الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ
قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ وَضْعِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ: وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ مُتَضَمِّنًا لِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ وُجُوبِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسْقَطُ وَهُوَ الْوَضْعُ فَلِاعْتِضَادِ قَوْلِهَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لَهُ احْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْتَجْ هِيَ إلَيْهَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا أَصْلَ فِيهَا مَعَهَا بَلْ الْأَصْلُ وَهُوَ عَدَمُ أُبُوَّتِهِ مَعَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ هُوَ إلَى بَيِّنَةٍ لَدَعْوَاهُ وِلَادَتِهَا لِدُونِ الْإِمْكَانِ لِمُوَافَقَتِهَا أَصْلِ الْعَدَمِ وَاحْتَاجَتْ هِيَ إلَى بَيِّنَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِلْإِمْكَانِ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْغَزِّيُّ لَوْ قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبِلْنَا قَوْلهَا فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَلُوقُ بِهِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ لَحِقَ الزَّوْج إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ الثَّانِي فَلَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا النِّكَاحُ فَلَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْله بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ اهـ.
فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْله هُنَا إلَّا بِبَيِّنَتِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُلْت لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا فِرَاشَهُ وَتَحَقَّقْنَا الْإِمْكَانَ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زَوْجِ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ: نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُعْتَضَد بِتَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ مِنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْله إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمُقْتَضِي لِلُّحُوقِ بِهِ هَذَا مَا فَتْح اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ عَلَى أَقَلّ عَبِيدِهِ وَأَحْوَجِهِمْ إلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
[بَابُ النَّفَقَةِ]
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلِ طَاعَتِهِ وَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَأَمَرَ وَالِدَتَهُ أَنْ تَصْرِفَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِل الطَّاعَةِ فَأَقَامَتْ أَيَّامًا قَلَائِلَ ثُمَّ سَافَرَ أَهْلُهَا إلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَةِ فَسَافَرَتْ مَعَهُمْ وَلَمَّا عَادَتْ سَكَنَتْ عِنْدَهُمْ وَاسْتَمَرَّتْ وَالِدَةُ الزَّوْجِ تَدْفَعُ لَهَا دَرَاهِمَ نَقْدًا إلَى أَنْ قَدِمَ وَلَدُهَا مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ نَفَقَتُهَا مَعَ وُجُودِ سَفَرِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ الطَّاعَةِ أَمْ لَا وَهَلْ لِوَالِدَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْهَا أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سبحانه وتعالى فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ نَفَقَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَمَا أَعْطَتْهُ لَهَا وَالِدَتُهُ يَرْجِعُ هُوَ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي صَرْفِهِ إلَّا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا أَعْطَتْهَا شَيْئًا خَارِجَهُ كَانَتْ الْوَالِدَةُ مُقَصِّرَةً فَضَمِنَتْ لِوَلَدِهَا مَا فَرَّطَتْ فِيهِ وَإِذَا غَرِمَهَا وَلَدُهَا رَجَعَتْ عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَا غَرِمَتْهُ لَهُ إنْ أَعْطَتْهُ لَهَا بِظَنِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهِيَ مُتَبَرِّعَةٌ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَتْهُ لَهَا فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بِشَيْءِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُج مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّكَسُّب وَنَحْو ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفِ هَدْمٍ وَعَدُوّ وَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَلِلْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ بِالنَّفَقَةِ إذَا لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ وَلِلْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُفْتِيهَا الزَّوْجُ أَوْ يَسْأَل لَهَا لَا لِعِيَادَةِ مَرِيض وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا وَلَا لِمَوْتِهِ وَشُهُودِ جِنَازَتِهِ قَالَهُ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ امْرَأَةً اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اتَّقِي اللَّهَ سبحانه وتعالى وَأَطِيعِي زَوْجَك فَلَمْ تَخْرُج وَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ غَفَرَ لِأَبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا» .
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَقَدَ بِجُدَّةَ لِشَخْصٍ عَلَى بِنْتٍ لَهُ بِكْرٍ وَهِيَ أَيْ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ بِأَبِي عَرِيشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْج مِنْ أَبِيهَا بَلْ سَافَرَ إلَى مِصْرَ وَسَافَرَ أَبُوهَا إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ سِنِينَ وَطَالَبَ الزَّوْجَ أَبُوهَا بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْآنَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَلْزَمهُ نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ لِانْتِفَاءِ عِرْضِهَا، أَوْ عِرْضِ وَلِيِّهَا عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَمَسَ زَوْجَتَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا مَاءُ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَام الرَّافِعِيِّ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِر وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَاسُ بِهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَمَسَهَا عَمْدًا، أَوْ عَكْسه، أَوْ لَا إلَّا الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّ تَمْكِين الزَّوْجِ وَاجِبٌ فَجَعَلَ الشَّارِعَ لَهَا فِي مُقَابَلَتِهِ مَاءَ طَهَارَتِهَا وَإِلَّا لَكَانَ فِي تَكْلِيفِهَا مَاءُ الطُّهْرِ مَعَ وُجُوبِ التَّمْكِينِ عَلَيْهَا عُسْرُ وَمَشَقَّة لَا تُطَاقُ بِخِلَافِ مَسِّهَا لِزَوْجِهَا إذْ لَا وُجُوب حَتَّى يَجْعَلْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ كَافِيَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا تَخْرُجُ عَلَى الْإِتْلَافَاتِ لِأَنَّ النَّقْضَ حُكْمٌ مِنْ الشَّارِعِ لَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ سَبَبًا فِيهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ شَاهِدَ الزُّورِ الْغُرْمُ مَعَ كَوْنِ التَّغْرِيمُ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ وَاللَّامِسُ هُنَا لَا إلْجَاءَ مِنْهُ وَأَيْضًا فَرُجُوعُ الشَّاهِدِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِغُرْمِهِ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُكْمِ الْوَاقِعِ وَاللَّامِسُ هُنَا لَمْ يَرْفَعْ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَا صُورَتُهُ أَجْنَبَتْ الزَّوْجَةُ بِاحْتِلَامٍ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَاءِ غُسْلِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِسَبَبِهِ حِينَئِذٍ.
