الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ مَالٍ خَوْفًا بِسَبَبِ حُصُولِ خَيْلِنَا وَرِكَابِنَا وَضَرْبِ مُعَسْكَرِنَا بِدَارِهِمْ كَانَ فَيْئًا لَا غَنِيمَةً مَعَ وُجُودِ الْإِيجَافِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ جِهَادٌ وَغَيْرُهُ فَلَوْ غَزَا نَحْوُ صِبْيَانٍ أَوْ عَبِيدٍ كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ كَامِلٌ وَإِلَّا كَانَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لَهُ وَرُضِخَ لَهُمْ وَمَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ أَوْ نَحْوِ سَرِقَةٍ اخْتَصُّوا بِهِ فَلَا يُخَمَّسُ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفُوزُونَ بِجَمِيعِهِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حِلِّ وَطْء السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ جَالِبَهُنَّ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمٌ حَتَّى يَكُونَ خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بَلْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ جَالِبَهَا ذِمِّيٌّ فَلَا تُخَمَّسُ عَلَيْهِ بَلْ يَمْلِكُهَا جَمِيعًا وَيَحِلُّ لَهُ وَلِمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَإِذَا اُحْتُمِلَ وَاحْتُمِلَ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَأَيْضًا فَجَلْبُ الْمُسْلِمِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ثُبُوتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ جَالِبِهَا مُسْلِمًا حُرْمَتُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَوْمٍ وَهَرَبَ وَمَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَخْذَ كَذَلِكَ لَا تَخْمِيسَ عَلَى فَاعِلِهِ هَذَا مَا تَلَخَّصَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الِاشْتِغَالِ وَشُغْلِ الْبَالِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ تَحْتَمِلُ مِنْ الْبَسْطِ أَزْيَدَ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ لَكِنْ لَعَلَّ فِيهِ وَفَاءً بِمَقْصُودِ السَّائِلِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِلَّا فَبَابُ تَجْدِيدِ السُّؤَالِ مَفْتُوحٌ وَإِنْ شَطَّ الْمَزَارُ وَبَعُدَتْ الدِّيَارُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَنَى بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ نَفْعٌ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَحْصِيلِهِ حَتَّى يُسَهِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُصُولَهُ أَوْ حُصُولَ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَسَبِ بَذْلِ هِمَّتِهِ وَصَفَاءِ طَوِيَّتِهِ وَكَمَالِ قَابِلِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ ذِمِّيٍّ خَلَّفَ وَرَثَةً لَا يَسْتَغْرِقُونَ تَرِكَتَهُ فَهَلْ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لِنَائِبِ بَيْتِ الْمَالِ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَافُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي كِتَابِهِ كَشْفُ الْغُمَّةِ فِي تَوْرِيثِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا نُقِلَ عَنْ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآن الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْمَوْسِمِ وَعَوَارِضِهِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْفَيْءِ مُصَرَّحٌ بِهِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ مَالَ الذِّمِّيِّ الْمَذْكُورِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى مُرَافَعَةٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ عَدُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِهَا فَإِطْلَاقُهُمْ عَدّه مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُرَافَعَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَهَا هُنَا لَا مَعْنَى لَهُ وَقَدْ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُجْرَى فِي إرْثِ الذِّمِّيِّ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَيْ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنهمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا وَالذِّمِّيُّ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا وَالتَّغَايُرُ بَيْنهمَا ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ]
(وَسُئِلَ) إذَا أَرَادَ الْفَرْعُ أَنْ يُعْطِيَ أَصْلَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ شَيْئًا مِنْ فِطْرَتِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِكَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا بِمَا لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ إطْلَاق اسْمُ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَقْتَ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ عِنْدَ لُزُومِ مُؤْنَتِهِ لَهُ لِأَنَّ فِي الْإِعْطَاءِ حِينَئِذٍ إسْقَاطُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا حَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ فَلَا مَحْذُورَ فِي إعْطَائِهِ مِنْ زَكَاتِهِ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ أَفْضَلَ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْقَسْمِ لِتَعَسُّرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي وَنَصْبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُمْ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَّا إلَى وَلِيِّ نَحْوِ الصَّبِيِّ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ لَا يُفْتَى بِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بَلْ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَّ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ شَخْصٍ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ اعْلَمْ
أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ قَدْ حُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَكَابِرِ الْأَئِمَّةِ كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالشَّيْخِ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْخَيْرِ وَالْفَقِيهِ الْأَحْنَفِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ عُسْرُ الْأَمْرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] اهـ. فَمَا نُقِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ صَحِيحٌ هَذَا النَّقْلُ فَمَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) مَا نُقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي التَّقْلِيدِ فِيهِ لِعُسْرِ الْأَمْرِ فِيهِ سِيَّمَا الْأَخِيرَتَانِ وَمَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا يُفْتَى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَام الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمَنْ اسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُرْشِدَهُ مُسْتَفْتِيه إلَى السُّهُولَةِ وَالتَّيَسُّرِ وَيُبَيِّنُ لَهُ وَجْهَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى تَحَمُّلِ تِلْكَ الْمَشَاقِّ وَرِعَايَةِ مَذْهَبِهِ فَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَعُسْرِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ إذْ يَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ أَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَام وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّلْفِيقُ مِثَالُ ذَلِكَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي مُرَاعَاةِ سَائِرِ مَا يَقُولُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْمَنِيِّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ مَذْهَبَهُ فِي الطَّهَارَةِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ كُلَّهَا فِي وُضُوئِهِ وَيُوَالِي فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَيَدْلُكُ أَعْضَاءَهُ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ مَذْهَبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِجَمِيعِ مَا يُوجِبُهُ فِيهَا وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَأَنْ مَسَّهُ كَلْبٌ فَلَمْ يُسَبِّعْ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَحْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وَإِنَّمَا لَفَّقَ بَيْن الْمَذْهَبَيْنِ فَكَانَتْ طَهَارَتُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَوُضُوءُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكُلٌّ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ مُشْتَرَطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ تَلْفِيقٌ فِي التَّقْلِيدِ كَانَ التَّقْلِيدُ بَاطِلًا وَكَذَا الْمَأْتِيُّ بِهِ مُلَفَّقًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ فَلْيُتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ كَثِيرِينَ يُقَلِّدُونَ الْأَئِمَّةَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَلَا يُرَاعُونَ ذَلِكَ فَيَقَعُونَ فِي وَرْطَةِ التَّلْفِيقِ فَتَبْطُلُ أَفْعَالُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَحَيْثُ اتَّفَقَ مَالِكٌ مَثَلًا وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلْمَذْهَبِ وَأَرَادَ الْإِنْسَان التَّقْلِيدَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَالْأَوْلَى تَقْلِيدُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَلَيْسَ مُجْتَهِدًا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَحِلُّ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِمَنْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ يَشْتَرِي بِهَا كُتُبًا وَكُلَّ مَا يُعِينهُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مَنْ اشْتَغَلَ عَنْ كَسْبِهِ الْحَلَالِ اللَّائِقِ بِهِ الَّذِي يَكْفِيه وَيَكْفِي مُمَوِّنَهُ بِتَعَلُّمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَةٍ لَهُ وَكَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَوْ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ دُونَ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ ثُمَّ مَا أَخَذَهُ يَصِيرُ مِلْكَهُ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي شِرَاءِ كُتُبِ عُلُومِ الشَّرْعِ وَآلَاتِهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلْت) عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ إلَخْ هَلْ الْمُرَادُ كِفَايَتُهُ سَنَةً أَوْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَكَمْ مِقْدَارُ الْكِفَايَةِ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الْمُرَادُ كِفَايَتُهُ الْعُمْرَ الْغَالِبَ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ كِفَايَةُ نَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ حَالَ إعْطَائِهِ الزَّكَاةَ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِهِ وَبِهِمْ عُرْفًا مَأْكَلًا وَمَشْرَبًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهَا مِنْ سَائِرِ وُجُوهِ الْكِفَايَاتِ نَعَمْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صِغَارٌ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانَاتٌ فَهَلْ نَعْتَبِرُهُمْ فِي الْعُمْرِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمْ وَبَقَاءُ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَطْفَالِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِلَى الْأَرِقَّاءِ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ الْغَالِبَةِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ يُومِئُ إلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ الثَّانِي أَقْوَى مُدْرَكًا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ.
