الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرَهُ إنْ شَاءَ الْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ اخْتَصَّ غَيْرُهُ بِفَضِيلَةٍ أَوْ كَانَ مَالِكًا، إذَا رَضِيَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مِلْكِهِ لِخَبَرِ:«لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ.» وَسَيَأْتِي وَلِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ، مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ فَقَوْلُهُ: مَنْ وَلِيَ تَنَازَعَهُ الْفِعْلَانِ قَبْلَهُ، وَيُرَاعَى فِي الْوُلَاةِ إذَا اجْتَمَعُوا تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ فَيُقَدَّمُ (الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى ثُمَّ) بَعْدَ الْوَالِي (مَنْ رُتِّبَ) لِلْإِمَامَةِ فِي مَحَلِّهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ سُنَّ طَلَبُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَإِنْ خِيفَ فَوْتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ، إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ، وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى وَأَعَادُوا مَعَهُ اسْتِحْبَابًا إذَا حَضَرَ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ: إذَا خَافُوا أَنْ يَتَأَذَّى أَوْ يَقَعَ فِتْنَةٌ انْتَظَرُوهُ، فَإِنْ خَافُوا فَوْتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلَّوْا جَمَاعَةً انْتَهَى. وَبِهِ جُزِمَ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ انْتَظَرُوهُ إذَا لَمْ يُرِيدُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.
(وَ) يُنْدَبُ إذَا حَضَرَ جَمَاعَةً لَا وَالِيَ فِيهِمْ بِمَسْكَنٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ (السَّاكِنُ بِالْحَقِّ) ، وَلَوْ مُسْتَعِيرًا (عَلَى غَيْرِ مُعِيرِ الْبَيْتِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّاكِنِ بِحَقٍّ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَنْفَعَةَ، بِخِلَافِ السَّاكِنِ بِلَا حَقٍّ كَالْغَاصِبِ، أَمَّا الْمُعِيرُ مِنْ السَّاكِنِ فَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِمِلْكِهِ الرَّقَبَةَ وَالرُّجُوعِ، وَذِكْرُ الْبَيْتِ مِنْ زِيَادَتِهِ مِثَالٌ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (مَثَلَا، وَ) يَتَقَدَّمَ أَوْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ الْعَبْدُ السَّاكِنُ بِحَقٍّ عَلَى غَيْرِ (سَيِّدٍ) لَهُ (غَيْرِ مُكَاتِبٍ) بِكَسْرِ التَّاءِ، بِأَنْ لَا يَكُونَ سَيِّدًا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ يَكُونُ لَكِنَّهُ مُكَاتِبٌ لَهُ إذْ الْمُكَاتَبُ بِالْفَتْحِ هُوَ الْمَالِكُ، أَمَّا السَّيِّدُ غَيْرُ الْمُكَاتِبِ فَمُقَدَّمٌ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ سُكْنَى عَبْدِهِ تَرْجِعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ سَوَاءٌ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرُهُ،. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَعَّضَ مُقَدَّمٌ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا، إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا، إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، إلَّا أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ذِكْرُهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْوَالِي وَمَنْ لَهُ تَلَوْا) مِنْ الْمَرَاتِبِ وَالسَّاكِنُ بِحَقٍّ (فَفَاضِلٌ بِالْفِقْهِ) فِي بَابِ الصَّلَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ؛ لِأَنَّ افْتِقَارَهَا لِلْفِقْهِ لَا يَنْحَصِرُ، بِخِلَافِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ) عَبَّرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلِي إذَا رَضِيَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَتَعْبِيرِي فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ يُحْمَلُ عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ وَبَسَطَهُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَنْ رُتِّبَ) فُرُوعٌ. يَنْبَغِي حُرْمَةُ وُقُوفِ غَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَوْقِفِ الَّذِي جَعَلَهُ الْوَاقِفُ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ بِالْجَمَاعَةِ كَالْمِحْرَابِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ فِيهِ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ لَهُ عَمَّا يَسْتَحِقُّ الْوُقُوفَ فِيهِ، وَلَوْ أَنَابَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ شَخْصًا يُصَلِّي عَنْهُ بِالْقَوْمِ وَاخْتَارَ الْقَوْمُ غَيْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنَّ مُخْتَارَهُمْ أَحَقُّ حَتَّى يَمْتَنِعَ عَلَى نَائِبِ الْإِمَامِ مُزَاحَمَتُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَهُمْ بِتَقْدِيمِ امْرِئٍ مِنْهُ أَحَقُّ، وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَأَرَادَ وَلِيُّهَا أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهَا فِي مَوْقِفِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ وَأَرَادَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَوْضِعِهِ، أُجِيبَ الْإِمَامُ وَيُصَلِّي الْوَلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ يُؤَخِّرُ، لَا يُقَالُ: يَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْجِنَازَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِهَا؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَأْخِيرٌ لِأَجْلِ وُصُولِ الْإِمَامِ إلَى حَقِّهِ فَلَا يُعَدُّ إزْرَاءً
(قَوْلُهُ الْوَقْتِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَيْ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى هَكَذَا) يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ لِتَنْدَفِعَ الْمُنَافَاةُ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ مِنْ الِانْتِظَارِ عَدَمُ الْفِعْلِ جَمَاعَةً فَلَا مُخَالَفَةَ بِرّ. (قَوْلُهُ لِمِلْكِهِ الرَّقَبَةَ) لَا يَأْتِي إذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا إلَّا أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ بِالْجَمِيعِ. اهـ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ تِلْوًا إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ بِوَاوِ الْجَمْعِ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ السَّبْقِ بِحَقٍّ
ــ
[حاشية الشربيني]
الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَطْعَ الْجَمَاعَةِ فَحَرِّرْهُ
[الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ صَالِحُونَ لَهَا]
(قَوْلُهُ الْوَالِي) أَيْ الْمَوْلَى لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِلَّا بِأَنْ وَلِيَ لِشَيْءٍ خَاصٍّ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ اهـ بج. وَغَيْرُهُ وَمِنْهُ الْقَاضِي، وَيُقَدَّمُ مِنْ الْوُلَاةِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ثُمَّ بَقِيَّةُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، فَيُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الرَّاتِبِ اهـ م ر. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ يُقَدَّمُ الْوَالِي، وَلَوْ فَاسِقًا وَجَائِرًا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمَّ الْقُضَاةَ، وَيُقَدَّمُ الْأَعَمُّ وِلَايَةً فَالْأَعَمُّ وَالْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَفِي كَلَامِ حَجَرٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْوَالِي إنْ شَمِلَتْ وِلَايَتُهُ الْإِمَامَةَ فَرَاجِعْهُ اهـ
(قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ) ، وَلَوْ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ نَعَمْ إنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَحْوُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ، وَلَوْ كَانَ وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ هُوَ نَائِبُ الْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ هَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ رحمه الله إنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْلِيَتِهِ عَنْهُ قُدِّمَ عَلَيْهِ الرَّاتِبُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا قُدِّمَ الْوَالِي وَالْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ إذَا رَضِيَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ إنْ زَادَ زَمَنُهَا عَلَى زَمَنِ الصَّلَاةِ فُرَادَى، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ رِضَاهُ بِالصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ كَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ مَنْ رُتِّبَ) أَيْ رَتَّبَهُ النَّاظِرُ أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ شَرْحُ م ر، زَادَ فِي الْعُبَابِ مَنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُ الْمَحَالِّ وَالْعَشَائِرِ، إنْ لَمْ يَكُنْ جَامِعًا أَوْ مَسْجِدًا كَبِيرًا فَيُشْتَرَطُ تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْقَوْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) سَوَاءٌ سَكَنَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ، (قَوْلُهُ فَفَاضِلٌ بِالْفِقْهِ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْعَدْلُ فَالْأَفْقَهُ فَالْأَقْرَأُ فَالْأَوْرَعُ فَالْمُهَاجِرُ فَالْأَقْدَمُ هِجْرَةً فَالْأَسَنُّ فَالنَّسِيبُ، فَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ عَلَى تَرْتِيبِ الْآبَاءِ، فَالْأَحْسَنُ سِيرَةً فَالْأَنْظَفُ ثَوْبًا فَبَدَنًا فَالْأَطْيَبُ صَنْعَةً فَالْأَحْسَنُ صَوْتًا
