المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب خيار النكاح] - الفتاوى الفقهية الكبرى - جـ ٤

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ]

- ‌[بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ]

- ‌[بَابُ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ]

- ‌[بَابُ خِيَارِ النِّكَاحِ]

- ‌[بَابٌ فِي الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[بَابُ الظِّهَارِ]

- ‌[بَابُ الْعِدَدِ]

- ‌[بَابُ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِرَاحِ]

- ‌[بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ]

- ‌[بَابُ الْبُغَاةِ]

- ‌[بَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْمُخَدَّرَات]

- ‌[بَابُ التَّعَازِيرِ وَضَمَانِ الْوُلَاةِ]

- ‌[بَابُ الرِّدَّةِ]

- ‌[بَابُ الصِّيَالِ]

- ‌[بَابُ الزِّنَا]

- ‌[بَابُ السَّرِقَةِ]

- ‌[بَابُ السِّيَرِ]

- ‌[بَابُ الْهُدْنَةِ]

- ‌[بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

- ‌[بَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الْعَقِيقَةِ]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ]

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ النَّذْرِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ إلْحَاقِ الْقَائِف]

- ‌[بَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[بَاب الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[بَابُ التَّدْبِيرِ]

- ‌[بَابُ الْكِتَابَةِ]

- ‌[بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ]

الفصل: ‌[باب خيار النكاح]

الْإِعْلَامِ بِبَذْلِ طَاعَتِهَا إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَامَتْ فِيهِ أَوْ لَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَعَجِيبٌ مِنْ تَوَقُّفِ السَّائِلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَرَدُّدِهِ فِي الْفَسْخِ مَعَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ السَّفَر لِحَاجَتِهِ فَقَطْ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا أَوْ حَدَثَ فِيهِ شُرُوطُ الْفَسْخِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ دُون الْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ الْكَثِيرَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ جَازَ لَهَا الْفَسْخُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا ثُمَّ أَبَقَ الْعَبْدُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَكَانٌ فَبَاعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ رَجُلٍ فَأَرَادَ السَّيِّدُ الثَّانِي قُرْبَانَهَا كَيْفَ الطَّرِيقُ الْمُسَوِّغُ لِذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَهَا سَيِّدُهَا كِتَابَةً صَحِيحَةً ثُمَّ يَنْذُرُ مَالِكُ الْعَبْدِ لَهَا بِهِ فَتَقْبَلُ فَتَمْلِكُهُ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ ثُمَّ يَتَفَاسَخَانِ السَّيِّدُ وَهِيَ الْكِتَابَة وَيَسْتَبْرِئُهَا بِالْأَكْثَرِ مِنْ حَيْضَتَيْنِ عِدَّةَ الْحَيَاةِ وَمِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْمَوْتِ لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي مَوَاضِعَ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ مَجْمُوعِ الْحِيلَةِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَره.

[بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ]

(سُئِلَ) عَمَّا إذَا أَسْلَمَ السَّفِيهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ كَمَا يُصَرِّح بِهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا اخْتَارَ وَإِلَّا وَقَفَ إلَى كَمَالِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّفِيهَ يَخْتَارُ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الِاخْتِيَارُ مَعَ الْإِحْرَامِ مِنْهُ أَوْ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ فَكَانَ كَالرَّجْعَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الرَّجْعَةِ أَنَّ لِلسَّفِيهِ أَنْ يَرْتَجِعَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ تَغْلِيبًا لِشَبَهِهَا بِالِاسْتِدَامَةِ فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِثْلَهَا فِي ذَلِكَ بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ مِثْلُهَا وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ أَنَّ لِلْعَبْدِ هُنَا الِاخْتِيَارَ وَلَمْ يُقَيِّدُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّفِيهَ مِثْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَرْتَجِعَ بِلَا إذْن فَقِيَاسُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاخْتِيَارَ كَالرَّجْعَةِ.

