الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاضِي وَكَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَجَائِزَةِ الشَّاعِرِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ مَا أُعْطُوهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطَوْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنْ نَوَى الزَّوْجُ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مُبَالَغَةً فِي تَطْيِيبِ خَاطِرِهَا لِأَجْلِ رَدِّهَا إلَى مَنْزِلِ طَاعَتِهِ مَلَكَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَاصِيَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَلْ تَجَاوَزَهُ عَنْهَا فِيمَا عَصَتْ بِهِ وَقَصَدَ تَطْيِيبَ خَاطِرِهَا بِبَذْلِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ هَدِيَّةً لَهَا فَتَمْلِكهُ حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِمَالٍ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِغَيْرِ مَالٍ فَحِينَئِذٍ قَصْدُهُ الْهَدِيَّةَ لَا يَرْفَعُ كَوْنَهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَعِنْد وُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَتِهِ يَبْعُدُ أَنْ تَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِقَصْدِهِ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ فَتَمْلِكُهُ حِينَئِذٍ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَلَدٍ صَحِيحٍ وَأَرَادَ نَقْلَهَا إلَى بَلَدٍ وَبِيئَةٍ فَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ فَهُوَ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ وَإِفْتَاءُ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعِيدًا وَأَبْعَدُ مِنْهُ تَأْيِيدُهُ بِأَنَّ الْوَبِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِبَلَدِ الطَّاعُونِ وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا اهـ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْأَرْضُ الْوَبِيَّةُ يَجُوزُ الدُّخُولُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْضِ الطَّاعُونِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ إلَيْهَا عِنْدَنَا فَلَا جَامِعَ بَيْنهمَا نَعَمْ لَوْ حُمِلَ إفْتَاءُ الْقَائِلِينَ بِالِامْتِنَاعِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الطَّاعُونُ لَكَانَ وَجِيهًا لِحُرْمَةِ الدُّخُولِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْخُلْعِ]
(وَسُئِلَ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ مَهْرِهَا وَهُوَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ اتِّفَاقًا أَوْ عِنْد ظُهُورِ آيَةٍ كَكُسُوفٍ وَنَحْوِهِ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا لَيُعْلِمَهَا تَعْلِيقَهُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَأَتَى الرَّسُولُ فَقَالَ أَبِرِئْيِ زَوْجَك فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ عَالِمَةً مِقْدَارَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ يُفَصَّلُ وَهَلْ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا تَطْلُقُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ وَالذِّكْرِ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إنْ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ بَرِئَ لِتَصْرِيحِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّبَّاغِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ فَإِذَا بَرِئَ مَنْ يُظَنُّ أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لِدِينٍ قُدِّرَ فَبَانَ لَهُ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِي يَبْرَأُ بَاطِنًا أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا بَائِنًا وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ هُنَا كَهُوَ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ إنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ عِلْمُ الْمُعَلِّقِ بِفِعْلِهِ بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ امْتِنَاعٌ لِأَجْلِهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُعَلِّق بِالْبَرَاءَةِ رَاغِبٌ فِي حُصُولِهَا سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا يَعْلَمُ فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ هُنَا وَجْهٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا مِنْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلِمَ فَاعِلُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا فَكَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا بَلْ أَوْلَى.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك إلَّا شَاءَ اللَّهُ سبحانه وتعالى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأك ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَدَدْتهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِي مِنْ نَهَارِهَا ظَانًّا أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا يَقَعُ وَهَلْ يُفِيدُهُ رَدُّهَا إلَى عَقْدِ نِكَاحِهِ إلَّا صَحَّ الطَّلَاقُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا يُفِيدُ أَوْ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ لَهَا وَقَالَتْهُ لَهُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الزَّوْجِيَّةِ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ آمِينَ
(فَأَجَابَ) رضي الله عنه بِقَوْلِهِ إذَا قَالَتْ لَهُ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأك فَقَالَ لَهَا طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك فَإِنْ كَانَتْ هِيَ وَهُوَ عَالَمَيْنِ بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِذَا رَاجَعَهَا قَبْل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَادَتْ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَدَدْتهَا إلَى نِكَاحِي رَجْعَةً وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَنْوِ الْبَرَاءَةَ مِنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك فَقَالَتْ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأَك فَإِنْ صَحَّ الْإِبْرَاء وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَة ثَانِيَة وَإِلَّا فَلَا وَلَا نَظَرَ لِتَأَخُّرِ بَرَاءَتِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ تَعْلِيقٌ وَهُوَ يَكُون عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ كَوْنَ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ رَجْعِيًّا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ نِصْفِ صَدَاقِك الْبَاقِي فِي ذِمَّتِي بَعْد الطَّلَاقِ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَلْ تَطْلُقُ إذَا أَبْرَأَتْ مِنْ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَحْنَفُ وَالْأَصْبَحِيّ وَاعْتَمَدَهُ الْأَزْرَقِيّ وَبَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيط وَكَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي بَاب الصَّدَاقِ يَقْتَضِيه أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْل الدُّخُولِ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَلَمْ تَطْلُقْ أَوْ مِنْ نِصْفِ مَهْرِك الْبَاقِي بَعْد الطَّلَاقِ فِي ذِمَّتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَبَرِئَ وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ النِّصْفِ فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَلَمْ تَطْلُقْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأَتْنِي مِنْ الْمَهْرِ بِنْتُك أَوْ غَيْرُهَا فَأَنْتَ وَكِيلٌ فَطَلِّقْهَا أَهُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا فِي النَّفَائِسِ لِلْأَزْرَقِيِّ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي فِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِيِّ هُوَ مَا لَفْظُهُ إذَا قَالَ إنْ أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي مِنْ صَدَاقِهَا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا فَأَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ هَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُون رَجْعِيًّا قَطْعًا.
وَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنِ بْنِ أَبِي الْخَلِّ بِنَحْوِهِ وَيُسْتَدَلُّ بِأَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الْفَوْرَ وَعَلَى التَّرَاخِي اهـ.
لَفْظُهُ وَقَالَ قُبَيْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ طَلُقَتْ بَائِنًا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ صَوَابُهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ الْوُقُوعِ رَجْعِيًّا ظَاهِرٌ حُكْمًا لَا تَعْلِيلًا وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ فِي نَظِيرِهِ أَنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ لَهَا طَلَاقُ تَبَرُّعٍ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا لَمَّا أَبْرَأَتْهُ الْبَرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ الْوَكِيلُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَمَّا طَلَّقَهَا كَانَ طَلَاقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ بَائِنًا إذْ لَا عِوَضَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ إعْطَاءُ مَالٍ أَوْ تَمْلِيكٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْقُودٌ هُنَا وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي.
وَحَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَاخِرَ الْخُلْعِ وَأَقَرَّاهُ بِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي بَرِئَ الزَّوْجُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُطَلَّقْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ بَائِنًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَهُ شُرُوط أُخَرَ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي فَتْوَى غَيْرِ هَذِهِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْن الصُّورَتَيْنِ قُلْت وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْته فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَّقَ الطَّلَاق عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهَا فَكَانَ بَائِنًا بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَّقَهُ بِهِ التَّوْكِيلُ فَإِذَا وَجَدَ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ طَلَاقُهُ تَبَرُّعًا لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَته إلَّا إنْ صَحَّ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَفَسَدَ بِفَسَادِهِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا عُلِّقَ الطَّلَاق عَلَيْهِ وَهُنَا الْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ قَبْل أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْفَسَادِ فَكَانَ طَلَاقُ تَبَرُّعٍ فَوَقَعَ بَائِنًا فَإِنْ قُلْت تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بَاطِلٌ فَكَيْف صَحَّ طَلَاقُ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ قُلْتُ الْبَاطِلُ عِنْد فَسَادِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ خُصُوصُ التَّوْكِيلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ أَمَّا عُمُومُ الْإِذْنِ الَّذِي يَقْتَضِي نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ بَاقٍ وَإِنْ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِهَا وَلِوُضُوحِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَزْرَقِيُّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً بِأَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ بِقَدْرِ مَا لَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تُبْرِئُهُ مِنْهُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ
مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَإِلَّا لَمْ تَطْلُقْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ قَالَ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَة الدَّنَانِيرِ وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْهُ إلَيْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَهُوَ الْمِائَةُ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ أَنَّ الْعَشَرَةَ عِوَضٌ مِنْهُ إلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء مِنْ الْمِائَةِ فَتَكُونُ إلَيَّ بِمَعْنَى عَلَيَّ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ وَهُوَ الْعَشَرَة فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ أَنْتِ طَالِق فَهُوَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالْبَرَاءَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ لَا وَأُطَلِّقُك وَعْدٌ وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ أَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ الْإِبْرَاء وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْهُ إلَيْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ الْمِائَةِ عَلَى الْعَشَرَة بَرَاءَة صَحِيحَة صَحَّ الْإِبْرَاء مِنْ الْمِائَة وَلَزِمَتْهُ الْعَشَرَة نَظِيرَ مَا مَرَّ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا رَجْعِيًّا أَيْضًا بِخِلَافِهِ فِي إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء فَكَانَ الْإِبْرَاء عِوَضًا عَنْهُ وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الْخُلْعِ الْمُقْتَضِي لِلْبَيْنُونَةِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِخِلَافِهِ فِي إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك عَلَى عَشْرَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عِوَضًا عَنْ الْبَرَاءَةِ إذْ عِوَضُهَا الْعَشَرَةُ وَإِذَا خَلَا الطَّلَاقُ عَنْ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَتِهِ كَانَ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ إلَّا أَعْطَيْتنِي عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ أَلْفِ أَشْرَفِيّ تَوْزِيعًا لِلْمُسَمَّى عَلَى عَدَدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْئُولَةِ فِي مُقَابِلِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ فَوْرًا خَمْسمِائَةِ أَشْرَفِيّ فَهَلْ تَطْلُقُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَهَلْ إذَا قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَمَا يَسْتَحِقُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَيْءٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي عَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ إعْطَاءُ الْأَلْفِ لَمْ تُوجَد نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَا قَالَهُ إيقَاعَ مَا يُقَابِلُ الْمُعْطَى لَوْ وُزِّعَتْ الْأَلْفُ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَعَ بِالْخَمْسِمِائَةِ طَلْقَتَانِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ وَيَسْتَحِقُّ خَمْسَمِائَةٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) إذَا قَالَ خَلَعْتُك إلَى رَقَبَةِ أَبِيك مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ خَلَعْتُك إلَى رَقَبَةِ أَبِيك فَقَدْ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا يَلْتَزِمُ لَهُ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَلْتَزِمَ لَهُ فَوْرًا وَحِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ بَائِنًا بِذَلِكَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ خَالَعَهَا خُلْعًا مُنَجَّزًا وَإِنَّهَا بَعْدُ تَصِيرُ فِي رَقَبَةِ أَبِيهَا أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا طَلُقَتْ بِقَوْلِهِ خَالَعْتُك إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا وَلَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَأَمَّا إذَا أَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا فَقَبِلَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ لَكِنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْته وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَوْقِعُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمَلٌ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ احْتِمَالَيْهِ لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إذَا أَعْطَيْتنِي كَذَا مَا تُمْسِي لِي زَوْجَةً فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا؟
(فَأَجَابَ) أَفْتَى الْفَتَى بِأَنَّهَا إذَا أَمْسَتْ لَهُ زَوْجَةً بِأَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْل الْمَسَاءِ طَلُقَتْ بَائِنًا بِقَوْلِهِ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ بَائِنًا لِخَشْيَةِ تَوَقُّعِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْفَوْرِيَّةِ فِي الْإِعْطَاءِ وَإِلَّا فَرَجْعِيًّا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل أَنْ تُمْسِي طَلُقَتْ بِالثَّانِي رَجْعِيًّا دُون يَلْزَمُنِي لِأَنَّهُ بَرَّ فِيهِ وَنَظَرَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ فِيمَا قَالَهُ أَوَّلًا وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الطَّلَاقُ لَمْ يُجْعَلْ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ
أَلْبَتَّةَ فَالْأَوْجَهُ وُقُوعُهُ رَجْعِيًّا مُطْلَقًا. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي رَجُل وَكَّلَ آخَرَ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا بَعْد أَنْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَهَلْ يَقَعُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ فِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِمُوَكِّلِهِ وَمُفَوِّتًا لِغَرَضِهِ مِنْ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ وَلَا يَبْرَأُ حِينَئِذٍ الزَّوْجُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْلِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ تَطْلُق بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتِلْمِيذُهُ الرَّدَّادُ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيّ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَطْلُقُ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِمَا إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ بَرَاءَةٍ لَمْ تَطْلُق وَإِلَّا طُلِقَتْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِذَا قُلْنَا تَطْلُقُ طَلُقَتْ بَائِنًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِئَ عَلَى صِحَّةِ الطَّلَاقِ فَهَلْ تَطْلُقُ؟
(فَأَجَابَ) نَعَمْ تَطْلُقُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ لَكِنْ خَالَفَهُ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ فَقَالَ لَا تَطْلُقُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَه.
(وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُعْطِهَا مُتْعَةً وَاجِبَةً ثُمَّ أَعَادَهَا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ جَمِيعِ مَا تَسْتَحِقِّينَهُ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ مُتْعَةٌ فَهَلْ يَقَعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ جَمِيعِ مَا لَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُوجَدْ وَلَا نَظَرَ لِخُطُورِ ذَلِكَ بِبَالِهِ أَوْ لَا نَعَمْ إنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ مِنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ دُون غَيْرِهِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ بَائِنًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك وَإِنْ لَمْ تُبْرِئِي فَهَلْ يَقَعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ الْوُقُوعُ حَالًا لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْوُقُوعُ أَبْرَأَتْ أَوْ لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ لَمْ تُبْرِئُ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ أَحَدُهُمَا طَلُقَتْ قَبْلُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلهُ فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْمُبَرَّإِ مِنْهُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ تُبْرِئْهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً فَاسِدَةً لَمْ تَطْلُقْ إلَّا عِنْد الْيَأْسِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا وَلِلْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الرَّدَّادِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَآهَا مُسْفِرَةً فَهَلْ يُقْبَلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلرُّويَانِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا عَدَمَ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَة سُئِلَتْ) عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَالَعْتك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَتْ قَبِلْت فَسَأَلَهَا الْمِائَةَ فَقَالَتْ مِمَّ هِيَ فَقِيلَ لَهَا إنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْك بِالْقَبُولِ فَقَالَتْ أَنَا لَمْ أَرْضَ بِبَذْلِ عِوَضٍ وَادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِوَضُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا الْحُكْمُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرَ ذَكَرُوهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُخَالِطَةً لِأَهْلِ الْمُدُنِ وَالْقُرَى الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا دَعْوَاهَا الْمَذْكُورُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَتَلْزَمُهَا الْمِائَةُ وَإِنْ نَشَأَتْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعَارِفِينَ بِذَلِكَ قُبِلَتْ مِنْهَا هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا يَلْزَمُهَا مَال ثُمَّ رَأَيْت ابْن عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ لَوْ نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِكَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةٍ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا فِي الشَّرْعِ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ إذْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَدْلُولِهِ حَتَّى يَقْصِدَ إلَى اللَّفْظِ. اهـ.
وَرَأَيْت الزَّرْكَشِيّ نَظَرَ فِيهِ وَبِتَأَمُّلِ مَا قَرَّرَتْهُ مِنْ التَّفْصِيلِ يُعْلَمُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْمُخَالِطِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الْمُخَالِطِ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ مَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْأَوَّلَ قَائِلٌ بِإِطْلَاقِ الْقَبُولِ وَالثَّانِي قَائِلٌ بِإِطْلَاقِ عَدَمِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَجْهٌ بَلْ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي أَبْوَابٍ شَتَّى مَا ذَكَرْته فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ إنَّ تَنْظِيرَ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ لَا مَعْنًى لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَاسْتِحْضَارِ تِلْكَ النَّظَائِرِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا خَرَجْت مِنْ بَيْتِي بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ
إلَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْن وَقُلْتُمْ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً فَإِذَا رَاجَعَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ أَنْ تَخْرُجَ مَتَى شَاءَتْ هَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْن فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِالْخُرُوجِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَإِنْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ غَيْرِ إذْنِي فَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ لَمْ تَطْلُق وَإِنْ ذَهَبْت إلَى الْبَيْتِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِيهِ وَإِنْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ غَيْرِ إذْنِي إلَى بَيْتِ فُلَانَةَ فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِهِ طَلُقَتْ وَإِذَا خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ وَطَلُقَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْن أَيْضًا لَمْ تَطْلُقْ بِالْخُرُوجِ الثَّانِي لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ نَعَمْ إنْ قَالَ كُلَّمَا خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي طَلُقَتْ بِالْخُرُوجِ الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَثَالِثًا طَلْقَةً ثَالِثَة وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ لَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ لَا يَبِيعَ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ قَبْل انْفِسَاخِ الشَّهْرِ وَرَاجَعَهَا بِشُرُوطِهِ قَبْلَ انْفِسَاخِ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ هَلْ تَبِينُ مِنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا فِي حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَرَى بِهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَيَّدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ قَبْل فَرَاغِهِ تَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا وَوَافَقَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ وَنُظَرَائِهِ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمَجْعُولِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذْ الْخُرُوج عَنْ عُهْدَةِ الْحَلِفِ مُمْكِنٌ لِإِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِالصِّفَةِ وَمَتَى كَانَتْ مُمْكِنَةً لَا يَسْتَنِد الْوُقُوعُ إلَى مَا قَبْل الْفِعْلِ لِإِمْكَانِهِ بَعْدَهُ بَلْ إلَى آخِرِ زَمَنٍ يَتَحَقَّقُ انْتِفَاؤُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ وَلَا نِكَاحَ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْخُلْعِ وَفَرَّقَ بَيْن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ الْآتِيَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فِيهَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْحِنْثِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ الِانْتِفَاعُ بِالْخُلْعِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ.
وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِإِفْتَاءِ التَّاجِ الْفَزَارِيِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُ أَخَاهُ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ وَلَا يُوَكِّلُ بِأَنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُخَالِعَ ثُمَّ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْنِي بِسَبَبِ يَمِينِ الْخُلْعِ لِلْبَيْنُونَةِ بِهِ وَأَيَّدَ السُّبْكِيّ ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْل الشَّيْخَيْنِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ فَلَمْ يَمْضِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَوْلُهُمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقُ وَلِأَمَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتَا تَخَلَّصَ بِخُلْعِهِمَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعِيدُهَا أَيْ وَلَوْ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَكْلِ وَبِبَيْعِ الْأَمَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَوَّبَهُ وَوَافَقَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِالْخُلْعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَلْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ بَانَ حِنْثُهُ قَبْل الْخُلْعِ وَبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحِنْثُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَتَلَف فِي الْغَدِ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهَا تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْد تَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ تُصَلِّ أَوْ لَتَشْرَبْنَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْد إمْكَانِ شُرْبِهِ.
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمَسْأَلَتَيْ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يَتَّضِحُ بِمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْن إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَأَفْعَلَنَّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيقٌ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْآخَرِ فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخَرُ بَائِنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي فَرْعَيْ الشَّيْخَيْنِ إذْ لَيْسَ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا كَنَظَائِرِهِمَا إلَّا جِهَةُ حِنْثٍ
فَإِذَا فَعَلَ لَا يُقَالُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَأَمَّا لَأَفْعَلَنَّ كَمَا فِي صُورَتِنَا وَنَظَائِرِهَا فَالْفِعْلُ مَقْصُودٌ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ وَالْحِنْثُ هُنَا قَضِيَّةُ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتُ الْبِرِّ فَإِذَا الْتَزَمَهُ وَفَوَّتَهُ بِخُلْعٍ مِنْ جِهَتِهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَعَلَيْهِ فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا بِمَا لَا إشْعَار لَهُ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَاثْنَتَانِ لَا يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ بِالْإِثْبَاتِ مُعَلَّقًا بِمَا يُشْعِرُ بِزَمَانٍ كَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَالْحَلِفِ بِلَأَفْعَلَنَّ وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ قِيَاسُ هَذَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ بِإِنْ لَمْ آكُلْ فَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْد تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَحْنَثُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ الْحِنْثُ هُنَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي النَّظَائِرِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قُلْنَاهُ دُون الْمُخَالِفَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ لِمَا رَجَّحَهُ وَالتَّأْيِيدُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَأَنَّهُ مُهِمٌّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ يَنْفَعُهُ قَبْل مُضِيِّ الشَّهْرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ فَإِذَا فَعَلَهُ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ بَعْد الشَّهْرِ فَحَكَمَ لَهُ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِعَوْدِهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمْ.
(مَسْأَلَة) قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَهَبَتْهُ لَك أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَلَوْ قَالَتْ لَهُ بَذَلْت لَك صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَقَالَ إلَّا صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا ابْرَئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَنْتَ الْبَرِيءُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاء لَمْ يَحْنَثْ بِقَوْلِهَا وَهَبْته أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي وَهَبْته لَك كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ هِبَةُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَأَمَّا فِي نَذَرْت بِهِ لَك فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِوَهَبْتُهُ لَك فِيمَا ذُكِرَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِبْرَاءِ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَهِبَتُهُ وَنَذْرُهُ مِثْلُ الْإِبْرَاء فِي ذَلِكَ لِخُلُوِّ الذِّمَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْهُ.
وَأَيْضًا فَالْأَصَحُّ فِي الْإِبْرَاء أَنَّهُ تَمْلِيك الْمَدَّيْنِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَائِبَةُ الْإِسْقَاطِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْهِبَة مُحَصِّلَةٌ لِذَلِكَ التَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ التَّمْلِيكِ فَاسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الْإِبْرَاءَ وَالْهِبَةَ وَالنَّذْرَ فِي تَحْصِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْن الْهِبَةِ وَالنَّذْرِ بِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يُسَمَّى الْتِزَامًا لَا تَمْلِيكًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فَسَاوَتْ الْإِبْرَاء فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الِالْتِزَامَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ التَّمْلِيكِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كُلٌّ مِنْ الْإِبْرَاء وَالْهِبَة وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا وَأَنَّ الْمَعْنَى قَدْ يُرَجَّحُ عَلَى اللَّفْظِ إذَا قَوِيّ مَأْخَذُهُ يُرَجِّحَانِ مَا ذَكَرْته أَنَّ نَذْرَ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ وَإِنْ سُمِّيَ الْتِزَامًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ مَوْجُودَانِ بِتَمَامِهِمَا فِيهِ.
فَكَانَ الْأَوْجَهُ إلْحَاقُ النَّذْرِ بِالْهِبَةِ كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ بَائِنٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْل أَنْ يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ كَثِيرٌ أَجْنَبِيٌّ وَأَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ الصَّدَاقِ وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطْلَقَةُ التَّصَرُّفِ شَرْعًا وَأَنْ لَا يَكُونَ الصَّدَاقُ زَكَوِيًّا وَإِلَّا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَدْ بَيَّنْت هَذِهِ الشُّرُوطَ وَمَا فِيهَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي اخْتِصَارِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الْآرَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْإِبْرَاءِ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي النَّذْرِ وَعِبَارَتِي فِيهِ قَالَ إنْ نَذَرْت لِي بِكَذَا أَوْ بِجَمِيعِ مَا تَسْتَحِقِّيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَذَرَتْ لَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْإِبْرَاءِ بِجَامِعِ تَضَمُّنِ كُلٍّ لِلْمُعَاوَضَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيْنُونَةِ صِحَّةُ النَّذْرِ وَعِلْمُهُمَا بِمَا نَذَرَ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ
شَائِبَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ فِيهَا تِلْكَ الشَّائِبَةُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ عِلْمِهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَغَلِطَ مِنْ أَجْرَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمَدِينِ هُنَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ وَعِبَارَتِي فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي أَوْ بِطَلَاقِي فَطَلَّقَ بِهِ وَقَبِلَتْ بَانَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ بِعِوَضٍ ثُمَّ إنْ عَلِمَا قَدْرَ الْمَهْرِ وَوُجِدَتْ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ وَأَرَادَتْ بِبَذْلِهِ الْإِبْرَاء مِنْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ وَلَزِمَهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَطَلَّقَ وَقَعَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا الزَّوْجُ.
فَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ تَقُولَ بَذَلْت لَك أَوْ بَذَلْت وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَذَلْتُ كَأَجَزْتُ ثُمَّ رَأَيْتنِي أَفْتَيْت فِيمَا لَوْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ فَقُلْت أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتِلْمِيذُهُ الرَّدَّادُ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيّ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَطْلُقُ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِمَا إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِلَّا طَلُقَتْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِذَا قُلْنَا تَطْلُقُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فِيهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ وَلِيَّةُ نَفْسِك أَوْ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْأُولَى لِأَنَّهَا إذَا وَلِيَتْ النِّسَاءَ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِهَا بِنَفْسِهَا كَانَتْ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ الْكِنَايَاتِ أَنْتِ وَشَأْنُك وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ ذَيْنِك أَبْلَغُ فِي الْإِشْعَارِ بِالِاسْتِقْلَالِ مِنْ هَذَا فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ تَعْلِيقَهُ عَلَى إبْرَائِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَجَعْلَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ قُبِلَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِهِ وَتَوَقَّفَ عَلَى جَوَابِهَا فَإِنْ أَجَابَتْهُ وَقَدْ كَانَتْ أَوَّلًا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ تُجِبْهُ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ أَوَّلًا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يُرِدْ التَّعْلِيقَ الْمَذْكُورَ فَإِنْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ أَوَّلًا بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَمَا بَيَّنَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيه فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ قَوْلُهُ وَهُوَ لَوْ صُرِّحَ هُنَا بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْإِبْرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى الْإِبْرَاءِ الصَّادِرِ مِنْك لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا بَلْ تَنْجِيزًا مُعَلَّلًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ إذْ كَيْف يَصِحّ التَّعْلِيقُ عَلَى الْمَاضِي وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ خَالَعَهَا بِمَهْرِهَا بَعْد أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا جَزْمًا عِنْد الْجَهْلِ وَعَلَى خِلَافٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ ثَمَّ خَالَعَ عَلَى نَفْسِ الْمَهْرِ فَقَدْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُهُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّته فَهُوَ كَخُلْعٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْبَيْنُونَةِ وَإِنْ عَلِمَا الْفَسَادُ وَهُنَا لَمْ يَجْعَلْ الْمَهْرَ عِوَضًا وَإِنَّمَا جَعَلَ الْبَرَاءَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ طَلَاقًا بِعِوَضٍ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ إبْرَائِهَا. اهـ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَبْرَأَتْهُ أَوَّلًا بَرَاءَةً صَحِيحَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ تَنْجِيزَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ مَا صَدَرَ مِنْهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ فَسَدَ الْإِبْرَاء لِأَنَّهُ مُجَرَّدٌ لَمْ يُعَلِّق فَيَلْغُو قَوْله عَلَى تَمَام الْبَرَاءَة بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِد تَعْلِيقًا وَلَا تَنْجِيزًا فَإِنَّ الظَّاهِر حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيق فَلَا يَقَع شَيْء عِنْد عَدَم صِحَّة الْإِبْرَاء وَلَا سَبِيل لِلْوُقُوعِ هُنَا بَائِنًا بَعْد صُدُور إبْرَائِهَا صَحِيحًا إذَا لَا عِوَض حِينَئِذٍ تَحْقِيقِيّ وَلَا تَقْدِيرِيٍّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ قُبَيْلَ التَّعْلِيقِ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقُ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ فَيَأْتِي فِيهِ حُكْمُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ أَبْرَأَتْهُ فَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا وُقُوعَ وَإِنْ تَلَفَّظَتْ بِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مُنْشَؤُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْبَرَاءَةِ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ أَمْ مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا وُقُوعَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَقَعُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِالْبَرَاءَةِ وَإِلَّا وَقَعَ جَزْمًا وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْوُقُوعِ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَتْ أَمَةٌ لِزَوْجِهَا سَيِّدِي أَذِنَ لِي أَنْ أَخْتَلِعَ
مِنْك بِصَدَاقِي فَخَالَعَهَا فَانْكَرْ السَّيِّدُ ذَلِكَ فَهَلْ تَبِينُ وَيَكُونُ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ تَطْلُقُ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ كَمَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ خَالَعَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ صَدَاقِهَا فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ لِإِنْكَارِ سَيِّدِهَا الْإِذْن مِنْهُ لَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَعْطَيْتنِي النَّخْلَةَ الْفُلَانِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَعْطَيْتُكهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا وَتَطْلُقُ بَائِنًا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا طَرِيقُ صِحَّةِ مِلْكِهِ لِتَطْلُقَ فَلَوْ نَذَرَتْ بِهَا لَهُ أَوْ وَهَبَتْهَا مِنْهُ فَقَبِلَ فَهَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا وَحَيْثُ مَلَكهَا فَبَانَتْ مُسْتَحِقَّةً مَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْخُلْعِ وَالْقَبْضِ أَنَّهَا إذَا خَلَّتْ بَيْنه وَبَيْن النَّخْلَةِ التَّخْلِيَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ بِنِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ مَلَكهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا التَّخْلِيَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ مَنْزِلَةَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ وَقَالُوا هُنَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ مَلَكَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ لِأَنَّ تَمْكِينهَا إيَّاهُ مِنْ الْقَبْضِ إعْطَاءٌ مِنْهَا إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ فَلَمْ يَأْخُذ وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ وَإِنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ قَهْرًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مَعَ قَصْدِ الْعِوَضِ وَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بُضْعَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عَنْ هَذَا.
كَلَامُهُمْ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بَيْن التَّعْلِيقِ بِإِعْطَاءِ مَنْقُولٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ شَجَرٍ وَأَنَّ قَوْلهمْ فَوَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْإِعْطَاءِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ غَالِبًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِمْ الَّذِي تَقَرَّرَ هُنَا فَإِنَّهُ جَارٍ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ أَيْضًا وَبِدَلِيلِ كَلَامِهِمْ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ مِنْ إقَامَتِهِمْ التَّخْلِيَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ مَنْزِلَةَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ فَإِنْ قُلْت الْإِعْطَاءُ عُرْفًا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْقُولِ دُون غَيْرِهِ قُلْت مَمْنُوعٌ بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَالُ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ دَارًا وَنَخْلَةً وَإِنْكَار ذَلِكَ مُكَابَرَةٌ وَذَكَرْت فِي الْفَتَاوَى وَمُلَخَّصُ تَحْرِيرِ الْآرَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَهَبْته لَك أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك أَنَّهُ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاء فَلَا وُقُوعَ أَوْ خَلَاصَهُ عَنْ عُهْدَةِ الصَّدَاقِ وَقَعَ بَائِنًا بِشُرُوطِهِ وَكَذَا إنْ أُطْلِقَ عَلَى كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْهِبَةَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَمْكِينُهَا إيَّاهُ مِنْ قَبْضِهِ كَافِيًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ تَلَفُّظِهَا بِنَحْوِ وَهَبْته لَك مَعَ تَمْكِينِهِ مِنْ قَبْضِهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْطَى وَكَذَلِكَ زِيَادَةُ تَلَفُّظِهَا بِقَوْلِهَا نَذَرْت لَك بِهِ مَعَ التَّمْكِينِ مِنْ قَبْضِهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ وَيَزْدَادُ ذَلِكَ إيضَاحًا بِمُرَاجَعَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْفَتَاوَى وَالتَّلْخِيصِ الْمَذْكُورَيْنِ وَإِذَا أَعْطَتْهُ النَّخْلَةَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً لَزِمَهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَيْضًا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ زَائِدٌ عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ وَأَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِهَا بَعْد سِنِينَ عَدِيدَةٍ وَلَمْ تَعْرِفْ الْقَدْرَ الْبَاقِي بَعْد الزَّكَاةِ هَلْ الْإِبْرَاء صَحِيحٌ أَوْ لَا لِلْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا إنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا الزَّكَوِيِّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ عَلِمَتْ مِقْدَارَ مَهْرِهَا لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ جَمِيعِهِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاء مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَبَرَّعَتْ بِإِبْرَائِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ مِقْدَارَهُ وَعَلِمَتْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةَ بِلَا زَكَاةٍ صَحَّ إبْرَاؤُهَا مِمَّا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إبْرَاؤُهَا لِجَهْلِهَا بِمِقْدَارِهِ
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَقْرَأَ قُرْآنًا فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا فَهَلْ يَحْنَثُ بِقِرَاءَتِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لِلتَّبَرُّكِ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يَحْنَثُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ قَصْدِهِ التَّبَرُّكَ نَفْيُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَوْ قَصَدَهُمَا أَعْنِي التَّبَرُّكَ وَالْقِرَاءَةَ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَحْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا تَجْوِيزُهُمْ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَعَ الْقَصْدِ
الْمَذْكُورِ صَارَ غَيْرَ قُرْآنٍ لِمَا يَأْتِي وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْهَم الْمُصَلِّي غَيْرَهُ غَرَضًا آخَرَ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ وَقَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذُكِرَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي بَابَيْ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لَهَا إلَّا أَجَبْت خِطَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ خَاطَبَهَا فَقَرَأَتْ آيَةً تَتَضَمَّنُ جَوَابَهُ فَإِنْ قَصَدَتْ الْجَوَاب وَحْدَهُ لِمَا يَأْتِي طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَنِثَ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ أَفْهَمَهُ بِهَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْإِفْهَام وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ.
وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ وَالْقِرَاءَةَ حَنِثَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَحَالِّ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهُ عَلَى الْجُنُبِ فَجَعَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ قُرْآنًا وَيُوَجَّهُ تَغْلِيبُهُمْ قَصْدَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ الْمَوْضُوعِ هُوَ لَهَا فَغَلَبَ عَلَى قَصْدِ التَّبَرُّك بِعُرُوضِهِ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا الصَّلَاةَ بِهِ فِيمَا لَوْ قُصِدَ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّفْهِيمُ لِبَقَاءِ نَظْمِ الْقُرْآنِ عَلَى حَالِهِ وَلَا نَظَرَ لِقَصْدِ التَّفْهِيمِ الْمُنْضَمِّ إلَى قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا ذَكَرْتُهُ. وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الْمَذْكُورَة وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَدَّمْته عَنْهُمْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَوْ قَصَدَتْ الْجَوَابَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ تَغْلِيبًا لِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا قَدَّمْته أَيْضًا فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهَا أَنَّهَا أَجَابَتْهُ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَلَامِ لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ وَوَجْهُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً وَلَا تَبَرُّكًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ أَحَلُّوا الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ حِينَئِذٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ أَيْ عِنْد عُرُوضِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا كَالْجَنَابَةِ هُنَا لَا مُطْلَقًا لِمَا يَأْتِي وَأَبْطَلُوا بِهِ الصَّلَاةَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَبِهِ يَرُدُّ عَلَى جَمْعٍ نَازَعُوا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْت شُبَهَهُمْ مَعَ رَدِّهَا أَبْلَغَ رَدٍّ وَأُوَضِّحُهُ فِي شَرْح الْعُبَابِ وَعَلَّلُوهُ أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِإِبْطَالِهِ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا هِيَ الِاسْتِئْذَانُ مَثَلًا الْمُقْتَضِي صَرْفُ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ إلَى مَعْنَى مَا يُخَاطَبُ بِهِ النَّاسُ فَأَشْبَهَ كَلَامَهُمْ الْمُبَايِنَ لِلْقُرْآنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَتَى بِآيَةٍ مُفْهِمَةٍ فَهِمَ مِنْهَا زَيْدٌ مُرَادَهُ بِلَا قَصْدٍ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُ مَعَ الْإِطْلَاق حُكْمَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَازَ لِلْجُنُبِ وَحَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ يَخْتَصُّ بِمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَخَارِجَهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] إلَى آخِرِهِ وَ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] وَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] دُون نَحْوِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ عَلَى الثَّانِي وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ بَعْد أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاق كَمَا بَيَّنْته مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْح الْعُبَابِ مَعَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي فَرْقِهِ بَيْن إطْلَاقِ الْجُنُبِ وَإِطْلَاق الْمُصَلِّي وَوَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَضُرُّ قَصْدُ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا حُكْمُهُمْ عَلَى جَمِيعِ لَفْظِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَهُوَ يُوَافِقُ الْأَوَّلَ السَّابِقَ وَأَمَّا إثْبَاتُهُمْ ذَلِكَ لِلْقُرْآنِ دُون نَحْو التَّسْبِيحِ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَالضَّعْفِ وَعَجِيبٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَيْف نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِمَعْنَى تَنَبَّهْ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِقَصْدِ الْإِعْلَام بِمَعْنَى رَكَعَ الْإِمَام فَاسْتَوَى الْقُرْآنُ وَغَيْره فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ فِي خَبَرِ مُسْلِم السَّابِقِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ النَّاسِ فَكَيْف جَعَلْتُمُوهُ مُشْتَرَكًا كَمَا مَرَّ قُلْت لَمْ نَجْعَلُهُ مُشْتَرَكًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا سَبَقَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْجُنُبُ أَوْ سَبَقَ لِلتَّفْهِيمِ لِغَرَضٍ آخَرَ جَرَى عُرْفًا التَّفْهِيمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ وَبِغَيْرِهِ
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّفْهِيمُ بِالْقُرْآنِ مَذْمُومًا شَرْعًا وَذَلِكَ مِنْ الْمُصَلِّي
وَالْحَالِفُ أَشْبَهَ حِينَئِذٍ كَلَامَ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَارِضَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي ذَاتِهِ قُرْآنًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ فَضَّلُوا عَلَيْهِ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَالَّ مَخْصُوصَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَضِّلُوهَا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ لِغَرَضٍ آخِر فَالتَّفْضِيلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَكَمَا اتَّفَقُوا عَلَى التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إذْ التَّفْضِيلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُخْرِجهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَالْقَرِينَةِ الْمُقْتَضِيَةِ عُرْفًا صَرْفَهُ إلَيْهَا وَخُرُوجَهُ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِيَّةِ إلَى مَعْنَى مَا يُتَخَاطَبُ بِهِ فَأَعْطَيْنَاهُ حِينَئِذٍ حُكْمَ كَلَامِ النَّاسِ وَأَدَرْنَا عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْكَامَ السَّابِقَ تَقْرِيرُهَا فَإِنْ قُلْت مَرَّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي حَالَةِ قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَحْدَهُ أَوْ التَّفْهِيمِ وَحْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاق فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ قُلْت سَبَبُهُ أَنَّ الْقَصْدَ أَقْوَى فِي الصَّرْفِ مِنْ الْإِطْلَاق فَانْصَرَفَ بِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِقَرِينَةٍ بِخِلَافِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ أَمْرَانِ هُمَا رِعَايَةُ ذَاتِهِ أَوْ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لَهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا فَأَكْثَرُهُمْ رَاعُوهَا لِقُوَّتِهَا وَبَعْضهمْ رَاعَى الذَّاتَ لِأَصَالَتِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَصْدَ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ كَافٍ وَحْدَهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ تُعَضِّدُهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ صَرَفَتْهُ إلَيْهَا وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ بَقِيَ عَلَى قُرْآنِيَّتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِهَا
وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ صَرْفِهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى غَيْرِهَا لَا قَصْدَ نَفْسِ الْقِرَاءَةِ إلَّا إنْ عَرَضَتْ قَرِينَةٌ كَأَنْ عَرَضَ عُطَاسٌ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ عُطَاسِهِ فَقَرِينَةُ نَدْبِ قِرَاءَتِهَا عَقِبَ الْعُطَاسِ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ إلَّا إنْ قَصَدَهَا وَأَمَّا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُهَا كَمَا مَرَّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ فِي قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُمْ مَا كُتِبَ مِنْ الْقُرْآنِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَام الْقُرْآنِ مِنْ حُرْمَةِ مَسِّهِ عَلَى الْمُحْدِثِ وَتَجْوِيزهمْ الرَّسْمَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي أَفْخَاذِ الْحَيَوَانِ مَعَ تَمَرُّغِهَا بِهِ فِي النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ كِتَابَتِهِ التَّبَرُّكُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْسَلِخُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُبَالَ بِتَنَجُّسِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ لِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مَجَالٌ وَاسِعٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَهْلُ مِلِيبَار يُطَلِّقُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مَعَ إنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ بَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لِلْفِرَاقِ بَيْنه وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَهَلْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ بِهِ وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ تَرْجَمَةُ طَلَاقٍ بَلْ هِيَ أَشْهَرُ عِنْد عَوَامِّهِمْ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِشُيُوعِهَا وَكَوْنِهَا بِلُغَتِهِمْ فَهَلْ هِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحَةِ أَوْ الْكِنَايَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى مَقْصُودًا مِنْ الطَّلَاق إلَّا وُقُوعُ الْفِرَاقِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَمَعْرِفَتُهُمْ لِذَلِكَ كَافِيَةٌ فِي كَوْنِهِ صَرِيحًا فَيَقَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمَا اشْتَهَرَ عِنْدهمْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ طَلَاقٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى صَرَاحَتِهِ أَوْ لَفْظُ كِنَايَةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ كِنَايَةً وَإِنْ اشْتَهَرَ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ مَأْخَذ الصَّرَاحَةِ لَيْسَ هُوَ الِاشْتِهَارُ خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بَلْ مَأْخَذُهَا تَكَرُّرُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ مِمَّا ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ كِنَايَةٍ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَإِنْ اشْتَهَرَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ مِمَّا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةَ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَمَلًا بِاشْتِهَارِهِ فَإِنَّ لِلِاشْتِهَارِ تَأْثِيرًا فِي الْكِنَايَةِ دُون الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَجْنَبِيٍّ خَالَعْت امْرَأَتِي بِأَلْفٍ أَوْ بِثَوْبِك مَثَلًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ قَبِلْت الْخُلْعَ وَلَمْ يَقُلْ بِأَلْفٍ عَلَيْك هَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ؟
(فَأَجَابَ) أَمَّا فِي ثَوْبِك فَيَكْفِي قَبِلْت وَلَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ وَأَمَّا فِي الْأَلْفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَيْك أَوْ يَنْوِيَهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ الْمُصْلِحَةَ لِدُنْيَاهَا لَا لِدِينِهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِسَفَهٍ بِأَنْ بَلَغَتْ غَيْرَ مُصْلِحَةٍ لِدِينِهَا أَوْ لِدُنْيَاهَا وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا عَلَى الْتِزَامِ مَالٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ
لِفَسَادِ الْتِزَامِهَا وَبَرَاءَتِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ رَجْعِيًّا.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ الْتَزَمَ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَبَعْد مُدَّةٍ مِنْ الِالْتِزَامِ قَالَتْ لَهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا تَشْهَدُوا أَنِّي بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي ثُمَّ قَالَ عَلَى مَا تَشْهَدُوا أَنَّهَا طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ فَهَلْ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ رَجْعِيَّةٌ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْلِ فَإِنْ قُلْتُمْ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ هَلْ تَقَعُ الثَّلَاثُ الَّتِي الْتَزَمَ بِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّه سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى غَرِيمِهِ إلَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ دَيْنَهُ وَلَفْظُهُ إلَّا جَاءَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَمَا أُوفِيك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَسَافَرَ رَبُّ الدَّيْنِ قَبْل الْحَادِيَ عَشَرَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيّ وَابْنِ الْبَرَزِيِّ وَكِلَاهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ أَفْتَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذِكْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيفَاءِ وَلَمْ يُوفِ حَنِثَ أَوْ أَنَّ الْإِيفَاءَ يَكُونُ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ فَسَافَرَ رَبُّ الدِّينِ قَبْل الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِيفَاءِ فِيهِ فَفِي حِنْثِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا. اهـ.
وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَدَمُ الْحِنْثِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ الْأَوْلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا أَنَّهُ لَا وُقُوعَ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلشَّكِّ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تِلْكَ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُسَافِرُ فِي شَهْرِهِ هَذَا أَوْ يَوْمِهِ إلَى الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ هَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ أَوْ شَهْرِهِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَحْلُوفِ بِهِ سَاعَةٌ مَثَلًا وَخَرَجَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ إلَى خَارِجِ الْعُمْرَانِ وَلَوْ ثَلَاث خُطُوَاتٍ بِنِيَّةِ السَّفَرِ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ إلَيْهِ هَلْ يَكْفِي وَيَسْلَمُ مِنْ الْحِنْثِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ أَوْ إلَى مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ دُونِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا فَوَّتَ السَّفَرَ فِي الزَّمَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ حَنِثَ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَان السَّفَرِ مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْإِمَام وَلَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ قَبْل مُضِيِّ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ وَإِلَّا حَنِثَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي مِنْ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ هَلْ يَقَعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ اضْطَرَدَتْ لُغَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ إلَى كَانَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِشَرْطِهِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ عَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ لُغَتُهُ أَنْ لَا كَانَ كَانَ تَعْلِيقًا بِالدُّخُولِ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَلِيِّ الدِّينِ أَبِي زُرْعَةَ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك تَفْضُلُوا بِبَيَانِهِ وَمَا الَّذِي تَقُولُونَهُ فِي قَوْلِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِيمَا لَوْ قَالَتْ زَوْجَتُهُ طَرَحَ اللَّهُ لَك عَلَى تَمَامِ بَرَاءَتِي وَقَصَدَتْ بِالتَّمَامِ ثَلَاثًا فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ وَلَكُمْ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى كَالْفَقِيهِ أَبِي مَخْرَمَةَ فِي فَتَاوِيهِ كَلَامٌ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيِّنُوا حَاصِلَهُ مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ قَوْلَهُمْ وَالْعِبَارَةُ لِلْإِرْشَادِ أَوْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فَثَلَاثَةً وَكَلَامُهُمْ وَكَلَامُ أَبِي مَخْرَمَةَ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَاصِلُ مَا حَرَّرْته فِي كِتَابِي إيضَاحُ الْمُقَرَّرِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُحَرَّرِ فِي نَحْو أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَأَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إلَّا صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك أَنَّهُ رَجْعِيٌّ فِي الْأُولَى سَوَاءٌ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا أَمْ لَا وَكَذَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ.
