الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَغَوِيّ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاق وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْهُ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ الْأَبَ دُون الِابْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَ الِابْنُ قَبْل الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الشَّطْرَ إلَى الِابْنِ لِأَنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْإِصْدَاقِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْهَدِيَّةِ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْمُعْطِي، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الْوَلِيمَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَجِبُ إجَابَة الدَّاعِي لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ مِنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّتِنَا ضَبَطَ الْمَسَافَةَ الَّتِي تَجِبُ الْإِجَابَةُ مِنْهَا إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ احْتِمَالَانِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهُمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ الْمُبَكِّرُ مِنْهَا لَيْلًا إلَى بَلَدِهِ قِيَاسًا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَكَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلْيَجِبْ هُنَا إجَابَة الدَّاعِي إلَى الْوَلِيمَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَوْ اعْتَذَرَ إلَى الدَّاعِي فَقَبِلَ عُذْرَهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ فَسُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِهِ صَرِيحٌ فِي تَمَحُّضِ الْحَقِّ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ ابْنِ النَّحْوِيِّ لَمَّا حَكَى تَرَدُّدًا عَنْ الذَّخَائِرِ فِيمَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمَدْعُوِّ أَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِامْتِنَاعِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ فَكَلَامُهُمْ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ يَرُدُّهُ فَقَدْ قَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ إنْسَان أَنَّ صَدِيقَهُ يَرْضَى بِالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَقَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي وُقُوعُ أَمْرٍ بِحُضُورِهِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ فَإِذَا جَوَّزُوا الْأَكْلَ وَنَحْوَهُ وَالْقَضَاءَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَأَوْلَى أَنْ يُجَوِّزُوا التَّخَلُّفَ عَنْ الدَّعْوَى عِنْد غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِالتَّخَلُّفِ.
وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَعْنِي أَنَّ الضَّبْطَ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى فَهَلْ يَأْتِي هُنَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ احْتَاجَ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنْ أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ وَنَفَقَةَ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يَتَخَلَّفُ بِالْأَدَاءِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي مِنْهُ قُوتُهُ يَوْمًا بِيَوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّهَابُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنَّ أُعْطِيَ قَدْرَ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ أُجْرَتَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الشُّهُودِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَلِيمَةِ الَّذِي يُتَّجَهُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِنَّمَا نُوجِبُ الذَّهَابَ إلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَلَى قَوِيٍّ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ إذْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْوَلِيمَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِأَدْنَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيهمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِالْمَسَافَةِ الَّتِي تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْبَلَدِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مُطْلَقًا لَكِنْ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنْ لَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ وَخَارِجِ الْبَلَدِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ أَيْضًا فَإِذَا سَقَطَتْ عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْإِجَابَة عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَهُوَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَقُّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ سبحانه وتعالى بِأَنَّ تِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ حَقَّ آدَمِيٍّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ فِيهِ بِالْمُسَامَحَةِ عِنْد وُجُودِ الْمَشَاقِّ لِأَنَّ الْإِخْلَال بِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الدَّاعِيَ فَكَثُرَتْ الْأَعْذَارُ فِيهِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْإِخْلَال بِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ يَلْحَقُ الْمَشْهُودَ لَهُ.
فَلِذَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَعْذَارُ فِيهِ كَثْرَتَهَا هُنَا فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْن أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْإِجَابَةِ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّ آدَمِيٍّ وَبِهَذَا اتَّجَهَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي أَقْرَبُ وَأَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ بَلْ أَقْرَبُ مِنْهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ وَهُوَ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ عِنْد كُلِّ قَوْمٍ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَإِذَا اعْتَادَ أَهْلُ نَاحِيَةٍ الدُّعَاءَ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ وَاطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِالْإِجَابَةِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ تَرْكَ الْإِجَابَةِ يُوجِبُ كَسْرًا وَقَطِيعَةً لِلْمَدْعُوِّ
وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْقَوِيِّ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا مَاله وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ لَوْ اعْتَادُوا عَدَمَ الدُّعَاءِ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ وَإِنْ سَمِعَ الْخَارِجُونَ النِّدَاءَ لَمْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ التَّفَرُّجِ أَيَّامَ الزِّينَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ حُرْمَةُ سَتْرِ الْجُدْرَانِ بِالْحَرِيرِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ فَعَلُوهُ أَيَّامَ الزِّينَةِ اخْتِيَارًا حُرِّمَ التَّفَرُّجُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ إكْرَاهًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ لِإِبَاحَتِهِ فَلَيْسَ فِي التَّفَرُّجِ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَعَلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ إفْتَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ التَّفَرُّجِ وَالنَّظَرِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ قَرَاطِيسِ الْإِفْرِنْجِ هَلْ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ فِيهَا أَوْ لَا لِمَا فِيهَا مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ وَهَلْ يَجِبُ قَطْعُ مَحَلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ سَبَرْتُ الْآنَ مِنْهَا جُمْلَةً فَلَمْ أَرَ فِيهَا صُورَةَ حَيَوَانٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَالْخَتْمِ فَعِنْد تَحَقُّقِ مَا فِيهَا غَيْر صُورَةٍ الْأَمْرُ وَاضِحٌ وَكَذَا عِنْد الشَّكِّ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَأَمَّا عِنْد تَحَقُّقِ أَنَّ مَا فِيهَا صُورَةٌ فَالْوَجْهُ الْحِلُّ أَيْضًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا اسْتِعْمَالَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَقَالُوا أَنَّهُ مُمْتَهَنٌ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْوَرَقِ اسْتِعْمَالٌ لَهُ بَلْ لَا اسْتِعْمَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ جَائِزَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِهَانِهَا عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوا جَوَازَ حَمْلِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ أَرْضِهِمْ وَعَلَيْهَا صُورَةُ حَيَوَانٍ حَقِيقَةً يَقِينًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَانَتْ تُجْلَبُ مِنْ عِنْدِهِمْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ أَيْضًا وَلَمْ يَنْهَوْا عَنْ حَمْلِهَا فِي الْعِمَامَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا النَّقْدِيَّةُ لَا تِلْكَ الصُّورَةُ وَلِتَعَذُّرِ إزَالَتِهَا أَوْ تَعَسُّرِهِ وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَجَوَازُ الْكِتَابَةِ فِي الْوَرَقِ الْإِفْرِنْجِيِّ أَوْلَى وَإِنْ تُحُقِّقَ أَنَّ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ.
(وَسُئِلَ) هَلْ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا أَمْ لَا وَمَا مَعْنَى خَبَرِ «مَا مَلَأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» وَخَبَرِ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْد الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَوْ سَمِعَ بُقْرَاط بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ سِوَاهَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالثُّلُثِ فِي كُلٍّ الْحَقِيقَةُ أَوْ التَّقْسِيمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ ظَاهِرُ الْخَبَرِ الْأَوَّل لَكِنَّ الثَّانِي أَظْهَرُ وَقَدْ صَحَّ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ أَيْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمُصْرَان وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ أَيْ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلُ مِنْ الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِبَادَةِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَكْلِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهَا لَا غَيْرَ وَمِنْ شَأْنِ الْكَافِرِ التَّكَثُّرُ مِنْهُ لِغَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرْنَا بِمَا مِنْ شَأْنِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُكْثِرُ وَبَعْضُ الْكُفَّارِ قَدْ يُقَلِّلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالِاقْتِنَاعُ بِالْبُلْغَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْبَسْمَلَةِ فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيه الْقَلِيلُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَامِلُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ كَمَالَهُ يَسْتَلْزِمُ إشْغَال الْفِكْرِ فِيمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَمَا بَعْده فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِرْسَالِ نَفْسِهِ فِي شَهَوَاتِهَا وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَلَّ مَطْعَمُهُ وَمَنْ قَلَّ تَفَكُّرُهُ كَثُرَ مَطْعَمُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ» وَقَالُوا لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ مِعْدَةً مُلِئَتْ طَعَامًا وَمَنْ قَلَّ طَعَامُهُ قَلَّ مَشْرَبُهُ وَخَفّ مَنَامه وَمَنْ خَفَّ مَنَامُهُ ظَهَرَتْ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ بَطْنُهُ كَثُرَ شُرْبُهُ فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ فَتُمْحَقُ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ اكْتَفَى بِدُونِ الشِّبَعِ حَسُنَ اغْتِذَاءُ بَدَنِهِ وَصَلُحَ حَالُ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ مِنْ الطَّعَامِ سَاءَ غِذَاءُ بَدَنه وَأَشِرَتْ نَفْسُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ أَهْل الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا فِي الْآخِرَةِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «لَمْ يَمْتَلِئ جَوْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَبَّعَا قَطُّ» أَيْ شَبَّعَا مَذْمُومًا وَهُوَ مَا يُثْقِلُ الْمَعِدَةَ وَيُثَبِّطُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ
بِالْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إلَى الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَالنَّوْمِ وَالْكَسَلِ.