الْقُرْآنِ وَلِتَقْدِيمِهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ. (فَالْقُرْآنِ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِالْقُرْآنِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ قُرْآنًا مُقَدَّمًا عَلَى الْأَوْرَعِ؛ لِأَنَّهَا أَشَدُّ احْتِيَاجًا إلَيْهِ مِنْ الْوَرَعِ، وَفِي مُسْلِمٍ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» وَفِي رِوَايَةِ سَلْمًا «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَظَاهِرُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ، كَمَا هُوَ وَجْهٌ وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ، فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ " دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا انْتَهَى.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ، فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ، فَهُوَ أَحَقُّ فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ. (فَوَرَعٍ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِالْوَرَعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسَنِّ قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَالْوَرَعُ مَا يَزِيدُ عَلَى الْعَدَالَةِ بِالْعِفَّةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ: إنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ وَالِاشْتِهَارُ بِالْعِبَادَةِ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَمْ يُقَدَّمُوا بِالزُّهْدِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ تُوُهِّمَ أَنَّ الزُّهْدَ قَسِيمٌ لِلْوَرَعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ، إذْ مِنْ أَقْسَامِ الْوَرَعِ مَا سَمَّاهُ زُهْدًا، هَذَا كَلَامُ الرَّادِّ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اُنْظُرْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا سَلَفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَمْرٌ أَغْلَبِيٌّ، وَأَيْضًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْقَهَ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَقْرَأَ مِنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ جَوَابِ الشَّارِحِ الْآتِي عَنْ إشْكَالِ النَّوَوِيِّ بِرّ. وَوَجْهُهُ التَّوَقُّفُ أَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْقَهُ مِنْهُ لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يَصِحُّ إنَّ اُلْتُزِمَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، وَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ
(قَوْلُهُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْأَعْلَمِيَّةَ بِالسُّنَّةِ، لَا إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَأَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ جَمِيعِهَا، وَأَنَّ مَنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ حَفِظَ جَمِيعَهُ إلَّا سُورَةً قَصِيرَةً مَثَلًا مَعَ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ السُّنَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْدَفِعُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ بَلْ هُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ تَقْدِيمِ أَحَدِ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَزَادَ بِمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ مَحَلَّ الْإِشْكَالِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَكْثَرِ قُرْآنًا عَلَى مَنْ هُوَ أَقَلُّ إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ السُّنَّةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ مَجْمُوعُ مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ السُّنَّةِ أَكْثَرَ فِقْهًا مِمَّا مَعَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِمَا ذُكِرَ، فَالْحَقُّ بَقَاءُ اعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ بِحَالِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ حِينَئِذٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ فَقَطْ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَفْقَهَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِصِدْقِ الْأَفْقَهِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ فَقَطْ بِمَعْرِفَةِ نِصْفِهِ وَسُورَةٍ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الْبَاقِيَ مَعَ انْضِمَامِ جَمِيعِ السُّنَّةِ أَوْ الْأَحْكَامِ مِنْهَا أَكْثَرُ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ يُفْهِمُ أَنَّ الْأَعْلَمِيَّةَ بِالسُّنَّةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ مَا نَقَلَهُ، فَاعْتِرَاضُ النَّوَوِيِّ عَلَى الْجَوَابِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فَالْأَحْسَنُ وَجْهًا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ مَنْ جَمَعَ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ أَوَّلَ الْمَرَاتِبِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَكْثَرَ قُرْآنًا) وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ قِرَاءَةً اهـ شَيْخُنَا ذ، وَحَاصِلُ الْمَرَاتِبِ إحْدَى عَشَرَةَ شَيْخُنَا ذ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ هُوَ فِي الْمُسْتَوِينَ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ كَالْفِقْهِ اهـ. أَيْ الْفِقْهِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ «تَقْدِيمُهُ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ إلَخْ) مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ سَاغَ أَنْ نَقُولَ: إنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَأِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْفِقْهِ لِاحْتِيَاجِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِيَاجِهَا لِلْأَكْثَرِ قِرَاءَةً، ثُمَّ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ» أَيْ وَكَانَ فِيهِمْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، فَأَعْلَمُهُمْ بِهَا يُقَدَّمُ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ تَقْدِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ، وَأَمَّا جَوَابُ الشَّارِحِ فَلَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ رُتِّبَ تَقْدِيمُ الْأَعْلَمِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي مُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا) أَيْ حَتَّى عَلَى الْأَفْقَهِ بِفِقْهِ الصَّلَاةِ، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ فِي فِقْهِ الْقُرْآنِ الْخَارِجِ عَنْ فِقْهِ الصَّلَاةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ قَدْ عُلِمَ إلَخْ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي فِي فِقْهِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ (قَوْلُهُ مَا يَزِيدُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ، بَلْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ إذْ مِنْ أَقْسَامِ الْوَرَعِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعِفَّةُ مَعَ حُسْنِ السِّيرَةِ لَكِنْ يُنْظَرُ
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَرَعَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَالْعَدَالَةِ، فَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ كَمَا يُقَدَّمُ الْأَعْدَلُ، وَبَعْدَ الْوَرَعِ الْهِجْرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَجْمُوع، وَذَلِكَ بِأَنْ تَسْبِقَ هِجْرَتُهُ أَوْ هِجْرَةُ أَحَدِ آبَائِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، (فَالسِّنِّ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِالسِّنِّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّسِيبِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ:«لِيَؤُمّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَوَّلِ فِي ذَاتِهِ وَالثَّانِي فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى، وَظَاهِرُ خَبَرِ مَالِكٍ: أَنَّ الْأَسَنَّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ النَّسِيبِ أَيْضًا مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَخِطَابٍ مُشَافَهَةً لِمَالِكٍ وَرُفْقَتِهِ، وَكَانُوا مُتَسَاوِينَ نَسَبًا وَهِجْرَةً وَإِسْلَامًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَسَاوِينَ أَيْضًا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَكَانُوا مُتَقَارِبِينَ فِي الْفِقْهِ وَفِي أَبِي دَاوُد: وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْعِلْمِ (فِي الْإِيمَانِ) مِنْ زِيَادَتِهِ، بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ السِّنُّ فِي الْإِسْلَامِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ، فَأَقْدَمُهُمْ سَلْمًا بَدَلَ سِنًّا فَيُقَدَّمُ شَابٌّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ عَنْ قُرْبٍ، نَعَمْ لَوْ أَسْلَمَا مَعًا وَاسْتَوَيَا فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ لَمْ يَبْعُدْ تَقْدِيمُ الشَّيْخِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْفَضْلَ بِنَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ، وَفِي إطْلَاقِهِ تَقْدِيمَ التَّابِعِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ، نَعَمْ يَظْهَرُ تَقْدِيمُهُ مُطْلَقًا إذَا أَسْلَمَ غَيْرُهُ مُكْرَهًا بِحَقٍّ
