الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّشْبِيهَ بِالْكُفَّارِ لَا مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا قَطْعًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ فِي شِعَارِ الْكُفْرِ كَفَرَ قَطْعًا، أَوْ فِي شِعَارِ الْعَبْدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكُفْرِ لَمْ يَكْفُرْ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّشْبِيهَ بِهِمْ أَصْلًا وَرَأْسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ أَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ وَمِنْ أَقْبَحِ الْبِدَعِ مُوَافَقَةُ الْمُسْلِمِينَ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ بِالتَّشَبُّهِ بِأَكْلِهِمْ وَالْهَدِيَّةِ لَهُمْ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِمْ فِيهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ الْمِصْرِيُّونَ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» بَلْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَ نَصْرَانِيًّا شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِ لَا لَحْمًا وَلَا أُدْمًا وَلَا ثَوْبًا وَلَا يُعَارُونَ شَيْئًا وَلَوْ دَابَّةً إذْ هُوَ مُعَاوَنَةٌ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهَا اهْتِمَامُهُمْ فِي النَّيْرُوزِ بِأَكْلِ الْهَرِيسَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ فِي خَمِيسِ الْعِيدَيْنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ زَاعِمِينَ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْكَسَلَ وَالْمَرَضَ وَصَبْغِ الْبَيْضِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَبَيْعِهِ وَالْأَدْوِيَةُ فِي السَّبْتِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ سَبْتَ النُّورِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبْتُ الظَّلَّامِ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ الشَّبَثَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ لِلْبَرَكَةِ وَيَجْمَعُونَ وَرَقَ الشَّجَرِ وَيَلْقُونَهَا لَيْلَةَ السَّبْتِ بِمَاءٍ يَغْتَسِلُونَ بِهِ فِيهِ لِزَوَالِ السِّحْرِ وَيَكْتَحِلُونَ فِيهِ لِزِيَادَةِ نُورِ أَعْيُنِهِمْ وَيَدَّهِنُونَ فِيهِ بِالْكِبْرِيتِ وَالزَّيْتِ وَيَجْلِسُونَ عَرَايَا فِي الشَّمْسِ لِدَفْعِ الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَيَطْبُخُونَ طَعَامَ اللَّبَنِ وَيَأْكُلُونَهُ فِي الْحَمَّامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا وَيَجِبُ مَنْعُهُمْ مِنْ التَّظَاهُرِ بِأَعْيَادِهِمْ اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى بِوَصَايَا لِوُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ وَعَيَّنَ وَرَثَتَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَوُفُورِ رَأْيِهِ ثُمَّ إنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَلَامٌ يُوجِبُ إمَّا الِارْتِدَادُ مَثَلًا أَوْ الِاخْتِلَاطُ وَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ أَنْتَ النَّبِيُّ، أَوْ أَنْتَ اللَّهُ فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِلَاطًا مِنْهُ فَتُلْغَى بِهِ الْوَصِيَّةُ أَمْ يُجْعَلُ ارْتِدَادًا أَمْ يُحْسَنُ الظَّنُّ بِهِ وَيُؤَوَّلُ كَلَامُهُ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا رحمهم الله تبارك وتعالى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِمُحْتَمِلٍ لِلْكُفْرِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يُسْتَفْسَرَ وَإِنَّ لِلشَّاهِدِ اعْتِمَادَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْقَوِيَّةُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِفْهَامٍ أَيْ أَأَنْتَ كَذَا حَتَّى يُؤْخَذَ بِقَوْلِك مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلَا تَلَعْثُمٍ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ وَلَا بِاخْتِلَاطٍ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ تَدُلّ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ظَهَرَ لِلشَّاهِدَيْنِ مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِاخْتِلَاطِهِ فَلَا رِدَّةَ وَلَا وَصِيَّةَ إنْ قَارَنَهَا الِاخْتِلَاطُ أَيْضًا، أَوْ بِعَقْلِهِ حُكِمَ بِرِدَّتِهِ وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى ارْتِدَادِهِ إلَى مَوْتِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الصِّيَالِ]