وَقَدْ يُحَرَّمُ الشِّبَعَ إنْ أَضَرَّ أَوْ كَانَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَوْ يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَأَمَّا الشِّبَعُ النِّسْبِيُّ الْمُعْتَادُ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ مِنْ الْجُوعِ وَذَهَابِهِمْ إلَى بَيْتِ الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحِهِ الشَّاةَ وَتَقْدِيمِهَا مَعَ الرُّطَبِ وَفِيهِ فَلَمَّا أَنْ رَوَوْا وَشَبِعُوا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ الشِّبَعِ وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ اهـ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ مَرَاتِبِ الشِّبَعِ وَمِنْ شَأْنِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُثْقِلُ وَلَا يُكَسِّل وَكَرَاهَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُثْقِل مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِلَّا حُرِّمَ كَمَا مَرَّ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَمْتَلِئْ بَطْنُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ طَعَامَيْنِ كَانَ إذَا شَبِعَ مِنْ التَّمْرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ الشَّعِيرِ وَإِذَا شَبِعَ مِنْ الشَّعِيرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ التَّمْرِ» وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ دَائِمًا لَا يَجْمَعُ بَيْن نَوْعَيْنِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنه» (تَنْبِيه) عِنْد أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ ثُمَّ الصَّائِمُ ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفُهُ الدُّبْرُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنَ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ فِي قَوْلِهِ
سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِيٍّ
…
مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعَ صَائِمٍ
ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قُولُونُ مَعَ
…
الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكِ الْمَطَاعِمِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ هَلْ جَوَازُ الْأَخْذ بِعِلْمِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَمْ مَخْصُوصٌ بِطَعَامِ الضِّيَافَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ غَيْر مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَمَتَى غَلَبَ ظَنُّهُ أَنَّ الْمَالِكَ يَسْمَحُ لَهُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ ثُمَّ إنْ بَانَ خِلَافُ ظَنّه لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ هَلْ هُوَ صَحِيحُ وَمَا سَلَفُهُ نَقْلًا وَدَلِيلًا فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ عِبَارَتِهِ عَلَى أَنَّ بِهَا لَفًّا وَنَشْرًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ سَلَفُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَتِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْل الْأَكْلِ أَدَبٌ وَغَسْلَ الْفَمِ بَعْده كَذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ إيهَامُ أَنَّ غَسْلَهَا بَعْده لَيْسَ أَدَبًا لِلْعِلْمِ بِالسُّنِّيَّةِ وَاشْتِهَارِهَا مَعَ دَلِيلِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ الشَّامِلِ لِمَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ مَا يُفْهِمُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ غَسْلَ فَمِهِ وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ حِكْمَةَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْل احْتِمَالِ مُبَاشَرَتِهِمَا لِأَذَى يُشَوِّشُ.
وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْفَمِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ أَكْثَرُ وَأَسْرَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْيَدَيْنِ وَأَنَّ الْيَدَ يُبَاشِرُ بَعْضُهَا دَاخِلَهُ بِوَضْعِهَا اللُّقْمَةَ فِيهِ فَسُنَّ غَسْلُهُ لِتَطِيبَ النَّفْسُ بِوَضْعِ مُمَاسِّهِ فِي الطَّعَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا غُسِلَتْ الْيَدُ دُون الْفَمِ فَإِنَّ النَّفْسَ مِنْ ثَانِي لُقْمَةٍ تَعَافُ عَوْدَ الْيَدِ لِلطَّعَامِ بَعْد مُمَاسَّتِهَا لِدَاخِلِ الْفَمِ الَّذِي تَقَرَّرَ كَثْرَةُ تَغَيُّرِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ.