ــ
[حاشية العبادي]
فِي مَحَلِّهِ لَمْ يَنْدَفِعْ فَلْيُتَأَمَّلْ سم
(قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ) أَيْ وَهُوَ الزَّاهِدُ بِرّ (قَوْلُهُ أَوْ هِجْرَةُ أَحَدِ آبَائِهِ) اقْتَضَى هَذَا تَقْدِيمَ مَنْ هَاجَرَ أَبُوهُ عَلَى الْأَسَنِّ وَالْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هِجْرَةَ الْآبَاءِ مِنْ خَيْرِ النَّسَبِ، وَقُرَيْشٌ فِي النَّسَبِ مُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ قَطْعًا فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ اعْتَمَدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُهَاجِرِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقُرَشِيِّ، وَكُلُّهُ وَهْمٌ فَاحْذَرْهُ فَإِنْ قُلْت: هَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي شَأْنِ الْمُهَاجِرِ هِيَ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ قُلْت غَرَضُهُمْ مِنْهَا أَنَّ الْهِجْرَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ بِمُبَاشَرَةِ الشَّخْصِ أَوْ سَبْقِ آبَائِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِنْ خَيْرِ النَّسَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا حُمِلَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ قُلْت هِيَ هُنَا قَابِلَةٌ لِلْحَمْلِ لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ صَرَّحَ بِمُرَادِهِ وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْمُهَاجِرِ يُقَدَّمُ عَلَى وَلَدِ الْقُرَشِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ الْبُرُلُّسِيِّ وَفِي قَبُولِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُنَا لِلْحَمْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ قَوْلِهِ وَبَعْدَ الْوَرَعِ الْهِجْرَةُ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ هِجْرَتُهُ) أَيْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَكَانُوا مُتَقَارِبِينَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مَعَ التَّقَارُبِ لَا يُقَدَّمُ الْأَزْيَدُ (قَوْلُهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ حِينَئِذٍ نَظَرٌ) لَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ التَّقْدِيمِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِرّ. (قَوْلُهُ مُكْرَهًا بِحَقٍّ) كَأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
مَعَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ (قَوْلُهُ الْهِجْرَةُ) فَيُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، وَإِنْ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ الْهِجْرَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَتَرَكَ الشَّارِحُ هُنَا مَرْتَبَةً. (قَوْلُهُ أَوْ هِجْرَةُ أَحَدِ آبَائِهِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالنِّهَايَةِ: الْمُنْتَسِبُ لِلْأَقْدَمِ هِجْرَةً يُقَدَّمُ عَلَى الْمُنْتَسِبِ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا اهـ. وَمِثْلُهُمَا ح ل وق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَأَقْدَمُ هِجْرَةً بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْهِجْرَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم كَالْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ لَكِنْ يُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ اهـ. شَيْخُنَا خ ض وَقَوْلُ م ر كَحَجَرٍ: بِالنِّسْبَةِ لِآبَائِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِجْرَةِ آبَائِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الرَّشِيدِيِّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ قِيَاسُهُ أَيْضًا تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، وَظَاهِرٍ تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ أُصُولِهِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ أُصُولِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لَا عَلَى مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ إلَيْهَا، وَيَدْخُلُ فِي الْأُصُولِ الْأُنْثَى وَمَنْ أَدْلَى بِهَا بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَاكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ بِهِ التَّفَاخُرُ وَهُنَا عَلَى أَدْنَى شَرَفٍ اهـ. بج
(قَوْلُهُ لَيَؤُمُّكُمْ) يَجُوزُ فِي الْمِيمِ الْأُولَى الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ وَالضَّمُّ أَوْلَى لِلِاتِّبَاعِ بُجَيْرِمِيٌّ. (قَوْلُهُ لَمْ يَبْعُدْ) اعْتَمَدَهُ ق ل م ر فِي الشَّارِحِ وَقَوْلُهُمْ: لَا عِبْرَةَ بِسِنٍّ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَوْ عَارَضَهُ صِفَةٌ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ، وَمَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا فَالشَّيْخُوخَةُ حَيْثُ هِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْجِيحِ اهـ. ع ش، وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ تَرَكُوهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي الْبُلُوغِ، وَإِلَّا فَالْبَالِغُ أَوْلَى، وَلَوْ
(فَنِسْبَةٍ) أَيْ فَفَاضِلُ بِالنَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ يَأْتِي لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ» يَعْنِي الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى فَقِسْنَا عَلَيْهَا الصُّغْرَى، وَعَلَى قُرَيْشٍ كُلَّ مَنْ فِي نَسَبِهِ شَرَفٌ، وَبَيَّنَ النِّسْبَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ:(وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي فِي) كَفَاءَةِ (أَنْكِحَةٍ) كَالِانْتِسَابِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَالْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ، وَابْنُ الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ. (فَمَلْبَسٍ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِمَلْبَسٍ (نَظِيفِ) وَبَدَنٍ كَذَلِكَ لِإِفْضَاءِ النَّظَافَةِ إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِنَظِيفِ الثَّوْبِ. (فَحُسْنِ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِحُسْنِ (صَوْتٍ) لِمَيْلِ النَّفْسِ إلَى اسْتِمَاعِ كَلَامِ صَاحِبِهِ، (فَجَمَالٍ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِجَمَالٍ (سَابِغِ) بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَامِلٍ، لِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِصَاحِبِهِ.
وَكَذَا رَتَّبَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَجَعَلَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ حُسْنَ الذِّكْرِ قَبْلَ النَّظَافَةِ، وَجَعَلَ فِيهِ طِيبَ الصَّنْعَةِ وَالصَّوْتِ مَعَ النَّظَافَةِ، وَبَعْدَهَا حُسْنُ الْوَجْهِ وَفِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارِ: تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً، فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِحُسْنِ الْهَيْئَةِ حُسْنُ الْوَجْهِ لِيُوَافِقَ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَالِي وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ وَالسَّاكِنِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِوِلَايَةِ الْمَكَانِ، كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي (كَالْعَدْلِ وَالْحُرِّ وَشَخْصٍ بَالِغِ) وَلَوْ عُمْيًا، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ تَقْدِيمُهُمْ (عَلَى سِوَاهُمْ) أَيْ عَلَى الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ (وَإِنْ اخْتَصُّوا بِمَا مَرَّ) مِنْ الْفَضَائِلِ أَوْ بِالْبَصَرِ إذْ الْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ لَا يُوثَقُ بِهِمَا وَالْحُرُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعَبْدِ، نَعَمْ لَوْ زَادَ الْعَبْدُ بِالْفِقْهِ، فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ، وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْعَدْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ وَالْبَالِغِ الْفَاسِقَيْنِ.
