الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِيَامَةِ صَاحِبَ الشَّاهِ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَلْعَبُ بِهَا أَيْ الشِّطْرَنْجِ إلَّا جَبَّارٌ وَالْجَبَّارُ فِي النَّارِ لَا يُوَقَّرُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَلَا يُرْحَمُ فِيهِ الصَّغِيرُ» وَقَوْلُهُ «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ قَارَفَ شِرْكًا وَمَنْ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ» وَقَوْلُهُ «الشِّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونُ مَنْ لَعِبَ بِهَا» وَقَوْلُهُ «النَّاظِرُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ كَالْغَامِسِ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ» وَمِنْهَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الْكُوبَةُ أَلَمْ أَنْهِ عَنْهَا لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَبُ بِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا» وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «نَفَرٌ مِنْ أُمَّتِي لَا يُكَلِّمهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ الْمَانِعُونَ الزَّكَاةَ. وَالنَّائِمُونَ عَنْ الْعَتَمَاتِ وَالْمُتَلَذَّذُونَ بِالْقَهَوَاتِ وَاللَّاعِبُونَ بِالسَّامَاتِ وَالضَّارِبُونَ بِالْكُوبَاتِ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «يُغْفَرُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ مُتَكَبِّرٍ إلَّا صَاحِبَ الشَّاهِ» يَعْنِي الشِّطْرَنْجَ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَمِّ لَاعِبِهَا كَثِيرَةٌ بَيَّنْتُهَا مَعَ سَنَدِهَا وَسَنَدِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَمَا قَالَهُ النَّاسُ فِيهَا فِي كِتَابِي الْمَذْكُورِ.
ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُؤَيِّدَةٌ لِقَوْلِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِحُرْمَةِ الشِّطْرَنْجِ مُطْلَقًا وَحَمَلَهَا أَئِمَّتُنَا عَلَى مَا إذَا اقْتَرَنَ بِلِعْبِهَا نَحْوُ قِمَارٍ أَوْ إخْرَاجِ صَلَاةٍ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ شَتْمٍ أَوْ إيذَاءٍ وَأَمَّا إذَا خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ عِنْده شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا قِيلَ وَاسْتَمَرَّتْ عِنْده يَزُورَهَا النَّاسُ فِي بَيْتِهِ فَتُوُفِّيَ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَالثَّانِي يُسَمَّى عُمَرَ فَاسْتَمَرَّتْ فِي مَحَلِّهَا فَإِذَا جَاءَ مَنْ يَزُورَهَا وَكَانَ مُحَمَّدٌ حَاضِرًا فَتَحَ الصُّنْدُوقَ عَنْهَا وَزَوَّرَهُمْ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَتَحَ أَخُوهُ عُمَرُ وَزَوَّرَهُمْ فَتَوَلَّعَ مُحَمَّدٌ بِالْإِقَامَةِ فِي الْحِجَازِ وَمَكَثَ قَلِيلًا عِنْد سَيِّدِنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ وَاسْتَمَرَّتْ فِي مَحَلِّهَا كُلُّ مَنْ رَامَ زِيَارَتهَا فَأَخُوهُ عُمَرُ يُزَوِّرُهُ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ أَوْ كَانَ الزَّائِرُ نِسَاءً فَإِحْدَى بَنَاتِهِ تَفْتَحُ وَتُزَوِّرهُمْ فَتُوَفِّيَ مُحَمَّدٌ وَخَلَّفَ وَلَدًا ذَكَرًا وَاسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ عَمِّهِ عُمَرَ فِي مَحَلِّهَا وَكُلُّ مَنْ رَامَ زِيَارَتَهَا يُزَوِّرهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ فَإِحْدَى بَنَاتِهِ تَفْتَحُ وَتُزَوِّرهُ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْفُتُوحِ يُقْسَمُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُقْسَمُ بَيْنَ ابْنِهِ وَأَخِيهِ عُمَرَ فَتُوُفِّيَ عُمَرُ أَيْضًا عَنْ بَنَاتٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالشَّعْرَةِ وَخِدْمَتِهَا وَلَدُ مُحَمَّدٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ وَبَنَاتُ عَمِّهِ فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْخِدْمَةِ سَوَاءٌ وَهَلْ إذَا طَلَبُوا قِسْمَتَهَا لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ جُدُودِهِمْ وَقَسَمُوهَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الشَّعْرَةُ الشَّرِيفَةُ لَا تُوَرَّثُ وَلَا تُمَلَّكُ وَلَا تَقْبُلُ قِسْمَةً فَالْمَذْكُورُونَ مُسْتَوُونَ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهَا وَالْخِدْمَةِ لَهَا لَا تَمْيِيزَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى أَحَدٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَاب الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى أَنِّي أَسْتَحِقُّ الشِّرْبَ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ لِأَرْضِي وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَذْكُرَ قَدْرَ الشِّرْبِ وَإِذَا ادَّعَى أَنِّي أَمُرُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ أَنِّي سَقَيْتُ مِنْ الْبِئْرِ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الشِّرْبِ مِنْ بِئْرِ كَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا بَيَانُ قَدْرِ الشِّرْبِ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا اسْتَحَقَّتْ شِرْبًا مِنْ أَرْضٍ لَا تُضْبَطُ إلَّا بِالْكِفَايَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَنِ وَالْمَزْرُوعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِقِلَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ وَكَثْرَتِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ سَمَاعَ الدَّعْوَى بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ قَدْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَثْنَوْهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالدَّعْوَى بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَمَا يُعْرَف بِتَأَمُّلِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ وَمِمَّا يُغْتَفَرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالدَّعْوَى دَعْوَى أَنَّ لَهُ طَرِيقًا أَوْ حَقَّ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ فُلَانٍ وَحْدَهُ وَلَمْ يَنْحَصِرْ حَقُّهُ فِي جِهَةٍ مِنْهُ فَإِنْ انْحَصَرَ وَجَبَ بَيَانُ حَقِّهِ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ إطْلَاقُ الثَّقَفِيِّ الْوُجُوبَ وَعَلَى الْأَوَّلِ حُمِلَ إطْلَاقُ الْهَرَوِيِّ
عَدَمَ الْوُجُوبِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ يَمُرُّ فِي هَذِهِ أَوْ يَسْقِي مِنْ هَذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ نَحْوِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَر أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ اسْتَحَقَّهَا وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِلْكِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي وَلَمْ يَجِدْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَهَلْ يَكْفِي قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَك بَاعَنِي هَذَا الْمَوْضِعَ أَوْ وَهَبَنِيهِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى الْبَتِّ أَمْ عَلَى النَّفْيِ حَيْثُ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ إجَارَةً أَوْ نَحْوَهُ لَمْ يَكْفِ فِي جَوَابِهِ أَنَّهَا مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الدَّعْوَى وَإِنْ قَالَ أَسْتَحِقُّهَا مِلْكًا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَ عَنْ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَلَمْ يُقْنَعْ مِنْهُ بِإِطْلَاقِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ بَيَانَاتٍ يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فَوَجَبَ تَعْيِينُ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْوَارِثُ مُخَيَّرٌ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَر أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ لَيْسَ لِي عِنْدَكَ شَيْءٌ أَوْ أَنَّكَ صَالَحْتنِي عَلَى كَذَا أَوْ أَنَّك بِعْتَنِي ذَا بِكَذَا أَوْ أَنَّك أَقْرَرْتَ أَنَّ لِي عِنْدَكَ كَذَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعْتُكَ مُكْرَهًا أَوْ صَالَحْتُكَ مُكْرَهًا وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا فِي السُّؤَالِ وَأَقَامَ عَلَى الْإِكْرَاهِ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ أَنْ يَسْتَفْصِلَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَهَلْ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْإِكْرَاهَ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ عَلَى الْمُحَكَّمِ أَنْ يَفْصِلَ وَحَيْثُ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِهِ مُجْمَلَةً؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الشَّاهِدُ مِنْ بَلَدٍ يَعْرِفُونَ حَدَّ الْإِكْرَاهِ أَمْ لَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي ضَابِطِهِ فَوَجَبَ بَيَانُ الْوَاقِعِ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَنْظُرُ فِيهِ هَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لِلْإِكْرَاهِ شَرْعًا أَمْ لَا بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى هُنَا بِالْإِطْلَاقِ وَلَوْ مِنْ الْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ لِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي حَدِّهِ وَاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ صَغِيرَةٍ مَاتَ أَبُوهَا وَعُمْرُهَا نَحْوُ سِتِّ سِنِينَ فَرَفَعَ رَجُلٌ أَمْرَهَا إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَزَوَّجَهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا ثُمَّ أَثْبَتَ آخَرُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَأَبْطَلَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهُ بِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ الثَّانِي فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ بَلْ صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِيهَا كَانَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ وَصَرِيحًا فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِلْقَاضِي بَعْد مَوْتِ أَبِي الصَّغِيرَةِ زَوِّجْهَا لِي يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِزَوَالِ نِكَاحِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَبُولُهُ التَّزْوِيجَ الثَّانِي مِنْ الْقَاضِي فَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ تَزَوَّجَ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بَعْد إمْكَانِ التَّحْلِيلِ ثُمَّ مَاتَ وَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهَا لَمْ تَتَحَلَّلْ فَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ فَلَا تَرِثَ مِنْهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ إقْدَامَ مُوَرِّثِهِ عَلَى التَّزَوُّجِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِوُقُوعِ التَّحْلِيلِ. اهـ. فَكَذَلِكَ إقْدَامُ هَذَا عَلَى النِّكَاحِ الثَّانِي إقْرَارٌ مِنْهُ بِرَفْعِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ هُوَ الثَّانِي وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبَاطِلٌ لِسَبْقِ الثَّانِي لَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالْإِقْدَامِ عَلَى الثَّالِثِ وَسُؤَالُ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ الْمُوَلَّى فِيهِ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِقْرَارِ بِرَفْعِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَحْدَهُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَر إنِّي أَوْدَعْتُكَ عَشَرَةَ دَرَاهِم مَثَلًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ تَلِفَتْ وَلَمْ يَذْكُر شَيْئًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلهُ عَنْ السَّبَبِ أَمْ لَا يَجِبُ بَلْ يَقْتَصِرُ فِي دَعْوَاهُ عَلَى التَّلَفِ وَقَدْ اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَكْفِي إطْلَاقُ الدَّعْوَى بِالتَّلَفِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الثَّانِي لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ فِي الدَّعْوَى عَلَى التَّلَفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ حَتَّى يَنْظُرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُودَعُ لَا يَعْرِفُ مَا يَضْمَن بِهِ مِنْ السَّبَبِ وَمَا لَا يَضْمَنُ فَمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى
بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْمُفْتِي الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ ذِكْرَ سَبَبِ التَّلَفِ لَا يَجِبُ وَمَا قَالَهُ الثَّانِي خَطَأٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بَلْ غَيْرُ الْأَمِينِ كَالْغَاصِبِ لَوْ ادَّعَى التَّلَفَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمهُ بَيَانُ سَبَبِ التَّلَفِ فَالْأَمِينُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا نَظَرَ إلَى مَا ذَكَره الثَّانِي سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَدِيعُ يَعْرِفُ السَّبَبَ الَّذِي يَكُونُ التَّلَفُ بِهِ مُضَمَّنًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُودَعُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ السَّبَبَ الَّذِي يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَيَحْلِفهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ مُدَّةً طَوِيلَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ يَدِهِ وَأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ يَدِهِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي أَحْضَرَ الْمَبْلَغَ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا وَأَقَرَّ بِغَصْبِهَا وَادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُهُ مُدَّةً مَدِيدَةً وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَأَيَّتُهُمَا تُقَدَّمَ وَحَيْثُ أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةَ مَرْهُونَةٍ عِنْد صَاحِبِ الْيَدِ وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِرَهْنِهَا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْغَصْبِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَإِذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْغَصْبِ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا وَأَنَّهُ قَوِيَ عَلَى الْغَصْبِ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِلْكُ مُدَّعِي الْغَصْبِ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا مِنْهُ أَوْ شَهِدَتْ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ رَهَنَ هَذِهِ لِفُلَانٍ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ نَهَبهَا مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ فِي يَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ الْأُولَى بِمُجَرَّدِ الرَّهْنِ وَالثَّانِيَةُ بِمِلْكِ مُدَّعِي الْغَصْبِ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا مِنْهُ فَتُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَلَا نَظَرَ فِيمَا ذُكِرَ إلَى أَنَّ مُدَّعِي الْغَصْبِ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الْغَاصِبِ أَوْ لَا.
وَلَوْ شَهِدَتْ الْأُولَى بِمِلْكِ مُدَّعِي الرَّهْنِ وَبِأَنَّهُ رَهَنَهَا تَحْتَ ذِي الْيَدِ وَالثَّانِيَةُ بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ قُدِّمَتْ الْأُولَى وَحُكِمَ بِهَا لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَيْنٍ تَحْتَ يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا مُدَّةً مَدِيدَةً ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهَا لَهُ خَلَّفَهَا لَهُ مُورَثُهُ وَادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُهُ خَلَّفَهَا أَبُوهُ لَهُ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْيَدِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا حَضَر الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَادَّعَى الْأَوَّلُ دَعْوَى غَيْرَ صَحِيحَةٍ يَعْلَمُ مِنْهَا الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُ الْمُرَادَ فَهَلْ لِلْقَاضِي الْإِقْدَامُ عَلَى الْفَصْلِ بِهَذِهِ وَإِلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنَّا لَوْ كَلَّفْنَاهُمْ تَحْرِيرَ الدَّعْوَى لَأَدَّى إلَى حَرَجٍ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ لِاخْتِلَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ عَنْهَا بَلْ يَسْكُتُ أَوْ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي صَحِّحْ دَعْوَاك أَوْ وَكِّلْ مِنْ يُصَحِّحهَا وَإِنْ كَانَ لِاخْتِلَالِ شَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا كَلَحْنٍ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَكِنْ يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ.
فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا فَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُدَّعِي كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَلَا أَنْ يُعْلِمَ الشَّاهِدَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ لَكِنْ لَوْ تَعَدَّى وَعَلَّمَ أَحَدَهُمَا ذَلِكَ فَادَّعَى الْمُدَّعِي وَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا فَقَالُوا لَوْ قَالَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِق أَنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِفَتْحِ إلَّا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالدُّخُولِ.
وَإِنْ كَانَ وَضْعُ لَفْظِهِ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيْنَ إنْ وَأَنْ وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ زَوَّجْتُك أَوْ أَنَكَحْتُك أَوْ بِعْتُك بِفَتْحِ التَّاء أَوْ ضَمِّهَا أَوْ أَتَى بِلَحْنٍ آخَرَ بِغَيْرِ الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي لِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ فَسُومِحَ فِيهَا فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ هُنَا وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لَوْ كَلَّفْنَاهُمْ تَحْرِيرَ الدَّعْوَى لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى حَرَجٍ يُجَاب عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ رُجُوعِهِ إلَى مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَيَعْمَلهُ أَوْ تَوْكِيله مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ لِيَدَّعِيَ بِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَلِيِّ مَحَاجِيرَ سَاكِنٌ هُوَ وَإِيَّاهُمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَفِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ صُنْدُوقٌ مُقْفَلٌ وَفِيهِ أَمْتِعَةٌ وَمِفْتَاحُ الْقُفْلِ بِيَدِ الْمَحَاجِيرِ فَكَسَرَ الْوَلِيُّ الصُّنْدُوقَ الْمَذْكُورَ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَمَنَعَهُ الْمَحَاجِيرُ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ
عَلَيْهَا وَادَّعُوا أَيْضًا أَنَّهَا مِلْكُهُمْ فَهَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمْ دُونَهُ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ لِلْوَلِيِّ وَلَهُمْ لِوُجُودِهِ فِي مِلْكِهِ وَهَلْ وُجُودُ الْمِفْتَاحِ فِي أَيْدِيهِمْ دُونه قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مِلْكِهِمْ لَهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا مَا حَاصِلُهُ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَوْ وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِث أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الصَّالِحِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا.
فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَمَا اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ عَلَيْهِ حِسًّا أَيْ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْمُخْتَصِّ بِالْيَدِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ سَوَاء كَانَ مِلْكَهُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَمَا كَانَ فِي يَدِهِمَا حَسَّا أَوْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدًا تَحْلِيفُ الْآخَرَ فَإِنْ حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ بِهِ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدنَا وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَنْزِلُ وَالْمَسْكَنُ سَوَاءٌ الدَّارُ وَالْبَيْتُ الْمُفْرَدُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَتَبِعَهُمْ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالزَّرْكَشِيّ وَسَوَاءٌ فِي الْمَسْكُونِ لَهُمَا الْمَمْلُوكَة لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَالْمُسْتَعَارَة وَالْمَغْصُوبَة وَنَحْوُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْغَرَضُ أَنْ تَكُونَ يَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا تَحْوِيهِ الدَّارُ مِنْ الْمَتَاعِ وَحُكْمُ التَّنَازُعِ فِيمَا يَسْكُنَانِهِ حَكَمَ الْمَتَاعِ الَّذِي بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَطْلَقُوهُ فِي الْمَتَاعِ مِنْ أَثَاثٍ وَغَيْرِهِ مَحَلّه إذَا اسْتَنَدَ لِيَدِهِمَا الْحُكْمِيَّة عَلَى السَّوَاءِ.
أَمَّا لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّارِ وَكَانَ بِبَعْضِ بُيُوتِهَا مَتَاعٌ مُحْرَزٍ عَنْ الْآخَرَ وَمِفْتَاحُ الْحِرْزِ وَإِقْفَالُهُ بِيَدِهِ دُون يَدِ صَاحِبِهِ فَالْيَدُ عَلَى مَا فِيهِ لِمَالِكِهِ وَنَحْوه دُون الْآخَرَ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُهُمَا الْحُكْمِيَّة عَلَيْهِ سَوَاءً أَمَّا مَا اخْتَصَّ بِمَوْضِعِ مُحْرَزٍ بِقُفْلٍ مِفْتَاحُهُ بِيَدِ مَالِكِ الْبَيْتِ دُون غَيْره فَالْيَدُ عَلَى مَا فِيهِ لِمَالِكِهِ وَقَالَ الْقَاضِي لَوْ تَنَازَعَا فِي عِمَارَةِ دَارٍ وَتَقَارَّا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدَّارِ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْصَة لِأَنَّ الْعِمَارَةَ تَبَعٌ. اهـ.
وَكَلَامُهُمَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَ الْمِفْتَاحِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَاضِيًا بِأَنَّ الْيَدَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي فِيهِ الْأَمْتِعَةُ مِلْكًا لِمَنْ مِفْتَاحُهُ بِيَدِهِ فَلَوْ سَكَنَا دَارًا مَمْلُوكَةً لِأَحَدِهِمَا وَفِي مَخْزَنٍ مِنْهَا أَمْتِعَةٌ وَالْمِفْتَاحُ بِيَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ الْيَدُ عَلَيْهَا لِمَنْ الْمِفْتَاحُ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ عَارَضَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمِفْتَاحِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُ مَنْ لَيْسَ بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَخْزَنِ الَّذِي فِيهِ الْأَمْتِعَةُ وَعِنْد هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ يَتَّجِهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ تَكُونُ بِيَدِهِمَا لِأَنَّ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ صُيِّرَتْ لَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ بِخُصُوصِهَا وَإِذَا انْتَفَتْ خُصُوصِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِهِ كَانَ فِي يَدِهِمَا بِحُكْمِ كَوْنِهِمَا سَاكِنِينَ فِيهَا عَلَى حَدِّ سَوَاء.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْد ذِكْرِهِ مَا سَبَقَ فِي الزَّوْجَيْنِ وَهَكَذَا أَخٌ وَأُخْتٌ تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْ الطِّفْلُ وَالْبَالِغُ يَسْكُنَانِ دَارًا وَاحِدَةً فَمَا فِيهَا لَهُمَا بِحُكْمِ الْيَدِ. اهـ. وَهُوَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ قَامَ وَلِيُّ الطِّفْلِ مَقَامَهُ فِي الْمُنَازَعَةِ وَرَأَيْتُ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِأَنْ كَانَ يَسْكُنُ دَارًا مَعَ أَبِيهِ يَسْكُنُ بِسَكَنِهِ وَيَنْتَقِل بِانْتِقَالِهِ فَلَا يَدَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَابِعًا بِأَنْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَالْيَدُ تَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ أَيْضًا وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مَعَ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيِّ فَالْيَدُ تَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا.
وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا عَنْ وِصَايَةٍ أَوْ نُصِّبَ حَاكِمًا فَفِي ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ وَجْهَانِ. اهـ. وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ لِسَيِّدَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا رَقِيقًا وَيَكُونُ لِلسَّيِّدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا مَعَ الْحُرِّ السَّاكِنِ اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا تَأَمَّلْتَ إطْلَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الطِّفْلِ وَالْبَالِغِ وَإِطْلَاقَ قَوْلِ شُرَيْحٍ كَمَا يَثْبُتُ لِلْبَالِغِ وَجَدْتُهُ قَاضِيًا بِأَنَّ لِلطِّفْلِ يَدًا حَتَّى مَعَ وَلِيِّهِ مُطْلَقًا سَوَاء الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّ مَا حَكَاهُ شُرَيْحٌ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَقَالَةً لَكِنَّهَا ظَاهِرَةُ الْمَعْنَى فَلْيَخُصَّ بِهَا ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ.
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ
الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي هُوَ أَصْلُ كَلَامِ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ لَمْ يَفْرِضْهُ إلَّا فِي الطِّفْلِ مَعَ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي الْمُنَازَعَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَقِبَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ يُوَافِقُ مَا رَجَّحْتُهُ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ تَرَدُّدِ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ مَعَ الْحُرِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ مِلْكٌ وَنِيَابَةُ يَدِهِ عَنْ يَدِ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّ مَعَهَا يَدًا أَقْوَى مِنْهَا بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُفِيدَةٍ جِدًّا بِخِلَافِهِ مَعَ مِثْلِهِ فَإِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْيَدَ لِسَيِّدَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَصْلُحْ يَدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اضْطَرَرْنَا إلَى تَقْرِيرِ يَدِ السَّيِّدَيْنِ حِينَئِذٍ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانُ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ لِأَنَّهُ حَالَفَ عَلَى مَا فِي يَدِهِ دُون مَا فِي يَدِ الْآخَرَ ثَمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا سِيَّمَا بَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَوَرَثَةِ الْآخَرِ وَفِي الْقَلْبِ مِنْ بَعْضِ صُوَرِهَا حَزَازَاتٌ وَمَذَاهِبُ النَّاسِ مُضْطَرِبَةٌ وَلْيُنْظَرْ فِي قَوْلِ الْأَئِمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِأَحَدِهِمَا حِسًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ هَلْ الْمُرَادُ كَوْنُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ فَقَطْ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِاحْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِمُفْرَدِهِ فِيمَا سَلَف وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ أَوْ رَأَيْنَاهُ لَابِسًا كَذَا فِي زَمَنٍ سَابِقٍ عَلَى الْمُنَازَعَةِ هَلْ يَقْضِي بِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ وَكَذَا رُكُوبُ الدَّوَابِّ.
وَغَيْرِ ذَلِكَ الظَّاهِر نَعَمْ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَصْرِيحًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن أَنْ يُصَرِّحَ الْخَصْمُ أَوْ الْبَيِّنَةُ بِطُولِ مُدَّةِ الْيَدِ أَوْ لَا حَتَّى تَكْفِي رُؤْيَةُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ يَوْمًا مَثَلًا هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ. اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُهُمْ فِي صُوَرٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَنَّ يَدَ أَحَدِهِمَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِهِ فِي زَمَنٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّة لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِذَا انْفَرَدَتْ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ يَدِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَا وَاضِعَيْنِ يَدَهُمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ يَدٌ فَإِنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَاشْتَرَكَا فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْت يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ لَوْ تَدَاعَيَا عِمَامَةً فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قَدْرُ ذِرَاعٍ مِنْهَا وَبَاقِيهَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا أَحَدُهُمَا جَالِسٌ فِي صَدْرِهَا وَالْآخَرُ فِي صَحْنِهَا وَدِهْلِيزِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى سَطْحِهَا وَالْآخَرُ فِي سُفْلِهَا كَانَا عِنْدنَا فِي الْيَدِ سَوَاءً سَوَاءٌ أَكَانَ السَّطْحُ مُحَجَّرًا أَمْ لَا.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَلَوْ تَنَازَعَا فِي ظَرْفٍ وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى الْمَتَاعِ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْيَدِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَكُونُ الْيَدُ عَلَى الظَّرْفِ يَدًا عَلَى الْمَتَاعِ وَلَا الْعَكْسُ لِانْفِصَالِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ لِوَاحِدٍ وَالظَّرْفُ لِآخَرَ قَالَ وَلَوْ تَنَازَعَا عَبْدًا وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَى ثَوْبِهِ وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى الْعَبْدِ كَانَتْ الْيَدُ عَلَى الْعَبْدِ يَدًا عَلَى الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ. اهـ. وَلَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ فَالْيَدُ لِلَّابِسِ كَمَا قَالَهُ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِهِ وَمِنْ.