(وَسُئِلَ) هَلْ لِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعُ حَتَّى يُسَلِّمُهَا الْكِسْوَةَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يَجُوز لَهَا الِامْتِنَاعُ لِتَسْلِيمِ النَّفَقَة الْمَاضِيَةِ الَّتِي صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْج كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ لَهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ الْقَائِمَةُ فَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِهَا التَّمْكِينُ فَإِذَا مُنِعَتْ مِنْهُ سَقَطَ وُجُوبُهَا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ اخْتَارَتْ امْرَأَةُ الْمُعْسِر الْمَقَامَ مَعَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعُ هُنَا أَيْضًا قَالَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِامْرَأَةِ الْمُعْسِر الْمَعْذُورِ فَبِالْأَوْلَى جَوَازُهُ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ اهـ وَقَدْ يُفَرِّقُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ فَهَرَبَ الْعَبْدُ وَتَضَرَّرَتْ بِذَلِكَ فَمَا الْحِيلَةُ فِي الْفَسْخِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّه تبارك وتعالى بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْتِقَهَا، أَوْ يُكَاتِبَهَا ثُمَّ يُمَلِّكَهَا إيَّاهُ بِنَذْرٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ شِرَاءَ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا إذَا مَلَكَتْهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ سَكَنَ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا مَثَلًا أَوْ اسْتَعْمَلَ أَوَانِيَهَا وَهِيَ سَاكِتَةً عَلَى جَارِي الْعَادَةِ هَلْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِ نَعَمْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ وَنَقْصُ أَرْشِ الْأَوَانِي.
(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا فَهَلْ لِزَوْجَتِهِ مُطَالَبَتُهُ بِنَفَقَتِهَا لِمُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ قَالَ كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ حَتَّى يَتْرُكَ هَذَا الْقَدْرَ وَاسْتَشْكَلَ بِجَوَازِ سَفَرِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ غَرِيمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ وَفَاءً وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ أَرَادَ الْبَغَوِيّ لُزُومَ دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ فَهُوَ بَعِيدٌ إذْ كَيْفَ يُلْزَمُ بِأَدَاءِ مَا لَمْ يَجِبْ وَقَدْ يَجِبُ مِنْ بَعْدُ وَقَدْ لَا يَجِبُ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لَهَا الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ كَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَعْتَرِضُ عَلَى مَدْيُونه إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ وَفَاءَ، أَوْ كَفِيلًا مَلِيًّا فَذَاكَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَرِيبِ الْحُلُولِ عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ فِيهِ وَالْمُرَجَّحُ عَدَمُ التَّحَجُّر وَالنَّفَقَةِ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّحَجُّرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَحَسَنٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَقَدْ يُقَرِّبُهُ تَشْبِيهُهُ بِالْخُرُوجِ لِلْحَجِّ إذْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الظَّاهِرِ بِذَلِكَ هُنَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرِ اهـ.
وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْمَنْقُولُ إذْ لَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ الْأَصْحَاب مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجِّ الْمُصَرَّح بِهَا فِي كُتُبِهِمْ يَشْهَدُ لَهُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَمُسْتَحِقِّ الدَّيْن الْمُؤَجَّلِ بِأَنَّهَا تَحْتَ حِجْرِ الزَّوْجِ وَمَحْبُوسَةٌ لِأَجَلِهِ فَلَوْ لَمْ نُمَكِّنْهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ لَزِمَ ضَيَاعُهَا وَمَزِيدُ تَضَرُّرِهَا بِخِلَافِ الدَّائِنِ فَإِنَّهُ لَا حِجْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ مَا يَلْحَقُ الزَّوْجِ.
فَجَازَ أَنْ تَخْتَصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا مِنْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهَا يُعْلَمُ بِذَلِكَ دَفْعُ الْإِشْكَالِ السَّابِقِ وَإِذَا مَكَّنَاهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَلْزَمُهُ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا بَلْ يَدْفَعُهُ لِعَدْلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَيَصْرِفُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ لَهَا كُلُّ يَوْمٍ وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته يَنْدَفِعُ جَمِيعُ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا يُقَالُ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجّ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إذْ لَا نَعْلَمُ إلَخْ يُجَابُ
عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَحُبِسَتْ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ وَحُكِمَ عَلَيْهَا بِالْحَبْسِ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ نَفَقَتُهَا وَإِنْ صَدَقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَسَبَّبْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَمَرَضِهَا.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ عَمَّنْ نَشَزَتْ أَثْنَاءَ الْفَصْلِ هَلْ تَسْقُطُ كِسْوَتُهَا كَنَفَقَتِهَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا نَشَزَتْ وَلَهَا كِسْوَةٌ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الزَّوْج بِمُجَرَّدِ النُّشُوزِ فَإِنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ تُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهَا وَبَيْنَ أَنْ يُبْدِلَهَا بِكِسْوَةٍ تَكْفِي لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاء الْفَصْلِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كِسْوَتَهَا لَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَيَبْعُدُ كُلّ الْبُعْدِ أَنْ يَنْكِح الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيُطَلِّقُ فِي يَوْمِهِ وَنُوجِبُ عَلَيْهِ كِسْوَةُ فَصْلٍ كَامِلٍ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ تَوَزَّعَ الْكِسْوَةُ عَلَى أَيَّامِ الْفَصْلِ وَيَجِبُ لَهَا مِنْ قِيمَةِ الْكِسْوَةِ مَا يُقَابِلُ زَمَنَ النِّكَاح.
وَكَلَام الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِيَهُ حَيْثُ قَالَا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ وَلَمْ يَكْسُهَا صَارَتْ دَيْنًا أَيْ كِسْوَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَبَضَتْهَا أَوَّلَ الْفَصْل وَبَانَتْ مِنْهُ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا مَاتَ أَثْنَاءَ الْيَوْمِ قَبْلَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا فَإِنَّ نَفَقَةُ الْيَوْمِ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ مُتَقَارِبَةٌ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَوْجُهٌ مِنْ قَوْلِ الْبَارِزِيّ لَمَّا سَأَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِمَا صُورَته هَلْ يُقَالُ تَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِدَلِيلِ مَا إذَا أَقْبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَا رُجُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ لَرَجَعَ، أَوْ يُقَالُ تَسْتَحِقُّ بِالْقِسْطِ لَيْسَ إلَّا وَلَيْسَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقْبَضَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ مَوْثُوقٌ بِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَأَظُنُّهُ صَاحِبَ الْإِفْصَاحِ مَا يُوَافِق الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَلَى الْمَرْجُوحِ فِي الرُّجُوع عِنْدَ الْقَبْضِ فَالْمَسْئُول الْأَنْعَام فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ وَاضْطَرَبَتْ فِيهَا الْآرَاء فَأَجَابَهُ الْبَارِزِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كِسْوَتَهُ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ اهـ.
وَنَصَّ أَيْضًا أَنَّ الْكِسْوَةَ كَالنَّفَقَةِ فَقَالَ وَأَصَحُّهُمَا وَنَسَبَ إلَى النَّصّ يَجِبُ تَمْلِيكُهَا كَالنَّفَقَةِ وَالْأَدَمِ وَسَوَّى بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ وَالْكِسْوَةِ أَوَّلَ كُلِّ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ فَنَقُولُ كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ بَعْدَ قَبْضِهَا الْكِسْوَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي رُجُوعه عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ طَلَاقُهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ قَبْلَ الْكِسْوَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ ذَلِكَ مِنْ ذِمَّتِهِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ اهـ.
وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرَهُ عَلِمْت أَنَّ مُسْتَنَدَهُ لَيْسَ إلَّا قِيَاسُ الْكِسْوَةِ عَلَى النَّفَقَةِ وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ وَكَوْنُ الشَّيْخَيْنِ سَوَّيَاهَا بِهَا فِي كَوْنِهَا تَصِيرُ دَيْنًا وَفِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ قِيَاسُهَا بِهَا فِي غَيْر ذَلِكَ لِوُجُودِ الْفَارِق مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِالْفَرْقِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ يَحْتَمِلُ إلَى آخِر مَا مَرَّ عَنْهُ فِي سُؤَاله مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ جَوَابٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا مَرَّ
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَابَ زَوْجُهَا فَأَثْبَتَتْ إعْسَارَهُ وَفَسَخَتْ ثُمَّ عَادَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا خَفِيَ عَلَى بَيِّنَة الْإِعْسَارِ فَهَلْ يُقْبَل؟
(فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا إنْ ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَبْطُل الْفَسْخُ إذَا أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَرَادَ الزَّوْج نَقْلَ زَوْجَتِهِ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَامْتَنَعَتْ حَتَّى يَرْضَى الدَّائِنُ فَهَلْ تُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُجْبَرُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةٌ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَإِلَّا لَمْ تُجْبَرْ حَتَّى يَأْذَنَ الدَّائِن أَوْ تَقْضِيَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ إجْبَارُهَا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى إجْبَارِهَا عَلَى السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا الدَّائِنُ أَوْ أَمَرَ الدَّائِن بِمُطَالَبَتِهَا، أَوْ الْإِذْنُ لَهَا فِي السَّفَرِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي النُّشُوزِ فَمِنْ
الْمُصَدِّقُ مِنْهُمَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْكِينِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ لَكِنْ قَالَ الْجِيلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالنَّفَقَةَ وَاجِبَانِ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي النُّشُوزَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ سُقُوط النَّفَقَةِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مُتَّجَهٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَفَسَخَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ فَحَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَ لَهَا بِنَحْوِ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَأَنْكَرَتْ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ نُفُوذِ الْفَسْخِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ نَحْو النَّفَقَة وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْبُوشَنْجِيُّ لَكِنْ خَالَفَهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْمَرْوَزِيُّ فَجَزَمَا بِأَنَّهَا تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ عَدَمِ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِي غَيْبَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ لِتَشَعُّثِهِ وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزَةً؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى إزَالَتِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إزَالَتُهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ رَفْعَ الْفَخِذَيْنِ وَالتَّحْرِيكَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَتَكُونُ نَاشِزَةٌ إذَا امْتَنَعَتْ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَزِيدُ قُوَّةٍ لِهِمَّةِ الرَّجُل وَتَنْشِيطٌ لِلْجِمَاعِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِنْزَالُ، أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ ضَرَرٌ لِلرَّجُلِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الْجِمَاعِ إلَّا مُسْتَلْقِيًا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْكَبَهُ وَتَكُونُ هِيَ الْفَاعِلَةُ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ طِفْلَةٍ أَعْسَرَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَلْ هِيَ قَرْضٌ حَتَّى يَرْجِعُوا عِنْدَ الْيَسَارِ أَوْ لَا قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي اللَّقِيطِ وَالْمُضْطَرِّ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ مَا أَطْلَقُوهُ فِي السَّيْرِ الثَّانِي.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَة إذَا لَمْ يُسْكِنْهَا الزَّوْجُ فِي بَيْتِهِ بَلْ كَانَتْ سَاكِنَةً هِيَ وَهُوَ فِي بَيْتِهَا مَثَلًا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَحَدِهِمَا هَلْ يَلْزَمُهَا مُلَازَمَةِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَكُونُ نَاشِزَةً، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لِلْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ عِبَارَتَانِ إحْدَاهُمَا بَيْتُ الزَّوْجِ وَالثَّانِيَةُ سَكَنُهَا وَبِهَذِهِ الثَّانِيَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِبَيْتِ الزَّوْجِ، أَوْ مَنْزِلِهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْإِسْكَانِ لِكَوْنِهِ مَالِكَهُ أَوْ مُسْتَأْجِرَهُ أَوْ مُسْتَعِيرَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأُزْعِجَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَاشْتِرَاطَهُمْ فِي عَدَمٍ بِسُقُوطِ نَفَقَتهَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ تُزْعَجَ مِنْهُ بِأَنْ يُخْرِجُهَا مِنْهُ مَالِكُهُ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ آخَرِينَ بِأَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ إزْعَاجَ الْمَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ سَكَنِهَا الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ لَهَا مِنْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ.
وَوَقَعَ فِي قُوتِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ وَمُرَادُهُ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْبَاقِينَ خُرُوجُهَا مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ وَنَحْوه وَأَمَّا خُرُوجُهَا مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فَنُشُوزٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْدَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَصُوَرٍ أُخَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعُدُّ الْخُرُوجُ بِهِ عُذْرًا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ، أَوْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُذِرَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَبَحَثَ فِيهِ أَنَّهَا لَوْ جَرَتْ عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فِي حَقّهَا وَحَقِّ أَمْثَالِهَا بِالْخُرُوجِ فِي حَوَائِجِهَا لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ لِجَامٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا أَمْثَالِهِ بِهِ وَفِيمَا بَحَثَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُنَابِذُ لِإِطْلَاقِهِمْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ بِأَنَّهَا فِي
قَبْضَتِهِ وَبَانَ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعُرْفَ هُنَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ رِضَا الزَّوْجِ بِخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَدَمِهِ يَرْجِعُ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْغَيْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَكَمْ مَنْ يَرْضَى بِالْخُرُوجِ وَلَوْ مَعَ الرِّيبَةِ وَكَمْ مَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الرِّيبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ نِكَاحِهِ تَعْتَادُهُ أَمْ لَا.
فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ الَّذِي رَضِيَ بِسُكْنَاهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِلْكُهُ أَمْ غَيْرُ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ اعْتَادَتْ الْخُرُوجَ أَمْ لَا نَعَمْ جَوَّزُوا لَهَا الْخُرُوجَ لِإِعْذَارٍ كَخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ انْهِدَامٍ، أَوْ فَسَقَةٍ وَكَخَرَابِ الْمَحَلَّةِ حَوْلَ بَيْتِهَا حَتَّى صَارَ مُنْفَرِدًا وَكَإِزْعَاجِ مَالِك الْمَنْزِلِ كَمَا مَرَّ وَكَالْخُرُوجِ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ مُؤْنَته وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ عَنْ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ كَأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ تَحْضُنُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَتْ الْأُمُّ تَسْلِيمَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَنْ يَجِيءَ الْوَلَدُ إلَيْهِ وَيَأْكُلُ عِنْدَهُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا.
؟ وَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبَيْنَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَمَا بَعْدَهُ حَيْثُ اخْتَارَ الْأُمَّ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إذَا أَمْكَنَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ الْمَجِيءُ إلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ إلَى بَيْتِ أُمِّهِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ بَلْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مَعِي وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا فِي حَقِّ الْأَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ فَإِنْ حَضَرَ الْوَلَدُ إلَيْهِ فَذَاكَ اهـ.
وَتُوقِفُهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّفَقَة لِلْقَرِيبِ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَإِنَّمَا هِيَ إمْتَاعٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ مَعُونَةٍ وَمُوَاسَاةٍ وَإِذَا كَانَتْ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُتَبَرِّعُ بِذَلِكَ الْإِمْتَاعِ وَالْمُوَاسَاةِ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ائْتِ إلَى عِنْدِي لِأُوَاسِيَك.
وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا سَهُلَ عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ إرْسَالُهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُ الْكِفَايَةُ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى هَذَا عِنْدَ نَحْوِ عَجْزِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ السُّهُولَةِ فَإِنَّهُ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي مَجِيئِهِ إلَى قَرِيبِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ قَرِيبُهُ الْحَمْلَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِكَوْنِهِ مُوَاسِيًا وَمُتَبَرِّعًا هَذَا تَوْجِيهُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ لِتَوَقُّفِ الْإِمَامِ فِي الْأَبِ وَجْهٌ وَجِيهُ إذْ اللَّائِقُ بِطَلَبِ مَزِيدِ احْتِرَامِهِ وَبِرِّهِ أَنْ لَا يُكَلَّفُ الْمَجِيءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً إلَى بَيْتِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَلْزَمُ الْأَبَ نَقُلْ كِفَايَتُهَا إلَى بَيْتِ أُمِّهَا الثَّابِتِ لَهَا حَضَانَتُهَا أَصَالَةً، أَوْ بِاخْتِيَارِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ تَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَيَزُورُهَا الْأَبُ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ بَلْ يُلَاحِظُهَا بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهَا قَالُوا وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ إثْبَاتَ إعْسَارِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ إنَّك ضَمِنْت لِي عَنْ زَوْجِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَالنِّكَاحِ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ فَالْقَاضِي إنْ وَجَدَ مَالًا فَرَضَ النَّفَقَةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَهَا الْفَسْخُ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَفِي دَعْوَى الدَّرَاهِمِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَدَّعِي نَفْسَ الطَّعَامِ اهـ. فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَمَد، أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ظَاهِرِ ذَلِكَ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَجَهِلَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ أَيْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِ الْغَائِبِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُ الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَلَدِ الزَّوْجَةِ جَازَ الْفَسْخُ إذْ صُورَتُهُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ دَعْوَى الضَّمَانِ فِي
عِبَارَة الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ عِنْده لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ إنْكَارِ مُنْكِرٍ فَيُثْبِتُ مُقْتَضَاهَا فَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفِقْهِ الْمَضْمُونَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا بِعَجْزِ الضَّامِنِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ظَاهِرَةً تُوقَفُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ دِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ حِيلَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ بِذَلِكَ وَيَدَّعِي الْبَرَاءَةَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حِينَئِذٍ وَبَيِّنَتُهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ فَغَابَ عَنْهَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى طَاعَتِهِ وَتَعَذَّرَ إنْهَاءُ الْخَبَرِ إلَيْهِ لِفَقْدِ مُؤْنَةِ الْبَعْثِ هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ النَّاشِزَ إذَا غَابَ زَوْجُهَا لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ بِطَاعَتِهَا ثُمَّ يُرْسِلُ يُخْبِرُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ فَإِذَا رَجَعَ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ وَتَسَلَّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ وَإِنَّ عَلِمَ وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ وَلَا وَكِي لَهُ عَادَتْ إذَا مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ عَوْدِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْتُبُ إلَى حَاكِمِ الْبِلَادِ الَّتِي تَرِدُهَا الْقَوَافِلُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ لِيَطْلُبَ وَيُنَادِي بِاسْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، أَوْ طَلَاقِهِ اهـ.
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحِلٍّ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْخَبَرِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَيْهِ إمَّا لِخَوْفِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَإِنْ شَاءَ اقْتَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَرْضِ، أَوْ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ لِيُوَفِّيَهَا إذَا حَضَرَ وَذَكَرَ الْغَزِّيُّ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ الطَّاعَةَ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَعْلَمُهُ الْقَاضِي فَقَصَّرَ فِي تَسَلُّمِهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ يَسَارُهُ، أَوْ تَوَسُّطُهُ اهـ.
وَأَمَّا فَسْخُ النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ أَقَلّ وَاجِبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَكْفِي فَقْدُ خَبَره وَلَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَا غَيْبَتُهُ مُعْسِرًا.