(وَسَوِّ مُبْصِرًا بِذِي عَمَى) لِتَعَارُضِ فَضِيلَتَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ صِحَّةُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَعْمَى، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ كَمَا مَرَّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَكَانَ ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها يَؤُمُّ بِهَا، «وَكَانَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ» ، وَكَانَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَهُوَ أَعْمَى رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ «، وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
(وَسُنَّةٌ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ) إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
ــ
[حاشية العبادي]
اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ ذِمِّيٍّ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ بِنَظِيفِ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الْمَلْبَسَ أَعَمُّ مِنْ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ مَوْلَى عَائِشَةَ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْعَتِيقُ وَالْكَلَامُ فِي الْعَبْدِ. (قَوْلُهُ خَلْفًا) مِنْ الْمَقَامِ عُرْفًا
ــ
[حاشية الشربيني]
كَانَ الصَّبِيُّ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ إلَى آخِرِ الصِّفَاتِ الْمُمْكِنَةِ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر اهـ ق ل، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ، هَلْ كَانَ وَقْتُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْآخَرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَبَدَنٍ كَذَلِكَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ كَمَا فِي عِبَارَةِ م ر. اهـ. بج. (قَوْلُهُ فَحُسْنِ صَوْتٍ) ، وَلَوْ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ لِسَمَاعِهِ فِي نَحْوِ التَّكْبِيرِ اهـ. بج (قَوْلُهُ رَتَّبَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ) أَيْ كُلًّا مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَخَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ، فَرَتَّبَ النَّظَافَةَ عَلَى حُسْنِ الذِّكْرِ لَا عَلَى النَّسَبِ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ بَعْدَ التَّقْدِيمِ بِالنَّسَبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ اهـ. فَقَوْلُهُ مَعَ النَّظَافَةِ أَيْ جَعَلَ السَّبَبَ فِي التَّقْدِيمِ جَمِيعَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهَا، أَوْ جَعَلَهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ تَدَبَّرْ اهـ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ تَرْتِيبُهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ حُسْنِ السِّيرَةِ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَطِيبِ الصَّنْعَةِ فَحُسْنِ الصَّوْتِ فَحُسْنِ الْوَجْهِ، وَقَدَّمَ الْأَذْرَعِيُّ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ
(قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا) أَيْ وَجَعَلَ فِيهِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ حُسْنَ الْوَجْهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: ثُمَّ حُسْنُ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ حُسْنُ الْوَجْهِ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهَيْئَةِ الْحَالَةَ الَّتِي يَكُونُ الشَّخْصُ عَلَيْهَا مِنْ التَّأَنِّي وَالْوَقَارِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ إلَخْ) نَقَلَهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا فِي التَّحْقِيقِ بِإِفْرَادِ الصَّوْتِ وَلِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْقِيقِ بِتَفْسِيرِ الْهَيْئَةِ بِالْوَجْهِ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ صَوْتًا) خَالَفَ التَّحْقِيقَ حَيْثُ أَفْرَدَهُ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ إلَخْ) وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الْفَاسِقِ) وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَالصَّبِيِّ اهـ. ع ش (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ إلَخْ) فَالْإِطْلَاقُ فِي تَقْدِيمِ
(خَلْفًا مِنْ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، عليه السلام (وَ) أَنْ يَقِفَ (الْأَقْوَامُ) الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ وَ (قَدْ اسْتَدَارُوا) بِالْكَعْبَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، (وَلَوْ) كَانَ (الْبَعْضُ) مِنْهُمْ (رَجَحْ) عَلَى الْإِمَامِ (فِي الْقُرْبِ) ، بِأَنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْكَعْبَةِ (لَا فِي جِهَةِ الْإِمَامِ صَحَّ) أَيْ الِاقْتِدَاءُ، إذْ لَا يَظْهَرُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ؛ وَلِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ جِهَتِهِ، فَلَوْ تَوَجَّهَ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ مَثَلًا، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ جِهَتَهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ، فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ لَهُ أَوْ لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ، وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ فِي الْكَعْبَةِ جَازَ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ظُهُورُهُمْ إلَى وَجْهِهِ، فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ، وَهُمْ خَارِجَهَا فَلَهُمْ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءُوا، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، إلَّا الْجِهَةَ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِتَقَدُّمِهِمْ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ
(وَ) سُنَّةٌ أَنْ تَقِفَ (مَنْ) أَيْ امْرَأَةٌ (تَؤُمُّ بِالنِّسَاءِ فِي الْوَسَطْ) ، كَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، أَمَّا الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَتَقَدَّمَانِ عَلَيْهِنَّ وَالْوَسَطُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْكَثِيرُ سُكُونُهَا، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مُتَفَرِّقِ الْأَجْزَاءِ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ فَبِالسُّكُونِ، وَقَدْ تُفْتَحُ أَوْ فِي مُتَّصِلِهَا كَالدَّارِ وَالرَّأْسِ فَبِالْفَتْحِ، وَقَدْ تُسَكَّنُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْأَوَّلُ ظَرْفٌ وَالثَّانِي اسْمٌ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْ تَؤُمُّ سَالِمٌ مِنْ نَظَرِ الْقُونَوِيِّ فِي تَعْبِيرِ الْحَاوِي: بِإِمَامَةِ النِّسَاءِ، بِأَنَّ لَفْظَ إمَامٍ لَيْسَ صِفَةً قِيَاسِيَّةً، بَلْ صِيغَةُ مَصْدَرٍ أُطْلِقَتْ عَلَى الْفَاعِلِ، فَيَنْبَغِي اسْتِوَاءُ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِيهَا، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الرَّازِيّ بِأَنَّ إمَامَةَ تَأْنِيثُ إمَامٍ كَمَا جَاءَ رَجُلٌ وَرَجُلَةٌ قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ: وَإِمَامُ النِّسَاءِ خَوْفَ اللَّبْسِ.
(وَ) أَنْ (تَقِفَ الْعُرَاةُ فِي صَفٍّ) وَإِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ لِيَكُونَ أَسْتَرَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَتَقَدَّمُ إمَامُهُمْ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَمَحَلُّ وُقُوفِهِمْ صَفًّا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَلَوْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً لَمْ يُصَلُّوا مَعًا لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ، بَلْ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَتَكُونُ النِّسَاءُ جَالِسَاتٍ خَلْفَهُمْ مُسْتَدْبِرَاتٍ الْقِبْلَةَ ثُمَّ تُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَجْلِسُ الرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ مُسْتَدْبِرِينَ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَقَطْ) أَيْ وَاحِدٍ تَأْكِيدٌ وَتَكْمِلَةٌ
(وَ) أَنْ يَقِفَ (ذَكَرٌ) وَلَوْ صَبِيًّا لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ) كَانَ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ رَجَحَ وَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الْفَاعِلِ عَلَى مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ مِمَّا يَشُقُّ إلَخْ) قَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ بِخِلَافِهِ فِي جِهَتِهِ لِسُهُولَةِ حُصُولِهِ بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ وَالْقُرْبِ مِنْ مَكَانِهِ، فَيَسْهُلُ اعْتِبَارُ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ أَوْ الْمُسَاوِي لَهُ. (قَوْلُهُ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ جِهَتَهُ مَجْمُوعُ جَانِبَيْهِ) عَلَى قِيَاسِهِ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي لِجِهَةِ الْبَابِ مَثَلًا فَصَلَّى الْمَأْمُومُ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَثَلًا، أَوْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ ضَرَّ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا، فَانْظُرْ مَا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمَأْمُومُ لِلرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ، هَلْ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ جِهَةٌ لَهُمَا؟ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ظُهُورُهُمْ إلَى وَجْهِهِ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا لَيْسَ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: جَازَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ سم. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) أَيْ لِتَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ فِي جِهَتِهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَئِذٍ بَعْضُهُمْ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ وَبَعْضُهُمْ إلَى غَيْرِهَا فَمَا الْمُغَلَّبُ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي الْإِبْطَالُ تَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ اهـ