(وَسُئِلْت) رَجُلٌ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَفْرَزَهَا وَنَوَى فَسَرَقَهَا أَوْ غَصَبَهَا مُسْتَحِقٌّ فَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ أَوْ لَا فَمَا فَائِدَةُ أَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا إلَيْهِ (فَأَجَبْت) لَا يَقَعُ الْمَسْرُوقُ وَلَا الْمَغْصُوبُ الْمَوْقِعَ وَلَوْ بَعْدَ النِّيَّةِ وَالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ بِهِمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ إذْ لَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مُسْتَحِقٌّ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ
الْمَالِكِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهِ إيَّاهُ فَيَلْزَمهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ بَدَلَهُ إلَيْهِ ثُمَّ الْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْن الدَّفْعِ لَهُ وَالدَّفْعِ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ أَخَذَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِمْ تِلْكَ الزَّكَاةَ ثُمَّ بَعْدَ الدَّفْعِ أَعْطَاهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا ثُمَّ إنَّهُمْ رَدُّوا بَاقِيَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا لِكَوْنِ الَّذِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ مُحْتَاجِينَ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ» وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَأْخُذْ بَعْضَ أَوْلَادِهِ أَوْ صَدِيقِهِ إلَّا لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ الزَّكَاةَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا لِبَعْضِ عِيَالِهِ مِلْكًا وَإِلَّا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ فَهَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا اهـ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَهَبُ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَيَسْتَوْهِبُ مَالَهَا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَحُكِيَ ذَلِكَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ ذَلِكَ مِنْ فِقْهِهِ وَصَدَقَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِقْهُ الدُّنْيَا وَلَكِنْ مُضِرٌّ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ جِنَايَةٍ وَمِثْلُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الضَّارُّ اهـ.
فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ عِنْدَنَا غَنِيٌّ عَنْ الزَّكَاةِ فَوَهَبَ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا فَهَلْ يَكُونُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ اهـ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ بِلَادِنَا يَشْتَرِطُونَ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّا مَا نُعْطِيك الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ تَصِيفَ مَعَنَا أَوْ يُعْطِيهِمْ دَرَاهِمَ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ دَرَاهِمَ لَمْ يُعْطُوهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَبَسْطُ الْجَوَابِ وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ أَخْبِرُونَا كَمْ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْيَالِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّا نُرِيد كَلَامًا فِي ذَلِكَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْبَيَانَ مِنْكُمْ.
(فَأَجَابَ) إنَّ مَنْ يُعْطِي زَكَاتَهُ لِمَنْ يَرُدُّ بَعْضَهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِعْطَاءِ فَالْإِعْطَاءُ بَاطِلٌ وَالزَّكَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا عَنْ شَيْءٍ بَلْ إنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّهَا أَدَاءً صَحِيحًا عُوقِبَ عَلَيْهَا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] الْآيَةَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75]{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76]{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 78] وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا زَكَاتَهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ» وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّدُّ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْآخِذِينَ كَانَ قَبُولُ الْمَالِكِ لَهُ مَكْرُوهًا كَرَاهَةً شَدِيدَةً.
لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ مِمَّنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَدْ شَبَّهَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ أَنَّ مَنْ احْتَالَ عَلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ وَمَتَى اطَّلَعْنَا عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَاقَبْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَزَّرْنَاهُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ وَأَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ مَكْرُوهَةٌ لَكِنْ خَالَفَ الشَّافِعِيُّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ كَالدَّارِمِيِّ وَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَالْمَسْعُودِيِّ فَشَذُّوا وَقَالُوا إنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَتَبِعَ هَؤُلَاءِ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ فَقَالَ إنَّهَا حَرَامٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ وَأَبْدَاهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَقَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّهُ مُسِيءٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا بَاطِنًا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْعِلْمُ قِسْمَانِ ضَارٌّ وَنَافِعٌ وَهَذَا مِنْ الْفِقْهِ الضَّارِّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ وَمِنْ الْحُكْمِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَسْقُطُ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالزَّكَاةِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّهِ سبحانه وتعالى وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْبَاقِينَ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَمَا فِي الْإِحْيَاءِ هُوَ الْمُتَّجِهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ مُسِيءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى عَقْلٍ وَمُرُوءَةٍ وَدِينٍ أَنْ يَرْتَكِبَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُبَّمَا قَصَدَ الْغَافِلُ الْمَغْرُورُ بِهَا تَوْفِيرَ مَالِهِ وَتَنْمِيَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَحْقِهِ وَزَوَالِهِ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَدَمِ الْبَرَكَةِ فِيهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا ذُرِّيَّتُهُ وَرُبَّمَا عُومِلَ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ بِمَا يُسِيئُهُ وَيُغِيظُهُ فَيُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ أَعْوَانَهُ حَتَّى يُنْفِقُونَهُ فِي الْمَحَارِمِ وَاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ جَرَّبَ أَحْوَالَ النَّاسِ سِيَّمَا أَبْنَاءُ التُّجَّارِ وَنَحْوُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَدُّوا مِنْهَا حَقَّ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَلَمْ يَجْرُوا فِيهَا عَلَى سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْغَنِيِّ إذَا احْتَالَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا حَتَّى يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُعَلَّقَةً بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ بِلَادِكُمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَهُ الزَّكَاةَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهَا إلَّا إلَّا أَضَافَ مَعَهُمْ أَوْ أَعْطَاهُمْ دَارَهُمْ فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا لِهَؤُلَاءِ الْفَاعِلِينَ لِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ خَلَاقٌ وَلَا مُرُوءَةٌ وَلَا دِينٌ وَكَيْفَ يَلِيقُ هَذَا مِمَّنْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَلَوْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَنْفَعُهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَيْهَا إنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُنَاسِبُهُ مِنْ تَجَرُّئِهِ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَعَلَى دِينِهِ عَافَانَا اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَيْهَا مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَوَادِ قُلُوبِهِمْ وَفَسَادِ أَعْمَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَحْرِيرًا جَيِّدًا لِلصَّاعِ بِالْعَدَسِ فَكُلُّ شَيْءٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ فَهُوَ صَاعٌ لِأَنَّ الْمَنْصُورَ عَايَرَ الصَّاعَ النَّبَوِيَّ بِالْعَدَسِ فَجَاءَ كَذَلِكَ وَتَفَاوُتُ أَنْوَاعِ الْعَدَسِ يَسِيرٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ صَاعٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْإِخْرَاجُ بِهِ فِي الْفِطْرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا مُبَالَاةَ بِتَفَاوُتِ الْحُبُوبِ فِي الْمِيزَانِ اهـ.