ثُمَّ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَحِكَايَة وَجْهٍ فِيهِ رَدَّهَا الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَمَالِ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ قَالَ وَإِلَّا لَاتَّخَذَ ذَلِكَ الْفَجَرَةُ ذَرِيعَةً فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْيَدِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَا رَجَّحْتُهُ مِنْ تَرَدُّدِهِ السَّابِقِ مَنْقُولًا لَكِنْ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ ادَّعَى الْيَدَ فِي شَيْءٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْس لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إنْ تَعَرَّضَتْ لِزِيَادَةٍ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ فِي يَدِهِ فَأَخَذَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ قَهَرَهُ عَلَيْهِ أَوْ بَعَثَ الْعَبْدَ فِي شُغْلٍ أَوْ أَبَقَ مِنْهُ فَاعْتَرَضَهُ هَذَا فَأَخَذَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ حِينَئِذٍ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَبِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ أَمْتِعَةٌ وَأَمْوَالٌ وَجَمَاعَة كَانُوا سَاكِنِينَ مَعَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ وَغُلَامٌ أَجْنَبِيٌّ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ وَطَالَبَ آخَرُونَ الْوَصِيَّ عَلَى الْأَطْفَالِ بِوَدَائِعَ وَكُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ فَهَلْ يَكْفِي يَمِينُ كُلٍّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ وَدِيعَةَ فُلَانٍ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ أَيْدِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرُّوا بِشَيْءٍ لِبَعْضِهِمْ
أَوْ غَيْرِهِمْ قُبِلَ إقْرَارُهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا حَلَفُوا وَجُعِلَ بَيْنُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِشَرْطِهَا وَمَنْ شَهِدَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَيْدِي قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَا السَّفِيهُ وَمَوْضِعُ جَعْلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا يَدَّعُونَ اخْتِصَاصَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَدُهُمْ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَهُمْ أَهْلٌ لِلتَّصَادُقِ وَمَعْلُومُ أَنَّ إقْرَارَ الْكَامِلِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ النَّاقِصِ مِنْهُمْ وَأَفَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ الْمُسَاكِنِ لِأَبَوَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ مُشَارِكَةٌ لِأَيْدِيهِمَا عَلَى مَا فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَيَكُونُ تَابِعًا لَهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهَلْ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَعَ الْأَبِ كَالرَّشِيدِ فِيهِ وَقْفَةٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْهَدْ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ مَتَاعٌ وَأَمَّا الْغُلَامُ الْأَجْنَبِيّ فَفِي النَّفْسِ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْوَلَدِ الْكَامِلِ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مَا فِي يَدَيْهِ حِسًّا.
وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ هُنَالِكَ. اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَامِلٌ لِلْبَالِغِ السَّفِيهِ وَالرَّشِيدِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَفَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاقِل إلَخْ فَاشْتُرِطَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ دُون الرُّشْدِ وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَهَلْ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَعَ الْأَبِ كَالرَّشِيدِ إلَخْ فَلَيْسَ ذَلِكَ التَّوَقُّفُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ فِي سَفِيهٍ لَمْ يُعْهَدُ لَهُ مَالٌ وَلَا أَمْتِعَةٌ وَهَذَا التَّوَقُّفُ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ لَكِنْ مَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ أَوَّلًا كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُوَ الْأَوْجَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّفِيهَ يَسْتَقِلُّ عَنْ وَلِيِّهِ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْلَاكِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا نَحْو الِاحْتِطَابِ وَمِنْهَا قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَقَدْ رَجَّحَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّةَ قَبْضِهِ مَا وُهِبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْوَلِيُّ فَحِينَئِذٍ سَاوَى السَّفِيهُ الرَّشِيدَ فِي ذَلِكَ وَكَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي مُشَارَكَةِ الرَّشِيدِ لِأَبِيهِ فِي الْيَدِ أَنْ يَعْهَدَ لَهُ مَالًا أَوْ مَتَاعًا كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى إطْلَاقِهِمْ السَّابِقِ أَنَّ لَهُ يَدًا حَتَّى مَعَ أَبِيهِ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ وَفَارَقَ السَّفِيهَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَالٌ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ مُطْلَقًا بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ عَنْ وَلِيِّهِ بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ تَنْفُذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الصَّبِيِّ حَقِيقَةً مُتَمَحِّضَةً كَمَا تَقَرَّرَ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ يَدِ السَّفِيهِ مَعَ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ إثْبَاتُ يَدِ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَبَانَ بِمَا تَقَرَّرَ الْجَوَابُ عَنْ تَوَقُّفِ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ.
وَاتَّضَحَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّفِيهَ مَعَ أَبِيهِ كَالرَّشِيدِ سَوَاءٌ أَعُهِدَ لَهُ أَمْتِعَةٌ وَمَالٌ أَمْ لَا وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ فِيمَا ذَكَره الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْغُلَامِ الْأَجْنَبِيِّ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِي السَّفِيهِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّصْرِيحُ فِيهِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْله لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ فَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَتَاعَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْن أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرِينَ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا لِأَنَّ كُلًّا مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْآخَرِ لَيْسَ تَابِعًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ وَالْوِلَايَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ مَعَ وَلِيِّهِ إذَا تَأَمَّلْتَ جَمِيعَ مَا قَرَّرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الْمُهِمَّةِ عَلِمْتَ مِنْهُ جَوَابَ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ أُولَئِكَ الْمَحَاجِيرَ السَّاكِنِينَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي مَحَلِّ الصُّنْدُوقِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَا يَدَ لَهُمْ مَعَهُ بَلْ تَكُونُ الْيَدُ لَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَمَا فِيهِ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا انْتَفَتْ صَارَ مَعَهُمْ كَأَجْنَبِيِّ وَقَدْ مَرَّ لَك أَنَّ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَجْنَبِيّ لَهُ يَدٌ وَمُشَارَكَةٌ فِي الْيَدِ وَإِنْ كَانُوا سُفَهَاءَ كَانَتْ الْيَدُ عَلَى الصُّنْدُوقِ.
وَمَا فِيهِ لَهُ وَلَهُمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ فِي الْمَحَلِّ السَّاكِن هُوَ وَإِيَّاهُمْ فِيهِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا وُجِدَ بِمَحَلِّ سَاكِنٍ فِيهِ جَمْعٌ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ كَمَا أَشَارُوا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ السَّابِقِ أَوَّل الْمُقَدِّمَةِ أَوْ غَصْبًا تَكُونُ الْيَدُ عَلَيْهِ لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ صَلَحَ لِلْكُلِّ أَمْ بَعْضِهِمْ وَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ لِلْجَمِيعِ
فَإِنْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَوْزِيعِهِ عَلَى رُءُوسِهِمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَل بَعْضُهُمْ قَضَى بِهِ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى حَسَبِ رُءُوسِهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا وُجُودُ الْمِفْتَاحِ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَدَ لَهُمْ دُونَ الْوَلِيّ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مِلْكًا لِمَنْ الْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِلْكًا فَالْيَدُ فِي الْمَتَاعِ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ الصُّنْدُوقُ مِلْكًا لَهُمْ وَمِفْتَاحُهُ بِيَدِهِمْ فَالْيَدُ لَهُمْ وَحْدَهُمْ وَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ هَذَا كُلِّهِ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ بِأَنْ كَانَ الصُّنْدُوقُ بِيَدِ الْجَمِيعِ حَتَّى تَدَاعَوْا فِيهِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ يَدٌ حِسِّيَّةٌ بِأَنْ جَاءُوا إلَى الْقَاضِي وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ دُونهمْ وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِمْ وَأَنَّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الْآن اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَصْبًا فَالْيَدُ فِيهِ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَلْيَحْلِفْ وَيَسْتَحِقّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ لِتَرَتُّبِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ بِلَفْظِ إنِّي أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَة وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ هَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى الْبَتِّ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يُرِيدُ تَحْلِيفَهُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ دَعْوَاهُ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْحَلِفَ يَكُون عَلَى الْبَتِّ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ كَأَبْرَأَنِي مُوَرِّثُكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الدَّيْنَ وَصِفَتَهُ وَمَوْتَ الْمَدِينِ وَحُصُولَ التَّرِكَةِ بِيَدِ وَارِثِهِ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدَيْنِهِ عَلَى مُورَثِهِ فَيَحْلِفُ فِي الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
وَفِي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ بِيَدِهِ عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ أَنْكَرَ كُلًّا مِنْ الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ مَعَ حَلِفِهَا عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا بِيَدِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّهُ اهـ فَافْهَمْ قَوْلَهُمْ فَيَحْلِفُ فِي الدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِهِ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ أَوْ بِغَيْرِهِ.
وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْن أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ لِي عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ عِنْدَهُ كَذَا نَعَمْ ذَكَرَ الْأَزْرَقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَفَائِسِهِ أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ حَيْثُ قَالَ إذَا وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى شَخْصٍ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ وَكَذَا غَيْرَهُ إنْ كَانَ إثْبَاتًا وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَيَقُولُ لَا أَعْلَمُ لَكَ عَلَى مُورَثِي دَيْنًا فَإِنْ أَرَادَ حِيلَةً تَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ فَيَقُولُ يَلْزَمُكَ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيَّ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِكَ كَذَا فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ ذَكَرَهُ فِي الْبَسِيطِ فِي نَظِيرِهَا مِنْ الْخُلْعِ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا فَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ حَلِفَ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ ذَلِكَ إلَيْكَ وَيُوَافِقهُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ آخَرِ فَقَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ هِيَ أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي فَيَقُولُ الْمُدَّعِي بَلْ مِلْكِي وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ وَامْتَنَعَ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَمَا الْحُكْمُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ رضي الله عنهم فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْيَمِينِ هُنَا عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّفَاقًا. اهـ.
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثَمَّ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِهِ ثَانِيًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَتَحْلِيفَهُ عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ وَكَذَا لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِ الْوَارِثِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ أُسْنِدَ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى الْمَيِّتِ كَأَسْتَحِقُّ عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ عِنْده كَذَا حَلِفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ وَحَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى الْوَارِثِ كَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُ هَذَا إلَى مِلْكِي أَوْ أَسْتَحِقُّهُ حَلِفَ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ إلَيْكَ أَوْ لَا تَمْلِكُهُ أَوْ لَا تَسْتَحِقُّهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا فِي الْقَاتِلِ. اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّهُ
تَعَالَى كَالْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَفِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الدَّعَاوَى أَنَّ النَّفْيَ الْمَحْصُورَ كَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَالَة بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ نَفْيُ فِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ
وَقَدْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي مَوْجُودِ لَا يُنْسَبُ لِفِعْلِهِ وَلَا لِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغُرَابٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ عَيْنًا بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِأَلْفَيْنِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَمَنْ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّؤَالِ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إنْ أُطْلِقَتَا بِأَنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لِوَقْتِ الْإِقْرَارَيْنِ أَوْ أُطْلِقَتْ وَاحِدَةٌ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى لَزِمَ زَيْدًا لِعَمْرٍو الْأَلْفَانِ اللَّذَانِ شَهِدَتْ بِهِمَا بَيِّنَةُ عَمْرٍو عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ بَيْن الْبَيِّنَتَيْنِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ عَمْرٌو بَاعَهَا لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ وَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ زَيْدٌ بِذَلِكَ فَعَمَلنَا بِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَلْزَمْنَا زَيْدًا الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَى إقْرَارِهِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ عَلَى إقْرَارِ عَمْرٍو بِالْأَلْفِ لَا تُعَارِضُ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ.
فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّارِيخُ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ لَزِمَ زَيْدًا الْأَلْفَانِ أَيْضًا وَإِنْ اتَّفَقَ التَّارِيخُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْأَلْفِ الزَّائِدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا يُقِرُّ بِهَا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَيَلْزَمُ زَيْدًا الْأَلْفُ الْأُولَى وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّهَا عَمْرٌو إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ زَيْدٍ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ ثَانِيًا بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لَزِمَتْهُ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأُولَى.
وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقَدٌ وَاحِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَلَا يَسْتَحِقّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ قَبْله وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِالْأَلْفَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي مَا لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَلْفٍ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى قُلْتُ حُكْمُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ دَيْنًا فَقَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَمْرٍو وَأَنَا شَاهِدٌ بِذَلِكَ عَلَيْهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَمْرٍو ` عَلَى زَيْدٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِأَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَا ذُكِرَ جَوَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَلْ يَلْزَمُ بِالْخُرُوجِ مِنْ جَوَابِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى بِهِ عَلَى عَمْرٍو وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَ زَيْدٌ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِفِسْقِهِ لِجَحْدِهِ دَيْنِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَبْرِئَةِ نَفْسِهِ بِإِلْزَامِ غَيْرِهِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصَيْنِ تَوَارَثَا مِنْ أَبِيهِمَا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْد أَزْمَانٍ فَادَّعَى الْآخَرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ لَهُ حِصَّةً مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِدَعْوَاهُ فَأَجَابَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَهَلْ تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِقَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ عَيَّنَ الْمُدَّعِي الْمِقْدَارَ فَهَلْ الْوَاجِبُ أَدَاءُ الْقَدْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الدَّعْوَى
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ ادَّعَى وَلَدُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ ثَانِيًا بِأَنَّ مُورَثَهُمْ اسْتَوْلَى عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَبَيَّنَهَا وَمَاتَ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَهْلَانِ لِلشَّهَادَةِ بِمَا يُطَابِقُ دَاعُوهُ الْمَذْكُورَة قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَلْزَمَ الْقَاضِي وَرَثَةَ
الْمَيِّتِ ثَانِيًا بِدَفْعِ تِلْكَ الْحِصَّةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَإِنْ بَيَّنَهَا لَكِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ شَاهِدَانِ كَذَلِكَ حَلَفَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ ثَانِيًا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله عَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِجِهَةٍ عَامَّةٍ بِشَيْءٍ فِي أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَكَانَ الْمُدَّعِي مُتَلَقِّي ذَلِكَ مِنْ آخَرَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فَهَلْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَأَنْ كَانَ فِي أَرْضٍ أَمْدَادٌ مَعْلُومَةٌ فَبَاعَهَا الْوَارِثُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْرًا وَاَلَّذِي إلَى جِهَتِهِ الصَّدَقَةِ قَدْرًا آخَرَ وَلَا بَيِّنَةً؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ وَإِذَا تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ وَغَيْرُهُ فِي قَدْرِ الْمُدَّعَى بِهِ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ تَحْتَ يَدِك رَهْنٌ فِيهَا مِائَةُ أَشْرَافِيٍّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ قَدْ مَاتَ وَالْمُرْتَهِنُ أَيْضًا قَدْ مَاتَ لَكِنَّ الدَّعْوَى بَيْن وَارِثِ الرَّاهِنِ وَوَارِثِ الْمُرْتَهِنِ فَأَقَامَ وَارِثُ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَرَّ عِنْد الْمَوْتِ أَنَّ الْعَيْنَ مَرْهُونَةٌ فَأَقَامَ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ بَعْد مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ أَنِّي بِعْتهَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ أَعْنِي وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ وَأَقَامَ أَيْضًا وَارِثُ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَوَارِثَهُ أَقَرَّ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ أَيْضًا وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ وَارِثَ الرَّاهِنِ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا هُوَ أَوْ مُورَثُهُ وَأَقَامَ وَارِثُ الرَّاهِنِ أَيْضًا بَيِّنَةً أَنَّ آخِرَ مَجْلِسٍ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا لِمَا يُجِيبُهُمْ فِي الْوَرَقَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَاتِ فَاكْتُبُوا بِخَطِّكُمْ الشَّرِيفِ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَإِذَا لَمْ يَلْقَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بَيِّنَةً فَمَا الْحُكْمُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَرَّ عِنْد مَوْتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ مَرْهُونَةٌ عُمِلَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُفِدْ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبُ الْمُقَرَّ لَهُ الْمُقِرَّ وَهُنَا الْمُرْتَهِنُ لَمَّا أَقَرَّ عِنْد مَوْتِهِ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ عِنْده كَانَ مُكَذِّبًا لِلرَّاهِنِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ بَاعَهَا لَهُ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الرَّهْنِ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فَكَذَّبَهُ فِيهِ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ظَاهِرًا أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمَدَارُ فِيهِ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ وَبِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ بَاعَهُ.
وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَنَّ وَارِثَ الرَّاهِنِ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى بِأَنَّ وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى رَهْنِيَّتِهَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ فَإِنْ أَرَّخْتَ الْإِقْرَارَيْنِ وَكَانَ إقْرَارُ الرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ مُتَقَدِّمًا كَانَ إقْرَارُ وَارِثِ الْمُرْتَهِنِ الْمَذْكُورِ مُكَذِّبًا لِلرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ مُتَأَخِّرًا وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكَهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَاهُ أَوْ أَرَّخَتْ وَاحِدَةٌ وَأَطْلَقَتْ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْبَيْعِ مَوْجُودًا وَكَذَّبَ الرَّاهِنَ أَوْ وَارِثَهُ فِي إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِقْرَارِهِ بَلْ تَبْقَى الْعَيْنُ رَهِينَتهَا لِمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَيَحْلِف مُنْكِرُ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى رَهْنِيَّتِهَا أَيْضًا لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ السُّؤَالِ أَنَّ الرَّهِينَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ بَيْعٌ أَوْ لَا وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَة مِنْ الْجَانِبَيْنِ هَذَا مَا يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا بِخُصُوصِهَا.
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ الْكَبِيرِ فِي الرَّاهِنِ وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفِ آخُذُهَا مِنْك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالرَّهْنِ بَلْ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ تَحَالَفَا وَلَمْ تَكُنْ الدَّارُ هُنَا وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ لِأَنَّ صُورَةَ هَذَا النَّصِّ غَيْرُ صُورَةِ هَذَا السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ جَزَمَ
بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَيَخْتَلِفَا فِي صِفَتِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.
وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمَ الْبَيْعِ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ بِزَوَائِدِهَا وَلَا يَمِينَ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ فَالْخِيَرَةُ لَهُ فِي قَبُولِهِ وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ لِأَنَّ الرَّهْنَ زَالَ بِإِنْكَارِهِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنَّمَا رَدَّ إلَيْهِ الْأَلْفَ مَعَ أَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقِهَا لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُقَابَلَةِ عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا رَدَّ عَلَيْهِ مُقَابِلهَا الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ تَرَادِّ الْعِوَضَيْنِ عِنْد الْفَسْخِ أَوْ نَحْوِهِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُ رَأَى هَذَا النَّصَّ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَتَوَهَّمَ مِنْهُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَكَتَبَ فِيهَا الْجَوَابَ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَتَعَارَضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا تَعَارَضَتْ بَطَلَتْ وَتَحَالَفَا.
فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الرَّهْنِ فِي الْأُمِّ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَ دَارِي وَسَاقَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَلَوْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى لَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَسَوَّرْ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُ بِوَجْهٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهَا تُسَجِّلُ عَلَيْهِ بِالْجَهْلِ وَتُنَادِي عَلَى فَهْمِهِ بِالْعَجْزِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُفْتِي إلَّا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ كَالنِّيَّةِ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ وَمَتَى تَعَدَّى ذَلِكَ دَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي حَقِّهِمْ عَزَّ مَنْ قَائِل {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] الْآيَة لَكِنْ لَمَّا انْدَرَسَتْ أَطْلَالُ الْعِلْمِ وَعَفَتْ رُسُومُهُ تَسَوَّرَ سُورَهُ الرَّفِيعَ الْكَذَّابُونَ وَتَشَدَّقَ فِي حَلْقِهِمْ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَبِّعُونَ بِمَا لَمْ يُعْطُوهُ فَكَانُوا كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ شَرَاه مِنْهُ لَمْ يَصِحّ لِلْمُضَادَّةِ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُسْمَعُ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ وَقَدْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُنْفَصِلًا كَانَ مَسْمُوعًا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ كَانَ لِفُلَانٍ ذَكَرَ ذَلِكَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ. اهـ. مَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مُتَّجَهٌ فَلْيُعْتَمَدْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله سبحانه وتعالى عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ حَدِيقَةٌ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مُدَّةً مَدِيدَةً فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا رَهْنٌ بِكَذَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكَهُ مُدَّةً مَدِيدَةً أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا وَقَبَضَهَا فَهَلْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ الَّذِي ادَّعَى الرَّهْنَ تُقَدَّمُ أَمْ بَيِّنَةُ الَّذِي ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوْ الْهِبَةَ أَوْ الْإِقْرَارَ وَهَلْ يَكْفِي قَوْلُ الرَّاهِنِ هِيَ رَهْنٌ بِكَذَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ هِيَ مِلْكِي رَهَنْتُهَا مِنْهُ بِكَذَا وَأَحْضَرْتُ الْمَبْلَغَ وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ وَأَخَذَ الْحَقَّ مِنِّي أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ وَإِذَا أَقَامَ مُدَّعِي الرَّهْنِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهَا تَحْتَ يَدَيْ رَهِينَةٌ وَلَمْ يَمْضِ بَعْدَ إقْرَارِهِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّ الدَّاخِلَ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ زَيْدٌ وَبَاعَهُ لِلدَّاخِلِ أَوْ أَنَّهُ اكْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْده قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَكَالْإِيجَارِ وَالْإِيدَاعِ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ كَمَا لَا يَخْفَى أَمَّا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بِالرَّهْنِ وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ أَوْ أَقْبَضَهُ لَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ وَمَا ذَكَره الْأَذْرَعِيُّ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ لَازِمًا فَلَا تُسْمَعُ
دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي وَقَبَضْتُهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ وَإِذَا ادَّعَى دَيْنًا قَالَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَائِهِ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا مَثَلًا بِيَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي دَعْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ هِيَ مِلْكِي رَهَنْتُهَا مِنْهُ بِكَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيَّ وَطَرِيقه لِتُسْمَعَ دَعْوَاهُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ أَحْضَرْتُ الْمَبْلَغَ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيَّ إذَا قَبَضَهُ مِنِّي وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهَا وَقَالَ هِيَ مِلْكِي أَجَرْتهَا مِنْهُ مُدَّةَ كَذَا إذْ لَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَلْزَمهُ تَسْلِيمُهَا فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَصِيرَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ثُمَّ يَدَّعِي وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الرَّهْنِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ آخِرَ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَامْتَلَكَهَا مُدَّةً مَدِيدَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُنْكِرْ سَيِّدُهَا وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ سَيِّدِهَا ثُمَّ إنَّ الْجَارِيَةَ أَدْخَلَتْ عَلَى سَيِّدَتِهَا مَنْ قَتَلَهَا بِاللَّيْلِ وَاعْتَرَفَتْ الْجَارِيَةُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ السَّيِّدَ بَاعَ الْجَارِيَةَ وَأَمْسَكَ الْوَلَدَ فَنُكِرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى عَدَمَ الْوَطْءِ وَأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ السَّيِّدَ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ بَعْدَ نَفْيِهِ لَهُ لِيَجُوزَ مِيرَاثُهُ فَهَلْ يَلْحَقهُ الْوَلَدُ بَعْد مَا صَدَرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ أَوْ لَا وَمَا يَكُون حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَلْحَقهُ الْوَلَدُ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ مِنْ كَوْنِ الْمُسْتَلْحِق ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُخْتَارًا وَالْمُسْتَلْحَقُ مَجْهُولَ النَّسَبِ حُرًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَهُوَ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ كَوْنُهُ وَلَدَ الْمُقِرِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحَيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ ثُبُوتُ الْإِيلَادِ لِلْأُمِّ بَلْ لَا بُدَّ فِي ثُبُوتِهِ.
مَعَ النَّسَبِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَلَوْ فِي الْمَرَضِ عَلَقْتُ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ هُوَ وَلَدِي مِنْهَا وَلَهَا فِي مِلْكِي عَشْرُ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَ الْوَلَدُ ابْنَ سَنَةٍ مَثَلًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ وَلَا بِفَسَادِ بَيْعِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ قَالَ عَلَقْتُ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ مِمَّا ذُكِرَ وَأَمَّا مُجَرَّدِ قَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إيلَادُهَا.
وَإِنْ قَالَ وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكهَا وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ أَمَّا هِيَ فَيُلْغَى الْإِقْرَارُ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ إنْ أَمْكَنَ وَفِي غَيْرِ الْمُسْتَفْرَشَةِ لَهُ أَمَّا الْمُسْتَفْرَشَةُ لَهُ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي مِنْ أَمَتِي لَحِقَهُ وَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَخَلَّفَ تَرِكَةً مِنْ جُمْلَتِهَا أَمَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ سَيِّدِهَا وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ سَيِّدَهَا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَلَا سُمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ الْحَمْلُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَنَّ سَيِّدَهَا وَطِئَهَا وَأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكِي وَأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ غَصَبَهَا مِنِّي وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ الَّذِي الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَقَرَّ بِهَا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ الْإِقْرَارَ وَالْغَصْبَ فَهَلْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْإِقْرَارِ تُقَدَّمُ أَمْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْمِلْكِ وَالْغَصْبِ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْغَصْبُ وَيُلْغَى إقْرَارُ الْغَاصِبِ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ فَأَنْكَرَ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْهُ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَلَا يَغْرَم شَيْئًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ غَصَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى وَيَلْغُو إقْرَارُ الْغَاصِبِ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ امْرَأَةٍ بِيَدِهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ مَضْمُونَهُ أَنَّ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّة اشْتَرَتْ مِنْ أُخْتِهَا فُلَانَةِ الْفُلَانِيَّة بَيْتًا بَيْعًا مُطْلَقًا بِثَمَنِ كَذَا وَكَذَا
قَبَضَتْ الْبَائِعَةُ الثَّمَنَ بِاعْتِرَافِهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ بِالتَّبَايُعِ الْمَذْكُورِ مُؤَرَّخُ التَّبَايُعِ وَالْحُكْمِ بِعَامِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَتِسْعمِائَةِ وَالشَّاهِدُ لَمْ يَكْتُبْ فِي الْمُسْتَنَدِ مَعْرِفَتَهُ لِلْبَائِعَةِ وَلَا عَرَّفَهُ أَحَدٌ بِهَا وَالْحَالَةُ أَنَّ الْبَائِعَةَ مُنْكِرَةٌ لِلْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أُخْتًا لَهَا كَمَا كَتَبَ الْكَاتِبُ فِي الْمُسْتَنَدِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَةَ جَاءَتْ عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مُخَالِفٍ لِلْحَاكِمِ الْمُثْبِتِ وَادَّعَتْ عَلَى الْمُشْتَرِيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا وَاضِعَةٌ يَدِهَا عَلَى بَيْتِهَا بِمُقْتَضَى أَنَّهَا جَعَلَتْهُ تَحْتَ يَدِهَا فِي مَبْلَغِ اثْنَيْ عَشَر أَشْرَافِيًّا هُوَ وَمُسْتَنَدَاتٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ فَأَجَابَتْ بِأَنَّهَا صَارَ إلَيْهَا ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ الشَّرْعِيِّ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ وَأَنَّنِي تَقَايَلْتُ أَنَّا وَإِيَّاكَ أَحْكَامَ التَّبَايُعِ الصَّادِرِ مِنْك كَمَا ذُكِرَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا الْآن بِأَنَّهَا لَمْ تَبِعْ وَلَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ يَمْنَعُهَا مِنْ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَهَلْ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ تَصْرِيفِهَا فِي الْبَيْتِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ مُسْقِطٌ لِلطَّلَبِ أَيْضًا أَمْ لَا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الْمُدَّعَى لَدَيْهِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِيَة بِحُضُورِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لِتَشْهَدَ فِي وَجْهِ الْبَائِعَةِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْبَيْعِ وَبِقَبْضِ الثَّمَنِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا الْآنَ بِأَنَّهَا لَمْ تَبِعْ حَيْثُ ثَبَتَ عِنْد الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْمُدَّعَى لَدَيْهِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِيَةِ بِحُضُورِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لِتَشْهَدَ فِي وَجْهِ الْبَائِعَةِ بِالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ اسْتِيفَاءُ مُسَوِّغَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا أَوْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا نَظَرَ لِطُولِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا لِقِصَرِهَا وَأَمَّا دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ لَمْ تُسْمَع دَعْوَاهَا وَإِنْ كَانَتْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ إلَّا عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَةُ أَنَّهَا أَقَبَضَتْهَا الثَّمَنَ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَتْ الْبَائِعَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ وَاسْتَحَقَّتْ الثَّمَنَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي أَرْضٍ تَكُونُ تَحْتَ يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُشْتَرٍ مُدَّةَ سِنِينَ كَثِيرَة ثُمَّ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْبَائِعُ أَوْ أَوْلَادُهُمَا بَعْد انْقِرَاضِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقَفَهَا أَبُونَا أَوْ جَدُّنَا عَلَيْنَا وَأَقَامَتْ بِذَلِكَ يَعْنِي بِالْوَقْفِ بَيِّنَةً بِالتَّسَامُعِ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ هَذَا الْوَقْفُ عِنْد حَاكِمٍ هَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ وَقْفًا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ الْإِجَارَةُ وَيَغْرَمُ وَاضِعُ الْيَد أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ وَمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ لَوْ تَنَقَّلَتْ تَحْت أَيَادٍ كَثِيرَةٍ تَكُونُ كَالْمَغْصُوبَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْوَقْفِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِهِ لَكِنْ إنْ جَزَمْتَ بِالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحْتَ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهَا التَّسَامُعُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا حِينَئِذٍ إنْ ذَكَرْتَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْجَزْمِ دُونَ التَّرَدُّدِ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي أَرْضٍ وَهِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِكِتَابٍ فِيهِ اشْتِرَاءٌ صَحِيحٌ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَجَاءَ آخَرُ بِكِتَابٍ صَحِيحٍ فِيهِ وَقْفٌ صَحِيحٌ بِحُكْمِ حَاكِمٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَكِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْوَقْفِ الصَّحِيحِ التَّارِيخِ الْمُتَقَدِّم فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا سُمِعَتْ شَهَادَتُهَا بِالْوَقْفِ بِشُرُوطِهَا حُكِمَ بِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَانْتُزِعَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَغَرِمَ ذُو الْيَدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَمَا فَاتَ مِنْ مَنَافِعِهِ وَأَجْزَائِهِ وَكَذَا لَوْ تَعَاقَبَتْ عَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ كَالْمَغْصُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً إلَّا إذَا كَانَتْ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالدَّعْوَى أَوْ يَتَعَدَّى إلَى الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي الدَّعْوَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ إقْرَارًا فَلَا يَحْتَاجُ يَمِينُهَا وَشَهَادَتُهَا إلَى ذَلِكَ أَوْ لَا فَيَحْتَاجُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى الْعِلْمُ سَوَاءٌ أَقُصِدَ بِهَا دَفْعُ الْمُنَازَعَةِ أَمْ لَا وَالْإِلْزَامُ
فَإِنْ ادَّعَى مِلْكًا بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةً أَوْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ عَيْنٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ وَيَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ فَإِنْ كَانَ سَفِيهًا قَالَ إلَى وَلِيِّي أَوْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْأَدَاءِ اللَّازِمِ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَفْسَخُ الْبَائِعُ بِسَبَبٍ.
وَيَكُونُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى نَحْوِ مُعْسِرٍ أَوْ الْعَيْنُ مَوْجُودَةٌ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَعَنَى اشْتِرَاطَ مَا ذُكِرَ وَهُوَ يَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ مَا لَوْ قَصَدَ بِالدَّعْوَى نَحْوَ الْمُنَازَعَةِ دُونَ تَحْصِيلِ الْحَقِّ فَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ ذِكْرُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِي وَهُوَ يَمْنَعنِيهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هِيَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ بِيَدِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِهِ مِنْ شِرَاءِ أَوْ رَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ مَثَلًا وَبِهَذَا الَّذِي تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِهِمْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إتْيَانُ نَظِيرِهِ فِي الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ لَا فِي الْإِقْرَارِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا وَكَانَ سَبَبُ الِالْتِبَاسِ فِيهِ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرٍ وَيَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ تَحْتَ يَدِك غَصْبٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا تَحْتَ يَدِكَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيهَا إنْ شَهِدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ لِمَنْ أَقَامَهَا تَعَارَضَتَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيُعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ وَالْأُخْرَى بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ مِنْ الْآخَرِ قُدِّمَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْمِلْكِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ لِلْمُفْلِسِ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ حَكَى الصَّيْدَلَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ نَاوِيًا لَا حَقَّ عَلَيْهِ يَلْزَمهُ أَدَاؤُهُ الثَّانِي لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْعَادِلَ لَا يَحْبِسهُ إلَّا بَعْد الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَضِيَّتُهُ اتِّفَاقُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْحَلِفُ نَاوِيًا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ جَائِرًا وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّوْرِيَةَ تَنْفَعُ عِنْد الْجَائِرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا وَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَرْسَلَ أَمَانَةً إلَى آخَرَ لِيَصْرِفَهَا عَلَى زَوْجَتِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ بِإِخْبَارِ الْأَمِينِ الْمُرْسَلِ مَعَ ذَلِكَ فَأَنْفَقَهَا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُخْبِرُ الْمَذْكُورُ وَأَنْفَقَ بَعْد فَرَاغِهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ حَالَ الْإِنْفَاقِ وَالْإِشْهَادِ بِهِ فَمَاتَ مُرْسِلُ الْأَمَانَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثَبَتَ بَعْد وَفَاتِهِ وَأَرَادَ الدَّائِنُ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنِهِ لِمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ الْمُرْسَلِ مِنْ مَدِينِهِ بَعْد الْإِنْفَاقِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ طَلَبُهُ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَإِذَا تَوَجَّهَ طَلَبُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَا الْحُكْمُ فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِذْنِ فِيهِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُنْفِقِ وَحْدَهُ أَوْ قَوْلُهُ مَعَ الزَّوْجَةِ الْمُنْفَقُ عَلَيْهَا أَوْ قَوْلُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَوْ يَحْتَاج إلَى الْبَيِّنَةِ وَإِذَا عَجَزَ الْمُنْفِقُ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِذْنِ لَهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ.
وَهَلْ تَعْيِينُهُ بَعْد الْإِنْفَاقِ لِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ الْمَالِ الْمُرْسَلِ مَقْبُولٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُنْفِقُ وَالْمُنْفَقُ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَادَّعَى الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ التَّبَرُّعَ وَادَّعَى الْمُنْفِقُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ فَمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْهُمَا وَهَلْ لِلْمُتَبَرِّعِ بِالْإِنْفَاقِ الرُّجُوعُ بِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيّ كَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمهمَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِأَنَّ لِلدَّائِنِ الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ أَيْ بِأَعْيَانِ أَمْوَالِهِ لَا بِدُيُونِهِ وَحِينَئِذٍ فَلِلدَّائِنِ هُنَا مُطَالَبَةُ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَثْبَتَ إذْنَ الْمَيِّتِ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ الْمَذْكُورِ بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ بَدَلَ مَا أَرْسَلَ إلَيْهِ وَلِلدَّائِنِ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ أَيْضًا دُونَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَلَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ طَلَبِ الدَّائِنِ اتِّفَاقُ هَذَيْنِ وَالْمُرْسَلُ إلَيْهِ عَلَى إذْنِ الْمَيِّتِ فِي
الْإِنْفَاقِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا لَمْ يَثْبُت فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْمُنْفِقُ عَلَى دَعْوَى الْإِذْنِ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَنْفَقْتُ لِظَنِّي الْإِذْنَ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ (فَائِدَة) اعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ السُّبْكِيّ وَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تبارك وتعالى مُشْكِلٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ دَالٌّ عَلَى خِلَافِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ لِلْغَرِيمِ ابْتِدَاءُ الدَّعْوَى إذَا تَرَكَهَا الْوَارِثُ أَوْ الْمُفْلِسُ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجَرَى ابْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله تبارك وتعالى عَلَى مَا يُوَافِقهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَثْبَت دَيْنًا عَلَى امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ وَادَّعَى عَلَى زَوْجِهَا أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرًا وَلَمْ يَدَّعِ بِذَلِكَ وَارِثُهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مُنْتَقِلٍ مِنْهُ إلَيْهِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ تَعَلَّقَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ دَيْنًا لِزَوْجِهَا أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ثَبَتَ لَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ النَّفَقَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ بَلْ جَزَمَ بِهِ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ كَانَ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ
وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ بِمَحْضَرٍ يَتَضَمَّنُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ لِيَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَكِّلهُ الْوَارِثُ فِي إثْبَاتِهِ فَالْأَحْسَنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ ذَلِكَ قَالَ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ وَاضِحٌ وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ لِلْوَارِثِ وَالْمُوصِي وَالدَّائِنِ الْمُطَالَبَةُ بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ. اهـ. وَعِنْدَ تَأَمُّلِ كَلَامَيْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ فَرَضَ الْأَوَّلَ فِي الدَّيْنِ وَالثَّانِيَ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الدَّيْنَ لَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى مِنْ الْغَرِيمِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ تَبَعًا لَهُ وَهَذَا أَيْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرًا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَرِيمِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَإِنْ قُلْنَا غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الظَّفَرِ بِمَالِهِ بِشَرْطِهِ لِلْفَرْقِ بَيْن الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. اهـ. وَالْفَرْقُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ هُوَ أَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِأَعْيَانِ مَالِهِ لِرَهْنِهَا بِهِ شَرْعًا بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَبِخِلَافِ الْغَرِيمِ الْحَيِّ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا لِأَنَّ مَالَ دَائِنهمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَوْ عِنْدَهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي مِثْل ذَلِكَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَعَلُّقٌ تَقْدِيرِيٌّ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ السَّابِقِ فِي الْمَيِّتِ
فَإِنْ قُلْتَ غَايَةُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ أَنَّهُ تَصِيرُ الْأَعْيَانُ مَرْهُونَةً كَمَا تَقَرَّرَ فَيَكُونَ الْغَرِيمُ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُقَرَّرُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُخَاصِمُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الْخِصَامِ إلَّا لِعُذْرٍ قُلْتُ طَلَبُ الْمُسَارَعَةِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ اقْتَضَتْ أَنْ يُوَسَّعَ فِي طُرُقِهَا بِتَمْكِينِ كُلٍّ مِنْ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّائِنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلِيَّهُ إذَا تَحَمَّلَ دَيْنَهُ بَرِئَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ وَسَبَبُ خُرُوجِهِ عَنْهَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْجِيلِ بَرَاءَتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا سَاغَ طَلَبُ الدَّائِنِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَعْجِيلِ ذَلِكَ بِتَوْسِيعِ طُرُقِهِ فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الدَّيْنَ كَالْعَيْنِ فِي ذَلِكَ قُلْتُ الدَّيْنُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا تَقْدِيرِيًّا ضَعُفَ عَنْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَاجَةُ فِي الطَّلَبِ بِهِ حَتَّى يَسُوغَ تَجْوِيزُهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْأُسْتَاذِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرَ لِذَلِكَ فَأَلْحَقَهُ بِالْعَيْنِ فَجَوَّزَ لِلْغَرِيمِ الطَّلَبَ أَيْضًا إذَا أَعْرَضَ الْوَارِثُ أَوْ تَكَاسَلَ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلًا فِي الدَّيْنِ فَقَالَ عَقِبه بَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا أَعْرَضَ الْوَارِثُ أَوْ تَكَاسَلَ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَخْلُفُهُ الْمَيِّتُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ وَفَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا دَيْنٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهُ رَهْنٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ
وَوَرَثَتِهِ صَرْفُ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْمُطَالَبَةَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ الْكَلَامُ فِيهِ أَيْضًا كَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ ثَابِتٌ لَوْ صُدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ وَتَمَسَّكَ
أَعْنِي ابْنَ الْأُسْتَاذِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَعْرَضَ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِصَامُ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ فَلَا دَعْوَى لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ قَالَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ الِابْتِدَاءُ بِالدَّعْوَى وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ رضي الله عنهم الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقَعُ التَّكَاسُلُ مِنْ الْوَارِثِ وَالْمُفْلِسِ.
قَالَ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالسَّمَاعِ. اهـ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَقَرَّهُ جَمْعٌ فَإِنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ أَوَّلًا يَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَبِيهِ وَالْبَغَوِيِّ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا مَقَالَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِصَرَائِحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرهمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يُخَاصِمُ وَإِنْ أَعْرَضَ الرَّاهِنُ وَأَنَّ الدَّائِنَ لَا يَدَّعِي وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْحَجْرِ وَإِنْ أَعْرَضَ الْوَارِثُ وَوَقَعَ لِأَبِي زُرْعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَفْتَى بِنَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ فَقَالَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالُوا بِجَوَازِ الظَّفَرِ مِنْ مَالِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ أَمَّا إذَا غَابَ وَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَرَفَعَ غَرِيمَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الدَّيْنَ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِوَفَائِهِ وَالْمُدَّعِي لَا يَأْخُذهُ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ يَقْبِضُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِلدَّائِنِ. اهـ. وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُهُمْ
يَرُدَّهُ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَى غَرِيمِ الْحَيّ مُطْلَقًا وَكَذَا غَرِيمُ الْمَيِّتِ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ثَبَتَ لِزَيْدِ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَادَّعَى زَيْدٌ عَلَى خَالِدٍ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي بِيَدِك لِعَمْرٍو فَأَنْكَرَ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْلِفْ إذْ لَوْ وَجَبَتْ يَمِينٌ فَرُبَّمَا نَكَلَ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِف فَيُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ مِلْكِ الشَّخْصِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَوْ قَصَدَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ لَمْ تُسْمَعْ. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ مُنَافَاةِ هَذَا لِمَا مَرَّ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَطَلَبِ التَّحْلِيفِ فِي عَيْنِ الْمَيِّتِ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَمْرٌو حَيًّا حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا لِيُوَافِق مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمَيِّتِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا عَقَّبَا كَلَامَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا بِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إمَّا بَيَانًا لِمُرَادِهِ أَوْ تَخْصِيصًا لَهُ بِغَيْرِ صُورَةِ الْمَيِّتِ وَيَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا تَحْلِيفُ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ قُلْتَ ظَاهِرُ قَوْلِ شُرَيْحٍ إذْ لَوْ وَجَبَتْ يَمِينٌ فَرُبَّمَا نَكَلَ إلَخْ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْحَيِّ قُلْتُ مَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَمَاعُ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفِيهِ طَلَبُ التَّحْلِيفِ لَمَّا يَلْزَم عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرَهُ
وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِلَازِمٍ بَلْ مَتَى سُمِعَتْ الدَّعْوَى سُمِعَ طَلَبُهُ لِلتَّحْلِيفِ وَفَاءً بِالْقَاعِدَةِ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْن التَّحْلِيفِ وَرَدِّ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي وَيَطْلُبُ التَّحْلِيفَ وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا تُرَدُّ يَمِينُ التُّهْمَةِ وَالْقَسَامَةِ وَالْيَمِينُ الْمُتَمِّمَةِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ وَيَمِينُ الْقَذْفِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَمِينُ الشُّهُودِ وَهِيَ يَمِينُ التَّزْكِيَةِ وَكَانَ هَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ فِي رَدَّ عِلَّتِهِ وَأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِ سَمَاعُ الدَّعْوَى هُوَ مَنْشَأُ قَوْلِ شَيْخِنَا عَقِبه قُلْتُ فِي عَدَمِ سَمَاعِهَا أَيْ الْبَيِّنَةِ نَظَرٌ. اهـ. وَيُوَجَّهُ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَضِيَّةَ نَفْيِهِ الْحَلِفَ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَيَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَا مُنَاقَضَةَ وَنَحْوهَا مِمَّا لَمْ يُوجَد هُنَا وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا طَلَبُ التَّحْلِيفِ وَلَكِنَّهُ وَجَّهَ عَدَمَ طَلَبِهِ بِمَا قَدَّمَهُ فَبَقِيَ عَدَمُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ بِلَا تَوْجِيهٍ فَاتَّضَحَ التَّنْظِيرُ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ مَا تَقَرَّرَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ
نَاقَضَهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَقَالَ كَمَا أَنْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى عَلَى مَنْ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ بِهِمَا إذَا تَرَكَهُمَا الْمُفْلِسُ أَوْ وَارِثُهُ قُلْتُ لَا مُنَاقَضَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَى فِي الشَّرْحِ عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا مِنْ الْغَرِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَلَيْسَ هُوَ مَحَلًّا لِذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ رَآهُ وَظَهَرَ لَهُ وَجْهُهُ فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ فَكَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي الشَّرْحِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَابِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْغَيْرِ لَا يُعْطِي حَقَّ النَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا
وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ فَإِنَّهُ يُعْطِي ذَلِكَ فَلَا يُجْزَمُ فِيهِ بِشَيْءٍ أَوْ يُعْتَمَدُ إلَّا بَعْد مَزِيدِ التَّحَرِّي وَالتَّدَبُّرِ فَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا هَذَا وَقَدْ سَبَقَ مِنِّي إفْتَاءٌ مُتَكَرِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسَطَّرٌ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْفَتَاوَى وَفِي بَعْضِهَا مُخَالَفَةٌ لِبَعْضِ مَا قَرَّرْتُهُ هُنَا الْآن فَلْيُعْتَمَدْ هَذَا دُون مَا خَالَفَهُ (تَتِمَّة) حَكَى فِي الْجَوَاهِرِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي وَيَحْلِفَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مَا مَرَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَلَا يَدَّعِي فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ أَقَامَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مُتَكَلِّمًا عَلَى صَغِيرٍ قَاصِرٍ بِمُقْتَضَى مَوْتِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَأَرَادَ الْقَيِّمُ الْمَذْكُورُ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا مِنْ عَقَارِ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ فَحَضَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَأَثْبَتَ أَنَّ الصَّغِيرَ مُحْتَاجٌ إلَى مَصْرُوفٍ وَنَفَقَةٍ لِيُسَوِّغَ لَهُ الْبَيْعَ ثُمَّ بَاعَ الْعَقَارَ وَثَبَتَ الْبَيْعُ لَدَى الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْد مُدَّةٍ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْقَيِّمِ بِمُقْتَضَى أَنَّ غِلَالَهُ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ أَمْوَالِهِ تَكْفِيهِ وَتَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوهُ وَإِلَى حِينِ دَعْوَاهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً عَادِلَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ الْحَالِ يُسَاعِدهُ أَيْضًا فَهَلْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُولَى الشَّاهِدَةِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ وَقَوَاعِدِ ابْنِ عَبْد السَّلَامِ وَشَرْحِ الْجِيلِيِّ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ ابْن عُجَيْلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْعَدَمِ الْمُوَافِقِ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ وَقَاعِدَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاقِلَةَ عَنْ الْأَصْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ لَهُ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْيَسَارِ أَنْ تُعَيِّنَ الْمَالَ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَفِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْقَفَّالِ مَا يُوَافِقُهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يُبَيِّنُوا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَ الْمَالَ.
وَيُمْكِنُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا عُرِفَ لَهُ إعْسَارٌ سَابِقٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ إلَّا إنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ وَهَذَا هُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ أَمَّا لَوْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُوَافِق لِمَا قَرَرْنَاهُ وَلِكَلَامِهِمْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ الصَّغِيرَ مَتَى جُهِلَ حَالُهُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَعَدَمِهِ قُبَيْل الْبَيْعِ ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْد الْبَيْعِ بِاحْتِيَاجِهِ وَأُخْرَى بِغِنَاهُ وَبَيَّنَتْ ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى وَإِنْ حُكِمَ بِهَا إذْ الْحُكْمُ لَيْسَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْد الْبَيْعِ غَنِيًّا ثُمَّ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا ذُكِرَ قُدِّمَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْحَاجَةِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ نَعَمْ الْأَعْيَان الَّتِي تَتَحَصَّلُ مِنْهَا الْغِلَالُ
الشَّاهِدَةُ بِهَا بَيِّنَةُ الْغِنَى إذَا كَانَتْ الْآنَ بَاقِيَةً مُشَاهَدَةً بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَكْفِي الصَّغِيرَ بِغِلَالِهَا عِلْمًا قَطْعِيًّا قَاضِيَةٌ عَلَى شَهَادَةِ بَيِّنَةِ الْحَاجَةِ بِالْكَذِبِ وَالْبُطْلَانِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَإِنْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ لِلْقَطْعِ بِمَا أُبْطِلَ حُكْمُهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ تَحْتَ حِجْرِهِ وَلَهُمْ حِصَّةٌ مِنْ دَارٍ فَأَجَّرَ وَالِدُهُمْ تِلْكَ الْحِصَّةَ لَهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ لَهُمْ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَ الْأُجْرَةِ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْبَعْضَ الْآخَرُ قَبَضَهُ وَقَضَى بِهِ دُيُونًا عَلَيْهِ فَقَامَتْ جَدَّةُ الْأَوْلَادِ لِأُمِّهِمْ وَادَّعَتْ أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَا مَصْلَحَةَ لِلْأَوْلَادِ فِيهَا وَعِنْدهَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لِلْأَوْلَادِ بِذَلِكَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَبَيِّنَتُهَا وَتُنْقَضُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا وَإِذَا سُمِعَتْ وَنُقِضَتْ الْإِجَارَةُ فَمَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْلَادِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَبَيِّنَتُهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَذْرَعِيِّ وَعِبَارَتُهُ نَقْلًا عَنْهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْحِسْبَةِ عَلَى قَيِّمِ الصَّبِيِّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِلصَّبِيِّ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ إنْ اتَّهَمَهُ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ.
وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِي قَرِيبٌ لِلْمَيِّتِ عَلَى وَصِيَّةِ إتْلَافَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ خِيَانَةً أَوْ نَحْوَهَا مُحْتَسِبًا فَتُرَدُّ دَعْوَاهُ كَمَا عَايَنْتُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ مُعْتَلِّينَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا وِلَايَة عَلَى الطِّفْلِ وَيَرَوْنَ دَعْوَاهُ فُضُولًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ بَلْ أَوْلَى وَحَسَنٌ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الدَّعْوَى فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ أَمَارَاتِ خِيَانَتِهِ وَفَسَادِ حَالِهِ أَوْ جَهَالَتِهِ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.
وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْقَفَّالِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الْمُدَّعِي حِسْبَة. اهـ. وَرُجُوعُهُ إلَى الْحَاكِمِ مُتَعَيِّنٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْد الْقَاضِي أَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَظِّ حَكَمَ بِبُطْلَانِهَا ثُمَّ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِسْقُ الْوَلِيّ أَقَامَ عَلَى الْأَوْلَادِ غَيْرَهُ وَإِلَّا فَوِلَايَتُهُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ قُلْتَ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْحِسْبَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى فَكَيْفَ قَالَ الْقَفَّالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُسْمَعُ دَعْوَاهُ قُلْتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مُسْتَثْنًى أَوْ ضَعِيفًا فِي هَذَا الْحُكْمِ فَقَطْ وَضَعْفُهُ فِيهِ لَا يَقْتَضِي ضَعْفُهُ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهَا.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَالَ الْبَيْعِ لَمْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ مُطْلَقًا وَكَذَا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَلِيًّا عَلَيْهِ وَلَا وَلِيًّا عَنْهُ وَلَمْ يَدَّعِ انْتِقَالًا مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْآن لِنَفْسِهِ وَكَانَ قَصْدُهُ بِالدَّعْوَى لِلْغَيْرِ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى حَقِّهِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ ثُمَّ مَلَكْتُهُ مِنْهُ بِنَحْوِ إرْثٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَقْتَ الْبَيْعِ مَلَكَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيّ وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ بَعْدَ الْبَيْعِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ وَإِنَّمَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكًا لِغَيْرِهِ مُنْتَقِلًا مِنْهُ إلَيْهِ كَالْوَارِثِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُورَثِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ هَلْ هُوَ كَالِامْتِنَاعِ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى يَقْضِي عَلَى الْمُمْتَنِع بِالنُّكُولِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ مِثْله لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْهَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ لَهُ فَقَطْ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ تَدَاعَيَا عَيْنًا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَتَعَرَّضَتْ إحْدَاهُمَا لِنَقْدِ الثَّمَنِ فَهَلْ تُرَجَّحُ بِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُرَجَّحُ بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمَدِينِ حِيلَةٌ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِإِبْرَائِهِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ
الْقَاضِي حُسَيْنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا يَدَّعِي عَلَى الْمَدِينِ فَيَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَهُ عَلَيَّ هَذَا كَذَا فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيَّ فَيُقِيمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَاءِ اهـ وَاسْتَشْكَلَهُ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرِيمٍ إذَا كَانَ مُنْكِرُ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ فَحِينَئِذٍ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا كَمَا فِي صُورَتِنَا فَهُوَ غَرِيمٌ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحَاكِمُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِبْرَاءِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ لَهُ عَيْنٌ تَحْتَ يَدِ آخَرَ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْعَابِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ اسْتَقَلَّ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْمَالِكِ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ ذَلِكَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ جَازَ أَوْ الْفِتْنَةُ امْتَنَعَ وَكَذَا إنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَخْذُ عَيْنِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بِنَاءٍ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَنَازَعَهُمْ شَخْصٌ بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ أَحْدَثَهُ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ ظُلْمًا عَلَى الشَّارِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَتْ تِلْكَ الْجَمَاعَةُ الْوَاضِعُونَ أَيْدِيهِمْ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ هَذَا الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَهَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ وَاضِعِ الْيَدِ وَيُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ الِانْتِفَاعِ أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُنَازِعِ فَيُمْنَعُ وَاضِعُ الْيَدِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ انْتِفَاعِ وَاضِعِ الْيَدِ وَعَدَمِ رَفْعِ يَدِهِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ إمَّا مُتَعَارِضَتَانِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَقُولُ إنَّهُ أُحْدِثَ ظُلْمًا وَقْتَ كَذَا وَالْأُخْرَى تَقُولُ إنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَوَارَدَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
وَهَذَا تَعَارُضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ كَذَا أَوْ غَصَبَهُ غُدْوَةً وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ أَوْ غَصْبَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ تَعَارَضَتَا وَإِذَا ثَبَتَ تَعَارُضُهُمَا وَأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِإِحْدَاهُمَا حُكِمَ بِتَسَاقُطِهِمَا لِتَنَاقُضِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِشَيْءٍ فَتَبْقَى يَدُ الْوَاضِعِينَ عَلَى حَالِهَا فَيَتَصَرَّفُونَ فِي ذَلِكَ الْبِنَاءِ بِمَا أَرَادُوا.
وَإِمَّا مُتَعَارِضَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا لِلْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهَا اعْتَضَدَتْ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْيَدُ وَقَدْ قَالُوا إذَا تَعَارَضَتَا وَلِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَدٌ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ بَيِّنَتِهِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ لِسَبَبِ مِلْكِ ذِي الْيَدِ أَمْ لَا. ثَانِيهُمَا سَبْقُ التَّارِيخِ لِأَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْأَحْدَاثِ ظُلْمًا تَشْهَدُ بِهِ سَنَةَ عَشْرٍ مَثَلًا وَالْأُخْرَى تَشْهَدُ بِالْوُجُودِ سَنَةَ تِسْعٍ مَثَلًا فَالثَّانِيَةُ أَسْبَقُ تَارِيخًا فَتُقَدَّمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ أَحَدَهُمَا بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ سَنَةٍ وَالْآخَرُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ أَكْثَرِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتِ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارِضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ. فَكَذَا هُنَا تُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ وُجُودَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي وَقْتٍ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارَضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجَبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ مَاتَ
وَخَلَّفَ مِلْكًا فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمَيِّتِ غَصْبًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَأَنَّ يَدَ الْمَيِّتِ أَيْضًا يَدُ حَقٍّ إلَى أَنْ مَاتَ بِأَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ حُصُولُ الْمِلْكِ وَلَا يُعَارِضُ إفْتَاؤُهُ هَذَا إفْتَاءَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْخَارِجُ غَصَبْتنِي فَقَالَ الدَّاخِلُ هُوَ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ لِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ هُنَا أَثْبَتَتْ هُنَا أَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ الثَّانِيَةِ وَوَجْهُ تَأْيِيدِ الْأُولَى لِمَسْأَلَتِنَا أَنَّ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ كَدَعْوَى الْمُنَازِعِ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّهُ شَارِعٌ بِجَامِعِ أَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِتَعَرُّضِهَا لِحُصُولِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِتَعَرُّضِهَا لِوُجُودِ الْبِنَاءِ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الظَّالِمِ فَهِيَ أَوْلَى بِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ
فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى فِي السُّؤَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّ مُورَثَهُ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا فَوَرِثَهُ وَهُوَ ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ كَذَا لِيَوْمٍ بَعْد ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ عُمِلَ بِبَيِّنَةٍ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَكَذَا الْأُولَى مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنَدِ إلَى فِعْلِ فُلَانٍ الظَّالِمِ فَالْقِيَاسُ وَاضِحٌ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ لِأَنَّ السَّبَبَ زِيَادَةُ الْعِلْمِ فِيمَا قَالُوا إنَّ الثَّانِيَةَ أَثْبَتَتْ حَيَاتَهُ فِي زَمَنٍ ثَانٍ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَصْحِبَةً لِأَصْلِ الْحَيَاةِ لَكِنْ لَمَّا ضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ بِالنِّكَاحِ فِيهِ كَانَ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى الشَّاهِدَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقُدِّمَتْ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَهَذِهِ قَالَتْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَهِيَ نَافِيَةٌ وَتِلْكَ قَالَتْ إنَّ الزَّوْجَةَ وَارِثَةٌ لَهُ فَهِيَ مُثْبَتَةٌ وَالْمُثْبِتَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّافِيَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ هُنَا فِي ثَلَاثِ أَشْيَاءَ عِلْمُهُ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ بَعْدَ زَمَنِ الْمَوْتِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ الْأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ شَهِدَا بِمَوْتِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَشَهَادَةُ الْحَيَاةِ أَوْلَى وَبِتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِأَنَّ مَعَهَا إثْبَاتًا فَقُدِّمَتْ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَلَمْ يُوجَدْ نَظِيرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَشْهَدُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ وَالْأُولَى تَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدُ فَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُثْبِتَةُ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَيْسَتْ إلَّا مَعَهَا فَكَلَامُهُمْ الْمَذْكُورُ دَلِيلٌ لَنَا لَا عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إفْتَاءُ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَأَقَامَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ سَنَةَ كَذَا لِسَنَةٍ كَذَا بَعْدَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَوْتِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ رَمَضَانَ وَإِقْرَارِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِمَا قَرَّرْتُهُ فِي تِلْكَ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ ثَمَّ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ هُنَا إلَّا بَعْضُهَا فَلَا إشْكَالَ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ مَا يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ظَاهِرًا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ ذَلِكَ الْجَوَابُ وَهُوَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي تِلْكَ شَهِدَتْ بِنِكَاحِهِ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَتْهُ الْأُولَى ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِتَأَخُّرِ حَيَاتِهِ وَتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي هَذِهِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ إلَّا لِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحَيَاةِ فَكَأَنَّهَا شَهِدَتْ بِمُطْلَقِ حَيَاتِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْأُخْرَى بِمَوْتِهِ وَشَهَادَةُ الْمَوْتِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَةِ بِهَا لِاسْتِصْحَابِهَا لِذَلِكَ الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ دَيْنٍ شَرْعِيٍّ ثَبَتَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَأَوْجَبَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ الْجَامِعَةِ لِنَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ فَاخْتَارَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ رَفْعَ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ فَهَلْ تَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَيَأْخُذُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ أَمْ تَجِبُ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَتْمًا أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَصْلًا عَلَى الْمُدَّعِي إذَا أَنْكَرَ أَوْ مَرْدُودَةً عَلَى الْمُدَّعِي؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ لَمْ تَجِب الْيَمِينُ إلَّا بِطَلَبِهِ وَكَذَا سَائِرُ الدَّعَاوَى لَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا بِطَلَبِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ إنْ تُصَوِّرَ مِنْهُ طَلَبٌ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ تَمَلَّكَ مَالًا وَنَقَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ بِبَيْعٍ أَوْ صَيْرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ ثُمَّ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى الْوَاضِعِ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَنْقُولِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَأَنْكَرَ الْوَاضِعُ يَدَهُ وَقَالَ هَذَا مِلْكِي وَأَنَا حَائِزٌ لَهُ صَارَ لِي مِنْ فُلَانٍ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ أَبِي وَصَارَ لِي بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيِّ فَاحْلِفْ لِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّك مَا تَعْلَمُ فَهَلْ تَلْزَمهُ الْيَمِينُ أَوْ تَلْزَمُ النَّاقِلَ الَّذِي صَارَ لَهُ مِنْ قَبْلِهِ إذَا كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا هَلْ تَلْزَمُ وَرَثَتَهُ أَوْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِهَا عَلَى النَّاقِلِ أَوْ الْمَنْقُولِ وَنَكَلَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُورُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ لِاسْتِحْقَاقِهِ لِذَلِكَ وَيَأْخُذُ الْمَالَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّمَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ ثُمَّ وَهُوَ الَّذِي يُجِيبُ بِالِاعْتِرَافِ أَوْ الْإِنْكَارِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَبِالْيَمِينِ بَتًّا وَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْعَيْنُ بِحُجَّةٍ رَجَعَ بِثَمَنِهَا إنْ كَانَ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَهَا بِهِ مِنْهُ بِشَرْطِهِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَمَّا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مُدَّعًى فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى رَافِعَةٍ لِلْمُدَّعَى بِهِ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ أَوْ أَدَّيْتُك إيَّاهُ أَوْ أَقْرَرْتُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ حَقٌّ وَلَمْ يَمْضِ زَمَانٌ بَعْد هَذَا الْإِقْرَارِ يُمْكِنُ فِيهِ تَرَتُّبُ حَقٍّ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي صَارَ مُدَّعِيًا بِالدَّافِعِ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي أَوَّلًا عَلَيَّ نَفْيِ وُقُوعِ الدَّافِعِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَوَّلًا تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَدَمِ الْمُدَّعَى بِهِ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْهُمَا فِي الْإِجَابَةِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ اقْتِرَانِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّافِعِ بِنَفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ أَمْ لَا يُفَرَّق وَهَلْ قَوْلُهُ أَقْرَرْتُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ حَقٌّ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَاقِعٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هُنَا يَمِينَانِ مُتَرَتِّبَتَانِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ التَّعَارُضُ فِي الْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا هُنَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ هِيَ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا أَبْرَأَ وَمَا أَقَرَّ وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا أَدَّى إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَهَا الْمُدَّعِي أَخَذَ الْحَقَّ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِهِ رَافِعًا لَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ عَمَلًا بِأَصْلِ الِاسْتِصْحَابِ.
وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْهُمَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْأَدَاءِ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا مُتَوَجِّهَةٌ أَوَّلًا عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَوْلُهُ أَقْرَرْتُ إلَخْ دَافِعٌ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَإِنْ فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِمَا يُسْقِطُهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا كَمَا قَدَّمْتُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْقَاضِي إيَّاهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تُسْمَعُ أَوْ لَا وَإِذَا نَكَلَ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ نُكُولَهُ بِقَوْلِهِ أَنَا نَاكِلٌ أَوْ لَوْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ كَفَى أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ فِي مَسَائِلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَنَابَهُ فِي ذَلِكَ لِلْيَمِينِ وَالنُّكُولِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ تَحْلِيفَهُ حُكْمٌ عَلَيْهِ بِحَلِفِهِ أَوْ بِنُكُولِ خَصْمِهِ وَإِذَا كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ فَهُوَ كَالْحُكْمِ
بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ فَكَمَا اُشْتُرِطَ سَمَاعُهُ لِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يُحْكَمَ بِهَا كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لِلْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ حَتَّى يُحْكَمَ بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى قَاضٍ أَنَّكَ حَلَّفْتَ فُلَانًا عَلَى كَذَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ قَالُوا لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَمْضِي حُكْمَهُ إلَّا إذَا تَذَكَّرَهُ وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَهَا إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَهُ إذْ لَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لَاكْتَفَى بِخِلَافِ مَنْ وُجِّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي حَضْرَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَسْمَعهُ فَلَمَّا لَمْ يَكْتَفُوا بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا يُكْتَفَى بِهَا بِالْأَوْلَى كَمَا تَقَرَّرَ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ وَمَعَ ذَلِكَ كَيْف يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ إذْ كَيْفَ يُدَارُ الْأَمْرُ عَلَى تَحْلِيفِهِ وَلَا يُدَارُ عَلَى سَمَاعِهِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِتَحْلِيفِهِ أَمْرَهُ بِالْحَلِفِ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَمْرِهِ بِهِ سَمَاعُهُ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمْرِهِ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ عَنْهُ فَيَحْلِفُ فِي حَالِ اشْتِغَالِهِ وَيَثْبُتُ عِنْده أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَمَا الْمَانِعُ حِينَئِذٍ مِنْ صِحَّةِ يَمِينِهِ قُلْتُ الْمَانِعُ مِنْهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ تَحْلِيفَ الْخَصْمِ حُكْمٌ لَهُ بِمُوجَبِ يَمِينِهِ وَلَا يَكُونُ حَاكِمَا لَهُ بِمُوجَبِهَا إلَّا إذَا سَمِعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُحَلِّفًا لَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ إنْ سَمِعَ مَا حَلَفَ بِهِ وَعَلَيْهِ وَأَيْضًا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْقَاضِي وَاعْتِقَادِهِ حَالَ الْحَلِفِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا سَمِعَ يَمِينَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى نِيَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا مُطَابَقَتُهَا لِلدَّعْوَى وَالْمُطَابَقَةُ أَمْرٌ دَقِيقٌ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَلْ الْجَوَابُ عَنْهَا بِكَذَا مُطَابِقٌ أَوْ لَا فَذَلِكَ كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِ لِلْيَمِينِ وَالنُّكُولِ حَقِيقَةً وَلَا يَكْفِي قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ بِهِمَا.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فَقَالَ هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ فَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْلِفُ وَفِي مَوْضِعٍ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ فَهَلْ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تَنَافِيَ فَإِنَّ مَعْنَى لَا يَحْلِفُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقَبَةِ فَلَا تُسَلَّمُ لِلْمُدَّعِي بِحَلِفِهِ كَمَا يَأْتِي وَمَعْنَى لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَغَرِمَ بَدَلَ الْعَيْنِ إنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي إذْ الْعَيْنُ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بَلْ قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنهَا بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِطِفْلِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ إتْمَامِهَا فَأَرَادَ الْحَالِفُ إتْمَامَهَا فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْيَمِينِ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَهُ أَنْ يُجَدِّدهَا وَيُحَلِّفَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سُقُوطُ الْحَقِّ مِنْهَا وَإِنْ شَرَعَ الْقَاضِي فِي التَّحْلِيفِ نَعَمْ بَحْثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْخَصْمُ إتْمَامَهَا أُجِيبَ قِيَاسًا عَلَى مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ الْمُدَّعِي فِي يَمِينِ الرَّدِّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُحَلِّفهُ وَأَنَا أَغْرَمُ لَهُ الْمَالَ فَلَهُ أَنْ يُكْمِلَ الْيَمِينَ حَتَّى يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَذَا يُقَال هُنَا إذَا شَرَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْأَصْلِ فَقَالَ أَبْرَأْتَهُ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ إتْمَامُهَا لِيَنْقَطِعَ الطَّلَبُ عَنْهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا حُصُولُ الِانْتِفَاعِ وَقَطْعُ الْعَلَقِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ أَوْ الْإِرْثِ كَمَا فِي دَعْوَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ وُجِّهَتْ الدَّعْوَى إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ كَأَنْ قَالَتْ أَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ أَوْ الْإِرْثَ بِسَبَبِ عَقْدِهِ عَلَيَّ اُشْتُرِطَ فِيهَا ذِكْرُ كَوْنِ الْعَقْدِ بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ شَرَطَ لِأَنَّهَا لَمَّا رَتَّبَتْ دَعْوَاهَا نَحْوَ الْمَهْرِ عَلَى الْعَقْدِ كَانَتْ مُدَّعِيَةً نَفْسَ الْعَقْدِ فَاحْتَاجَتْ لِذِكْرِ شُرُوطِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا حِينَئِذٍ إلَّا رَجُلَانِ
وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ إلَى نَحْوِ الْمَهْرِ أَوْ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَتْ أَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى الْمَهْرَ وَالْإِرْثَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ وَكَفَاهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ مُدَّعَاهَا مَحْضُ مَالٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَيُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ الْمُدَّعَى مَالُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَيِّمِ طِفْلٍ ادَّعَى عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ الِانْتِظَارُ لِلْبُلُوغِ ثُمَّ الْحَلِفُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ صَرِيحُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَالَفَهُمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالُوا يُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ بَعْد الْحُكْمِ لَهُ بِهِ وَتَبِعَهُمْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْقُضَاةِ فَحُكِمَ بِهِ مِرَارًا بَلْ قَالَ إنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ أَهْلَ عَصْرِهِ لَمْ يَعْتَرِضُوهُ فِي حُكْمِهِ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا شَيْخُنَا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَج وَوَجَّهَهُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ فَإِنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ أَوْ يَأْكُلُهَا وَرَثَتُهُ فَتَعْرِيضُهَا لِذَلِكَ وَتَأْخِيرُ الْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ مُشْكِلٌ لَا سِيَّمَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْتَحِقِّ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْيَمِينُ الَّتِي عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنَّمَا هِيَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ فَكَيْفَ يُؤَخَّرُ الْحَقُّ لِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ الْآنَ بِالْبَيِّنَةِ وَيُؤْخَذُ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ كَفِيلٍ بِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ يَحْلِفُ فَهُوَ احْتِيَاطٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا يُكَلَّفُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا حَكَمَ لَا يُهْمِلُ مَكْتُوبًا بِيَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفُ الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا بَلَغَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَاجَةَ إلَى الْحَيْلُولَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ الْمَأْخُوذُ.
فَإِنْ بَقِيَ الدَّيْنُ أَضْرَرْنَا بِالْمَدْيُونِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَضْرَرْنَا بِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَخْذِ الْمَالِ فَإِنَّ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ إنَّمَا شُرِّعَتْ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ بِصَدَدِ الضَّيَاعِ وَبَعْد الْأَخْذِ ثَبَتَ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطُهُ فَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمَ الْأَخْذِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ غَائِبٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ قُضِيَ لَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَخْذُ عَلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَتَحْلِيفِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ انْتِصَارًا لِلْأَوَّلِ نَظَرُكُمْ إلَى أَنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ يُعَارِضُهُ أَنَّ تَرِكَةَ الدَّائِنِ قَدْ تَضِيعُ أَيْضًا فَإِذَا بَلَغَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَجِدُ الْمَدِينُ مَرْجِعًا فَنَظَرُكُمْ إلَى احْتِمَالِ الضَّيَاعِ فِي جَانِبِ الْمَدِينِ تُحْكَمُ بَلْ احْتِمَالُهُ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فَبَطَلَ النَّظَرُ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَجَلِيٌّ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَحْنُ نَعْلَمُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ عِلْمَنَا بِذَلِكَ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ نُكُولِهِ وَوُجُوبِ رَدِّ مَا أَخَذَهُ مَعَ احْتِمَالِ ضَيَاعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَلِيِّهِ وَمِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُخَلِّفهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ أَيْضًا وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ وَقَوْل الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ إلَخْ يُرَدّ بِمَنْعِ مَا ذَكَرُهُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَخْ وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ لَنَا طَرِيقَةً يَحْصُلُ بِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَيَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَاضِي قَيِّمَ الْمَدِينِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَيَجْعَلَهُ فِي مَحَلٍّ لَائِقٍ بِهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَتْمِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَرَرَ بِتَلَفِهِ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا الْمَدِينُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفُعِلَ بِمَالِهِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّهُ سَعَى فِي إتْلَافِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ خَتْمٍ لَأَصَابَهُ ذَلِكَ التَّلَفُ أَيْضًا وَأَمَّا الدَّائِنُ فَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يُحْسَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَوْلُهُ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ إلَخْ مَمْنُوعٌ
لِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّائِنِ لَا لِلْمَدِينِ وَهُوَ تَحَكُّمٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوْ لَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَلَفُ تَرِكَةِ الدَّائِن وَنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَيَفُوتُ الْحَقُّ عَلَى الْمَدِينِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي
مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَجَابُوا عَنْهَا بِأَنَّا لَوْ أَمْهَلْنَا الْحَقَّ لِحُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَحَلِفِهِ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوُكَلَاءِ وَهَذَا أَمْرٌ عَامُّ الضَّرَرِ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ لِعُمُومِ ضَرَرِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِيهَا ضَرَرٌ هُوَ خَاصٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَكَافِئٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْمَنْقُولُ لَهُ وَجْهٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ فَلَا مَسَاغَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ اشْتَرَاهَا مِنْ وَرَثَةٍ فِي زَمَنِ كَذَا فَادَّعَى خَارِجٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَبِيَدِهِ سُرِقَتْ مِنْهُ فِي زَمَنِ كَذَا فَمَنْ تُقَدَّمُ مِنْهُمَا بَيِّنَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ ذَكَرَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ الدَّاخِلَ سَرَقَهَا أَوْ أَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْ يَدِ مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ قُدِّمَتْ الْخَارِجَةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالشَّرَفِ ابْنِ الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَلَامِذَتِهِ عُمَرَ الْفَتَى وَيُوسُفَ الْمُقْرِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا قَالُوا وَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ تَذْكُرَ الدَّاخِلَةُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكٍ يَمْلِكُ أَمْ لَا أَيْ فَتُقَدَّمُ الْخَارِجَةُ الذَّاكِرَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالُوا لِأَنَّ الدَّاخِلَ صَارَ خَارِجًا وَعَكْسُهُ لِبَيَانِ مُسْتَنَدِ الْيَدِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَدَّمُوا الدَّاخِلَةَ حَيْثُ قَالَتْ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِك يَمْلِكُ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ لَيْسَتْ عَادِيَةً قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّاخِلَ صَارَ خَارِجًا بِإِثْبَاتِ الْخَارِجِ أَنَّهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخَارِجَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الدَّاخِلِ بِإِثْبَاتِ الِانْتِقَالِ مِنْ غَيْر الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ فَرَضْنَا الدَّاخِلَ خَارِجًا فَلَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ إلَّا إنْ أَثْبَتَتْ الشِّرَاءَ مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ صَارَ بِإِثْبَاتِ بَيِّنَةِ السَّرِقَةِ هُوَ صَاحِبَ الْيَدِ.
(سُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ وَقْفُ مَسْجِدِ كَذَا فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى الْجَزْمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ جَمْعٍ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِوُجُودِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِلْكًا. اهـ. وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ مَا عُلِّلَ بِهِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الدَّعْوَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ سُمِعَ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ وَقْفُ مَسْجِدِ كَذَا فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لَا تُسْمَعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ بِذَلِكَ عِلْمُهُ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الدَّعْوَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَخْ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ بِلَا شَكٍّ وَيُطَالَبُ بِالْجَوَابِ وَتَكُونُ دَعْوَى حِسْبَةٍ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِمَا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهِ رَجُلَانِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْمَالُ فَهُوَ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ قَوَدًا بِذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْمَالُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمَقْصُودَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا وَيُشْتَرَطُ فِي شَاهِدِهِ تَفْصِيلُهُ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ بَلْ أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ فِي حَدِّهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ جُدَادُ النَّخْلَةِ يُورَثُ يَدًا عَلَيْهَا كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُجَرَّدُ الْجُدَادِ وَحْدَهُ لَا يُورَثُ يَدًا عَلَى النَّخْلَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِيلَاءً عَلَيْهَا كَالْهَدْمِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تَثْبُتُ الْحُدُودُ بِالِاسْتِفَاضَةِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِهَا وَعِبَارَتُهُ الْحُدُود لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ غَاصِبًا لَوْ غَصَبَ دَارًا وَجَاءَ مُدَّعِيهَا لِيَدَّعِيَ بِهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالدَّارِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ لِحُدُودِهَا لَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا بِالْعِبَارَةِ فَإِنَّا لَا نَنْزِعُ الدَّارَ مِنْ الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -
أَنَّ مَا اُشْتُهِرَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حُدُودِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا شُكَّ فِي حُدُودِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حُدُودِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ فِي مَكْتُوبٍ لَهُ مُسَجَّلًا عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ بِرْكَةِ الْحَبَشِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَلَمْ تُثْبَتْ الْحُدُودُ إذْ الْحُدُودُ عِنْدنَا لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ صَدَرَتْ عِنْدَهُ دَعْوَى شَرْعِيَّةٌ بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ لَا تُثْبَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ دُونَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَنَحْوِ طَلَاقٍ وَنِكَاحٍ وَقِصَاصٍ وَتَنْفِيذِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ غَيْرُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ الثَّانِي بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّاهِدِ فَوَّضْتُ إلَيْكَ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَيَحْكُمُ فِيهَا الشَّاهِدُ بِعِلْمِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ وَحَكَمَ فِيهَا الشَّاهِدُ بِعِلْمِهِ وَأَخْبَرَ مُسْتَنِيبَهُ بِذَلِكَ فَهَلْ لِلْمُسْتَنِيبِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ وَيُنَفِّذَ حُكْمَ نَائِبِهِ فِي الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ فَلَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضٍ وَلَا نِيَابَةٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَيَحْكُمُ فِيهَا أَوْ يُنَفِّذُهَا فَهَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ فِي الشَّاهِدِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ تُهْمَةٌ وَيُبَيِّنُ مُسْتَنَدَهُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَكَانَ لِلْقَاضِي الِاسْتِنَابَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ فِيهَا لِيَقْضِيَ فِيهَا بِعِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ التَّفْوِيضُ وَالْقَضَاءُ وَكَمْ ارْتَكَبَ قُضَاةُ السُّوءِ وَشُهُودُهُ مِنْ الْقَبَائِحِ مَا تُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ فَلَا يَبْعُدُ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ السَّائِلُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا ثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِي الْأُمِّ بِيَمِينِهَا فَهَلْ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ وَلَدِهَا بِمُجَرَّدِ يَمِينِهَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ يَصْرِف عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ وَاخْتَلَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَدْرِهِ الْمُعْتَادِ فَلَمْ يَحْلِفْ الْمُنْفِقُ الْيَمِينَ الْمُتَوَجِّهَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ رَدَّهَا عَلَى الْآذِنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ حَلِفُ الْآذِنِ فِيهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ فَمَا فَائِدَةُ طَلَبِ هَذِهِ الْيَمِينِ مِنْهُ سَوَاءٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتِّ وَهُوَ لَوْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ أَصْلًا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ طَلَبُ حَلِفِ الْمُنْكِرِ وَيَكُونُ عَلَى الْبَتِّ وَفَائِدَةُ طَلَبِ حَلِفِهِ أَنَّهُ رُبَّمَا خَافَ مِنْ الْيَمِينِ فَوَافَقَهُ عَلَى دَاعُوهُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّ فُلَانَةَ وُلِدَتْ قَبْلَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ الذُّكُورُ بِبُلُوغِهَا فَهَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأُخْرَى بِذَلِكَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ فُلَانَةَ وُلِدَتْ قَبْلَ هَذِهِ ثَبَتَ أَنَّهَا بَلَغَتْ بِالسِّنِّ أَيْضًا فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الْبَالِغَةِ وَيَجُوزَ تَزْوِيجُهَا بِالْإِذْنِ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى عَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بَلْ عُمُرُهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً هَلْ هِيَ شَهَادَةٌ يُكْتَفَى بِهَا أَوْ لَا وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ وُلِدَ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ يَكْفِي ذَلِكَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ اخْتِلَافُ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافٌ فِي