لَكِنْ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا فِي الْأُولَى مَا لَمْ يُرَدْ جَعْلَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ أَيْ كَوْنهَا سَبَبًا لَهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا إنْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ وَحِينَئِذٍ يَقَعُ رَجْعِيًّا بِخِلَافِهِ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرِ لِأَنَّ الصَّادِرَ مِنْهُ الْوَعْدُ بِالطَّلَاقِ إذَا أَبْرَأَتْهُ وَالْحَاصِلُ مِنْهَا تَنْجِيزُ الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهَا بِعِوَضٍ فَصَحَّتْ وَتَخَيَّرَ بَيْن الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ فَإِذَا طَلَّقَ بَعْد تَنْجِيزِهَا الْإِبْرَاء وَعَدَمِ إتْيَانِهَا بِمَا يُشْعِرُ بِالْعِوَضِيَّةِ بِوَجْهٍ كَانَ طَلَاقُهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِهِ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك تَكُونِي طَالِقًا أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَعْلِيقٌ عَلَى صِفَةٍ فَأَشْبَهَ إنْ صَحَّ بَيْعُك فَأَنْتِ طَالِقٌ
وَبَحَثَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ بِمَا أَجَبْت عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فَوَقَعَ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا نَعَمْ إنْ فَهِمَتْ مِنْ كَلَامِهِ الْوَعْدَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ فَقَصَدَتْ جَعْلَ الْإِبْرَاء فِي مُقَابَلَتِهِ اُحْتُمِلَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وُقُوعُهُ بَائِنًا إنْ صَحَّ الْإِبْرَاء وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ وَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَاحْتُمِلَ وَهُوَ الْأَوْجَه عَدَمُ النَّظَرِ لِقَصْدِهَا هُنَا وَفَارَقَ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي.
الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ بَحْثَهُ السَّابِقَ بَانَ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي شَرْطٌ يَقْتَضِي الْتِزَامَ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ إنْ صَحَّتْ وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا لَفْظُهَا هُنَا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِيَّةٍ وَلَا الْتِزَامِ عِوَضٌ فَخَلَا عَنْ الْمُعَاوَضَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا وَعِنْدَ خُلُوِّ لَفْظِ الزَّوْجَةِ عَنْهَا كَذَلِكَ لَا تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ وَمُجَرَّدُ قَصْدِهَا الْعِوَضِيَّةُ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ لَفْظِهَا عَلَيْهَا لَا يُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا أَثَّرَتْ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِأَنَّ طَلَاقَهُ بَعْد الْإِبْرَاءِ مُحْتَمِلٌ لِتَرْتِيبِهِ عَلَيْهِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى شَرْطِهِ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَثَّرَ الْوُقُوعُ بَائِنًا كَمَا مَرَّ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَظَائِرِهَا يَصِحُّ الْإِبْرَاء إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَوْ كَانَتْ إنَّمَا أَبْرَأَتْ طَمَعًا فِي حُصُولِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلَ الْجَوَابِ إفْتَاءُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِيمَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَأَبْرَأَتْهُ جَاهِلَةً بِقَدْرِ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ظَانًّا صِحَّة الْبَرَاءِ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْفَعُهُ ظَنُّهُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ الظَّنُّ الْمَذْكُورُ نَافِعًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَأَنْتِ طَالِقٌ.
فَاَلَّذِي حَرَّرَتْهُ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي نَظِيرَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَتَمَامُ طَلَاقِك بَرَاءَتِي أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى الْبَرَاءَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْبَحِيّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ سَوَاءٌ أَنَوَى ذَلِكَ أَمْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الْأَصْبَحِيّ مَرَّةً كَصَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقَعُ حَالًا وَلِقَوْلِهِ آخِرًا إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الشَّرْطَ وَقَعَ حَالًا وَإِنْ نَوَى بِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ وَصَادَفَتْهُ الزَّوْجَةُ تَعَلَّقَ بِهَا وَلَمْ يَقَعْ إلَّا بِوُجُودِهَا عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ.
وَوَجَّهَ مَا ذَكَرْته أَنَّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ غَيْرُ التَّعْلِيقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّعْلِيقِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْبَرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَوْ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى تَنْجِيزَ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي صُورَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالْأَصْبَحِيّ فَلِيَجْرِ نَظِيرُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنهمَا فِي أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهَا صَحِيحَةً مَا لَمْ يَنْوِ التَّنْجِيزَ وَعَدَمَ تَعَلُّقِهِ بِهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ طَرَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَك عَلَى تَمَامِ بَرَاءَتِي وَقَصَدَتْ بِالتَّمَامِ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ فَجَوَابُهَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّرْحَ بِمَعْنَى الْإِبْرَاء وَاسْتِعْمَالِ تَمَامِ بَرَاءَتِهَا فِي بَيْنُونَتِهَا الْكُبْرَى مِنْهُ صَحِيحٌ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مُعَلَّقَةٌ لِلْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا أَوْ مِمَّا نَوَتْهُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَهُ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً لَمْ يَأْتِ بِمَا شَرَطَتْهُ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالثَّلَاثِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِبْرَاء لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالْوَاحِدَةُ الَّتِي أَوْقَعَهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً مَا لَمْ يَنْوِ جَعْلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ مَهْرِهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرْته اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْن هَذِهِ وَصُورَةِ الْإِرْشَادِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ.
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الَّذِي فِي صُورَةِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْأَلْفَ عِوَضٌ لِلثَّلَاثِ وَقَضِيَّةُ الْعِوَضِيَّةِ تَوْزِيعُ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ فَيَخُصُّ كُلَّ طَلْقَةٍ ثُلُثٌ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَقَعَ بِمَا يَخُصُّهَا بِحَسْبِ التَّوْزِيعِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَاَلَّذِي فِي صُورَتِنَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاء مِنْ الْمَهْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا نَوَيَاهُ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً لَمْ يَأْتِ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي التَّعْلِيقِ يَتَأَثَّرُ بِمَا لَا يَتَأَثَّرُ بِهِ الْوُقُوعُ فِي الْمُعَارَضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِنَحْوِ سَفِيهَةٍ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك أَوْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِق فَقَالَتْ أَبْرَأَتْك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَصْلًا لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبْرَاءُ الْمُنْصَرِفُ شَرْعًا وَعُرْفًا إلَى الْإِبْرَاءِ الصَّحِيحِ دُون الْفَاسِدِ لَمْ تُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لِنَحْوِ السَّفِيهَةِ خَالَعْتك عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ لَا تَعْلِيق هُنَا وَإِنَّمَا الصِّيغَةُ تَقْتَضِي