(قَوْلُهُ وَضَابِطُهُ) أَيْ لَفْظُ وَسَطَ مِنْ حَيْثُ هُوَ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي اسْمٌ) مِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْمِ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا الْكَلَامِ اسْمَ الْمَصْدَرِ بِخُصُوصِهِ، إذْ الْوَسَطُ هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي لَيْسَ اسْمَ مَصْدَرٍ قَطْعًا، ثُمَّ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ ظَرْفًا إذْ لَا يُقَالُ: جَلَسْت وَسْطَ الدَّارِ بَلْ فِي وَسَطِ الدَّارِ أَيْ مَا تَوَسَّطَ مِنْهَا فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الرَّازِيّ) كَأَنَّ الْجَوَابَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ إمَامٍ صِفَةٌ قِيَاسِيَّةٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ دَافِعًا لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ: كَمَا جَاءَ رَجُلٌ إلَخْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ أَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ يُؤَنَّثُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ
(قَوْلُهُ لَمْ يُصَلُّوا مَعًا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْغَضِّ
(قَوْلُهُ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الذَّكَرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْعَدْلِ عَلَى حَالِهِ، بِخِلَافِهِ فِي الْحُرِّ وَالْبَالِغِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَدَالَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَخْ) لَكِنْ تَفُوتُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَيَكُونُ التَّقَدُّمُ مَكْرُوهًا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ اهـ بج، وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر مُعَلَّلًا بِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ) أَيْ وَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ هُمَا آخِرَ الْجِهَتَيْنِ أَيْضًا، فَيَكُونُ جِهَتُهُ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ أَرْكَانٍ وَمَا بَيْنَهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ فِي الْوَسَطِ) أَيْ مَعَ تَقَدُّمٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ تَتَمَيَّزُ عَنْهُنَّ اهـ. م ر وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهَا وَسَطُهُنَّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي اسْمٌ) نَحْوَ ضَرَبْت وَسَطَهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إذَا حَسُنَتْ فِيهِ بَيْنَ كَانَ ظَرْفًا نَحْوَ قَعَدَ وَسْطَ الْقَوْمِ، وَإِنْ لَمْ تَحْسُنْ فَاسْمٌ نَحْوَ احْتَجَمَ وَسَطُ رَأْسِك، وَيَجُوزُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا التَّحْرِيكُ وَالتَّسْكِينُ، لَكِنَّ السُّكُونَ أَحْسَنُ فِي الظَّرْفِ، وَالتَّحْرِيكَ أَحْسَنُ فِي الِاسْمِ وَبَقِيَّةُ الْكُوفِيِّينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُونَهُمَا ظَرْفَيْنِ، إلَّا أَنَّ ثَعْلَبًا قَالَ: يُقَالُ وَسْطًا بِالسُّكُونِ فِي مُتَفَرِّقِ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ وَسْطِ الْقَوْمِ، وَوَسَطَ بِالتَّحْرِيكِ فِيمَا لَا يَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ نَحْوَ وَسَطِ الرَّأْسِ اهـ رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. (قَوْلُهُ قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ يُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ
(قَوْلُهُ لَمْ يُصَلُّوا مَعًا) أَيْ نَدْبًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ ع ش وَيُؤْمَرُ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِغَضِّ الْبَصَرِ
(قَوْلُهُ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ) لَوْ حَضَرَ غَيْرُهُ وَأَتَى مِنْ أَمَامِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَجِدْ فُرْجَةً إلَّا فِي الصَّفِّ الثَّانِي مَثَلًا لَا يَصِلُهَا إلَّا بِاخْتِرَاقِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ اخْتَرَقَهُ، إلَّا إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مَحَلٌّ يَسَعُهُ فَيَقِفُ فِيهِ وَلَا يَخْتَرِقُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفُوتَ فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَأَنْ لَا تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ، نَعَمْ إنْ وَجَدَ مَحَلًّا يَذْهَبُ مِنْهُ إلَى الْفُرْجَةِ بِلَا خَرْقٍ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ
(يَمْنَتَهُ) أَيْ الْإِمَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» (مُسْتَأْخِرُ) عَنْهُ (نَزْرًا) أَيْ قَلِيلًا اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ وَإِظْهَارًا لِرُتْبَةِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ، كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخَرَجَ بِالذَّكَرِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، (وَ) أَنْ يَقِفَ (فِي الْيَسْرَةِ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ مَعَ الْقِيَامِ) سُنَّ لَهُمَا (إنْ تَأَخَّرَا) ، أَيْ أَنْ يَتَأَخَّرَا وَيَصْطَفَّا خَلْفَهُ.
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: «قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» هَذَا إنْ أَمْكَنَ تَأَخُّرُهُمَا وَتَقَدُّمُ الْإِمَامِ لِسَعَةِ الْمَكَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا لِضِيقِ الْمَكَانِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، فُعِلَ الْمُمْكِنُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَسْرَةِ الْإِمَامِ مَا يَسَعُ الْجَائِيَ الْأَخِيرَ يُحْرِمُ خَلْفَهُ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ
وَخَرَجَ بِالْقِيَامِ الْقُعُودُ وَالسُّجُودُ وَغَيْرُهُمَا، فَلَا تَأَخُّرَ فِيهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ لِلْعَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ، وَنَبَّهَ بِثُمَّ عَلَى أَنَّ سَنَّ التَّأَخُّرِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا
(وَ) أَنْ يَقِفَ (ذَكَرَانِ) وَلَوْ غَيْرَ بَالِغَيْنِ حَضَرَا ابْتِدَاءً وَرَاءِ الْإِمَامِ، وَكَذَا امْرَأَةٌ أَوْ نِسْوَةٌ، فَلَوْ وَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ خَلْفَ الْأَوَّلِ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ قَامَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا، أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ بَالِغَانِ أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ قَامَ الذَّكَرَانِ خَلْفَهُ صَفًّا وَقَامَتْ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا، أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ مَعَ قَوْلِهِ (وَ) أَنْ يَقِفَ (الرِّجَالُ مِنْ وَرَا) الْإِمَامِ لِفَضْلِهِمْ (فَصِبْيَةٌ) ، لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ (فَالْمُشْكِلُونَ) لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ (فَالْحُرُمْ) أَيْ النِّسَاءُ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلِيهِ فِي الصَّلَاةِ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ» وَقَوْلُهُ: لِيَلِيَنِّي بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ اللَّازِمِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ يَمْنَتَهُ) أَيْ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ (قَوْلُهُ أَيْ قَلِيلًا) بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، وَيُحْتَمَلُ ضَبْطُهُ بِالْعُرْفِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ بِأَنْ سَاوَاهُ) أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ كَثِيرًا حَجَرٌ (قَوْلُهُ فَيَقِفَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فَتَقِفُ الْمَرْأَةُ فِي صُورَتِهَا وَالْخُنْثَى فِي صُورَتِهِ بِقَرِينَةِ أَنَّ هَذَا مُحْتَرَزُ الذَّكَرِ الْوَاحِدِ، أَمَّا لَوْ اجْتَمَعَا فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى إلَخْ أَنْ يَقِفَ الْخُنْثَى خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى
(قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) دَخَلَ فِيهِ الرُّكُوعُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّكُوعَ كَالْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) دَخَلَ فِيهِ الرُّكُوعُ وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ بَحْثِ الْبُلْقِينِيِّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ) أَيْ الْأَوَّلُ مُنْفَرِدًا
(قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ قَلِيلًا (قَوْلُهُ خَلْفَ الْخُنْثَى) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ خُنْثَى وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الْخُنْثَى خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْخُنْثَى. (قَوْلُهُ بِكَوْنِهِمْ ثَلَاثًا) لَعَلَّ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشربيني]
اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ يَمْنَتَهُ) قَالَ سم: أَظُنُّ م ر قَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ إذَا وَقَفَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَلَا انْتِقَالَاتِهِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْيَسَارِ سَمِعَ ذَلِكَ، وَقَفَ عَلَى الْيَسَار قَالَ حَجَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ تَأَخَّرَ كَثِيرًا أَوْ قَارَنَهُ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَخَلَّفَ أَيْ فِيهَا، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةِ فَتَفُوتُ فَضِيلَتُهَا كَمَا مَرَّ. وَمِثْلُهَا الْكَرَاهَةُ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ
(قَوْلُهُ كُرِهَ) مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ مُخَالَفَةُ السُّنَنِ الْمَطْلُوبَةِ لِلْجَمَاعَةِ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا تُفَوِّتُ بِمَا ذُكِرَ اهـ. نَعَمْ قَالَ ع ش: يَنْبَغِي اغْتِفَارُ ذَلِكَ لِلْجَاهِلِ، وَلَوْ بَعِيدُ الْعَهْدِ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ مَعَ الْقِيَامِ) وَيَلْحَقُ بِهِ الرُّكُوعُ اهـ. شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُمَا الِاعْتِدَالُ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ إنْ تَأَخَّرَا) ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا مَعَ التَّمَكُّنِ فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ وَيَصْطَفَّا خَلْفَهُ) وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا وَكَذَا مَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ اهـ. م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَقَوْلُنَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا إلَخْ اسْتَظْهَرَ ع ش أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجَاهِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ فُعِلَ الْمُمْكِنُ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَنْ أَمْكَنَهُ، فَهَلْ تَفُوتُ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ؟ أَوْ لَا؟ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، الْأَقْرَبُ الثَّانِي اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَكَذَا امْرَأَةٌ) ، وَلَوْ كَانَتْ مَحْرَمًا لِلْإِمَامِ اهـ م ر سم. (قَوْلُهُ كُرِهَ) وَتَفُوتُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا إنْ عُذِرَ بِالْجَهْلِ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ خَلْفَهُمَا) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ خَلْفَهُ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقِفَ إلَخْ) وَيُكْرَهُ خِلَافُ هَذَا التَّرْتِيبِ اهـ. حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَلَوْ تَقَدَّمَ الْمُتَأَخِّرُ وَنَوَى فَهَلْ يُؤَخِّرُ عِنْدَ مَجِيءِ الْمُتَقَدِّمِ؟ صَرَّحَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِتَأْخِيرِ الْعَرَايَا وَالْخُنْثَى لِلرِّجَالِ اهـ. أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ فُرْجَةٌ، أَمَّا لَوْ كَمَّلَ صُورَةً وَلَوْ دَخَلَ فِيهِ الصِّبْيَانُ وَسِعَهُمْ فَلَا اهـ م ر سم