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَمَّا إذَا نَطَحَتْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً أُخْرَى فَهَلَكَتْ مَثَلًا أَوْ تَلِفَ مِنْهَا عُضْوٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا نَطَحَتْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ النَّاطِحَةُ مَعَ مَالِكِهَا، أَوْ نَحْوِ مُسْتَأْجِرِهَا، أَوْ مُسْتَعِيرِهَا ضَمِنَ فِعْلَهَا مُطْلَقًا لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا رَاكِبًا كَانَ، أَوْ سَائِقًا، أَوْ قَائِدًا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعَ غَاصِبٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ ضَمِنَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا إنْ تَعَوَّدُوا الْإِرْسَالَ فِيهِ فَقَطْ فَإِنْ تُعَوَّدُوهُ فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا، أَوْ لَمْ يَتَعَوَّدُوهُ فِيهِمَا ضَمِنَ مُطْلَقًا وَإِنْ تَعَوَّدُوهُ لَيْلًا فَقَطْ لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ وَضَمِنَ فِي النَّهَارِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَمَّا إذَا أَمَرَا بِنْتَيْهِمَا الصَّغِيرَتَيْنِ بِرَعْيِ بَقَرَتَيْنِ لَهُمَا فَنَطَحَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا فَمَنْ يَضْمَنُهَا وَعَنْ الْعِمْرَانِيِّ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاعْتِيَادِ النَّاطِحَةِ لِلنَّطْحِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ بِهِ قَالَ فَفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِهِ بَلْ شَرَطَ ابْنُ عُجَيْلٍ لِضَمَانِ مَالِكِ النَّاطِحَةِ اعْتِيَادَهَا النَّطْحَ وَعَلِمَ مَالِكُهَا بِهِ مِنْهَا وَعَدَمُ حِفْظِهِ لَهَا وَعَنْ الْعِمْرَانِيِّ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ دَفَعَهَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ يَضْمَنُ وَإِنْ غَلَبَتْهُ لِكَوْنِهَا تَحْتَ يَدِهِ وَهَلْ الضَّمَانُ حَيْثُ وَجَبَ فِي مَالِ الْمَالِكِ، أَوْ الرَّاعِي سَوَاءٌ الْمَالِ وَالْآدَمِيِّ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ
وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا فِيمَا إذَا أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ أَجْنَبِيٌّ وَتَلِفَ بِسَبَبِ رُكُوبِهِمَا شَيْءٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُرْكِبُ الْوَلِيَّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَتِهِمَا مَعَ ضَبْطِهِمَا لِلْمَرْكُوبِ فَكَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا يُقَالُ هُنَا إذَا أَمْكَنَ الْوَلِيَّانِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرَّعْيِ الَّذِي لَهُمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِكَوْنِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِمِلْكِهِمَا نَفْسَهُمَا وَهُمَا مِمَّنْ يُضْبَطُ لِمِثْلِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا ضَمِنَتْ رَاعِيَةُ النَّاطِحَةِ الْمَنْطُوحَةَ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ رَدِّهَا.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهَا وَعَجَزَتْ عَنْ رَدِّهَا فَأَتْلَفَتْ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ تَضْمَنْهُ الرَّاعِيَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهَا وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ انْفَلَتَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكِبَتْ رَأْسَهَا وَعَجَزَ عَنْ ضَبْطِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُتْلِفَهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ فَهُوَ الْمُقَصِّرُ بِرُكُوبِ مَا لَا يَضْبُطُهُ وَكَأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ اعْتِيَادَ النَّطْحِ أَخَذَهُ مِمَّا قَالُوهُ فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْ الْإِتْلَافَ وَجَبَ ضَبْطُهُمَا وَضَمِنَ مُتْلَفَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَعْتَدِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا وَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ كَذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ بَيْنَ الْمُتَعَوِّدَةِ لِلنَّطْحِ وَغَيْرِهَا وَحَيْثُ وَجَبَ ضَمَانٌ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْهِرِّ فَمَا حَاصِلُهَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الْحَاصِلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ وَإِنْ أَفْسَدَ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ بَلْ يَجِبُ عَلَى دَافِعِهِ أَنْ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ وَالتَّدْرِيجَ فِي الدَّفْعِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ كَمَا يُرَاعِيهِ دَافِعُ الصَّائِلِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رحمه الله تبارك وتعالى يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً إذَا عُرِفَ بِالْإِفْسَادِ قِيَاسًا عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ نَعَمْ يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَهَرَبَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ فَلَهُ رَمْيُهُ بِنَحْوِ سَهْمٍ لِيَعُوقَهُ عَنْ الْهَرَبِ.
وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْثَى حَامِلًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ رَمْيُهَا مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَمْلِهَا إذْ هُوَ مُحْتَرَمٌ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَلَا يُهْدَرُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْبَغَوِيِّ لِذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى تَتَرُّسِ الْمُشْتَرَكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ ضَرُورَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَسَادٌ عَامٌّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ فَسَادَهُ خَاصٌّ وَالْأُمُورُ الْعَامَّةُ يُغْتَفَرُ لِأَجَلِهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ لِأَجْلِ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْبِيَةُ الْهِرِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَيَصِحُّ بَيْعُ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْهِرِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَيَجُوزُ أَكْلُ الْهِرِّ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَيُسْتَحَبُّ إكْرَامُهُ وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ إطْعَامُهُ إنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِخَشَاشِ الْأَرْضِ وَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ فَإِنْ أَكَلَ نَجَاسَةً فَفِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ
وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَعَلَيْهِ لَوْ غَابَ وَاحْتَمَلَ طُهْرُ فَمِهِ بِشُرْبِهِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ، أَوْ قَلِيلٍ جَازَ، أَوْ مُكَدَّرٍ بِتُرَابٍ إنْ أَكَلَ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً لَمْ يَنْجُسْ مَا وَلَغَ فِيهِ لَكِنَّ فَمَهُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا وَلَغَ فِيهِ لِمَا قَرَّرْتُهُ فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَلَوْ صَادَ نَحْوَ حَمَامَةٍ وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ رُوحِهِ إذْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَوْ صَادَ هِرٌّ مَمْلُوكٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَا صَادَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَقَبْلَهُ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ قَنِّهِ إذَا احْتَطَبَ، أَوْ احْتَشَّ، أَوْ صَادَ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ فَمَلَكَ مَا صَادَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يُطْعِمَ الْهِرَّ إلَّا أَنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ، أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ أَوْ كَانَ الْهِرُّ مُضْطَرًّا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيرُهُ لَوْ أَكَلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ وَلَوْ وَجَدَ نَحْوَ لَحْمَةٍ مَعَ هِرٍّ لَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَالِكَهَا تَبَرَّعَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاعْتِيدَ أَنَّ مِثْلَهَا يُرْمَى لَهُ وَإِلَّا كَدَجَاجَةٍ وَرَغِيفِ سُنَّ أَخَذَهُ مِنْهُ وَيَكُونُ لُقْطَةً فَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْكَلْبِ وَكُلُّ مَا يُطْعِمُهُ الْإِنْسَانُ لِهِرٍّ أَوْ حَيَوَانٍ آخَرَ يُثَابُ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ.
وَفَسَّرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله تبارك وتعالى الْمَحْرُومَ فِي الْآيَةِ بِالْكَلْبِ وَيَجُوزُ حَبْسُ الْهِرِّ وَإِطْعَامُهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِي الْحَبْسِ مِنْ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الطَّائِرُ وَفِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ إنَّ الْقَفَصَ لِلطَّائِرِ كَالْإِصْطَبْلِ لِلدَّابَّةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ حَبْسِهِمَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