فَإِنْ قُلْت تَجْوِيزُهُمْ رَجْعَةَ الْأَمَةِ مَعَ فَقْدِ شُرُوطِ حِلِّ ابْتِدَاءِ نِكَاحِهَا وَمَنْعِهِمْ اخْتِيَارِهَا حِينَئِذٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الرَّجْعَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاخْتِيَارِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ الرَّجْعَةِ لِلسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ بِلَا إذْنٍ تَجْوِيزُ الِاخْتِيَارِ لَهُمَا بِلَا إذْنٍ قُلْت افْتِرَاقُهُمَا فِي هَذَا لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنهمَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ التَّسْوِيَةُ فِي الْأَكْثَرِ وَالْفَرْقُ فِي الْأَقَلِّ كَانَ الْإِلْحَاق بِالْأَوَّلِ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنهمَا بِأَنَّ الْكُفْرَ انْضَمَّ إلَى الرِّقِّ هُنَا لِأَثِمٍ فَكَانَ هُنَا مَانِعَانِ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ فَاشْتَرَطُوا وُجُودَ الْحِلِّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامَيْنِ وَثَمَّ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَانِعٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاخْتِيَارُ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ الَّذِي لَيْسَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَظِيرُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[بَابُ خِيَارِ النِّكَاحِ]

(وَسُئِلَ) مَا حُكْمُ تَمْرِيضِ الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ وَاَلَّذِي فِيهِ طَاعُونٌ وَاَلَّذِي فِيهِ عِلَّةٌ وَقَالَ أَهْلُ الطِّبّ إنَّهَا تُعْدِي؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ وَرَدَ فِي الْعَدْوَى وَعَدَمِهَا أَحَادِيثُ ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلَى الْمَجْذُومِينَ» وَحَدِيثُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي إفْرَادِهِ «أَنَّهُ كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاك» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ» .

فَهَذِهِ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْعَدْوَى وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ بَلْ الصَّرِيحَةِ فِي نَفْيِ الْعَدْوَى «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ فَقَالَ كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يُورِدَنِّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم -

ص: 109

«لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ» وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُومِ وَبِعَدَمِ إدَامَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَبِرُجُوعِهِ وَمُبَايَعَتِهِ مِنْ بَعِيدٍ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ وَخَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ بِالْمُخَالَطَةِ وَغَيْرِهَا الْجُذَامُ فَيَسْبِقُ إلَى قَلْبِ بَعْضِهِمْ أَنَّ نَحْوَ الْجُذَامِ يُعْدِي بِطَبْعِهِ.

وَهُوَ اعْتِقَادُ بَعْضِ الْكُفَّارِ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَهُوَ انْتِفَاءُ الْعَدْوَى أَصْلًا فَقَدْ نَفَاهَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَثْبَتَهَا فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلُ وَبِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى الْحَدِيث وَبِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا وَلِهَذَا أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَجَمَعَ بَيْنَهَا أَيْضًا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَاطَبَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَبَعْضُ النَّاسِ يَكُونُ قَوِيَّ الْإِيمَانِ فَخَاطَبَهُ بِطَرِيقِ التَّوَكُّلِ وَبَعْضُهُمْ لَا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ فَخَاطَبَهُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذِ بِالتَّحَفُّظِ وَقَدْ فَعَلَ صلى الله عليه وسلم الْحَالَتَيْنِ مَعًا فَاجْتَنَبَ الْمَجْذُومَ تَارَةً رِعَايَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَشَرِيَّةِ وَخَالَطَهُ تَارَةً أُخْرَى لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ الْإِلَهِيَّة وَأَيْضًا فَلِيَتَأَسَّى بِهِ كُلٌّ مِنْ سَالِكِي الْمَقَامَيْنِ.

وَيَكُونُ لِكُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ بِحَسْبِ حَالِهِمْ وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَمْرَاضَ الْمُعْدِيَةَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ إضَافَة شَيْءٍ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى فَأُبْطِلَ صلى الله عليه وسلم اعْتِقَادُهُمْ بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَرْشَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إلَى مُجَانَبَة مَا قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ عَادَةُ الضَّرَرِ بِقَضَاءِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَقَدَرِهِ.

وَأَجَابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّ الْقُرْب مِنْ الْمَجْذُومِ وَصَاحِبِ السُّلِّ قَدْ يُؤَدِّي إلَى السَّقَمِ لَكِنْ بِالرَّائِحَةِ لَا بِالْعَدْوَى وَرَدَّ بِأَنَّ الرَّائِحَةَ مِنْ أَحَدِ أَسْبَابِ الْعَدْوَى وَأَجَابَ الطَّبَرَانِيُّ بِأَنَّ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم بِتَجَنُّبِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَمَخَافَةِ مَا يَقَعُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْعَدْوَى ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ خَالَطَ وَقَالَ لَا عَدْوَى لِيُبَيِّنَّ أَنَّ أَمَرَهُ بِالْفِرَارِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَمْرُ بِالْفِرَارِ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ إذَا لَمْ تَصْبِرْ عَلَى أَذَاهُ وَكَرِهْت مُخَالَطَتَهُ فَيُبَاحُ لَك أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «كُلْ مَعَ الْمَجْذُومِ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» وَقِيدُ بِكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى قَدْرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الْجَذْمَى فَخَمَّرَ أَيْ غَطَّى أَنْفَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قُلْت لَا عَدْوَى قَالَ بَلَى وَلَكِنْ أَقَذَرُهُمْ» قَالَ وَكِيعٌ أَحَدُ رُوَاتِهِ هَذَا رُخْصَةٌ

وَأَجَابَتْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَغَيْرُهَا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِرَارِ وَنَحْوِهِ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ لَا عَدْوَى وَنَحْوِهِ وَبِمُوَاكَلَتِهِ لِلْمَجْذُومِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كَانَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَبِحَدِيثِ «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ الْأَوَّلِ فَرَاجَعُوهُ فِيهِ وَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَاك تُحَدِّثُهُ فَأَبَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ الرَّاوِي عَنْهُ فَلَا أَدْرِي أَنْسِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نُسِخَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ بِالْآخَرِ أَيْ الْعَدْوَى بَاقِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْفِرَارِ مَنْسُوخٌ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا أَرْبَعَةً الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُفَّارِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي بِأَمْرٍ خَلَقَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى وَأَوْدَعَهُ فِيهِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَصْلًا إلَّا إنْ وَقَعَ لِصَاحِبِ مُعْجِزَةٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَيَتَخَلَّفُ وَهَذَا مَذْهَبٌ إسْلَامِيٌّ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي لَكِنْ لَا بِطَبْعِهِ بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى فِيهِ عَادَةً وَقَدْ تَتَخَلَّفُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نُدُورٍ فِي الْعَادَةِ الرَّابِعُ أَنَّ الْمَرَضَ لَا يُعْدِي أَصْلًا لَا طَبْعًا وَلَا عَادَةً بَلْ مَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ سبحانه وتعالى ذَلِكَ فِيهِ ابْتِدَاءً.

وَلِهَذَا نَرَى الْكَثِيرَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ الْمَرَضُ الَّذِي يُقَالُ أَنَّهُ يُعْدِي يُخَالِطُهُ الصَّحِيحُ كَثِيرًا وَلَا يُعْدِيه وَلَا يُصِيبُهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مَشْهُورًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا» وَقَوْلُهُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مَعْنَى لَا عَدْوَى أَنَّهُ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا بِطَبْعِهِ حَتَّى يَكُونَ الضَّرَرُ مِنْ قِبَلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عز وجل وَفِعْلِهِ وَإِرَادَتِهِ قِيلَ وَلَا عَدْوَى نُهِيَ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَوْ يُعْتَقَدَ وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ أَيْ لَا يَقَعُ وَمَعْنَى الطِّيَرَةِ التَّشَاؤُمُ مِنْ التَّطَيُّرِ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ يَتَطَيَّرُ طِيَرَةً مَأْخُوذٌ مِنْ اسْمِ الطَّيْرِ.

وَقَدْ كَانَتْ

ص: 110