فَاتَّضَحَ أَنَّ غَسَلَ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِقْهٌ ظَاهِرٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا إذْ بِفَرْضِ عَدَمِ ذِكْرِ أَحَدٍ لَهُ هُوَ مَقِيسٌ بِالْأَوْلَى عَلَى غَسْلِ الْيَدِ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْمُنَازَعَةُ فِيهِ بَعْد ظُهُورِ ذَلِكَ وَتَوْضِيحُهُ مُكَابَرَةٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُفَرَّقُ بَيْن الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ فِي الْعَبِّ وَالْمَصِّ وَمَا حِكْمَةُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَاءُ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمَصُّ وَأَنْ يَشْرَبَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلٍّ وَيَحْمَدُ آخِرَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُدَرِّجَهَا بِأَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَقَلَّ وَالثَّانِيَةُ أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِي حَاجَتَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ لِنِيَاطِ الْقَلْبِ مَوْضِعًا رَقِيقًا لَطِيفًا فَإِنْ جَاءَ الْمَاءُ دَفْعَةً وَاحِدَةً رُبَّمَا قَطَعَهُ فَمَاتَ صَاحِبُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَيْضًا إذَا جَرَعَهُ جَرْعًا وَاسْتَوْفَى رَيَّهُ مِنْهُ نَفَسًا وَاحِدًا تَكَاثَرَ الْمَاءُ فِي مَوَارِدِ حَلْقِهِ وَأَثْقَل مَعِدَتَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْكُبَادَ أَيْ وَجَعُ الْكَبِدِ
مِنْ الْعَبْ وَأَمَّا شُرْبُ اللَّبَنِ فَالْأَوْلَى فِيهِ الْعَبُّ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ وَيُسَمِّي فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدُ فِي آخِرِهِ كَالطَّعَامِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَفِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْن الْعَبِّ وَالْمَصِّ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي فِي الْمَاءِ تَأْتِي فِيهِ بِالْأَوْلَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَق بِهِ فِي الْمَصِّ خَشْيَةَ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا خَرَجَ اللَّبَنُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جَعَلَهُ خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ فَيُؤْمَنُ فِيهِ الشَّرْقُ وَتَقْبَلُهُ الْمَعِدَةُ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ عِنْد تَرَادُفِهِ وَتَزَاحُمِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا قِيلَ يُسَنُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُسِرَّ بِالتَّحْمِيدِ مَا وَجْهُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُنَبِّهَ الْآكِلِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَخْذِ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بَعْدُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ فَرَاغَهُمْ وَكِفَايَتَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُ الْجَهْرُ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشُّرْبِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْن الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَيُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِيَعْلَمَ مَنْ عِنْدَهُ السُّنَّةَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ حِكْمَةِ كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْكُوزِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيلَ حِكْمَتُهَا أَنَّهُ مَحِلُّ اجْتِمَاعِ الْوَسَخِ قِيلَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ نَاحِيَةِ أُذُنِ الْكُوزِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِمَنْ يَفْرُغُ مِنْ شُرْبِهِ: صِحَّةً أَوْ نَحْو ذَلِكَ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ أَيْمَنَ لَمَّا أَنْ شَرِبَتْ بَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «صِحَّةً يَا أُمّ أَيْمَنَ لَنْ تَلِجَ النَّارُ بَطْنَك» وَوَجْهُ الْقِيَاس أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْد كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا طَهَارَةُ فَضَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ بَوْلَهُ شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لِشَارِبَتِهِ فَلَا بِدْعَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ قَوْلٌ مِثْلُهُ لِشَارِبِ الْمَاءِ لَا يُقَالُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَوْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَفْعَلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيعِ تَكَرُّرُ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بَلْ يَكْفِي صُدُورُ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبِقَوْلِنَا أَنَّ بَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ انْدَفَعَ مَا قِيلَ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يُشْرَبُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَوْلُ وَهُوَ إذَا شَرِبَ عَادَ بِالضَّرَرِ فَقَالَ صِحَّة لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ بَوْلِ غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا بِخِلَافِ شُرْبِ الْمَاءِ اهـ.
