُ على الحاكمِ؛ لأنَّه حَكَمَ بقَتْلِه مِن غيرِ تَحَقُّقِ شَرْطِه، ولا ضَمانَ على المُزَكِّينَ؛ لأَنَّ شَهادتَهما شَرْطٌ، وليستِ المُوجِبَةَ. وقال أبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المسائلِ»: الضَّمانُ على الشُّهودِ بالزِّنَى. ولَنا، أنَّ المُزَكِّين شَهِدُوا بالزُّورِ شَهادةٌ أفْضَتْ إلى قَتْلِه، فلَزِمَهم الضَّمانُ، كشُهودِ الزِّنَى إذا رَجَعُوا، ولا ضَمانَ
(1) في الأصل: «فيزكيهما» .
(2)
سقط من: ق، م.