فَكُلُّ هَذِهِ وَنَحْوُهَا لَا يَجُوزُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِمَا ذَكَرَ وَلَا تَسْأَل مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْيَقِينِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْجَزْمِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ لَوْ صَرَّحَ بِمُسْتَنَدِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ رَضِيعٍ حَضَنَتْهُ حَاضِنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أُمٌّ مَثَلًا أَوْ غَيْرُهَا وَغَابَ وَالِدُهُ مَثَلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِيمَا يَلْزَمهُ شَرْعًا مِنْ أُجْرَتِي حَضَانَةٍ وَرِضَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ غِنَاهُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مَالًا مَعْلُومًا بِاجْتِهَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَأَذِنَ لِحَاضِنَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى مَالِ وَالِدِهِ فَإِذَا اقْتَرَضَتْ أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَبَيَّنَ فِيهَا فَقْرُ وَالِدِهِ، أَوْ مَوْتُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا مَا اقْتَرَضَتْ عَلَيْهِ وَيَفُوتُ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ مَجَّانًا، أَوْ تَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ فِي حَالِ صِغَرِهِ، أَوْ كِبْره أَوْ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَجْدَادِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا.
وَإِذَا اقْتَرَضَتْ الْحَاضِنَةُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَيْفَ صُورَةُ الِاقْتِرَاضِ تَقُولُ اقْتَرَضْتُ هَذَا الْمَالَ فِي ذِمَّتِي وَمَالِي لِأُنْفِقَهُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ، أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمَحْضُونِ وَمَالِهِ، أَوْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ فَهَذَا يُشْكِلُ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَى ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَكَيْفَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلْحَاضِنَةِ أَخْذُ الرَّضَاع نَفَقَةٌ كَنَفَقَةِ زَوْجَةِ مُوسِرٍ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطٍ مَثَلًا أَوْ مُعْسِرٍ وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسَمًّى غَيْرُ أُجْرَة الرَّضَاعِ وَإِذَا انْفَصَلَ الرَّضَاعُ هَلْ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً إذَا قُلْتُمْ بِهَا لِحَضَانَتِهَا وَتَعَهُّدِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ أَمْ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ
وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا وَالِدُهُ غَيْر نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَلَوَازِمه الشَّرْعِيَّة فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا أَمْ أَجْنَبِيَّةً وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَاسْتَأْجَرْنَا لَهُ مُرْضِعَة ذَات لَبَن وَوَلَد لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ وَاشْتَرَتْ لِلْمَحْضُونِ لَبَنًا وَسَقَتْهُ هَلْ يَقُومُ مَقَام لَبَنِهَا إذَا غُذِّيَ بِهِ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَقْيُهُ مِنْ لَبَنِهَا وَهَلْ هَذِهِ الْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْجَهَالَةِ بِلَبَنِهَا وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَاشْتِرَاكِهِ بَيْنَ الْمَحْضُونِ وَوَلَدِهَا لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالْمَبِيعِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَبَيْعِ الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْمَبِيعِ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهَذِهِ إجَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَقَطْ فَمَا وَجْهُ الصِّحَّةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمُسْتَأْجِرَةِ أَنْ تُضِيفَ إلَى اللَّبَنِ سَمْنًا وَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْمُنْفِقُ مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ لِحَطِّ الْأَسْعَارِ
أَوْ اسْتَقَلَّتْ الْحَاضِنَةُ مِنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ وَيَزِيدُ، أَوْ يُنْقِصُ فِيمَا فَرَضَهُ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَبًا كَانَ أَوْ وَصِيًّا، أَوْ قَيِّمًا أَنْ يُمَوِّنَ الْمَحْضُونَ الَّذِي غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرُهُ أَمَدُ الرَّضَاعِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ مَا يَكْفِيَهُ وَيَسْقِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُمَوِّنَهُ أَيْضًا بَعْدَ أَمَدِ الرَّضَاعِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ بِأَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ الْعَيْشِ وَالْأُدُمِ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ كَالْأَوَّلِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا هَلْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ أَمْ كَرِهَتْ بِهَا عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فِي بَيْتِ الْحَاضِنَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ وَغَيْرِهَا هَلْ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِذَلِكَ وَتَنْتَقِلُ عَنْهَا بَلْ قَالُوا بِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِيمَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ بِتَزْوِيجِهَا عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِلْمَحْضُونَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى أُمِّهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ مَنْزِلِهَا إذَا تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى حَاضِرًا كَانَ، أَوْ غَائِبًا مُقِيمًا، أَوْ مُسَافِرًا فَإِذَا أَدْخَلَتْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزًا وَيَسْقُطُ مَا لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَاللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا لِدُخُولِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى فِرَاشِهِ أَمْ يَأْثَم بِذَلِكَ وَلَا نُشُوزَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُول فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ هَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى رَحْبَةِ مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَكَانَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَحَصَلَ عَلَيْهِ عَاطِلٌ بِوَطْءِ دَابَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَضْمَنُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَوَجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَمْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وُضُوحًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الْفَرْعِ، أَوْ الْأَصْلِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَيْنًا وَإِنْ تَعَدَّى مَنْ لَزِمَتْهُ بِالِامْتِنَاعِ نَعَمْ إنْ فَرَضَهَا الْقَاضِي، أَوْ أَذِنَ فِي اقْتِرَاضِهَا صَارَتْ دَيْنًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاعْتِرَاضُ كَثِيرِينَ عَلَيْهَا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى رَدِّهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيمَا إذَا امْتَنَعَ مَنْ لَزِمَتْهُ
أَوْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لِمُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَا لِلْأُمِّ أَخَذُهَا لِنَحْوِ طِفْلٍ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ قَاضٍ ثُمَّ إنْ وَجَدَ فِي مَالِهِ جِنْسَ الْوَاجِبِ لَمْ يَأْخُذْ غَيْره وَإِلَّا أَخَذَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ مَالٌ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا أَذِنَ لِلْأُمِّ فِي ذَلِكَ إنْ تَأَهَّلَتْ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاضٍ فَاقْتَرَضَا عَلَى الْغَائِبِ وَمِثْلُهُ الْمُمْتَنِعُ وَأَشْهَدَا بِذَلِكَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا اقْتَرَضَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنَا مِنْ الْإِشْهَادِ رَجَعَا أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ عَلَى طِفْلِهَا الْمُوسِرِ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ أَبٍ مَثَلًا أَوْ قَاضٍ جَازَ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ، أَوْ غَابَ قَالَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَبِيهِ إنَّ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأَوْجَهِ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْقَاضِي وَأَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهَا الْإِشْهَادُ وَلَوْ غَابَ الْأَبُ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْجَدُّ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ قَاضٍ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْإِشْهَادُ إنْ أَمْكَنَ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَقْدِيرَ لَهَا إلَّا بِالْكِفَايَةِ فَلِلطِّفْلِ مُؤْنَةُ إرْضَاعِ حَوْلَيْنِ وَلِنَحْوِ شَيْخٍ وَفَطِيمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ وَيَجِب إشْبَاعُهُ لَا الْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَالْأُدُمُ وَخَادِمٌ احْتَاجَهُ وَكِسْوَتُهُ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ أَدْوِيَةٍ وَأُجْرَةُ خِتَانٍ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِمْتَاعِ لَا التَّمْلِيكِ قَالَ