فَقَوْلُهُ لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْد أُمّ أَيْمَنَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ وَلَمْ تَقْصِدْ بِشُرْبِهِ إلَّا ذَلِكَ فَانْدَفَعَ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَتْهُ مِنْ شُرْبِهَا لِلْبَوْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا شَرِبَتْهُ لِلتَّدَاوِي وَطَلَبِ الشِّفَاءِ فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم صِحَّة تَحْقِيقًا لِقَصْدِهَا وَإِجَابَةً لِمَا مَرَّ لَهَا وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ الصِّحَّةِ قَدْ حَصَلَ وَتَحَقَّقَ وَهَذَا مَعْنَى ظَاهِر إرَادَته مِنْ اللَّفْظِ وَعِنْد ذَلِكَ لَا يَبْقَى فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا لِنَدْبِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ الْمَاءِ نَعَمْ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِنَدْبِهِ عِنْد شُرْبِ الدَّوَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى طِبْقِ النَّصِّ فَلَا فَارِقَ بَيْنهمَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا يَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الِانْحِنَاءِ أَوْ الْمُطَأْطَأَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ بَعْضِهِمْ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟
(فَأَجَابَ) نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ اتِّخَاذِ إنَاء لِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ يَخْتَصُّ بِهِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ يُنْبِي عَنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَخِلَافُ مَا عُرِفَ مِنْ طَرِيقَتِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كُنْت أَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاء فَيَأْخُذُهُ صلى الله عليه وسلم فَيَشْرَبُ مِنْهُ فَيَضَعُ فَاهُ مَوْضِعَ فِي» وَرُوِيَ «سُؤْرُ الْمُؤْمِنِ شِفَاءٌ» وَوَرَدَ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ عِيَالِهِ قِيلَ وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ دَسَّهَا الشَّيْطَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَتَوَفَّرَ لِلنِّسَاءِ مَا يَقْصِدْنَهُ كَثِيرًا مِنْ سِحْرِ الرِّجَالِ وَإِسْقَائِهِمْ مَا يُخْبِلُهُم أَوْ يُجَنِّنُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَكَايِدِهِنَّ وَلَوْ كَانَ إنَاءُ شُرْبِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْن عِيَاله لَمْ يَتَأَتَّ لَهُنَّ
ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا اُعْتِيدَ أَنَّ الْآكِلَ أَوْ الْآكِلِينَ يَقُومُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ خَادِمٌ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ لِذَلِكَ لِنَشِّ الذُّبَابِ أَوْ نَحْوِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ بِدْعَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَمِنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ لِذَلِكَ لِتَنْفِيرِ مُؤْذٍ كَذُبَابٍ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ لِهَذَا الْعُذْرِ لِأَنَّهُ يَنْفِي التَّشَبُّهَ وَالْكِبْرَ الْمَذْكُورَيْنِ وَفِعْلُ الْمُضِيفِ لِنَحْوِ نَشِّ الذُّبَابِ بِنَفْسِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ إكْرَامٌ لِلضَّيْفِ وَكُلُّ إكْرَامٍ لَهُ يُسَنُّ لِلْمُضِيفِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ فَبِمَأْذُونِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَقَلَ أَنَّ الرَّغِيفَ لَا يُحْضَرُ بَيْن يَدَيْ آكِلِهِ حَتَّى يَخْدِمَ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عَالَمًا بِفَتْحِ اللَّامِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ وَيَتَأَمَّلَ كَمْ مِنْ عَالَمٍ عُلْوِيّ وَسُفْلِيٍّ خَدَمَتْهُ فِيهِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي إحْضَارِ هَذَا الرَّغِيفِ بَيْن يَدَيْهِ فَيَشْكُر اللَّهَ سبحانه وتعالى مُعْتَقِدًا عَجْزَهُ عَنْ حَقِّ شُكْرِهِ وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ نِعَمًا لَا تُحْصَى.