وَالرِّطْلُ الَّذِي وَزْنُهُ الْمُرَادُ بِهِ الْبَغْدَادِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقَالَ السُّبْكِيّ اعْتَبَرْت الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْته فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدْ حَانَ بِالصَّاعِ الْمِصْرِيِّ إلَّا سُبُعَيْ مُدٍّ اهـ وَالصَّاعُ الْمِصْرِيُّ مُقَارِبٌ لِلْكِيلَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَحَلُّ وَمَا ذَكَرْته لَكُمْ مُلَخَّصٌ شَيْءٌ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ جَمْعٍ أَنَّ الصَّاعَ قَدْ حَانَ بِالْمِصْرِيِّ لَكِنَّ مَا قَالُوهُ هُوَ الْأَحْوَطُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِكُمْ آمِينَ كَمْ حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَمَا دُونَهَا لَا يَحْرُمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ حَدُّ الْأُولَى بِمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ وَالثَّانِيَة بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْقَصْرِ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ مُنْقَطِعٍ عَنْ دَارِ الْإِقَامَةِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا وَهَذَا الْمَلْحَظُ فِي النَّقْلِ فَاسْتَوَيَا فِيمَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ كِفَايَةِ عِيَالِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ هَلْ الْمُرَادُ كِفَايَتُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ غَيْره فَمَا هُوَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ كِفَايَة يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَمَتَى فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ شَيْءٌ جَازَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ وَمَتَى لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كِفَايَتِهِ ذَلِكَ شَيْءٌ حَرُمَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ أَخْذُهَا إلَّا أَظْهَرَ الْفَاقَةَ أَوْ سَأَلَ فَلَوْ أَظْهَرَهَا لِخَوْفِ
الظَّلَمَةِ عَلَى مَالِهِ فَهَلْ لَهُ قَبُولُ مَا يُعْطَى مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَهَلْ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ كَالسُّؤَالِ وَإِذَا سَأَلَ التَّافِهَ كَسُؤَالِ قَلَمٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ هَلْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَنِيّ بِكِفَايَةِ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَإِذَا كَانَ يَتَيَسَّرُ الْإِعْطَاءُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَهَلْ لَهُ السُّؤَالُ فِي وَقْتِ تَيَسُّرِهِ لِمَا يَحْتَاجُهُ مُسْتَقْبَلًا وَهَلْ سُؤَالُ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَغَيْرِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لَهُ إذَا خَافَ الظَّلَمَةَ عَلَى مَالِهِ أَنْ يُظْهِرَ الْفَاقَةَ وَأَنْ يَسْأَلَ لَكِنْ مَا يُعْطَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ وَلَيْسَ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ كَالسُّؤَالِ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْغَنِيَّ وَغَيْرَهُ يَسْأَلَانِهَا فَلَيْسَ فِي طَلَبِهَا إذْلَالٌ لِلنَّفْسِ وَلَا تَغْرِيرٌ لِلْغَيْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ السُّؤَالِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنْ سَأَلَ تَافِهًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن الْمَسْئُولِ مُبَاسَطَةُ الْأَصْدِقَاءِ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْعِلْمِ بِمُسَامَحَتِهِمْ لِمَا سَأَلَ فِيهِ أَصْدِقَاؤُهُمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ أَمَّا مَنْ بَيْنه وَبَيْن الْمَسْئُولِ تِلْكَ الْمُبَاسَطَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَيَاءٍ قَطْعًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ حِينَئِذٍ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَنِيّ إلَخْ جَوَابُهُ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ ضَبْطُ الْغَنِيِّ هُنَا بِمَنْ مَعَهُ كِفَايَةَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْإِحْيَاءِ ضَبْطَهُ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فَقَالَ بِأَنْ يَجِدَ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَمَنْ فِي كَفَالَتِهِ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَسِتْرَهُمْ عَنْ النَّاسِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَيَسِّرًا عِنْدَ نَفَاذِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَنَةٍ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي جَوَازُ طَلَبِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى وَقْتٍ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ تَيَسُّر السُّؤَالِ وَالِاسْتِغْنَاء بِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ وَالدَّفْعُ لِمُظْهِرِ الْفَاقَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ اهـ وَقِيلَ يَحِلُّ السُّؤَالُ لِلْغَنِيِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَشَرْطُ حِلِّهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَأَنْ لَا يُلِحَّ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ الْمَسْئُولَ وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِحُرْمَتِهِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ احْتَاجَ وَقَالَ الْإِمَامُ هُوَ مَعَ الْإِيذَاءِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَمَعَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَالتَّعَفُّفُ عَنْهُ أَوْلَى وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ وَوَاجِبٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْأَخْذَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ بَاعِثَهُ الْحَيَاءُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَاضِرٍ وَلَوْلَاهُ مَا أُعْطِيَ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ لَهُ بِبَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ شَيْئًا مِنْهُ لِأَنَّ نَاظِرَ بَيْتِ الْمَالِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ لِتَعَسُّرِ أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي فِي نَصِيبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُمْ وَلَوْ رُوجِعَ لَقَسَمَهَا الْمَالِكُ قَبْلَ عَوْدِ جَوَابِهِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ وُجُودُ الْمَنْصُوبِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْجَرِينِ عِنْدَ قِسْمَةِ كُلِّ مَالِكٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى صَغِيرٍ وَلَا إلَى سَفِيهٍ وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِوَلِيِّهِ فَإِنْ فُرِضَ تَعَذُّرُ وَلِيٍّ يَقْبِضُ لَهُ أَوْ قَاضٍ يَنْصِبُ لَهُ وَلِيًّا لِذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا نَادِرًا فَلَا يَقُولُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَاخْتِيَارُ بَعْضِهِمْ جَوَاز الدَّفْعِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ شَاذٌّ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَائِلُهُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مُجْتَهِدًا فَيَتَعَيَّنُ إلْغَاؤُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ رَأْسًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا ذَكَرُوهُ فِي حَدِّ الْمِسْكِينِ مِنْ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيه هَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْكِفَايَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ كُلَّ السَّنَةِ أَوْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَمَا حَدّه وَمَا حَدُّ الْغَنِيِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ عُمْرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ كَاسِبًا وَعِنْدَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مَثَلًا وَمُؤْنَتُهُ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفٌ مَثَلًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ فَمَا الْحَدُّ الَّذِي يَجُوزُ أَخْذُهُ وَكَمْ يُعْطِي الدَّافِعُ لَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ تَحَقَّقَ بِالْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يُحْسِنُ حِرْفَةً أَوْ تِجَارَةً أَوْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَأَمَّا مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى ثَمَنَ آلَاتِ حِرْفَتِهِ الَّتِي يَقُومُ دَخْلُهَا بِخَرْجِهِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِنْ لَمْ يَفِ دَخْلُهَا بِخَرْجِهِ كَمَّلْنَا لَهُ الزَّائِد بِأَنْ نَضُمَّ إلَى ثَمَنِ تِلْكَ الْآلَاتِ شِرَاءَ مَحَلٍّ
نُعْطِيه لَهُ يَقُومُ دَخْلُهُ مَعَ دَخْلِ الْحِرْفَةِ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوَّنِهِ بِحَسَبِ اللَّائِق بِهِ وَبِهِمْ عَلَى الدَّوَامِ أَيْضًا وَأَمَّا مَنْ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يُعْطَى رَأْسَ مَالٍ يَكْفِيه رِبْحُهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ هُوَ وَمُمَوَّنُهُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ وَذِكْرُهُمْ إعْطَاءِ الْبَقَّالِ وَالْجَوْهَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةً ذَكَرُوهَا وَحَدَّدُوهَا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُنَاسِبًا لِعُرْفِ زَمَنِهِمْ كَمَا أَشَارُوا إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ عَقِبَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ تَقْرِيبًا وَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَالٌ وَهُوَ لَا يَكْفِيه الْعُمْرَ الْغَالِبَ بِأَنْ يَكُونَ لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ الَّذِي يَعِيشُ إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهُوَ مَا بَيْن السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَكْفِيه بَلْ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَا يُحْسِنُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِرْفَةً وَلَا تِجَارَةً فَإِنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ أَرْضٌ أَوْ عَقَارٌ يَكْفِيه كَمَا مَرَّ غَلَّتهَا عَلَى الدَّوَامِ فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ يُضَمُّ إلَى الْعَشَرَةِ الْآلَافِ الَّتِي مَعَهُ قَدْرٌ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَرَى بِهِمَا مَحَلٌّ كَفَاهُ دَخْلُهُ عَلَى الدَّوَامِ.
وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يَفِي رِبْحُهَا بِخَرْجِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ تِجَارَةً أَوْ لَا يَشْتَرِي بِهَا مَا يَكْفِيه غَلَّته إنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يُضَمُّ إلَيْهَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته أَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا تَكْفِيه غَلَّته أَوْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهَا بِمَا يَفِي رِبْحُهُ بِخَرْجِهِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ الْآنَ غَنِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَعْتَبِرُ إنْفَاقَ عَيْنِ الْمَالِ الَّذِي بِالْيَدِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا يُحْسِنُ فِيهِ تِجَارَةً وَلَا كَسْبًا وَلَوْ أَنْفَقَهُ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ لَمْ يَكْفِهِ الْكِفَايَةَ السَّابِقَةَ فَهَذَا مِسْكِينٌ فَيُعْطَى شَيْئًا يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ وَيُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ فَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ وَلَا يَكْفِيه دَخْلُهَا فَإِنَّهُ يُكَمَّلُ لَهُ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ مَا يَضُمُّ رِبْحهُ إلَى رِبْحِ حِرْفَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِحَيْثُ يَكْفِيه هَذَا حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الِاعْتِنَاءُ بِفَهْمِهِ وَتَحْرِيرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ فِيهَا اخْتِلَافُ أَنْظَارِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَتَغْلِيظُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي بَعْضِ تَفَاصِيلِهَا.
وَمِنْ ثَمَّ شَنَّعَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَقَالَ إنَّ الْمُلُوكَ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَمَا دَرَى أَنَّهُ هُوَ الْأَحَقُّ بِالتَّشْنِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ مَا قَرَّرْنَاهُ لَعَلِمَ أَنَّ الْمُلُوكَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهِمَا مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِمْ وَكُلُّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ وَكَذَلِكَ يَنْدَفِعُ بِمَا تَقَرَّرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ إعْطَاءَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِرْمَانُ أَكْثَرِ الْمُسْتَحَقِّينَ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِي مُسْتَحَقِّيهَا الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يُعْطَى حَيْثُ اتَّسَعَ الْمَالُ نَقْدًا وَإِنَّمَا يُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَإِنْ قَلَّ الْمَالُ أُعْطِيَ كُلَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُشَارِكُ الْقَادِمُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَهُ وَهَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ ومَنْ يَكْتَسِبُ بَعْضَ السَّنَةِ فَقَطْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ شَارَكَهُمْ الْقَادِمُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لَمْ يُشَارِكْهُمْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَرَأَ غِنَاهُمْ بَعْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ أُعْطِيَ نَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَلَوْ غَنِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِطَرِيقِ التَّلَقِّي عَنْ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ لِوُجُودِ وَصْفِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ السُّبْكِيّ الِاعْتِيَاضَ عَنْهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا بِدُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِهَا بَلَغَتْ مَحَلَّهَا وَمَلَكهَا مُسْتَحَقُّهَا فَاعْتِيَاضُهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ مَمْلُوكٍ لَا عَنْ زَكَاةٍ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَكِّي لَوْ كَانَ وَارِثَ الْكُلِّ أَوْ بَعْضِهِمْ سَقَطَ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَدْرَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُزَكِّي لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِتَقْدِيرِ قَبْضٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَابِضٌ مُقْبِضٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ شَرْعًا وَمَنْ غَابَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكَّلِ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَوْ وَقَعَ الدَّفْعُ مَعَ غَيْبَتِهِ كَانَ فِيهِ نَقْلُ الزَّكَاةِ فَإِنْ