(قَوْلُهُ فَصِبْيَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ صَفُّ الرِّجَالِ كُمِّلَ بِالصِّبْيَةِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي جَانِبٍ أَوْ اخْتَلَطُوا، وَقَوْلُهُ فَالْمُشْكِلُونَ أَيْ يَقِفُونَ وَحْدَهُمْ صَفًّا وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ صَفُّ مَنْ قَبْلَهُمْ وَمِثْلُهُمْ النِّسَاءُ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ فَالْحُرُمُ) ، وَلَوْ كَانُوا مَحَارِمَ لِلرِّجَالِ أَوْ الْخَنَاثَى (قَوْلُهُ أَيْ النِّسَاءُ) ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْبَالِغَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَظْهَرَ الرَّشِيدِيُّ تَقْدِيمَ الْبَالِغَاتِ عَلَى غَيْرِهِمْ فَرَاجِعْهُ وَقَوْلُهُ فَرَاجِعْهُ
وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ التَّأَنِّي فِي الْأَمْرِ، وَالنُّهَى جَمْعُ نُهْيَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْعَقْلُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: النُّهَى الْعُقُولُ وَأُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ، وَقِيلَ: الْبَالِغُونَ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنَى: وَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ: الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ انْتَهَى، فَإِنْ حَضَرَ الصِّبْيَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الرِّجَالُ فَلَا يُزَالُونَ عَنْ أَمْكِنَتِهِمْ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَيُؤَخَّرُونَ، وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَكَذَا مَحْضُ النِّسَاءِ، فَإِنْ كُنَّ مَعَ رِجَالٍ فَآخِرُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِنَّمَا تَجْعَلُ الصِّبْيَةُ صَفًّا آخَرَ إذَا لَمْ يَسَعْهُمْ صَفُّ الرِّجَالِ، وَالْأَكْمَلُ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ
(قُلْتُ وَمُكْثُهُمْ) أَيْ الرِّجَالِ (لِيَذْهَبْنَ) أَيْ النِّسَاءُ (أَتَمْ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ الْعَكْسِ وَمِنْ ذَهَابِهِمَا مَعًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ أَنْ يَمْكُثُوا فِي مُصَلَّاهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى لِتَذْهَبَ النِّسَاءُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالِاخْتِلَاطِ وَيُسَنُّ لَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَمْكُثُوا لِتَذْهَبَ الْخَنَاثَى، وَيُسَنُّ لِلْخَنَاثَى أَنْ يَمْكُثُوا لِتَذْهَبَ النِّسَاءُ
(وَيُكْرَهُ اقْتِدَاءُ فَرْدٍ أَوْ فِئَهْ) أَيْ جَمَاعَةٍ (بِمَنْ بِهِ تَمْتَمَةٌ) ، وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ كَذَا عَبَّرَ بِهِ الْفُقَهَاءُ، وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ تَأْتَأَةٌ (أَوْ فَأْفَأَهْ) ، وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ أَوْ وَأْوَأَةٌ، وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُرُوفِ لِلزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ إمَامَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْقِصُونَ شَيْئًا، بَلْ يَزِيدُونَ زِيَادَةً هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهَا، وَيُكْرَهُ أَيْضًا اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ بِهِ لَحْنٌ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، فَإِنْ غَيَّرَهُ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ،
ــ
[حاشية العبادي]
بِمُلَاحَظَةِ الْخَنَاثَى. (قَوْلُهُ بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ) لِلْبِنَاءِ لِاتِّصَالِ الْفِعْلِ بِنُونِ التَّأْكِيدِ الْخَفِيفَةِ، وَلِذَا لَمْ يُجْزَمْ الْفِعْلُ بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ (قَوْلُهُ وَتَشْدِيدِ النُّونِ) بِإِدْغَامِ نُونِ التَّأْكِيدِ الْخَفِيفَةِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ (قَوْلُهُ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ لِلْجَازِمِ) وَقَوْلُهُ وَتَخْفِيفِ النُّونِ لِلْوِقَايَةِ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ) فِي كَلَامِ شَرْحِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ فَلَا يُزَالُونَ عَنْ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ فَيُؤَخَّرُونَ) قَدْ يَشْمَلُ دَاخِلَ الصَّلَاةِ إذَا أَمْكَنَ بِعَمَلٍ غَيْرِ مُبْطِلٍ. (قَوْلُهُ فَآخِرُهَا أَفْضَلُ) يُفِيدُ أَنَّ آخِرَهَا أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهَا الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الرِّجَالِ، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الرِّجَالِ. (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ لِلْخَنَاثَى إلَخْ) وَيَنْبَغِي ذَهَابُ الْخَنَاثَى فُرَادَى لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَهَابُهُمْ دَفْعَةً إلَى الِاخْتِلَاطِ مَعَ احْتِمَالِ اخْتِلَافِهِمْ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ مَنْ بِهِ تَمْتَمَةٌ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ (قَوْلُهُ هُمْ مَعْذُورُونَ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى الْعُذْرُ بِقُدْرَتِهِمْ وَتَعَمُّدِهِمْ، لَمْ يَصِحَّ صَلَاتُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَالَ بِهِ حَجَرٌ قِيَاسًا سم. (قَوْلُهُ لِيَلِيَنِّي) بِتَشْدِيدِ النُّونِ بَعْدَ الْيَاءِ وَبِحَذْفِهَا وَتَخْفِيفِ النُّونِ اهـ شَرْحُ م ر. ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) أَيْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ الْخَنَاثَى بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الرِّجَالِ إذْ لَمْ يَكُونُوا فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم. (قَوْلُهُ فَإِنْ كُنَّ مَعَ رِجَالٍ) ظَاهِرُهُ غَيْرُ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهَا) قَضِيَّتُهُ الْبُطْلَانُ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْحَرْفِ لَا تَضُرُّ اهـ سم عَلَى التُّحْفَةِ. قَالَ ع ش: وَلَوْ كَثُرَ الْمُكَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ حَرْفٌ قُرْآنِيٌّ قَالَ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: وَقِيَاسُ حُرْمَةِ تَعَمُّدِ تَشْدِيدِ الْمُخَفَّفِ حُرْمَةُ تَعَمُّدِ نَحْوِ الْفَأْفَأَةِ. (قَوْلُهُ بِمَنْ بِهِ لَحْنٌ) مُرَادُهُ بِاللَّحْنِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْإِبْدَالَ اهـ م ر. (قَوْلُهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ) فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ الشَّرْقَاوِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ اللَّحْنَ إمَّا أَنْ لَا يُحِيلَ الْمَعْنَى أَوْ يُحِيلُهُ، فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ، وَإِنْ كَانَ يُحِيلُهُ فَتَارَةً يَكُونُ مَعَ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ أَوْ عَدَمِهِ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالصَّوَابِ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ بِالصَّلَاةِ وَالْحُرْمَةِ أَوْ مَعَ نِسْيَانِهِ أَوْ جَهْلِهِ أَوْ سَبْقِ لِسَانِهِ وَلَمْ يَعُدْ لِلصَّوَابِ، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ تَارَةً تَقَعُ فِي الْفَاتِحَةِ وَتَارَةً فِي السُّورَةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْفَاتِحَةِ فَحُكْمُهَا أَنَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مُطْلَقًا مَعَ بُطْلَانِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَصِحُّ لِمِثْلِهِ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ يَصِحُّ لِلْجَاهِلِ بِحَالِهِ مَعَ بُطْلَانِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي السُّورَةِ فَحُكْمُهَا صِحَّةُ الْقُدْوَةِ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي صُورَةِ عَدَمِ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ، وَكَذَا فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِالصَّوَابِ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ أَوْ سَبْقِ اللِّسَانِ، وَصِحَّتُهَا مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ فِي صُورَةِ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ، وَكَذَا فِي صُورَةِ الْعِلْمِ بِالصَّوَابِ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ بِالصَّلَاةِ وَالْحُرْمَةِ
وَصَلَاةُ اللَّاحِنِ بَاطِلَةٌ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَاَلَّذِي يُغَيِّرُهُ إنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ لَمْ تَصِحَّ إمَامَةُ اللَّاحِنِ مُطْلَقًا إنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ صَحَّتْ لِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ، وَمَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ إنْ أَمْكَنَهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الصَّوَابَ بِأَنْ كَانَ أُمِّيًّا عَاجِزًا عَنْ الصَّوَابِ، فَإِنْ عَرَفَهُ وَتَعَمَّدَ اللَّحْنَ صَحَّتْ إمَامَتُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ سَوَاءٌ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ، وَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ وَلَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ عَلَى الصَّوَابِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ كَانَ جَاهِلًا مَعْذُورًا فَفِي الْفَاتِحَةِ تَصِحُّ إمَامَتُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ، وَفِي السُّورَةِ تَصِحُّ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ.
وَكَتَبَ شَيْخُنَا عَلَى قَوْلِهِ مَعَ بُطْلَانِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ أَيْضًا: وَإِنَّمَا بَطَلَتْ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ أَوْ سَبْقِ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ بِالصَّوَابِ أَنْ لَا يَتَعَدَّاهُ وَأَنْ لَا يَسْتَمِرَّ عَلَى خِلَافِهِ فَبَطَلَتْ بِذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ فِي الرُّكْنِ بِخِلَافِهِ فِي السُّورَةِ كَمَا يَأْتِي اهـ. وَعَلَى قَوْلِهِ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ مُطْلَقًا أَيْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا بِحَالَةِ مِثْلُهُ أَوْ قَارِئًا، (قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ) وَكَذَا
فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ، وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ (أَوْ) بِمَنْ بِهِ (بِدْعَةٌ مَا كَفَّرَتْ) صَاحِبَهَا كَالْفَاسِقِ، بَلْ أَوْلَى لِمُلَازَمَةِ اعْتِقَادِهِ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ.
نَعَمْ. إنْ لَمْ تَحْصُلْ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ أَخْذًا مِنْ كَلَامٍ قَدَّمْته أَوَائِلَ الْبَابِ، وَخَرَجَ بِمَا كَفَّرَتْ الْمَزِيدُ هُنَا عَلَى الْحَاوِي مَنْ كَفَّرَتْهُ بِدْعَتُهُ كَالْمُجَسِّمَةِ وَمُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْمَعْدُومِ وَبِالْجُزْئِيَّاتِ، لِإِنْكَارِهِمْ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، (أَوْ) بِمَنْ بِهِ (فِسْقُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ (قُلْتُ وَ) يُكْرَهُ (كَفُّ) أَيْ جَمْعُ (شَعْرِهِ) وَثَوْبِهِ، كَأَنْ رَدَّ شَعْرَهُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ شَمَّرَ كُمَّهُ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ كَفِّهِمَا أَنْ يَسْجُدَا مَعَهُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَبِإِبْهَامِهِ الْجِلْدَةُ الَّتِي يُجَرُّ بِهَا وَتَرُ الْقَوْسِ قَالَ: لِإِنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ لِلْأَرْضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى تَعْلِيلُهُمْ خِلَافَهُ.
(وَ) يُكْرَهُ (الْبَصْقُ عَنْ يَمْنَةٍ مِنْهُ أَوْ التِّلْقَاءَ) لِوَجْهِهِ لَا عَنْ يَسْرَتِهِ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:«إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَهُ تَحْتَ قَدَمِهِ» بِلَا وَاوٍ، وَفِي أُخْرَى:«أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» بِأَوْ، وَبِهَا أَخَذَ أَئِمَّتُنَا حَيْثُ قَالُوا: يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبْصُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ أَمَامَهُ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْبُصَاقُ، أَمَّا فِيهِ مَعَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَشَرْحُ مُسْلِمٍ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيَحُكُّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَسْحُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ دَفْنِهِ وَلِحَائِطِهِ مِنْ خَارِجِهِ حُرْمَتُهُ، وَيُكْرَهُ الْبُصَاقُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَامَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَخَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَرَجَحَ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِالصَّلَاةِ فِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَمَامَهُ عَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ: إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ إكْرَامًا لَهَا، وَيَكُونُ لِلْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ عِلَّتَانِ: إكْرَامُ الْقِبْلَةِ، وَمُنَاجَاتُهُ لِرَبِّهِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْخَبَرِ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ نَقَلَ شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورَ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي صَلَاةٍ " وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ " مَا بَصَقْت عَنْ يَمِينِي مُنْذُ أَسْلَمْت ".
قَالَ وَكَانَ الَّذِي خَصَّهُ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ أَخْذَهُ مِنْ تَعْلِيلِ النَّهْيِ، بِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْمَلَكِ غَيْرُ الْكَاتِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ اُسْتُشْكِلَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَنْعِ مَعَ أَنَّ عَنْ الْيَسَارِ مَلَكًا آخَرَ، وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ بِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِهِ بِمَلَكِ الْيَمِينِ
ــ
[حاشية العبادي]
مُرَادٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَرَّرَ الْحَرْفَ الْقُرْآنِيَّ وَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفِسْقِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فِعْلُ الْفِسْقِ، وَإِلَّا فَوَصْفُ الْفِسْقِ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ أَوَائِلَ الْبَابِ) الَّذِي قَدَّمَهُ هُنَاكَ ذِكْرُ خِلَافٍ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ أَفْضَلُ أَوْ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ، (قَوْلُهُ كَالْمُجَسِّمَةِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، أَوْ يَعْتَقِدُ لُزُومَ شَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِ الْجِسْمِيَّةِ لِلذَّاتِ الْمُقَدَّسِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ شَعْرَهُ) أَيْ الْمُصَلِّي الذَّكَرِ م ر (قَوْلُهُ قَالَ: لِأَنِّي آمُرُهُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ الْجِلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْخَاتَمِ كَالْجِلْدَةِ، فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ بَقَاءِ الْخَاتَمِ بِأُصْبُعِهِ وَإِنْ كَانَ لُبْسُهُ سُنَّةً، وَلَا يُنَافِيهِ «عَدَمُ نَزْعِهِ عليه الصلاة والسلام خَاتَمَهُ حَالَ الصَّلَاةِ» إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَاتَمِ وَنَحْوِ الْجِلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ مَطْلُوبُ اللُّبْسِ بِخِلَافِهَا
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) وَالظَّاهِرُ أَيْضًا جَرَيَانُهُ فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ تَعْلِيلُهُمْ) أَيْ الْحِكْمَةُ (قَوْلُهُ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) ظَاهِرُهُ حَقِيقَةُ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ انْحَنَى لِفِعْلِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ وَفِيهِ إشْكَالٌ إذَا بَلَغَ فِي الِانْحِنَاءِ أَقَلَّ الرُّكُوعِ، إذْ فِيهِ زِيَادَةُ رُكُوعٍ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ) صَادِقٌ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ أَوْ يَقَعَ عَلَى شَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِيهِ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ. (قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) فَهِيَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ مِنْ أَصْلِهِ م ر (قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ) اعْتَمَدَهُ م ر وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَرَاهَةُ الْبُصَاقِ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَأَمَامَهُ، إنْ تَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَحُرْمَةُ الْبُصَاقِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ بَصَقَ عَلَى ظَاهِرِ حَصِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَاطِنِهَا فَإِنْ وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْمَسْجِدِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَإِنْ حَصَلَ تَقْدِيرُ الْمَسْجِدِ بِالطَّاهِرَاتِ حَرُمَ وَكَذَا إنْ أَدَّى إلَى تَلَفِ الْحُصْرِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَقْدِيرٌ وَلَا أَدَّى إلَى مَا ذُكِرَ لَكِنْ تَأَذَّى بِهِ النَّاسُ كَتَلْوِيثِ بَدَنِهِمْ أَوْ مَلْبُوسِهِمْ بِهِ حَيْثُ احْتَاجُوا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَهَلْ يَحْرُمُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي الْحُرْمَةُ عَلَى حُصْرِ الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِي الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ بِالْبَصْقِ عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ فِي الْمَمْلُوكِ
وَالْمَسْجِدُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ رِضًا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُخَاطَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْحُرْمَةِ مِنْ الْبُصَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ اسْتِقْذَارًا مِنْهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (فَرْعٌ) الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ حُرْمَةُ رَمْيِ الْقَمْلِ حَيًّا فِي الْمَسْجِدِ وَكَرَاهَةُ رَمْيِهِ حَيًّا فِي غَيْرِهِ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ تَأَذِّي غَيْرِهِ بِهِ وَقَصَدَ أَذَاهُ حَرُمَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كُرِهَ م ر. (قَوْلُهُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَمَامَهُ) خَرَجَ ذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمُقْتَدِي بِهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ جَهِلَ
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ) كَلَامُهُ يَعُمُّ التَّكْبِيرَ وَالتَّسْلِيمَ وَالسُّورَةَ وَالتَّشَهُّدَ، وَلَوْ الْأَخِيرَ، فَظَاهِرٌ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَالْقُدْوَةُ بِهِ مُطْلَقًا وَفِي الشَّيْخِ عَوَضٌ عَلَى الْخَطِيبِ أَنَّ
تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: بِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَلَا دَخْلَ لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فِيهَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ:«فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ كَاتِبَ الْحَسَنَاتِ» وَفِي الطَّبَرَانِيِّ: «فَإِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ» ، فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَلَعَلَّ مَلَكَ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَالْبُصَاقُ بِالصَّادِ وَالزَّايِ وَكَذَا بِالسِّينِ عَلَى قِلَّةٍ (وَ) يُكْرَهُ (رَفْعُهُ الطَّرْفَ) بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ الْبَصَرِ (إلَى السَّمَاءِ)، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ» وَهَذَا آخِرُ زِيَادَةِ النَّظْمِ
(وَ) يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقِفَ (وَحْدَهُ) ، بَلْ يَدْخُلَ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً تَسَعُهُ، وَلَوْ بِخَرْقِ صُفُوفٍ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ، فَذَكَر ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تُعِدْ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ «فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَيْهِ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» فَحَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: فِي الْقَدِيمِ لَوْ ثَبَتَ قُلْت بِهِ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أَوْ خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى، فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ يُنْدَبُ
(فَفُرْجَةٌ مَنْ عَدِمَا) أَيْ فَعَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ عَدِمَ فُرْجَةً تَسَعُهُ (يَجُرُّ) فِي الْقِيَامِ (شَخْصًا) مِنْ الصَّفِّ لِيَصْطَفَّ مَعَهُ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (بَعْدَ أَنْ تَحَرَّمَا) بِالصَّلَاةِ لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَجْرُورُ مُنْفَرِدًا، وَتُسَنُّ لَهُ مُسَاعَدَتُهُ فِي الْجَرِّ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد:«إنْ جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ» وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَجُرُّ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا، نَعَمْ إنْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُرَّهُمَا مَعًا
(وَ) أَنْ (يَلْحَقُوا بِالسُّرْعَةِ الْأَقْوَامُ) بِرَفْعِ الْأَقْوَامِ بِالْبَدَلِيَّةِ مِنْ ضَمِيرِ يَلْحَقُوا، أَوْ بِالْفَاعِلِيَّةِ عَلَى لُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، أَيْ وَيُسَنُّ أَنْ يَلْحَقَ الْمَأْمُومُونَ الْإِمَامَ فِي أَفْعَالِهِ بِسُرْعَةٍ، فَلَا يُقَارِنُونَهُ وَلَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُ كَثِيرًا، بَلْ يَشْرَعُونَ فِي الرُّكْنِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَقَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ لِخَبَرِ:«إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَلَوْ تَرَكَ النَّاظِمُ الْجَمْعَ كَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ
ــ
[حاشية العبادي]
مُسْتَقْبِلًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ بَعْضُ إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ فَلَا دَخْلَ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَعُ السَّيِّئَاتُ فِي الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّهُ لَا سَيِّئَاتِ فِيهَا يَتَنَحَّى الْمِلْكُ قَلِيلًا مَعَ مُرَاقَبَةِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّي، فَإِذَا وَقَعَ مِنْهُ سَيِّئَةٌ كَتَبَهَا، وَلَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبُصَاقِ لِتَنْحِيَةِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ) قَدْ يُقَالُ: فِيهِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَهُوَ جُمْلَةُ يَنْتَهِيَنَّ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلْأَمْرِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى إنْشَاءٍ لَهُ مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ. (قَوْلُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: بِنَدْبِ الْإِعَادَةِ (قَوْلُهُ شَخْصًا) أَيْ حُرًّا لَا رَقِيقًا لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ، وَلَوْ أَمْكَنَ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ كَأَنْ كَانَ يَمَسُّ ظَهْرَهُ بِدُونِ قَبْضٍ فَيَتَأَخَّرُ، اُتُّجِهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ م ر
(قَوْلُهُ تَحَرَّمَا) لَا قَبْلَ التَّحَرُّمِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَحْرِيمُ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ وَإِزَالَةِ خُلُوفِ الصَّائِمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ تَفْوِيتَ فَضِيلَةٍ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِالْفَرْقِ، بِأَنَّ الْجَرَّ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ تَحَرَّمَا) وَلَا يَحْرُمُ قَبْلَ التَّحَرُّمِ م ر
(قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) هَلْ
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّكْبِيرَ إنْ كَانَ يُخِلُّ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْمَأْمُومُ أَوْ جَهِلَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ عِلْمُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِنْ أَخَلَّ بِهِ مَعَ الْعَجْزِ فَلَا يَضُرُّ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ دَخَلَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ سَلَامِهِ أَيْ الْمَأْمُومِ فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سَلَامِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا، وَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَظَرَهُ لَعَلَّهُ يُعِيدُهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ يُعِدْهُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا، وَحُكْمُ السَّلَامِ كَالتَّشَهُّدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ الْإِخْلَالُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ، وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ فِيهَا اهـ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِخْلَالَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْنَ الْمُغَيِّرَ تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِالصَّلَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً) الْأَوْلَى إنْ وَجَدَ سَعَةً بِأَنْ كَانَ لَوْ دَخَلَ فِيهِ وَسِعَهُ، وَإِنْ عُدِمَتْ الْفُرْجَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: كُرِهَ أَنْ يَقِفَ مُنْفَرِدًا، بَلْ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَوْ سَعَةً دَخَلَهَا اهـ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضِ عَلَى السَّعَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ، بَلْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمْ وَسِعَهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ تَحَرَّمَا) أَوْ رُدَّ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّمَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ: بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الصَّفِّ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْفُرْجَةِ
(قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ) أَيْ وُصُولِهِ لِمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الِاعْتِدَالِ حَتَّى يَصِلَ