الْإِمَامَ وَمِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مَعِي كَفَى وَلَوْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً، أَوْ كِسْوَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِغَيْرِهِ وَمُؤْنَة خَادِمِ الْقَرِيبِ كَمُؤْنَتِهِ فِيمَا ذُكِرَ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ مُدَّةً لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تِلْكَ عِوَضً عَنْ الْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةُ قَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَوَجَبَ مُقَابِلُهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُوَاسَاةٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَهَذَا الْفَرَعُ مِنْ النَّوَادِرِ لِأَنَّ التَّابِعَ فِيهِ زَادَ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَعَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ
وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يَقْوَى غَالِبًا إلَّا بِهِ وَهُوَ اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ وَالْأَوْجَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ إرْضَاعِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ أَبِيهِ وَلَوْ لِلِبَإٍ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةُ نَعَمْ إنْ وَجَدَ مُتَبَرِّعَةً، أَوْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا جَازَ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا وَهَذِهِ الْأُجْرَةُ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تُزَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تَزْدَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ أَخَذَتْ الْأُجْرَةَ نَعَمْ عِنْدَ أَخْذِهَا تَسْقُط نَفَقَتُهَا إنْ نَقَصَ الِاسْتِمْتَاعُ بِإِرْضَاعِهَا وَإِلَّا فَلَا وَمُؤْنَة الْحَضَانَةِ فِي مَالِ نَحْوِ الطِّفْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَطْرَافِهِ وَلْنُصَرِّحْ بِحُكْمِ كُلٍّ أَيْضًا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَنَقُول مَا اقْتَرَضَتْهُ الْأُمُّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لَا يَضِيعُ عَلَيْهَا مَجَّانًا بَلْ إنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ حَالَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُقْتَرَضِ فَهُوَ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَهُوَ فِي مَالِ الْأَبِ فَإِنْ أَعْسَرَ، أَوْ مَاتَ فَفِي مَالِ الْجَدِّ فَإِنْ أَعْسَرَ، أَوْ مَاتَ فَعَلَى الْأُمِّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ غَائِبٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْأَبُ قَرْضًا فَإِذَا وَصَلَ مَالُهُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْإِنْفَاقِ الرُّجُوعَ رَجَعَ سَوَاءٌ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ بِلَا إذْنٍ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ قُدُومِهِ سَقَطَ عَنْ الْوَلَدِ مَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ دُونَ مَا أَنْفَقَ قَبْلَهُ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ وَكَذَا حَكَمَ مَنْ يَسْتَغْنِي بِكَسْبِهِ وَصُورَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِكِ مِنْ مَالِكِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، أَوْ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقْتَرَضِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا أَرَادَتْ تَقْتَرِضُ قَالَتْ لِمَنْ يُرِيدُ إقْرَاضَهَا أَقْرِضْنِي كَذَا لِأُنْفِقَهُ عَلَى وَلَدِي أَوْ اقْتَرَضْت كَذَا، أَوْ تَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّتِي بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهَا إلَّا إنْ بَانَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِفَقْدِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّةِ الْوَلَدِ
وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّ نِيَّتَهَا كَوْنُ الِاقْتِرَاضِ لَهُ كَافٍ إذْ هِيَ حِينَئِذٍ نَائِبَةٌ عَنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَلِيُّ إذَا اقْتَرَضَ لِمُوَلِّيهِ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ بَلْ يَكْفِي نِيَّتُهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ فَهَذَا يُشْكِلُ إلَخْ وَاَلَّذِي تَسْتَحِقُّهُ الْحَاضِنَةُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْمَحْضُونِ هُوَ أُجْرَةُ إرْضَاعِهَا إنْ كَانَ رَضِيعًا وَإِلَّا فَأُجْرَةُ خِدْمَتِهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ زَمَنُ الْحَضَانَةِ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهَا أَوْ الْبُلُوغُ مَعَ صَلَاحِ الدُّنْيَا قَالُوا وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلْحَضَّانَةِ حِفْظُ الطِّفْلِ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَتَطْهِيرِهِ وَتَدْهِينِهِ وَتَكْحِيلِهِ وَإِضْجَاعِهِ فِي نَحْوِ مَهْدٍ وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ لِلنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ وَلَا تَسْتَتْبِعُ الْحَضَانَةُ الْإِرْضَاعَ فِي الْإِجَارَةِ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْفِقٍ غَيْرُهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَحْضُونِ لَازِمَة لَهَا حِينَئِذٍ وَنَقَلَ الْأَزْرَقُ فِي نَفَائِسِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْعَامِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِي لَوْ قَالَ لِلْأُمِّ أَرْضِعِي الطِّفْلَ وَاحْضُنِيهِ وَلَك الرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ وَنَقَلَ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فِيمَا إذَا حَضَنَتْ مَنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ وَمَضَى زَمَنٌ وَلَمْ تُطَالِبُ بِهَا وَلَا رَفَعَتْ أَمَرَهَا لِحَاكِمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَسْقُطُ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ وَصَوَّبَهُ الْأَزْرَقُ قَالَ وَاخْتَارَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْوَجْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّ السُّقُوطَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَتَيَسَّرَتْ مُطَالَبَتُهُ فَتَرَكْتُهُمَا وَإِنْ عَدِمَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَتَعَذَّرَ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ مَا مَرَّ عَنْ
الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلْإِرْضَاعِ شِرَاءُ لَبَنٍ لِلطِّفْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِهِ فَأَرْضَعَتْ مَعَهُ آخَرَ
فَإِنْ نَقَصَ مَا هُوَ مُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا بِالْإِجَارَةِ ثَبَتَ الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُمْ لَوْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَحْدَهُ وَسَقَطَ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ أَنَّ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْغِذَاءَ بِمَا يُدِرُّ لَبَنَهَا وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهَا بِأَكْلِ مَا يُدِرُّهُ فَأَفْهَمَتْ عِبَارَاتُهُمْ هَذِهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ إرْضَاعِهَا شِرَاؤُهَا لَبَنًا وَسَقْيُهُ إيَّاهُ وَإِنْ قَرَضَ الِاغْتِذَاءَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ السَّقْيَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِرْضَاعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَلْ رُبَّمَا أَوْجَبَ سَقْيُ اللَّبَنِ الْمُشْتَرَى لِلْوَلَدِ ضَرَرًا ظَاهِرًا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ وَالْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ صَحِيحَة كَمَا مَرَّ وَتُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ فَقَطْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ اللَّبَنِ وَمَا يَسْتَوْفِيهِ الصَّبِيُّ كُلَّ مَرَّةٍ وَضَبْطُ الْمَرَّاتِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالزَّمَنِ لَا غَيْرُ وَتَجِبُ رُؤْيَة الصَّبِيِّ وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَمْ بَيْتُهَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إلَخْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنْ تُضِيفَ إلَى لَبَنِهَا الَّذِي تُرْضِعُ بِهِ الْوَلَدَ سَمْنًا وَلَا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ بَلْ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَلِلْحَاكِمِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا فَرَضَهُ لِلْوَلَدِ وَأَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِتَقْدِيرِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ فَإِذَا بَانَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهَا انْتَهَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِانْتِهَائِهَا بِمَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي غَيْرِهَا وَمَرَّ أَنَّ نَفَقَة الْقَرِيبِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَأَنَّهَا الْكِفَايَةُ فَلِلْمُنْفِقِ حِينَئِذٍ بَذْلُهَا عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَالْحَاكِمُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ حَاضِنَتِهِ، أَوْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ وَلِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمُ مُخَالِفِ الْحُكْمِ لَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ نَعَمْ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأُنْثَى الْمُمَيِّزَةُ إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ فِي حَقِّهِمْ فَيَزُورُهُمْ الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ
وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهُمْ عِنْدَهُ وَيَتَفَقَّدُ حَالَهُمْ وَيُلَاحِظُهُمْ بِتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِمْ وَتَأْدِيبِ الْأُنْثَى وَتَعْلِيمِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا طَلُقَتْ مَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَهِيَ فِي مَنْزِلِهَا فَلَهَا إرْضَاعُهُ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَأَرْضَعَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ عِنْدِي أَنَّهَا كَاَلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ غَلَّطَهُ الْإِمَامُ فِيهِ وَحُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا قُلْنَا تَسْتَحِقّ السُّكْنَى حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اخْتَارَ أُمَّهُ فَعَلَى أَبِيهِ مُؤْنَةُ كَفَالَتِهِ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ وَهِيَ أَقَلُّ غَالِبًا؟ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا تَجِبُ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا بِنَفْسِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ أُجْرَتِهَا وَأَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى تَوَلِّيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ احْتَاجَ الْوَلَدُ إلَى خِدْمَةٍ فِي الْحَضَانَةِ، أَوْ الْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُولَى إلَى التَّمْيِيزِ وَالثَّانِيَةَ مِنْهُ إلَى الْبُلُوغِ أَيْ وَقَالَ غَيْرُهُ تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا وَمِثْلُهُ مِمَّنْ يَخْدُمُ قَامَ الْأَبُ بِاسْتِئْجَارِ خَادِمٍ أَوْ ابْتِيَاعِهِ عَلَى حَسَبِ عَادَةِ أَمْثَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْأُمَّ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا حَضَانَتُهُ أَنْ تَقُومَ بِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا يَخْدِمُ سَوَاءُ فِي ذَلِكَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ اهـ.
وَمَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْتَادَةَ لِلْخِدْمَةِ تَلْزَمُهَا الْخِدْمَةُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ غَيْرُ مُرَادٌ بَلْ هِيَ عَلَى الْأَبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ أَوَّلًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ كِفَايَتِهِ فَإِنْ وَجَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُمّ لَزِمَهَا الْخِدْمَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ اعْتَادَتْهَا أَمْ لَا وَمِنْ شُرُوطِ الْحَضَانَةِ عَدَالَةُ الْحَاضِنَةِ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ وَمُغَفَّلَةٍ فَإِنْ وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ لَمْ يُنْزَعْ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي ثُبُوتِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَثْبَتَ فِي حَاضِنَةِ بِنْتِهِ نَحْوَ فِسْقٍ انْتَزَعَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَهُ مَنْع مَنْ يَدْخُلُ عَلَى بِنْتِهِ مِمَّنْ يَخْشَى مِنْهُ الرِّيبَةَ
وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ الزَّوْجَةِ مِنْ الدُّخُول إلَيْهَا إلَّا كَانَتْ سَاكِنَةً بِمَحَلٍّ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ دُونَ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةٌ بِمِلْكِهَا إنْ تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَسَوَاءٌ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى كَانَ الزَّوْجُ الْمَانِعُ غَائِبًا أَمْ حَاضِرًا فَإِنْ أَدْخَلَتْهُ
بِغَيْرِ رِضَاهُ أَثِمَتْ وَلَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ الْمُمَيَّزِ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فَإِنْ تَعَدَّى وَأَخْرَجَهُ فَكَسَرَهُ، أَوْ قَتَلَهُ جَانٍ آخَرُ أَثِمَ الزَّوْجُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي أَوْ مَالِكِهِ الْمُقَصِّرِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِمَا صُورَتُهُ هَلْ لِلْوَلِيِّ مَثَلًا أَوْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَسْتَأْجِر لِلْوَلَدِ امْرَأَةً لِرَضَاعِهِ وَامْرَأَةً أُخْرَى لِحَضَانَتِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمًّا، أَوْ كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا فِي هَذَا مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ كُلُّ امْرَأَةِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ صَاحِبَتِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ لَبَنٍ لِتُرْضِعَهُ مَرَّةً وَتَحْضُنَهُ أُخْرَى أَمْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ هَلْ تَسْقُط حَضَانَتُهَا أَمْ تَحْضُنُهُ وَيَشْتَرِي لَهُ لَبَنًا وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِيُّهُ الشَّرْعِيُّ أَمْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَة عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ بَعْدَهَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ لَبَنٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْأُمُّ مَتَى اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةُ وَكَانَتْ مُرْضِعَةً وَرَضِيَتْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهَا لِحَضَانَةٍ وَلَا لِرَضَاعٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهُمَا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُمَا إلَى غَيْرِهَا بِدُونِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَبُونٍ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَاضِنَةٌ جَازَ اسْتِئْجَارُ وَاحِدَةٍ لِلْإِرْضَاعِ وَأُخْرَى لِلْحَضَانَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ثُمَّ أَيْضًا وَلَا عُسْرَ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ اجْتِمَاعِ الْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ فِي مَحَلِّ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ كَوْنُهَا مُرْضِعَةً لِطِفْلٍ اُحْتِيجَ إلَى إرْضَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تَتْرُك مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْمَرْأَةِ وَنَظَرَ فِيمَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَبِأَنَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ.
وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقُ مَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقَهَا وَأَمَّا مَنْ لَهَا لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَكْثَرِينَ
(وَسُئِلَ) عَنْ إعْفَافِ الْأَصْلِ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِ الْفَرْعِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْوَجْه أَنَّ الْيَسَارَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ لِأَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ فَوَجَبَ عَلَى ابْنِهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُدْرَةِ هُنَا بِمَا يَأْتِي فِي النَّفَقَةِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَإِمْكَانُ الْفَرْقِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا لَا يُؤَثِّر هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ مُؤْنَتَهَا فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ وَمَا شُرُوطُهُ وَمَا كَيْفِيَّةُ لَفْظِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا الْفَسْخُ بِشَرْطِ أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَادِلَةً تَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ بِإِعْسَارِهِ عَنْ أَقَلِّ نَفَقَتِهَا وَعَنْ أَقَلِّ مَسْكَنٍ يَجِبُ لَهَا وَعَنْ أَقَلِّ كِسْوَتِهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَذْكُرَ الْبَيِّنَةُ إعْسَارَهُ حَالَ شَهَادَتِهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا غَابَ مُعْسِرًا وَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ فِي الشَّهَادَةِ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابَ حَالَتِهِ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ خِلَافُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا تُصَرِّحُ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي شَهَادَتِهَا الْمُوهِمِ لِلتَّرَدُّدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِيَ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَسَخَ هُوَ بِأَنْ يَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِفُلَانَةَ، أَوْ أَذِنَ لَهَا حَتَّى تَفْسَخَ هِيَ بِأَنْ تَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِي فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ بِلَا إذْنِ قَاضٍ لَمْ يَنْفُذْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا فِي الْبَلَدِ لَمْ تَعْلَمْهُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ فَسْخِ الْقَاضِي نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ بَانَ عَدَم وُجُودِ شَرْطِهِ الْمُجَوِّزِ لَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا وَآذَاهَا وَوَالِدَيْهَا بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ مِنْ كَثْرَةِ أَذَاهُ مِنْ بَيْتِهِ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً فَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ وَقَالَتْ لَمْ أَخْرُجْ إلَّا لِإِيذَائِهِ فَقَطْ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَاكِمِ لِتَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إيذَائِهَا
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَلَا كِسْوَتُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ كَانَتْ نَاشِزَةً فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا مُدَّةَ إقَامَتِهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا سَلَّمَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَمَكَّنَتْهُ ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ عَدَمَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ هَلْ هُوَ كَدَعْوَى النُّشُوزِ فَهُوَ الْمُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا وَقَالُوا فِي بَابِ الْبَيِّنَاتِ لَوْ ادَّعَتْ التَّمْكِينَ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ التَّمْكِينِ أَمَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ الْأَوَّلِ فَلَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ عَدَمُ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ النُّشُوزِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ بِشَخْصِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي دَوَامِ التَّمْكِينِ هِيَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَدَّقُ فِي عَدَم التَّمْكِينِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ السَّائِلِ وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَأَنْعَمَهُ فِي كَلَامِهِمْ لَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُول كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَحْثِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَنَّ الشَّخْص يُخَاصِمُ زَوْجَ بِنْتِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَيَحْبِسُهَا عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ عَاجِزٌ عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَإِسْكَانِهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَوْفًا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ مُتَضَرِّرَةٌ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِذَا زَنَتْ امْرَأَةٌ فَعَلِمَ زَوْجُهَا فَهَرَبَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا وَاضْطَرَّتْ لِلنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا وَكَذَا عَدَمُ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِالسُّلْطَانِ، أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ فَهُوَ أَمْرٌ نَادِرٌ وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ تُلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَلَا تُفْرَد بِحُكْمٍ يَخُصُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ، أَوْ الْكِسْوَةِ مَثَلًا لِإِعْسَارِهِ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ أَمْرٌ يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَوْ مَنَعْنَا الْفَسْخَ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَأَضْرَرْنَا بِحَالِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَقَعُ لِأَزْوَاجِهِنَّ الْإِعْسَارُ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لِحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ ضَرُورَةٍ يَغْلِبُ سَبَبُ وُقُوعِهَا وَلَمَّا نَظَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُ - إلَى ذَلِكَ الِاحْتِيَاطِ بَالَغَ فِيهِ فَمَنَعَ الْفَسْخَ فِي النِّكَاحِ حَتَّى بِالْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ أَبَوَانِ مُحْتَاجَانِ إلَّا اكْتَسَبَ لِإِنْفَاقِهِمَا فَاتَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الْمَرْجُوِّ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهِ ضَاعَا أَوْ صَارَا كَلًّا عَلَى النَّاسِ فَمَنْ يُقَدَّمُ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ قُدِّمَ الْكَسْبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَوْرِيٌّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وُجُوب الْكَسْبِ لَهُمَا وَإِنْ قَدَرَا عَلَى الْكَسْبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْكَسْبُ لَهُمَا هُنَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ الْفَوْرِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، أَوْ الْوَاجِبِ عَيْنًا فَوْرًا كَتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَيْنِيٌّ فَوْرِيٌّ وَقَدْ تَعَارَضَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْأَبَوَيْنِ رِعَايَةً لَحَقِّهِمَا الْمُتَأَكِّدِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ لَهَا قُدِّمَ الثَّانِي لِدَوَامِ نَفْعِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ لِدَوَامِ نَفْعِهِ وَأَيْضًا فَحَقُّ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ كَمَا قَالُوهُ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ مُضْطَرًّا وَالْأَقْدَمُ الْكَسْبُ لَهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ نَحْوُ إنْقَاذِ غَرِيقٍ وَإِخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لَوْ فَاتَ وَالصَّلَاة تُتَدَارَكُ