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَأْكُلُ وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي فَمِهِ ثُمَّ يَرُدُّهَا لِلطَّعَامِ هَلْ يُكْرَه لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا لَعْقُ الْأَصَابِعِ قَبْل الْفَرَاغِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كُلٌّ مِنْ الرَّدِّ وَاللَّعْقِ قَبْل الْفَرَاغِ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْيَدَ إذَا أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ اللُّعَاب فَعَادَتْ إلَى الطَّعَامِ إمَّا يَعَافُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَرَاهُ فَيُشَوِّشُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ حَيْثُ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ اللُّعَابِ قَبْل رَدِّهَا لِلطَّعَامِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يُسَنُّ لِآكِلِ نَحْوِ التَّمْرِ أَنْ يُلْقِيَ نَوَاهُ عَلَى ظَهْرِ يَدِهِ ثُمَّ يُلْقِيَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ بَاطِنَ يَدِهِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَأْكُولِ رِيقُهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْأَكْلِ بِالْمَلَاعِقِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ إنْ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِلطَّعَامِ أَوْ إنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَكَبُّرٍ أَوْ تَشَبُّهٍ بِالْأَعَاجِمِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِقُبْحِهَا.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُسَنُّ فِي الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يَأْكُلُ كَيْف تَيَسَّرَ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَضْغِ أَوَّل لُقْمَةٍ بِنَاحِيَةِ الْيَمِينِ هِيَ السُّنَّةُ لِلْأَمْرِ بِالتَّيَامُنِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَبَعْد ذَلِكَ يَأْكُلُ كَيْف شَاءَ قَالَ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ شَابًّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَدَّمَ لَهُ أَكْلًا فَأَكَلَ بِالْيَسَارِ فَقَالَ لَهُ مَنْ شَيْخُك قَالَ يَا سَيِّدِي نَاحِيَةُ الْيَمَنِ تَوْجَعُنِي فَقَالَ لَهُ كُلْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْك وَعَمَّنْ رَبَّاك اهـ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا ذَلِكَ إلْحَاقًا لَهُ بِنَحْوِ اللُّبْسِ وَالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ التَّيَمُّنُ فِي ابْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَكْلِ وَاضِحٌ بِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ وَهُوَ يُسَنُّ فِيهِ التَّيَامُنُ بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا إكْرَامَ فِيهِ وَمَا لَا إكْرَامَ فِيهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّيَامُنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّا نَقُولُ كَوْنُ الْأَكْلِ لَا إكْرَامَ فِيهِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مِنْ بَاب الْإِكْرَامِ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِلْبَدَنِ مِنْ الْأَذَى فَكَانَ كَاللُّبْسِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ صَرَّحُوا بِنَدْبِ التَّيَمُّنِ فِي الْكُحْلِ الَّذِي هُوَ غِذَاءُ الْعَيْنِ فَغِذَاءُ الْبَدَنِ كُلِّهِ أَوْلَى.
(وَسُئِلَ) عَنْ التَّكَلُّفِ الْمَذْمُومِ مَا حَدُّهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدُّهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عُرْفًا إمَّا بِأَنْ لَا يَتَيَسَّر لَهُ الشَّيْءُ إلَّا بِدَيْنٍ وَالدَّائِنُ مُتَكَرِّهٌ مِنْ اسْتِدَانَتِهِ أَوْ وَالْمَدِينُ يَعْسُرُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ وَجْهَهُ لِلدَّائِنِ حَتَّى يَقْتَرِضَ مِنْهُ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوفِي مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ حَرَامٌ أَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَيْنٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ مَصْرِفٌ أَهَمُّ بِطَرِيقِ النَّدْبِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى التَّكَلُّفِ أَمَّا الْأَهَمُّ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ فَيَحْرُمُ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَارَضَ التَّكَلُّفُ وَمَقْصِدٌ صَالِح بِأَنْ أَحَبَّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَهُ مَنْ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لَهُ لَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ ضَرَرٌ وَلَوْ بِالْغِيبَةِ وَالذَّمِّ أَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ التَّكَلُّفِ إعَانَةٌ لِلنَّاسِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْخَيْرِ فَمَا الَّذِي يُقَدَّمُ هَلْ يُتْرَكُ حَذَرًا مِنْ التَّكَلُّفِ أَوْ يُفْعَلُ وَلَوْ مَعَ التَّكَلُّفِ حِيَازَةً لِثَوَابِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ الصَّالِحِ هَذَا مِمَّا يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْآن أَنَّهُ حَيْثُ سَهُلَتْ عَلَيْهِ الِاسْتِدَانَةُ وَكَانَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوفِي مِنْهَا أَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مَصَارِفُ صَالِحَةٌ وَأَمْكَنَهُ جَعْلُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّكَلُّفِ