الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ رَأَى فَهَلْ يُجَابُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُكَذِّبُهُ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ كَثِيرٌ مُتَعَارَفٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادُ عَقْدٍ فَسُمِعَتْ الدَّعْوَى بِهِ لِلتَّحْلِيفِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ الرُّؤْيَةِ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لَهَا وَلَمْ يُعْتَدَّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا تَأَخُّرُ الرُّؤْيَةِ عَنْهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا رَسْمُ قَبَالَةٍ فَلَمْ يُسْمَعْ طَلَبُهُ لِلتَّحْلِيفِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَمْ يُعَارَضْ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَإِنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِالْإِشْهَادِ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَقْدٍ إجْمَالِيٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْضَ شُرُوطِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ أَوْ صِفَاتِهِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعُقَدَ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ لِعُذْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَالرُّؤْيَةِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ النَّذْرِ]
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ بَاعَهُ إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهَرَهُ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، لَوْلَا ذِكْرُ التَّحْتِيَّةِ وَالْقَهْرِيَّةِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى انْتِزَاعِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يُنْذِرْ وَلَمْ يَبِعْ فَمَا الْحُكْمُ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ فِي فَتَاوَى ابْنِ كَبَّنَ فِيمَنْ امْتَنَعَ أَنْ يَقْسِمَ لِأُخْتِهِ مِنْ مُخْلَفِ أَبِيهَا وَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ مُدَّةً ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَبِيعَهُ نَصِيبَهَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَبَاعَتْهُ بِمَا أَرَادَ وَلَوْلَا عَدَمُ قُدْرَتِهَا عَلَى انْتِزَاعِهِ لَمْ تَبِعْهُ وَجَرَى مِنْهَا هَذَا الْبَيْعُ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِبْرَاءَ فِيهِمَا صَحِيحَانِ وَلَا نَظَرَ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِكْرَاهِ الَّتِي ذَكَرهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ تُوجَدْ هُنَا وَإِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ فَيَصِحُّ النَّذْرُ أَيْضًا إنْ وُجِدَتْ بَقِيَّةُ شُرُوطِهِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ ابْنِ كَبَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ حَجْرِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُهَا لَهُ فَالْفَسَادُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ كَوْنِهَا تَحْتَ حَجْرِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَنَّ جَمْعًا قَالُوا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُصَادِرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ كَبَّنَ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَكَذَلِكَ مَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ مُكْرَهٍ كَالْمُصَادِرِ بَلْ أَوْلَى وَهَذَا جَمِيعُهُ يَتَّضِحُ بِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ الْعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهَا وَالْبَائِعُ فِيهَا وَفِي الَّتِي قَبْلَهُ. اهـ. وَالْمُقَصِّرُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ أَوْ بُعْدُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَلِّصَهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ نُوَّابِهِ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ تِلْكَ الْعَيْنُ فَهَذَا نَادِرٌ فَلَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَالْفَلْسِ وَالنَّفَقَاتِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَسْأَلَةٍ مَرَّتْ فِي الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا جَاءَتْ إلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى إشْكَالَاتٍ وَنَوَادِرَ وَغَرَائِبَ وَلِذَا اخْتَلَفَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا الْأَجْوِبَةُ وَلَمْ يَبْسُطْ أَحَدٌ فِيهَا بِمِثْلِ مَا بُسِطَ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَجْذُومٌ أَوْ هَرِمٌ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَقُومَ بِمُؤْنَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا حُكْمُهُ) ؟
فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ النَّذْرِ فِيهَا لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِشَرْطٍ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَفَاتَ لِشَرْطِ النَّذْرِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِمُؤْنَتِهِ أَوْ لِمُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ قَضَاءِ دِينٍ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لِنَفَقَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ عَلَى الْإِضَافَةِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لَا يُقَالُ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ النَّذْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ هِبَةُ الْمَاءِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ بَعْدَ
دُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَتْ الْحُرْمَةُ وَلَا الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَتَا مُنَافِيَتَيْنِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَخْصٍ قَالَ نَذَرْت هَذِهِ الْعَيْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ مَثَلًا نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِهِ فَهَلْ تُصْرَفُ قِيمَتُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ لِأَوْلَادِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا إذَا قُلْتُمْ إنَّ أَوْلَادَ ابْنَتِهِ أَوْلَادُهُ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَسْتَوْعِبُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ.
وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَمَلِكُمْ الْكَرِيمِ أَوْ يَسْتَوْعِبُ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ بِبَلَدِ النَّاذِرِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَدْفَعُ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً وَإِذَا كَانَ النَّذْرُ لِلشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ تُرْبَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ يُسْتَوْعَبُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ نَذْرُ شَيْءٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِغَيْرِهِ كَالشَّيْخِ الْمَذْكُورِ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يُحْمَلُ حَيْثُ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ النَّاذِرِ عَلَى مَا اطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ فَإِنْ اطَّرَدَ بِصَرْفِهِ لِمَصَالِحِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ أَوْ لِمَصَالِحِ مَسْجِدِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَلَدِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ فِي هَذَا النَّذْرِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي النَّذْرِ لِلْقَبْرِ أَوْ لِلْفَقِيرِ الْمَشْهُورِ بِجُرْجَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ وَجَهِلَهُ النَّاذِرُ فَلِلزَّرْكَشِيِّ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ فَإِنْ عُرِفَ قَصْدُهُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي النَّذْرِ لِلْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّصَدُّقَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَوْ مَنْ يَرِدُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ قُرْبَةٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمَنْذُورِ لَهُ وَأَوْلَادَهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّذْرِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ وَرَثَةً لَهُ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ الْعُرْفِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِأَبِيهِمْ يُصْرَفُ لَهُمْ عَمَلٌ بِهِ فِيهِمْ وَصُرِفَ لَهُمْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ ذُرِّيَّتَهُ بَلْ لِلْعُرْفِ إذْ لَوْ اطَّرَدَ بِالصَّرْفِ لِأَجَانِبَ مَخْصُوصِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ إلَّا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ لِأَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِأَمْرٍ مَرْغُوبٍ عَنْهُ لَا فِيهِ أَوْ هُوَ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَعْلِيقٌ وَهَلْ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ النَّاذِرِ قَصْدِي كَذَا مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يَقْضِ الشَّرْعُ بِكِفَايَتِهِ وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى آخَرَ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَدِينَ بِدَيْنِهِ فَقَالَ الْمَدِينُ مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْتِ شَيْءٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْذِرْ لِي بِثَلَاثَةِ آصُعٍ طَعَامٍ فِي ذِمَّتِك إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ تُوَفِّنِي دَيْنِي فَنَذَرَ لَهُ بِذَلِكَ كَذَلِكَ هَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ.
فَإِنْ قُلْتُمْ لَجَاجٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك وَدَعَوْت لِي بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ فَلَكَ كَذَا فَقَالَ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ وَيَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ النَّذْرَ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى لَغْوٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا مُبَاحٌ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِنَحْوِ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهُ.
وَجَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمًا فَكَانَ مُبَاحًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ نَذْرُ لَجَاجٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمَنْ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرُوا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيغَتِهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ شَهِيرَةٌ تَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الصِّيَغِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الْمَعْنَى إذَا قَوِيَ بِعَاضِدٍ كَمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ هُنَا فَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ بَانَ الْجَوَابُ
عَنْهُ وَأَمَّا النَّذْرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَغْوٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى حَرَامٍ أَوْ مُبَاحٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك فَعَلَيَّ كَذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى خُرُوجِ الشَّهْرِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ وَفَائِهِ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ يُوَفِّي مِنْهُ حَرَامٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُوسِرِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَمَعَ عَدَمِ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَضَمُّهُ إلَى ذَلِكَ الدُّعَاءِ لَا يَقْلِبُهُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا بَاطِلٌ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَيَبْطُلُ فِيمَا يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْوَاحِدَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ وَصَلَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ سَيِّدِي فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى هُوَ الْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فَضْلٍ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ الَّذِي شَرَحْتُمُوهُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ ظَاهِرٌ وَمَا وَجْهُ الْقَائِلِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْجِهَةِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَاضِحٌ فَجَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا لَكِنْ هَلْ لِلدَّائِنِ سَبِيلٌ عَلَى حَثِّ الْمَدِينِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ بِصُورَةِ نَذْرٍ يَلْتَزِمُهَا الْمَدِينُ بِغَيْرِ صُورَةِ لَجَاجٍ وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تبارك وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى زَمَنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يَقُولَ الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ إذَا جَاءَ الزَّمَنُ الْفُلَانِيُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ لَك كَذَا فَتَعَلَّقَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي عَادَةٍ اطَّرَدَتْ عِنْدَ قُضَاةِ الْحِجَازِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ إذَا خَافَ مِنْ إظْهَارِ فِتْنَةٍ أَوْ مُنَازِعٍ آخَرَ يَقُولُونَ لِلْبَائِعِ قُلْ نَذَرْت إلَّا قَامَ قَائِمٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَذْرٍ لَهُ بِنَظِيرِ مَا يُقَامُ بِهِ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُهُمْ إذَا أَخَذْت مِنْهُ الْأَرْضَ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ النَّذْرِ حَاكِمُ الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُكْمِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ النَّذْرُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ نَذَرَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فَهَلْ يَكُونُ نَذْرُهُ قُرْبَةً فَتَلْزَمُهُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ سُكْنَى مَكَّةَ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْقِيَاسِ فَمَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِهِ فَمَا الْفَرْقُ أَوْ يَكُونُ قِيَاسُ نَذْرِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ كَقِيَاسِ نَذْرِ الْمَشْيِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَلْزَمُ مَعَ كَوْنِ الرُّكُوبِ أَفْضَلَ وَمَا الْقِيَاسُ فِيهِ
وَالْفَرْقُ وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِهَا إتْمَامُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ تَكُونُ مَكَّةُ مُجْزِئَةٌ مَعَ الْأَفْضَلِيَّةِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ سُنَّةٌ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْذُورٍ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ نَذْرُهَا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا سُكْنَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لَا يَجُوزُ الرُّكُوبُ وَكَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ بِالذَّهَبِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ مَشَقَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ لَا تُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ.
وَكَذَا الدِّرْهَمُ فِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي مَكَّةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ جِهَادًا وَعَيَّنَ لَهُ جِهَةً فِي نَذْرِهِ أَجُزْأَهُ غَيْرُهَا إنْ سَاوَتْهَا مَسَافَةً وَمُؤْنَةً وَإِلَّا فَلَا فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ سُكْنَى مَكَّةَ لَا يُجْزِئُ عَنْ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالِاعْتِكَافِ بِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ ذَوَاتِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا هِيَ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا جَاءَ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ هُوَ مُجَرَّدُ الْفَضِيلَةِ فَأَجْزَأَ الْفَاضِلُ عَنْ الْمَفْضُولِ وَلَا عَكْسَ وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ وَنَحْوُهَا فَالثَّلَاثَةُ مُسْتَوِيَةٌ فِيهَا بِخِلَافِ السُّكْنَى كَمَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْسَ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ إلَّا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فَحَسْبُ وَالسُّكْنَى مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ الْأَفْضَلِيَّةِ لَمْ يُجْزِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَحَيْثُ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ شَيْئًا فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَهُ الْأَفْضَلُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَقِيقَةِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
نَذْرِ اللَّجَاجِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْوَارِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ تَعْلِيقُ قُرْبَةٍ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ فَهَلْ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْحَثُّ وَالْمَنْعُ لَجَاجٌ وَالْبَاقِي تَبَرُّرٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالَ بِدَعْوَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَحَدٍ فَنَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْك بِكَذَا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ تَبَرُّرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ فَبَيِّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ جَزَاكُمْ اللَّهُ تبارك وتعالى خَيْرًا.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ إمَّا تَبَرُّرٌ أَوْ لَجَاجٌ وَالتَّبَرُّرُ إمَّا مُجَازَاةٌ أَوْ مُلْتَزَمٌ ابْتِدَاءً فَالْمُجَازَاةُ هُوَ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا لَوْ قَالُوهُ أَوْ كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَأَنْ يَسْأَلَهُ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي كُلِّ مُبَاحٍ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَفْقَهُ وَأَوْضَحُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَرْغَبُ فِيهِ.
سَوَاءٌ أَكَانَ حُصُولُهُ عَلَى نُدُورٍ أَمْ لَا وَغَيْرُ الْمُجَازَاةِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مَثَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَسْمَيْنِ الْإِضَافَةَ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ فَهُوَ تَعْلِيقُ الْقُرْبَةِ بِمَا يَرْغَبُ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ هُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِتَحْقِيقِ خَبَرٍ أَيْضًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قُلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ثُمَّ الصِّيغَةُ إنْ كَانَتْ نَصًّا فِي التَّبَرُّرِ أَوْ اللَّجَاجِ فَظَاهِرٌ وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى قَصْدٍ.
وَإِنْ احْتَمَلَتْهُمَا اُشْتُرِطَ قَصْدُ النَّاذِرِ فَإِنْ قَصَدَ شَيْئًا عَمِلَ بِهِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَكَانَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلِتَبَادُرِ اللَّجَاجِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِقَصْدِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ بِخِلَافِ التَّبَرُّرِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ مِنْهَا فَاحْتِيجَ إلَى قَصْدِهِ فَإِذَا أَرَادَ بِهَا إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ سبحانه وتعالى دُخُولَ الدَّارِ بِأَنْ رَغِبَ دُخُولَهَا كَانَتْ نَذْرَ تَبَرُّرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى سُقُوطَهُ بِأَنْ يَكُونَ سُقُوطُهُ مَرْغُوبًا فِيهِ فَيَكُونُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَرْغُوبَ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ وَضَبَطَ ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْيِ فَالْإِثْبَاتُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرَ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ تبارك وتعالى لِصَلَاةٍ فَعَلَيَّ كَذَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي.
وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ إذْ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَالْإِثْبَاتِ فِي تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَأَنْ يُؤْمَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْتُهَا فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ وَالنَّفْيُ فِيهَا كَأَنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهَا التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شُرْبِهَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا وَالْمُبَاحُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُهَا فَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ كَأَنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا بِقَصْدِ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ كَإِنْ أَكَلْت كَذَا بِقَصْدِ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى لِي وَلِلَّجَاجِ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا.
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالُ إلَخْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ تَبَرُّرًا بِأَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ حِينَئِذٍ وَأَنْ يَكُونَ لَجَاجًا بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ضَرَرُ النَّاذِرِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مَرْغُوبًا عَنْهُ حِينَئِذٍ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا كَانَ لَغْوًا اعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْوَجْهَ انْعِقَادُ النَّذْرِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَجَاجٌ.
وَأَجَبْت عَنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ غَالِبًا بَلْ دَائِمًا إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرًا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيَغِهَا وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلصِّيَغِ أَكْثَرَ
وَقَوْلُ السَّائِلِ فِي إنْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ وَاللَّجَاجُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى لِلدُّخُولِ أَنَّهُ كَأَكْلِ الْخُبْزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالتَّبَرُّرُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالدُّخُولِ بَلْ أَجْرَوْهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَمِنْهُ الدُّخُولُ فَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الدُّخُولَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُ النَّذْرَيْنِ بِالْمَعَانِي الَّتِي قَرَّرْنَاهَا فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَجَاجٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى بَعْضِ أَوْلَادِهِ دُونَ بَعْضٍ وَإِذَا أَرَادَ النَّذْرَ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَنَذْرٌ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي إلَى آخِرِهِمْ مَا حُكْمُهُمْ بَيِّنُوا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي النَّذْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَالْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ وَالْجَمَالِ بْنِ حُسَيْنٍ الْقَمَّاطِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَدْرِ بْنِ شُهْبَةَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ النَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِ الْوَسِيطِ وَقَوْلِ الْوَسِيطِ كَانَ تَارِكًا لِلْأَحَبِّ عِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَأَطْنَبَ فِيهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ «أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحَلَهُ شَيْئًا دُونَ إخْوَتِهِ فَطَلَب مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَالْحُرْمَةُ مَذْهَبٌ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي إشْهَادِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَالْجَوْرُ الْمَيْلُ وَالْمَكْرُوهُ مَائِلٌ عَنْ سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَلَا دَلِيلَ لِلْحَدِيثِ فِي الْحُرْمَةِ وَقَالَ آخَرُونَ يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ يُوسُفُ الْمُقْرِي وَالْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَامَخْرَمَةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ مُرَادَهُمْ وَبِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ بِأَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ قُرْبَةً وَإِنَّمَا اقْتَرَنَ بِهَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهَا صَيَّرَهُ مَكْرُوهًا فَهَذَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا صَوْمُ الدَّهْرِ فَقَدْ أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ انْعِقَادَ نَذْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الصَّوْمِ كَرَاهَتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ
وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ عَلَى تَوَقُّفٍ فِيهِ وَعِبَارَتُهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي آخِرِ الصِّيَامِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّوَقُّفَ وَعَلَيْهِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُحَقِّقُ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ ذَلِكَ بِكَلَامٍ حَسَنٍ فَقَالَ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ هُنَا مِنْ إطْلَاقِ الِانْعِقَادِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ الْكَرَاهَةِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي نُقِلَ وُجِّهَ أَمْ لَا قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا لِأَجْلِ أَنَّ الصَّوْمَ فِي نَفْسِهِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ الْكَرَاهَةِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يُعْرَضُ لَهُ مِنْ خَوْفِ الضَّرَرِ وَالْفَوْتِ فَالْمَكْرُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّفْوِيتُ وَالتَّعَرُّضُ لِلضَّرَرِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْبَغَوِيَّ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ وَبِانْعِقَادِ النَّذْرِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُطْلَقِ أَنَّ كَلَامَ التَّنْبِيهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ إلَّا فِي قُرْبَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمِثْلُ عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ الْحَاوِي النَّذْرُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ فَلَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ أَعْطَى بَعْضَ الْأَوْلَادِ صَدَقَةً وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا قُرْبَةٌ وَإِنَّمَا كُرِهَتْ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ التَّخْصِيصِ الْمُؤَدِّي إلَى الْعُقُوقِ فَحِينَئِذٍ الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ قُرْبَتَانِ فِي ذَاتِهِمَا وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُمَا مَا يُصَيِّرهُمَا مَكْرُوهَيْنِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُمَا فَإِذَا قَالُوا بِانْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَإِنْ
قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ فَلْيَقُولُوا بِانْعِقَادِ النَّذْرِ فِي صُورَتِنَا وَلَا نَظَرَ إلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا عَلِمْت وَبِمَا تَقَرَّرَ يَنْدَفِعُ مِيلُ الْأَذْرَعِيِّ الْآخِذُ بِقَضِيَّةِ تَوَقُّفِ الرَّافِعِيِّ وَتَعَجُّبُهُ مِنْ جَمْعِ الْبَغَوِيِّ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَانْعِقَادِ النَّذْرِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالُوا فِيهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْح الْعُبَابِ
وَبَيَّنْت رَدَّ مَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ هُوَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ مِمَّا سَبَقَ تَصْرِيحُهُمْ بِانْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَمِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى حُرْمَةِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّوْمِ لِمَا عُرِضَ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ لِلْعِبَادَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَأَصْرَحُ مِمَّا قُلْنَاهُ فِي انْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ كَرَاهَتِهِ تَصْرِيحُ الشَّيْخَيْنِ بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَإِنَّهُمَا وَغَيْرَهُمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْأُسْبُوعِ صَامَ الْجُمُعَةَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ غَيْرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ أَدَاءٌ فَقَوْلُهُمْ فَهُوَ أَدَاءٌ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهَا لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِضْعَافُ عَمَّا فِيهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْته مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ النِّزَاعِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ إذَا قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ غَفْلَةً عَنْ كَلَامِهِمْ هَذَا أَعْنِي الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَكَذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَيْضًا أَنَّ مَنْ قَالَ فِي نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ بِالْبُطْلَانِ غَفَلَ عَمَّا قَالُوهُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَصَوْمِ الْجُمُعَةِ وَنَظَرَ إلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْذُورِ إعْطَاؤُهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صِفَةً تَقْتَضِي تَمَيُّزَهُ كَفَقْرٍ وَصَلَاحٍ وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُ إعْطَائِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ وَعَلَى مَا رَجَّحْتُهُ فَلَا فَرْقَ إذَا أَرَادَ النَّذْرَ لِجَمِيعِهِمْ بَيْنَ أَنْ يُنْذِرَ لِلْكُلِّ مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ تَوَاطَآ عَلَى أَنَّهُ إلَّا أَقَرَضَهُ مَالًا مَعْلُومًا نَذَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِقْرَاضِ بِمَالٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فِي ذِمَّتِهِ فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ مُدَّةَ بَقَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ حَقَّقَا ذَلِكَ هَلْ هَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَقَدْ رَأَيْت جَوَابًا لِبَعْضِ عُلَمَاءِ زَبِيدٍ بِبُطْلَانِهِ وَلِآخَرَ بِصِحَّتِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا كَوْنَ الدَّيْنِ حَالًّا وَعَجَزَ الْمَدِينُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ طُولِبَ بِهِ لَأَدَّى إلَى فَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِ أَوْ أَخَذَ ضَيْعَتَهُ الَّتِي مُؤْنَتُهُ مِنْهَا وَأَنْ يُقَيِّدَ النَّذْرَ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَبَسَطَ فِيهِ كَثِيرًا.
فَمَا التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ فِي الْفُتْيَا عَلَى غَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا تُوَاطَآ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مَالًا وَيَنْذِرُ كُلَّ سَنَةٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَأَقْرَضَهُ ثُمَّ نَذَرَ الْمُقْتَرِضُ لِمُقْرِضِهِ بِدِينَارٍ مَثَلًا كُلَّ سَنَةٍ مَا دَامَ هَذَا الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِهَذَا النَّذْرِ عَلَى قَصْدِ الْوَفَاءِ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ فَالْوَفَاءُ بِهَا مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ تِلْكَ الْمُوَاطَأَةِ قَوْلُهُمْ لَوْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى نَحْوِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أَضْمَرَهُ كُرِهَ فَكَرَاهَةُ الْعَقْدِ بِهَذَا الْقَصْدِ صَرِيحَةٌ فِي كَرَاهَةِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ وَحَيْثُ كُرِهَ النَّذْرُ وَالْمَنْذُورُ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ الِانْعِقَادُ وَقَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته كَرَاهَةُ النَّذْرِ وَالْمَنْذُورِ بِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْوَفَاءَ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فَقِيرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا وَأَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَحْضَ الْقُرْبَةِ وَالتَّصَدُّقِ أَوْ الْإِهْدَاءِ إلَى الْمُقْرِضِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا غَيْرِهَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قُرْبَةٌ كَالْمَنْذُورِ بِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَزَاءَ شُكْرِ نِعْمَةِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَلَوْ
لِإِعْسَارِهِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ صَحَّ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي آخِرِ الْأَيْمَانِ لَوْ شُفِيَ مَرِيضُهُ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضِي لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِالْمَنْذُورِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ عُلِّقَ بِشِفَائِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ هُنَا جَزَاءَ شُكْرِ النِّعْمَةِ فَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُجَازَاةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ الْحُصُولِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُعْتَمَدٌ. اهـ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ يَرْجُوهَا مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ يَحْذَرُهَا كَنَجَاةٍ مِنْ هَلَكَةٍ وَضَبَطَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْقُرْبَةَ عَلَى حُصُولِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تبارك وتعالى بِهِ وَأَنْ يَسْأَلَهُ إيَّاهُ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ بَعْدَ أَنْ افْتَرَضَ وَلَزِمَ الدَّيْنُ ذِمَّتَهُ إذَا نَذَرَ لِمُقْرِضِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا انْحَلَّ هَذَا النَّذْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَذِرْت لَك عَلَيَّ بِكَذَا كُلَّ سَنَةٍ إنْ صَبَرْت عَلَيَّ فَجَعَلَ هَذَا النَّذْرَ مُجَازَاةً لِصَبْرِهِ عَلَيْهِ وَصَبْرُهُ عَلَيْهِ فِيهِ نِعْمَةٌ لِرِفْقِهِ بِذَلِكَ الْمَالِ وَانْدِفَاعِ نِقْمَةٍ عَنْهُ مِنْ نَحْوِ مُطَالَبَتِهِ وَحَبْسِهِ وَإِضْرَارِهِ فَدَخَلَ حِينَئِذٍ هَذَا النَّذْرُ بِهَذَا الْقَصْدِ فِي كَلَامِهِمْ فَاتَّضَحَ صِحَّتُهُ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ النَّاذِرُ نَذْرَهُ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْمُبْطِلَ وَهُوَ الْحَالَةُ الْأَوْلَى السَّابِقَةُ وَالْمَعْنَى الْمُصَحَّحُ وَهُوَ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَهَا وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ السَّابِقُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ الصِّحَّةَ هُنَا فِي حَالَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إذْ الصِّيغَةُ بِوَضْعِهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا أَبْطَلَهَا قَصْدُ الْوَفَاءِ بِالْمُوَاطَأَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَنَحْوِهِ
فَإِذَا خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ الْقَصْدِ الْمُبْطِلِ لَزِمَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا إذْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا حِينَئِذٍ مُبْطِلٌ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَمِمَّا يَدُلُّ لِتَأْثِيرِ الْقَصْدِ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ الْمُحْتَمَلَةِ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ الْجِهَادَ أَنَّهَا إنْ أَرَادَتْ بِهِ الْقِتَالَ وَمُكَافَحَةَ الْأَبْطَالِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهَا وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ مُدَاوَاةَ الْجَرْحَى وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُجَاهِدِينَ انْعَقَدَ نَذْرُهَا فَقَدْ كُنَّ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يَخْرُجْنَ لِتِلْكَ. اهـ. بَلْ قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ كَجَمَاعَةٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا قَدْ تَتَرَدَّدُ الصِّيغَةُ فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَتَحْتَمِلُ نَذْرَ اللَّجَاجِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ. اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت فَرْقَهُمْ الْمُتَضَمِّنَ لِحَدِّ نَذْرِ التَّبَرُّرِ الْمُتَعَيَّنِ الْوَفَاءُ بِهِ بِمَا ذُكِرَ عَلِمْت أَنَّ النَّذْرَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ أَقْسَامِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا قَصَدَ الْوَفَاءَ بِالْمُوَاطَأَةِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِصِحَّةِ النَّذْرِ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ فَجَازَ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَفِي فَتَاوَى الْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ نَزَلَ لِآخَرَ عَنْ أَرْضٍ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِقْطَاعِ فَالْتَزَمَ الْمَنْزُولُ لَهُ بِالنَّذْرِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لَهُ مَنْشُورُ إقْطَاعِهَا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ النُّزُولِ دَفَعَ لَهُ كَذَا فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ فَأَجَابَ بِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ نَذْرُ مُجَازَاةٍ وَلَا يُنَافِيه مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَ مِنْك مِائَةَ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَنْ يُخْرِجَ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقًّا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِزَعْمِهِ وَدَفْعًا لِقَوْلِ قَائِلٍ لَيْسَ هَذَا مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمَنْزُولِ لَهُ فَإِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي أَنْ يَصِيرَ الْإِقْطَاعُ لَهُ وَهِيَ نِعْمَةٌ فَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا بِمَا يَدْفَعُهُ لِلنَّاذِرِ فَإِنْ قَبِلَ لَمْ يَسْتَنِدْ الْغَزَالِيُّ فِي الْبُطْلَانِ إلَى كَوْنِهِ نَذْرَ لَجَاجٍ
وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ فَنَذْرُ اللَّجَاجِ فِي صُورَتِهِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ قُلْنَا صُورَةَ الْغَزَالِيِّ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ الْمَدْفُوعَ هِبَةٌ وَأَمَّا هَذِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً قَصَدَ بِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكَوْنِهِ مُكَافَأَةً لِيَدٍ سَبَقَتْ مِنْ النَّازِلِ بِسَبَبِ نُزُولِهِ وَالْمُكَافَأَةُ عَلَى الْإِحْسَانِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ الْغَزَالِيِّ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَبِمَا
قَرَّرْته يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِيهَا وَعَلَى مِنْ قَيَّدَ الصِّحَّةَ فِيهَا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ وَيُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُصَرِّحِ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَمَّنْ نَذَرَ لِعَمْرٍو بِمَالٍ وَمُرَادُهُ إلَّا لَمْ يَبِعْ بَكْرٌ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَمُرَادُهُ أَنَّ بَكْرًا لَا يَتْرُكُ الْبَيْعَ بَلْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مَا حُكْمُ النَّذْرِ وَعَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ تَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا إنَّ مَعَك حَوْلًا ضَيْعَةً نَفِيسَةً فَقَالَ كَالْمَازِحِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ أَرَدْت غَيْرَهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِعَمْرٍو فِي صُورَتِهِ الْمَذْكُورَةِ يَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ وَالتَّبَرُّرَ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ فَعَدَمُ بَيْعِ بِكْرٍ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَإِنْ أَحَبَّهُ النَّاذِرُ وَرَغِبَ فِيهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَهُ فِيهِ كَانَ النَّذْرُ تَبَرُّرًا فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ لِعَمْرٍو وَإِنْ كَرِهَهُ النَّاذِرُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ عَمْرًا مَا الْتَزَمَهُ لَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِقَوْلِهِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك وَإِنْ كَانَ مَازِحًا عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَهُوَ صَحِيحٌ مَعَ الْمَزْحِ أَيْضًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت غَيْرَهَا لِأَنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَنَذَرَ عَلَى آخَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ مَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ هُوَ الضَّامِنُ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصِيلِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ وَلَيْسَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ النَّذْرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قَيَّدَا لُزُومَ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ نَذَرَ مَالَهُ لِسَبِيلِ اللَّهِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ عَلَى الْغُزَاةِ.
فَقَالَا وَمَحَلُّ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَالِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِذَلِكَ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لَهُ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ انْعِقَادُ النَّذْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ لِدَيْنِهِ كَانَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْوَفَاءِ بِهِ مُتَعَيِّنًا لِلْوَفَاءِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ هُنَا وَانْعِقَادِهِ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ هُنَا مُتَعَيِّنُ الصَّرْفِ إلَى الدَّيْنِ أَوْ الْعِيَالِ أَوْ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ وَحَيْثُ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ الذَّاتِيَّةَ.
وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا حُرْمَةٌ أَوْ كَرَاهَةٌ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لَيْسَ قُرْبَةً مُطْلَقًا لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَأَمَّا إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَهُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الصَّدَقَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ إنَّمَا هِيَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ يَمْنَعْ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجَ قَوْلِهِمْ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ لِنَحْوِ فَقْرٍ أَوْ عِلْمٍ وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ فَالْحُرْمَةُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ زَوَالُ الْحُرْمَةِ بِرِضَا الدَّائِنِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قُلْت إذَا وُجِدَ رِضَاهُ خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ فَرْضِهَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى صَرْفِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي الدَّيْنِ وَمَعَ الرِّضَا لَا احْتِيَاجَ فَلَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ لَك ذَلِكَ فِي النَّذْرِ وَاتَّضَحَ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك إلْحَاقُ الْوَقْفِ بِالنَّذْرِ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا قُرْبَةٌ وَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي مَكْرُوهٍ وَلَا مَحْرَمٍ فَلَوْ كَانَ لِمَدِينٍ أَرْضٌ مُتَعَيِّنَةُ الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَا يَرْجُو لَهُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ غَيْرِهَا فَوَقَفَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ وَقْفُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَصْبَحِيَّ أَطْلَقَ فِي فَتَاوِيهِ صِحَّةَ وَقْفِ الْمَدْيُونِ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْته بِأَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ كَانَ مَدِينًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذْ حَقِيقَةُ الضَّمَانِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَإِذَا ثَبَتَ لُزُومُ الدَّيْنِ لَزِمَتْهُ فَيَكُونُ نَذْرُهُ وَوَقْفُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ الضَّامِنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرٌ
وَلَا وَقْفٌ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ عَلَى آخَرَ بِقِطْعَةٍ مِنْ دَارِهِ ثُمَّ مَنَعَ النَّاذِرُ الْمَنْذُورَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرُورِ فِي الدَّارِ إلَى الْقِطْعَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِقِطْعَةٍ مِنْ أَرْضٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْمَمَرُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا لِتَوَقُّفِ النَّفْعِ عَلَيْهَا فَهُوَ كَبَيْعِهَا بِحُقُوقِهَا فَإِنْ شَرَطَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَوَنَفَاهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ حَالًّا.
وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ لَهُ بَعْدُ وَشَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَحَيْثُ اشْتَرَى مَا يَلِي مِلْكَهُ أَوْ الشَّارِعَ مَرَّ فِي أَحَدِهِمَا لَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا مَرَّ مِنْهَا إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ وَمَا لَا فَلَا غَالِبًا فِيهِمَا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ نَحْوُ حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ فَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّصْدِيقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ بِشِقِّهَا فَكَذَا فِي الْهِبَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهْمٌ لِمَا فِي الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَتَمَوَّلُ لِحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ زَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ. اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَلْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ نَقْلَ الْيَدِ عَنْهُ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ تَمْلِيكَهُ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَذْرُ قِطْعَةِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى بَيْعِهَا فَيَأْتِي فِي نَذْرِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَيْعِهَا فَيَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَإِنْ احْتَفَتْ بِمِلْكِ النَّاذِرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ النَّاذِرُ بِحُقُوقِهَا وَيَبْطُلُ إنْ شَرَطَ لَهُ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ مُبْهَمٍ أَوْ نَفَاهُ وَإِذَا نَذَرَ لَهُ بِمَا يَلِي مِلْكَهُ أَوْ الشَّارِعَ مَرَّ فِي أَحَدِهِمَا لَا فِي مِلْكِ النَّاذِرِ إلَّا أَنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا وَمَنْ نَذَرَ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا مَرَّ مِنْهُمَا إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِمِلْكِهِ أَوْ بِشَارِعٍ فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ وَلَمْ يَكُنْ تَحْصِيلُهُ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ هَذَا كُلُّهُ مَا يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ النَّذْرِ عَلَى الْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هِبَتِهَا فَيَأْتِي فِي نَذْرِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هِبَةِ مَا لَا يَتَمَوَّلُ فَعَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ يَصِحُّ نَذْرُهَا مُطْلَقًا وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ إلَيْهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمِلْكِهِ أَوْ بِالشَّارِعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْمُرُورِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَا يَأْتِي ذَلِكَ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنَّذْرِ بِهَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهَا بِأَنْ شَرَطَ النَّاذِرُ عَدَمَ الْمَمَرِّ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ آخَرَ لَهَا نَقْلُ الْيَدِ عَنْهَا لَا تَمْلِيكُهَا وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ
وَكَذَا عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ إنْ أَرَادَ بِالنَّذْرِ بِهَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ تَمْلِيكَهَا فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ هُوَ الثَّانِي أَعْنِي قِيَاسَ النَّذْرِ عَلَى الْهِبَةِ لَا عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنَّذْرِ تَجَانُسًا أَعَمَّ وَهُوَ مُطْلَقُ إفَادَةِ الْمِلْكِ وَبَيْنَ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ تَجَانُسًا أَخَصَّ وَهُوَ إفَادَةُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةً بِذَاتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّشَابُهَ الْأَخَصَّ أَوْلَى رِعَايَةً مِنْ التَّشَابُهِ الْأَعَمِّ فَكَانَ إلْحَاقُ النَّذْرِ بِالْهِبَةِ أَوْلَى وَأَحَقَّ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ نَذْرُ الْقِطْعَةِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمِنْهَاجِ وَكَذَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ أَرَادَ نَقْلَ الْيَد لَا التَّمْلِيكَ وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ مِنْ مِلْكِ النَّاذِرِ إلَيْهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمِلْكِهِ أَوْ بِشَارِعٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ نَذَرْت عَلَيْك بِكَذَا صِيغَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا وَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ الصِّيغَةِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا لِمَنْ أَرَادَ النَّذْرَ بِمَالٍ عَلَى آخَرَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ نَذَرْت مِنْ صَرَائِحِ النَّذْرِ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَحَلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُلْتَزَمُ قُرْبَةً أَوْ أُضِيفَ لِمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ كَنَذَرْتُ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ نَذَرْت لِفُلَانٍ بِكَذَا قَالَ فَهَذِهِ مُحْتَمَلَةٌ لِلنَّذْرِ وَغَيْرِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا كِنَايَةٌ. اهـ. وَكَلَامُ الْأَنْوَارِ قَدْ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا صَرِيحٌ مُطْلَقًا لِشُهْرَتِهَا
وَوُرُودِ أَصْلِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَذَرْت لَك وَنَذَرْت عَلَيْك بِكَذَا وَالْأَوْلَى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْذِرَ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك أَوْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْك بِهِ أَوْ بِكَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يَنْذِرَ بِمَالٍ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدٍ صَالِحٍ كَيْفَ الصِّيغَةُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقِفَ قِطْعَةً مِنْ الْأَرْضِ لِيَحْصُلَ مِنْ غَلَّتِهَا زَادٌ وَيَصْرِفُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَشْهَدٍ صَالِحٍ مُعَيَّنٍ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَهَا لِيَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ لِيَسْرُجَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَيْفَ كَيْفِيَّةُ الصِّيغَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَيْفِيَّةُ صِيغَةِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِهَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَصَالِحِهِ أَوْ لِمَصَالِحِ هَذَا الْمَشْهَدِ أَوْ الْمُقِيمِينَ بِهِ أَوْ نَحْوِهِمْ أَوْ أَنْ يَقُولَ وَقَفْت هَذَا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ بِمَحَلِّ كَذَا لِيَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ زَادًا وَيُصْرَفَ إلَيْهِمْ أَوْ وَقَفْت هَذَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ لِيُسْرَجَ فِي مَحَلِّ كَذَا وَمَرَّ أَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَى السِّرَاجِ نَحْوُ الشَّمْعِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْوَقُودِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَلَا التَّنْوِيرِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ حُكْمِ النَّذْرِ لِلْكَافِرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوز النَّذْرُ لِلْكَافِرِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ كَمَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ لِذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الشَّخْصِ إذَا نَذَرَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَمْ لَا أَفْتَى الْفَقِيهُ جَمَالُ الدِّينِ الْوَصِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْبَصَّالِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَمُ فَفِي الرَّوْضَةِ الصَّدَقَةُ الْمَذْكُورَةُ كَالزَّكَاةِ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَمَا لَا يَرْجِعُ فِيمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَمَا الْأَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ مَأْخَذَ مَنْ أَفْتَى بِالرُّجُوعِ إلْحَاقُ النَّذْرِ فِي الْحُكْمِ بِالصَّدَقَةِ مَسْلُوكًا بِهِ مَسْلَكٌ جَائِزُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ فِي الْهِبَةِ مِنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ فِي الْحَدِيثِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَكِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مَنْعَ الرُّجُوعِ قَالَ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُتَصَدِّقِ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِهِ فَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَا وَجْهَ لِلْإِفْتَاءِ بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ فَلَهُ وَجْهٌ لَكِنْ أَوْجَهُ مِنْهُ مُفَارَقَةُ النَّذْرِ لِلصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ فَالرَّاجِحُ مَنَعَ مِنْهُ الرُّجُوعَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَتْ صِيغَةُ نَذْرٍ صَحِيحَةٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ لِلْآخَرِ بِرُبُعِ مَالِهِ مَثَلًا مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ كَقَبْلِ مَرَضِ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ إنْ مَاتَ بِمَرَضٍ وَسَاعَةَ إنَّ مَاتَ فَجْأَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ فَهَلْ يَتَنَاوَلُ النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ الْمَذْكُورُ مَا حَدَثَ مِنْ مَالِ النَّاذِرِ وَلَوْ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تَلَفُّظِهِ بِالنَّذْرِ وَهَلْ هُوَ كَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ لِصَاحِبِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةِ التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ عَيَّنَهُ لِلنَّذْرِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ لَا وَمَا الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُهُمْ إنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّذْرُ فَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِنَخْلَةٍ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضَهُ مَثَلًا لَمْ تَدْخُلْ ثَمَرَتُهَا الْحَادِثَةُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الشِّفَاءُ فِي صُورَتِنَا بِخِلَافِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ تَأَبَّرَ أَوْ لَا وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَمَادَّةُ نَظَرِهِ النَّظَرُ إلَى مَا فِي الْبَيْعِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى مِنْ النَّذْرِ فَاقْتَضَى اسْتِتْبَاعَ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ ضَعِيفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ شَرْطُهُ فَيَكُونُ لَغْوًا مِنْ أَصْلِهِ فَلَمْ يَقْتَضِ الِاسْتِتْبَاعَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ فَرْقٌ آخَرُ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت مِنْهُ مَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الْمَنْذُورِ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ الشَّرْطِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَا حَدَثَ لَهُ مِنْ مَالٍ لَمْ يَكُنْ حَالَ النَّذْرِ هُوَ وَلَا أَصْلُهُ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ الْمَالِ
يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ بِرُبُعِ مَالِي فَلْيَدْخُلْ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى النَّخْلَةِ الْمَنْذُورَةِ قُلْت نَفْيُ عَدَمِ دُخُولِهَا مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الشَّجَرَةَ دَخَلَتْ ثَمَرَتُهَا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ هُنَا مُطْلَقًا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَلْحَظُ فِي عَدَمِ دُخُولِهَا شُمُولَ الِاسْمِ لَهَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِنَّمَا الْمَلْحَظُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُمْ النَّذْرَ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَإِلْغَائِهِ فِي غَيْرِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ»
فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَالِهِ الْمَنْذُورِ بِرُبُعِهِ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ دُخُولِهِ إلَّا النَّذْرُ وَالنَّذْرُ غَيْرُ صَالِحٍ لَأَنْ يَتَنَاوَلَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ عِنْدَ صِيغَتِهِ فَتَعَذَّرَ دُخُولُ مَا حَدَثَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ تَابِعًا أَوْ مُسْتَقِلًّا وَكَذَا الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يَشْمَلْهَا وَلَمْ تَتْبَعْ أَصْلَهَا فِي ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَوَتْ الصُّورَتَانِ أَعْنِي نَذْرَهُ بِرُبُعِ مَالِهِ وَنَذْرَهُ بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِرِ الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَبِهِ ظَهَرَتْ أَيْضًا أَوْلَوِيَّةُ عَدَمِ دُخُولِ الْمَالِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ التَّبَعِيَّةَ فِيهَا لِلشَّجَرَةِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمَالِ الْحَادِثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْجُودِ حَالَ النَّذْرِ بَلْ عِنْدَهُ التَّحْقِيقُ لَا تَبَعِيَّةَ هُنَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِثُلُثَيْ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ وَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَلْ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَ النَّذْرِ مَالِكًا لِمَا يَتَحَصَّلُ لَهُ مِنْ الْمُغَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي التَّتِمَّةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافَ هَذَا وَإِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ الْمُغَلِّ بِحُصُولِهِ أَيْ يَصِيرُ صَدَقَةً بِذَلِكَ فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذُكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ. اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَتَيْهِ هَاتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى فِيهَا نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِمُعَيَّنٍ قَبْلَ مِلْكِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْتِزَامُ التَّصَدُّقُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ مَا يُصَرِّحُ بِهَذَا الْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِ الْقُرْبِ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ يُضِيفَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا حَدَثَ وَأَيْضًا فَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ فَفِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِ النَّذْرُ بِالْمَجْهُولِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوِيمٌ فَقَدْ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْحِلِّيُّ بِأَنَّهُ يَصِحُّ النَّذْرُ بِحِمْلِ الْبَهِيمَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ بِثُلُثَيْ غَلَّةٍ سَتَحْصُلُ لَهُ صَحَّ نَذْرُهُ أَيْ بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ. اهـ. وَأَفْتَى الْقَاضِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمُسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ فَشُفِيَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَهُ نَذْرُ الْهَدِيَّةِ أَوْ الصَّدَقَةِ لَزِمَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَوْلُ الْأَنْوَارِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْبَاقِي أَوْ إعْتَاقُهُ وَفِي الْكِفَايَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيُّ بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا مَا حَدَثَ بِخِلَافِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ فِيهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَقْدًا جَائِزًا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِخِلَافِ النَّذْرِ وَقَالَ كَثِيرُونَ بِصِحَّتِهَا مِنْ السَّفِيهِ وَبِبُطْلَانِهِ مِنْهُ فَنَاسَبَ كَوْنَ الْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ فِيهِ حَالًّا اعْتِبَارُ وُجُودِ مَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِهِ حَالَ النَّذْرِ وَعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِانْقِضَاءِ الِالْتِزَامِ فِيهِ بِانْقِضَاءِ صِيغَةِ النَّذْرِ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَمَّا أُنِيطَ الِالْتِزَامُ فِيهَا بِالْمَوْتِ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَالَ الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا بَلْ عِنْدَ مَا نِيطَتْ بِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَمِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَلَا كَذَلِكَ النَّذْرُ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِيهِ فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُهُ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ قُلْت الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا لَا مُعَاوَضَةَ
فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَسَاوَاهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَصَحَّ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَنَحْوُهَا حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تُسَاوِيهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْجَاهِ بَيْنَهُمَا فِيهِ تُسَاوِيهِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَنْبَنِي عَلَى رَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَا لَوْ عَلَّقَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَهُ أَيْضًا بِقُدُومِ غَائِبِهِ فَالْقَاضِي يَقُولُ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُ. الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي وَيُعْتِقُ عَنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الشِّفَاءُ وَإِنْ سَبَقَهُ الْقُدُومُ لِأَنَّهُ بَانَ بِالشِّفَاءِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ لِسَبْقِهِ.
وَالْعَبَّادِيُّ يَقُولُ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْهُمَا فَإِنْ وُجِدَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَثَمَرَةُ الْإِقْرَاعِ وَإِنْ اتَّحَدَ الزَّمَنُ فِي عِتْقِهِ حِينَئِذٍ بَيَانُ وُقُوعِهِ عَمَّنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ مِنْ أَحَدِ النَّذْرَيْنِ وَإِنْ كُنَّا لَا نُوجِبُ لِلْآخَرِ شَيْئًا كَمَا فِي السَّبْقِ هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ فَبِالشِّفَاءِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ مَعَهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ الثَّانِي وَعَتَقَ الْعَبْدَ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ لَكِنْ خَصَّهُ بِمَا إذَا قَالَ إنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَشَبَهُهُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا.
وَقَالَ هَذَا عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ إنْ كَانَ عَلَيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَإِلَّا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَعِتْقُهُ عَنْ الْيَمِينِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ الْقَتْلِ وَقَعَ عَنْ الْيَمِينِ وَإِلَّا فَعَنْ الْقَتْلِ وَقَالَ فِيمَا إذَا أَبْدَلَ فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ بِقَوْلِهِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقُهُ أَنَّهُمَا حَصَلَا وَلَا عِتْقَ لِلْعَبْدِ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا عَتَقَ وَلِظُهُورِ عَدَمِ الْفَرْقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيْنَ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ وَعَلَيَّ عِتْقٌ وَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ وَإِنْ اقْتَرَفَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ مِنْ إنْشَاءِ عِتْقٍ بِخِلَافِ نَحْوِ عَبْدِي حُرٌّ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَإِلَّا فَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ الْوَقْفُ فِي الْأُولَى لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا إلَخْ ظَاهِرٌ فِي التَّرْتِيبِ مَا بَعْدَ الْأَعْلَى عَدَمُ الشِّفَاءِ.
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّفَاءُ نَفَذَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفُذْ وَهَذَا عَيْنُ الْوَقْفِ الَّذِي سَبَقَ بِخِلَافٍ مَعَ إسْقَاطِ إلَّا فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ تَعْلِيقَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَلَهُ فَاتَّضَحَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَتَفْرِقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى شَيْخَهُ الْقَاضِيَ أَطْلَقَ إلْغَاءَ النَّذْرِ الثَّانِي وَالْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ أَطْلَقَ انْعِقَادَهُ وَعَلَى مَا فِي غَيْرِهَا أَطْلَقَ وَقْفَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْإِطْلَاقَيْنِ بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى حَالِهِ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِمَا مَرَّ هَذَا مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَسْأَلَتُنَا.
فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي تَكُونُ التَّصَرُّفَاتُ فِي النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بَاطِلَةً لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ هُنَا بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْقُدُومُ أَوْ لَا لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْذُورِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقُدُومُ أَوَّلًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بَاطِلٌ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْذُورِ الْعِتْقَ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّقِ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الثَّانِي لَزِمَ فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ إلْغَاءُ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ نَحْوِ الْبَيْعِ لَزِمَ إلْغَاءُ الْعِتْقِ مَثَلًا فَإِذَا لَمْ يَسْمَحْ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَيْضًا بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّرْتِيبُ عَلَيْهِ نَاجِزًا وَقَطْعِيًّا فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْمَحَ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانِ الْمَنْذُورِ لَا إلَى خِلْفٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي.
وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْعَبَّادِيِّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ النَّذْرِ مَا لَمْ يُلَاحِظْ الْفَرْقَ الْآتِي وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ الْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا مَرَّ يَكُونُ التَّصَرُّفُ
مَوْقُوفًا فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِأَنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ قُلْت فَمَا الرَّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ حَتَّى نَعْرِفَ الرَّاجِحَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت الرَّاجِحُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَإِنْ اُعْتُرِضَ بِمَا سَبَقَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِمَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ تَالِيَ قُدُومِهِ.
وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَعَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَ قُدُومِهِ فَقَدِمَا مَعًا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ صَارَ الْخَمِيسُ مِنْ أَوَّلِ نَذْرَيْهِ لِسَبْقِ وُجُوبِهِ وَقَضَى يَوْمًا لِلنَّذْرِ الثَّانِي لَتَعَذُّرِ صَوْمِهِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَلْحَظْ مَا سَنُقَرِّرُهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَكَانَ هَذَا مُسْتَنَدَ إفْتَاءِ الشَّيْخِ الْفَتَى بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ.
فَقَالَ حِينَ سُئِلَ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَنْذُورَ بِهَا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ إنَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْإِرْشَادِ فِي الْإِيلَاءِ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ مِرَارًا وَكَذَا شَيْخُهُ التَّقِيُّ الْفَتَى وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ خِلَافُهُ ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ لَكِنْ بِمَا فِيهِ أَنْظَارٌ شَتَّى لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَبَيَّنْتُهَا وَأَفْتَى بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ فَرْقٌ بَيْنَ صُورَةِ الْأَصْحَابِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَبَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ كَلَامُ الْقَائِلِينَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ قُلْت نَعَمْ.
وَهُوَ أَنَّ صُورَةَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا جَرَى فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ لَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُوَافِقُهُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ عَتَقَ مِثْلُهُ فَلَمْ يَفُتْ عَلَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ شَيْءٌ بِالتَّعْلِيقِ الثَّانِي فَلِذَا صَحَّ وَيُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلِذَا جَرَى فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ بَسْطُهُ وَأَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ يُضَادُّ النَّذْرَ وَيُبْطِلُ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمَنْذُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِأَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ أَعْنِي النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِنَحْوِ الشِّفَاءِ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ فِيهِ مُقَابَلَةٌ وَشَوْبُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّ النَّاذِرَ جَعَلَ الْعِتْقَ مَثَلًا فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ مَثَلًا فَاقْتَضَتْ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ الْعَائِدُ نَفْعُهَا عَلَى النَّاذِرِ الْمُعَلَّقِ غَالِبًا تَأَكُّدَ ثُبُوتِ حَقِّ الْمَنْذُورِ فَلِذَا امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُكَاتَبَ لِأَنَّ عِتْقَهُ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ مُعَاوَضَةً وَمُقَابَلَةً فَكَمَا امْتَنَعَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُكَاتَبِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فَكَذَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَنْذُورِ الْمَذْكُورِ نَظَرًا لِتِلْكَ الشَّائِبَةِ الَّتِي فِيهِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا كِتَابَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ التَّأَكُّدُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مَحْضُ تَبَرُّعٍ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِسَبَبِهِ حَتَّى يُمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ كَمَا أَنَّ الْفَرْقَ السَّابِقَ بَيْنَ صُورَتِنَا وَصُورَةِ الْأَصْحَابِ وَاضِحٌ وَبِهِ اتَّضَحَ أَنَّ لِلْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَجْهًا وَجِيهًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورَيْنِ وَإِنَّ تَخْرِيجَ صُورَةِ السُّؤَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ السَّابِقَةِ أَوْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَتِمَّ لِمَا عَلِمْت مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا فِي الْإِسْعَادِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَيْ الْإِرْشَادِ وَمَا جُعِلَ نَذْرًا أَوْ أُضْحِيَّةً مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَهَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ لِلَّهِ زَالَ مِلْكُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَامْتَنَعَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ لِلصَّدَقَةِ إذَا حَصَلَ هَذَا الشِّفَاءُ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي النَّاذِرِ بَعْدَ إيقَاعِ الْإِقَالَةِ إذَا رَدَّ الْبَائِعُ مِثْلَ ثَمَنِهِ أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْإِسْعَادِ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ بِالشِّفَاءِ فَيَمْتَنِعُ تَصَرُّفُ النَّاذِرِ فِيهِ بَعْدَ الشِّفَاءِ صَحِيحٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ.
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ
تَعَيَّنَ عِتْقُهُ لَكِنْ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا مَرَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَلِهَذَا لَوْ أُتْلِفَ وَجَبَ تَحْصِيلُ بَدَلِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَقَدْ تَلِفَ وَمُسْتَحِقُّو مَا ذُكِرَ بَاقُونَ وَلَوْ الْتَزَمَ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ التَّصَدُّقَ بِدَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ عَنْهَا دَرَاهِمَ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَأَلْحَقَ بِهَا كُلَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَزَمَ أُضْحِيَّةً أَوْ عِتْقًا ثُمَّ عَيَّنَ عَنْ ذَلِكَ شَاةً أَوْ عَبْدًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَمَا لَوْ عَيَّنَ ابْتِدَاءً هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الْإِسْعَادِ وَأَمَّا مَا أَرَادَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ عِبَارَتِهِ مَا الَّذِي أَرَادَهُ بِذَلِكَ فَلْيَتَبَيَّنْ مُرَادَهُ حَتَّى يَعْرِفُ فَيُبَيِّنُ حُكْمَهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ إنْ شُفِيَ مَرِيضُهُ فَشُفِيَ ثُمَّ أَرَادَ التَّقَابُلَ فِيهِ هُوَ وَالْبَائِعُ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالشِّفَاءِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ أَوْ تَلِفَ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِهِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّ عَيْنِ الثَّمَنِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ بَدَلٍ وَلَا تُقَاسُ الْإِقَالَةُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الشِّفَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَصَرُّفًا فِيهِ بَلْ فِي بَدَلٍ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الشِّفَاءِ تَصِحُّ وَفَائِدَتُهَا رُجُوعُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ النَّاذِرَ مَا مَرَّ أَرَادَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الشِّفَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قُلْنَا هَذَا السُّؤَالُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ
فَيُقَالُ مَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ مَالٍ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الشِّفَاءِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي صَرَّحُوا بِهِ هُوَ الثَّانِي حَيْثُ قَالُوا إنْ تَعَلَّقَ النَّذْرُ بِعَيْنِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْهُ وَعِبَارَتُهُ عَلَى غَلَاقَتِهَا التَّامَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ مِنْهَا غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ مَتَى اسْتَحَقَّ مَبِيعُك أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْك أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْته بِمَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا فَعَلَى أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ لِأَنَّ الْهِبَةَ.
وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُبَاحَةِ وَنُظِرَ فِيهِ بِمَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَهُ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الِالْتِزَامَ فِي هَذِهِ يَصْدُقُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ وَهُوَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ سبحانه وتعالى لِفِعْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي نَذْرِ. اللَّجَاجِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَحْتَمِلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحِقًّا وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَأْتِي ثَمَّ فَتَفْصِيلُ بَعْضِهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ بِالْهِبَةِ لَهُ كَالْعَالِمِ وَالصَّالِحِ فَيَلْزَمُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُرَدُّ بِمَا تَقَرَّرَ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ.
ثُمَّ قُلْت فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ إنَّ كَلَامَهُمْ نَاطِقٌ بِأَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرِهِ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ فَلَوْ كَانَ قُدُومُ فُلَانٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَمْرَدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وَرَدَّهُ شَيْخُنَا أَيْ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ سَهْوٌ مُنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِالْمُعَلَّقِ بِهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَا الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ السَّهْوُ كَيْفَ وَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَدْ نَقَلُوا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ هَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْت عَبْدِي لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَكَمَا إنْ طَلَبَ هَلَاك مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ كَذَلِكَ طَلَبَ قُدُومَ مَنْ مَرَّ فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
وَقَدْ ضَبَطَ الصَّيْمَرِيُّ مَا يَكُونُ النَّذْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ بِأَنَّهُ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ أَمْرًا مُبَاحًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمُبَاحِ أَوْ يَخْتَصُّ بِمُبَاحٍ يُقْصَدُ وَيَنْدُرُ حُصُولُهُ فَالْحَاصِل أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً
فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيَتَّحِدَانِ مِنْ حَيْثِيَّةِ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنه قُرْبَةً فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالسَّهْوِ هُوَ السَّهْوُ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَفِدْهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَاعْتَمَدْت أَيْضًا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فَإِنِّي لَمَّا نَقَلْتُهُ عَنْهُ فِيهِ وَقُلْتُ وَجْهُ جَعْلِ الْغَزَالِيِّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ مَعَ أَنَّ الْهِبَةَ قُرْبَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهَا وَجَعْلَهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً وَالْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ لَا يَكُونُ إلَّا قُرْبَةً كَمَا مَرَّ وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ أَيْضًا بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ لَا يُقْصَدُ بِالْهِبَةِ لَهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهُ تَعَالَى كَهِبَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ أَوْ بِأَنَّ هَذَا فِيهِ تَعْلِيقٌ لِلنَّذْرِ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ وَشَرْطُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا عَلَى مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلَ فَلِمَا قَرَّرْته قَبْلَهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ إطْلَاقَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ نَذَرَ عَلَى آخَرَ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ مَا حُكْمُهُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ بُطْلَانُ النَّذْرِ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَنْذُورِ كَوْنُهُ قُرْبَةً غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُسَمَّى نَذْرًا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ النَّذْرَ لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ الْتِزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ وَنَذْرُ الثَّوَابِ لَا الْتِزَامَ فِيهِ وَلَا وَعْدَ.
فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعِدُ أَوْ يَلْتَزِمُ بِمَالِهِ أَوْ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَعْدُ بِهِ وَلَا الْتِزَامُهُ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْحُصُولِ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ مِنْهَا الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّى لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ مَعْصُومٌ بَلْ سَبِيلُهُ الْخَشْيَةُ وَمَزِيدُ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى وَهَذَا هُوَ الَّذِي آلَ بِكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا أُثِرَ عَنْهُمْ مِنْ اسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَذَابَ قُوَاهُمْ وَطَهَّرَ سِرَّهُمْ وَنَجَوَاهُمْ.
وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْأَمْرِ لِبَاطِنِهِ فَقَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ صِحَّةَ عِبَادَاتِهِ لِظَنِّهِ اسْتِيفَاءَ شُرُوطِهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَكُونُ مَفْقُودًا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ كَخَبَثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا يَعْلَمُهُ وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحِيحَةٌ فِي ظَنِّهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً وَإِنْ أُثِيبَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَقُرْآنٍ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالثَّوَابُ لَيْسَ قَابِلًا لِلنَّذْرِ بِهِ بِوَجْهٍ فَكَانَ الْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ لِزَوْجِهَا بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ تُوُفِّيَتْ بِذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ بِمَرَضٍ آخَرَ مَا حُكْمُ نَذْرِهَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلزَّوْجِ بِذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْأَجْنَبِيِّ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
فَقَالَ الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ أَنْ يَنْذِرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَضِيعُ عَلَى الْوَارِثِ حَقُّهُ بِطَرِيقٍ لَا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى نَقْضِهِ فَالْمُعْتَمَدُ الْحِسَابُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِ الْفُورَانِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ أَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَمْ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ قَالَ إنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ يُشِيرُ لِلْفُورَانِيِّ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَقَالَ وَالنَّذْرُ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ الَّتِي تَجْرِي أَسْبَابُهَا فِي الْمَرَضِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَقْفَةٌ وَقَدْ يُرَجَّحُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ حِرْمَانُ الْوَارِثِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ
يَتَصَدَّقَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَلْ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ رَدُّهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. اهـ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ نَحْوُهُ بِصَدَقَةٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ السَّابِقُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ بَلْ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ النَّذْرَ فِي الْمَرَضَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ لِوَارِثٍ وَحَيْثُ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِالْمَرَضِ الْوَاقِعِ فِيهِ النَّذْرُ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَى ذَلِكَ الْمَرَضِ وَكَانَ النَّذْرُ أَوْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ فِيهِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ حُدُوثِ مَرَضٍ آخَرَ مَخُوفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَا يُرَاعَى وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَوَى أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعَمِّرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا أَوْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ بِذَلِكَ مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِي الْمَوْضِعُ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا نَذْرُ بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَحِلُّ الْبِنَاءُ فِيهِ فَصَحِيحٌ سَوَاءٌ أَجْتَمَعَ النَّاسُ ثَمَّ غَالِبًا أَمْ نَادِرًا وَخَرَجَ يَحِلُّ بِنَاؤُهُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ بِنَاؤُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ كَبِنَائِهِ عَلَى قَبْرٍ لَمْ يَنْدَرِسْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَاِتِّخَاذُهُ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَمِنْهَا الْأَرَاضِي الْمَلْعُونَةُ أَوْ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ هَذَا إنْ بَقِيَ الْمَعْنَى الَّذِي كُرِهَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ حَمَّامٍ مَسْجِدًا فَإِنَّ الْوَجْهَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ لِزَوَالِ عِلَّتِهَا.
كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ أَوْ لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَائِهِ وَلَوْ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِذَاتِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْجِدًا وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إذَا صَحَّ نَذْرُ بِنَائِهِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُعَيَّنُ لِلْبِنَاءِ أَحَلَّ أَوْ أَبْعَدَ عَنْ الْمُؤْذِيَاتِ بِمَنْ بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّعْيِينِ هُنَا وَعَدَمِهِ فِي مَسَائِلَ كَالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمِ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَدُّقُ بَدَلُهُ بِدِينَارٍ أَيْ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْرًا وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ فَقَالَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مُسَطِّرُ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فَلِأَنَّ أَنِّي نَذَرْت عَلَى نَفْسِي نَذْرَ قُرْبَةٍ وَتَبَرُّرٍ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِ ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمُتَجَدِّدَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ قِطَعِ فِضَّةٍ سُلَيْمَانِيَّةٍ وَهَذَا خَطِّي شَاهِدٌ عَلَيَّ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَضْمُونِ ذَلِكَ جَمَاعَةً عُدُولًا فَهَلْ يَلْزَمُ هَذَا النَّذْرَ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَلْزَمُ وَلَمْ يُنْفِقْ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ لَا.
وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ فَمَنْ الَّذِي يُطَالِبُهُ بِهِ أَهُوَ ذُو الْعِيَالِ أَمْ الْعِيَالُ أَنْفُسُهُمْ وَإِذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَ ذُو الْعِيَالِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ أَفْتُوَنَا مَأْجُورِينَ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ كَثُرَ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَذَرْت هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ إقْرَارٌ فَقَالَ بِكُلٍّ جَمْعٌ وَانْتَصَرُوا لَهُ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الصَّرَاحَةِ بَعِيدٌ وَحِينَئِذٍ فَالنَّذْرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ وَلَمْ يُنْفِقْ فِيهَا صَارَتْ حِصَّةُ الْمَاضِي دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ أُعْسِرَ أَخْذًا مِمَّا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُلَانٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ وَأُعْسِرَ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ حِصَّةُ مَا أُعْسِرَ عَنْهُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ فِي الصَّوْمِ وَالْمُطَالِبُ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ وَالْمُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَعَلَى النَّاذِرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ أَدَّى
الْمَنْذُورَ بِهِ إلَى الْمَنْذُورِ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَإِلَى وَلِيِّهِ وَقَوْلُهُ وَالْمُتَجَدِّدِينَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلنَّذْرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْهِبَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَنْفَعَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ مَنْ سَيُوجَدُ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمَنْذُورِ بِهَا بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا تَصَرَّفُوا فِيهَا بِذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ مَنْ سَيُوجَدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ خَاصَّةً لَا عَلَى غَيْرِهِمْ فَعَلَى هَذَا إنْ حَدَثَ لِابْنِ عَمِّهِ عِيَالٌ صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ عِيَالٌ وَأَيِسَ مِنْ حُدُوثِهِمْ صَحَّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالنِّصْفِ وَبَطَلَ فِي النِّصْفِ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةٍ إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ يُمْكِنُ وُجُودُهُمْ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ
وَكَأَنَّ الْمَوْجُودَ شَيْءٌ وَالْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْمَعْدُومُ الْمُمْكِنُ وُجُودُهُ خَارِجًا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا ثَابِتٌ وَلَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ ذَاكَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ فَرُّوا بِهِ مِنْ ضَلَالَةٍ وَقَعَ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى اللُّغَةِ إطْلَاقُ الشَّيْءِ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْمُعْدَمِ الْمُمْكِنِ وُجُودُهُ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَبْحَثِ الْأُصُولِيِّينَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي هَذِهِ إمْكَانُ حُدُوثِ عِيَالٍ بِوَقْفِ الْمَنْذُورِ وَقْفَ تَبَيُّنٍ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ قَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ صِحَّةَ النَّذْرِ لَلْمَوْجُودِينَ فِي النِّصْفِ كَالْوَصِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَإِعْطَاءِ الْمَوْجُودِينَ الْكُلَّ وَيُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ كَمَا لَوْ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ حَدَثَ وَارِثٌ هَذَا حَاصِلُ مَا لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَخِيرُ لَا لِمَا نَظَرَ بِهِ قَائِلُهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْإِرْثِ فَإِنَّ الْوَارِثَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُوَجَّهُ بِهِ ذَلِكَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْفَرْقُ السَّابِقُ لَا يُجْدِي عِنْدَ تَأَمُّلِهِ وَقَوْلُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِهِ اسْتِقْلَالًا إمَّا تَبَعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ يُرَجَّحُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَائِلُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَقْفِ الدَّوَامُ عَلَى الْبُطُونِ وَالطَّبَقَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَمْ يَضُرَّ ذِكْرُ الْمَعْدُومِ فِيهِ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ يَقْتَضِيه بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُمَا إلَّا تَمْلِيكَ عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَالْمَنْذُورِ لِمَوْجُودٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهِ مَعْدُومًا صَارَ كَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَحَدُ ذَيْنَك عَلَيْهِ
وَمَا لَا يَصِحُّ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ فِي النِّصْفِ عَلَى الرَّأْيِ الثَّالِثِ أَوْ بِالْقِسْطِ تَارَةً وَفِي النِّصْفِ أُخْرَى عَلَى الرَّأْيِ الثَّانِي وَالْقَوْلُ بِبُطْلَانِ النَّذْرِ مِنْ أَصْلِهِ بَعِيدٌ جِدًّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَا الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ لِوَلَدِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَالْهِبَةِ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَبْعُدْ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مَعَ التَّأْقِيتِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَبِالنَّجَسِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَقَعَ التَّأْقِيتُ فِي النَّذْرِ لِلْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ بِهَا بِتَفْصِيلِهَا أَوْ لِلْعَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ كَنَذَرْتُ لَك بِهَذَا عُمُرَك فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ عَلَى صُورَةِ الْعُمْرَى فَيَمْلِكُهَا الْمَنْذُورُ لَهُ وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَا تَعُودُ لِلنَّاذِرِ مُطْلَقًا أَوْ لَا بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ فَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا عَيْنٌ تُمْلَكُ بِصِيغَةٍ مُدَّةً ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى الْمُمَلَّكِ بَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعِهِ لَا بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا أَوْسَعَ مِنْ النَّذْرِ فَالنَّذْرُ أَوْلَى وَأَيْضًا فَالتَّوْقِيتُ بِغَيْرِ عُمُرِ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ فِي الْمَنَافِعِ وَيَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ وَنَجِسٍ يُقْتَنَى كَالْوَصِيَّةِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا
لَفْظُهُ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَّا لَمْ أُوَفِّك الثَّمَنَ فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ نَذْرًا ثُمَّ أَبَى الشِّرَاءَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تَلْزَمُهُ الْمِائَةُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ نَذَرَ إنْ لَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ وَبِامْتِنَاعِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لَمْ يُوجَدْ الثَّمَنُ بَلْ صَارَ غَيْرَ مُمْكِنِ الْوُجُودِ وَبِهِ فَارَقَ قَوْلَهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ إنَّ كَلِمَتَهُ فَعَلَيَّ كَذَا لِأَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُمْكِنٌ وَلَوْ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَالْكَفَّارَةِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ لِمُقْرِضِهِ بِكَذَا إلَّا اعْتَاضَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَنْعَقِدُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ وَالتَّبَرُّرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِهِ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِيَاضُ مَرْغُوبًا لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ فَنَذْرُ تَبَرُّرٍ وَإِلَّا فَلَجَاجٌ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ نَذَرَ لِاثْنَيْنِ مِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَارِثِهِ أَمْ لِصَاحِبِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ نَذَرْت لَك إلَخْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْوَقْفِ عَلَى اثْنَيْنِ ثُمَّ عَلَى ثَالِثٍ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَأَيْضًا فَثَمَّ شَرْطٌ فِي الِانْتِقَالِ لِمَنْ بَعْدَهُمَا مَوْتُهُمَا فَانْتَقَلَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ الْمَوْجُودِ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُمْلَكُ الْمَنْذُورَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَهْرًا فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِلْمَنْذُورِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَلْ يَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الدَّابَّةُ وَبِالْمَرْهُونِ وَإِذَا نَذَرَ بِدَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مَنْ يُطَالِبُ النَّاذِرَ أَوْ الْمَنْذُورَ لَهُ وَهَلْ يَبْرَأُ النَّاذِرُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ الْمَنْذُورِ لَهُ.؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ نَذْرَ تَبَرُّرٍ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ أَوْ نَذْرَ مُجَازَاةٍ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يُمْلَكُ قَهْرًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ نَذَرَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ بَطَلَ وَمُرَادُهُ بِلَمْ يَقْبَلْ أَنَّهُ رَدَّ لَا أَنَّهُ سَكَتَ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الرَّدِّ لَا خُصُوصُ الْقَبُولِ لِلْمُسَامَحَةِ فِي النَّذْرِ كَالْوَصِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بِالْمَجْهُولِ وَبِغَيْرِ مَا يَمْلِكُهُ إنْ عَلَّقَهُ بِمِلْكِهِ كَإِنْ مَلَكْت هَذَا فَعَلَيَّ عِتْقٌ بِخِلَافِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا وَهُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكِتَابَةِ.
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ إنْ مَلَكْتُ هَذَا فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا قَبِلَهُ أَيْ لَمْ يَرُدَّهُ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ إذْ هِبَةُ الدَّيْنِ وَبَيْعُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الرَّوْضَةِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهِ فَكَذَا نَذْرُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ النَّذْرَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ النَّذْرُ بِالْمَعْدُومِ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ مُعَاصِرِي مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ آخَرِينَ لَا يَصِحُّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ إنَّهُ وَجَدَ الصِّحَّةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَصِحُّ أَيْضًا بِالْمَرْهُونِ لَكِنْ إنْ عَلَّقَهُ بِالْفِكَاكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ الْعِتْقَ تَأَتَّى، فِيهِ تَفْصِيلُ عِتْقِ الْمَرْهُونِ وَمَتَى حَكَمْنَا بِمِلْكِ الْمَنْذُورِ لَهُ كَانَ هُوَ الْمُطَالَبَ بِهِ سَوَاءٌ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَتَوَلَّى قَبْضَ الدَّيْنِ إلَّا النَّاذِرُ مُطْلَقًا بَعِيدٌ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا حَاصِلُ أَحْكَامِ النَّذْرِ لِقُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَلِلْمَسَاجِدِ وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَا حَاصِلُ مَا يَجِبُ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ النَّذْرِ هَلْ هُوَ عَلَى سُكَّانِ مَشْهَدِ الْمَنْذُورِ لَهُ مَعَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ النَّذْرَ يَفُوزُ بِهِ أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلْوَلِيِّ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ غَالِبًا التَّصَدُّقُ عَنْهُ لِخُدَّامِ قَبْرِهِ وَأَقَارِبِهِ وَفُقَرَائِهِ فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ لِذَاتِ الْمَيِّتِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْجَهَلَةِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَزْرَقِ عَدَمَ صِحَّةِ النَّذْرِ لِلْمَيِّتِ وَفِي الْعَزِيزِ فِي النَّذْرِ لِقَبْرِ جُرْجَانَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذُكِرَ وَحَذَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِإِيهَامِهِ صِحَّةَ النَّذْرِ لِلْقَبْرِ مُطْلَقًا لَكِنَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِ مَشْهَدِهِ أَوْ خَدَمَتِهِ.
وَالنَّذْرُ لِلْمَسْجِدِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَمْلِكُ وَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ
فَلَا يُعْطِي خَدَمَتُهُ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا إنْ صَرَّحَ النَّاذِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَهُمْ وَحَيْثُ صَحَّ النَّذْرُ لِلْقَبْرِ عُمِلَ فِي قِسْمَةِ الْمَنْذُورِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْخُدَّامِ وَالْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي ذَلِكَ وَقْتَ النَّذْرِ إنْ عَلِمَهَا النَّاذِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْعَادَةِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا فِي الْعَادَةِ الْمَوْجُودِ فِيهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فَكَذَا نَقُولُ هُنَا الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ النَّاذِرِ فَيُعْمَلُ بِجَمِيعِ مَا حَكَمْت بِهِ فَلَوْ اُعْتِيدَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ وَسَبَقَ إلَى النَّاذِرِ وَأَخَذَ مِنْهُ فَازَ بِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ رحمه الله تبارك وتعالى بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَذَرَ بِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ خُدَّامَهُ أَوْ جِيرَانَهُ صلى الله عليه وسلم عُمِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُهُ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْعَادَةِ أَنْ يَعْرِفَهَا النَّاذِرُ حِين النَّذْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِ النَّاذِرِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي وَقْتٍ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ حَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاذِرَ أَحَاطَ بِهَا وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا فَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُنْظَرُ لِعُرْفِ أَهْلِ بَلَدِ النَّاذِرِ فِي نَذْرِهِمْ لِلْقُبُورِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بَلَدُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ الْعَادَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَغْلَبُ النَّاسِ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ نَذَرْت لَك بِصَاعٍ مَثَلًا مِنْ أَرْضِي كُلَّ سَنَةٍ مُدَّةَ حَيَاتِك ثُمَّ مَاتَ الْمَنْذُورُ لَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ النَّذْرُ أَوْ يُسَلِّمُهُ لِوَرَثَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ النَّذْرُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُسَلِّمُهُ لِوَرَثَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا نَذَرَ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَرْضِهِ وَصَحَّ النَّذْرُ صَارَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمَنْذُورِ لَهُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَيَنْتَقِلُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَبَحَثَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْيَمَنِ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَعْتَبِرُ الْمَنْذُورُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَيَنْفُذُ فِيهِ إنْ خَرَجَ مِنْهُ وَإِلَّا فَبِالْحِصَّةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا عَلَّقَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ.
وَفِي هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ بَلْ الْوَصِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهَا إنَّمَا يُوجَدُ بِالْمَوْتِ فَلَا يُقَاسُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِهَا وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا لَمَحَهُ ذَلِكَ الْبَاحِثُ أَنَّ النَّاذِرَ عَلَّقَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ اسْتِحْقَاقًا فِي صِحَّتِهِ وَاسْتِحْقَاقًا فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَمَا فِي صِحَّتِهِ أَمْرُهُ وَاضِحٌ وَمَا فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فِي صِحَّتِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهَا بِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ مُعَلَّقَةً بِالْمَوْتِ ابْتِدَاءً وَقَصْدًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا وَقَعَ التَّعْلِيقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ تَبَعًا وَفِي الْأَثْنَاءِ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ وَالْوَاقِعِ فِي الْأَثْنَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ وَالْوَاقِعِ فِي الِابْتِدَاءِ.
(سُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى هَلْ يَجُوزُ النَّذْرُ بِدَيْنِ السَّلَمِ أَوْ لَا كَالْحَوَالَةِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَشَى جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَقُرْبَةٍ وَلَا مُعَاوَضَةَ بِخِلَافِ نَحْوِ بَيْعِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ كَالْوَصِيَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا تَقُولُونَ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خُصِّصَ الصَّرْفُ بِزَمَنٍ كَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ مَثَلًا أَنَّهُ يَتْبَعُ تَخْصِيصَهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ هُنَا الزَّكَاةُ وَهِيَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا لَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ فِيهَا فَأُلْحِقَ النَّذْرُ بِهَا فِي ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي السُّؤَالِ وَأَمَّا الْوَقْفُ
فَأَحْكَامُهُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَاتُّبِعَ فِيهِ تَعْيِينُ الْوَاقِفِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مُؤَقَّتًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ مُؤَقَّتًا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْوَصِيَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيتُ الْمِلْكِ ثُمَّ عَوْدُهُ نَعَمْ إنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةِ عُمُرِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ النَّذْرُ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى تَفْصِيلٍ وَمَا مَصْرَفُهُ وَمَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَبْرِ جُرْجَانَ وَهَلْ الْوَقْفُ عَلَى الْحَرَمَيْنِ يُصْرَفُ لِسَاكِنِهِمَا أَوْ لِمَصَالِحِهِمَا وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ دَارٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَمَا الْفَرْقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ عَيَّنَهُ وَجَبَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ نَذَرَ بَعْثَهُ إلَى الْقَبْرِ الْمَعْرُوفِ بِجُرْجَانَ فَإِنَّ مَا يَجْتَمِعُ بِهِ عَلَى مَا يُحْكَى يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ. اهـ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ لِلثَّانِيَةِ وَغَرَابَتِهَا. اهـ. وَمُرَادُهُ غَرَابَتُهَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَمِثْلُهُ النَّاذِرُ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا.
وَالْعَادَةُ هُنَا جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ فَصَارَ النَّذْرُ لِلْقَبْرِ نَذْرًا لِأُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْقَمُولِيُّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَذْرِ الشُّمُوعِ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَشَاهِدِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَتْ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لَا تُفْهَمُ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَدْفَعُ الْبَلَاءَ قَالَ وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ الْفَرْقَ بَيْنَ نَذْرِ مَا يُوقَدُ وَنَذْرِ غَيْرِهِ فَمَا يُوقَدُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ التَّنْوِيرِ أَوْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ أَوْ التَّقَرُّبِ لِمَنْ فِيهَا بَطَلَ لِفَسَادِ هَذَا الْقَصْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّنْوِيرِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ النُّورِ فَإِنَّ هَذَا قَصْدٌ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُ وَأَمَّا نَذْرُ الدَّرَاهِمِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ جَمِيعُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَأَتَّى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا النَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ بَطَلَ لِأَنَّ الْقُرَبَ إنَّمَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى خَلْقِهِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَا عُرْفَ مُطَّرِدًا فِي زَمَنِ النَّاذِرِ أَوْ الْوَاقِفِ.
أَمَّا حَيْثُ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ الشُّمُوعَ وَالْأَمْوَالَ الَّتِي تَأْتِي لِهَذَا الْقَبْرِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ أَوْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالنَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَسَعُ الْأَذْرَعِيَّ وَلَا غَيْرَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ وَيُصْرَفُ لِمَنْ اُعْتِيدَ صَرْفُهُ لَهُ وَالْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا قَالَ فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي قَبْرِ جُرْجَانَ هَذَا كَلَامُ مَضَلَّةٍ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ لِلْقَبْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ النَّاذِرَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ فَتَكُونُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَمُفِيدَةٌ لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ السَّابِقِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الصَّرْفَ إلَى مَنْ اُعْتِيدَ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِمَادُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ أَوْ الْوَاقِفَ حَيْثُ عَلِمَ بِعَادَةٍ اطَّرَدَتْ فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ الَّذِي نَذَرَ لَهُ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ صَحَّ وَعَمِلَ فِي الْمَنْذُورِ.
وَالْمَوْقُوفِ بِمَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَحَيْثُ لَا عَادَةَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَصَالِحُ يَقْصِدُ الصَّرْفَ فِيهَا كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ الصَّرْفُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَصَالِحُ وَلَا عَادَةٌ أَوْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقً. اهـ. ذَا إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمَوْقُوفُ غَيْرَ شَمْعٍ أَوْ زَيْتٍ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ يَنْتَفِعُ بِإِيقَادِهِ هُنَاكَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ النَّذْرِ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَأَنَّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهَا مَا لَمْ يُقْصَدْ صَرْفُهُ إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ يَقْصِدُ صَرْفَهُ
إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمِصْرَ مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ عَلَى أَهْلِهَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ التَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ لَفْظَ الْأُضْحِيَّةِ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِهَا وَتَفْرِقَتُهُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا مُعَيَّنًا لِلْحَرَمِ كَدَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا لَزِمَهُ مَا سَمَّى وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِهَا أَوْ لِغَيْرِ الْحَرَمِ.
فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُنَاكَ أَوْ قُرْبَةٍ أُخْرَى أَوْ نَوَى صَرْفَهُ فِيهِ صُرِفَ لِمَسَاكِينِهِ الْمُقِيمِينَ أَوْ الْوَارِدِينَ وَقَدْ أَفْتَى الْوَلِيّ الْعِرَاقِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَأَطْلَقَ هَلْ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِمَا مِنْ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الْمُجَاوِرِينَ بِهَا وَمُلَخَّصُ جَوَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَبَقِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ فَعَلَيْهِ، الْوَقْفُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ بَاطِلٌ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ فِي هَذَا الْوَقْفِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ ذَلِكَ فِي عِمَارَةِ الْجُدَرَانِ وَالتَّجْصِيصِ الَّذِي فِيهِ إحْكَامٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ.
وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا إلَى عِمَارَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِلَى الْمَكَانِسِ وَنَحْوِهَا وَإِلَى الْفَرَّاشِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَلَا يَجُوزُ لِفُقَرَائِهِمَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَسْجِدَانِ بِأَنْ عُلِمَ مِنْ الْوَاقِفِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ وَأَرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الْأَعَمَّ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَى مَسَاكِينِهِمَا الْمُقِيمِينَ وَالْوَارِدِينَ ثُمَّ رَأَيْتُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَادِمِ فِي بَابِ النَّذْرِ فِي نَذْرِ التَّصَدُّقِ.
وَعِبَارَتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنْ عَيَّنَ قَوْمًا تَعَيَّنُوا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُصْرَفُ إلَى مَنْ تُصْرَفُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ سِوَى الْعَامِلِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ النَّذْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ أَوْ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَأَمَّا إنْ نَذَرَ لِلْحَرَمِ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه عَلَى تَعْيِينِ مَسَاكِينِهِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثْتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلِلَّهِ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ أَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْهُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْحَمْلِ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَلْزِمُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ حَالًا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إذَا قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بَطَلَ وَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يُعَلَّقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيُسْتَحَقُّ أَوْ لَا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لَلْمِلْكِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى عِمَارَةِ دَارِ زَيْدٍ دُونَ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا إذَا صَحَّ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَالِهَا فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا هَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيهَا قِيَاسًا عَلَى عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ عَلَفَ الدَّابَّةِ يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ بِهِ لِأَنَّ ذَاتَهُ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ عِمَارَةِ الدَّارِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ إذَا قَصَدَهُ قُلْت الْفَرْقُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعَلَفَ قُرْبَةٌ ذَاتِيَّةٌ فَصَحَّ قَصْدَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ النَّذْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَصِحُّ وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَنْذُورِ إلَيْهِمْ إنْ كَانُوا أَحْيَاءً أَوْ لِأَيِّ فَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ كَانَ وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَيِّتًا فَهَلْ يُصْرَفُ لِمَنْ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ لِمَنْ يَنْهَجُ مَنْهَجَهُ أَوْ يَجْلِسُ فِي حَلْقَتِهِ أَوْ لِفَقِيرِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ وَمَا حُكْمُ النَّذْرِ بِتَجْصِيصِ قَبْرِهِ أَوْ حَائِطِهِ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلْوَلِيِّ الْحَيِّ صَحِيحٌ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا النَّذْرُ لِوَلِيٍّ مَيِّتٍ فَإِنْ قَصْدَ النَّاذِرُ الْمَيِّتَ بَطَلَ نَذْرُهُ وَإِنْ قَصْدَ قُرْبَةً أُخْرَى كَأَوْلَادِهِ وَخُلَفَائِهِ أَوْ إطْعَامَ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ الْوَلِيِّ صَحَّ النَّذْرُ وَوَجَبَ
صَرْفُهُ فِيمَا قَصَدَ النَّاذِرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ إلَّا إنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّاذِرِ بِأَنَّهُمْ يَنْذِرُونَ لِلْمَيِّتِ وَيُرِيدُونَ جِهَةً مَخْصُوصَةً مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَعَلِمَ النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُ نَذْرِهِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمُرَادَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ.
وَالنَّذْرُ لِلتَّجْصِيصِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ مِنْ السَّبُعِ أَوْ سَرِقَةِ الْكَفَنِ أَوْ إخْرَاجِ نَحْوِ مُبْتَدَعَةٍ أَوْ كُفَّارٍ لَهُ إلَّا بِالتَّجْصِيصِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَلْ يُنْدَبُ وَيَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ مَدِينٌ لَدَائِنِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنِهِ أَرْضًا وَنَذَرَ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا مَادَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا بِذِمَّتِهِ هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ وَيَلْزَمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمِصْرِيِّينَ وَالْيَمَنِيِّينَ بِالصِّحَّةِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ لِأَنَّ النَّذْرَ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ مُعَاوَضَةٍ وَالنَّذْرُ يُصَانُ عَنْ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ
وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى تِلْكَ الْمُشَابَهَةِ مِنْ لَفْظِ النَّاذِرِ بَلْ مِنْ قَصْدِهِ النَّذْرَ بِذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ صَبْرِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ فِي الْعُقُودِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه عَدَمُ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْبُيُوعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ غُلِّبَتْ الْأُولَى فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَصْدَ يُصَيِّرُ الْعَقْدَ مَكْرُوهًا فِي نَحْوِ حِيَلِ الرِّبَا وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَقِيَاسُهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ يَصِيرُ مَكْرُوهًا وَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ لَا يَنْعَقِدُ قُلْت إطْلَاقُ أَنَّ النَّذْرَ الْمَكْرُوهَ لَا يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
فَقَدْ صَرَّحُوا بِنَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَأَخَذْت مِنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ وَمَكْرُوهٌ لِعَارِضٍ مَعَ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِخِلَافِ الثَّانِي ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ قَالَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ إنَّ النَّذْرَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ بَلْ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ وَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ مَرَّ بَسْطُ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ قَبْلَ هَذَا وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ بُطْلَانِهِ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَدِينِ حَرَامٌ مَعَ الطَّلَبِ وَمَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ قَالَ فَاَلَّذِي نَجْزِمُ بِهِ الْبُطْلَانُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ وَكَانَ نَذْرُهُ اشْتَمَلَ عَلَى قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا فَصَحَّ فِي الْقُرْبَةِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهَا قَالَ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّذْرَ وَقَعَ خَالِيًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهُ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا شَيْءٌ طَرَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ النَّذْرِ وَلُزُومِهِ فَلَا يَبْطُلُ النَّذْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَابِعٌ لَا مَقْصُودٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ لَا يَصْبِرُ وَلَوْ نَذَرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِيَالٌ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ.
أَمَّا لَوْ نَذَرَ بِمَا فَضَلَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَعَنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي لِنَفَقَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكِسْوَةِ فَصْلٍ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى نَاذِرٍ أَوْ مُتَصَدِّقٍ فِي عَدَمِ صَبْرِهِ بَلْ يُصَدَّقُ الْمَنْذُورُ لَهُ بِيَمَنِهِ أَخْذًا بِقَاعِدَةِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ فَلَا اطِّلَاعَ لِلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ فَيُمْكِنُ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الصَّبْرِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ أَنَّ لَنَا اطِّلَاعًا عَلَيْهِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ كَالْإِعْسَارِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ مِلْكِهِ أَوْ وَقْفٌ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ عَمِلَ بِذَلِكَ