الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْهُدْنَةِ]
249 -
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَمَّا إذَا أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ كُفَّارِ مِلِيبَارَ فَلَحِقَ بِنَا وَتَبِعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْزَمُونَا رَدَّهُ إلَيْهِمْ لِقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِنَا فَهَلْ يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِمْ مَعَ أَنَّنَا إذَا لَمْ نَرُدَّهُ إلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ هِجْرَتِنَا وَطَنِنَا حَتَّى نَسْلَمَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَإِذَا ارْتَدَّ مَمْلُوكٌ لَنَا وَلَحِقَ بِهِمْ وَلَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَهَلْ لَنَا أَخْذُ قِيمَتِهِ مِنْهُمْ وَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ إلَّا بَاعُوهُ لَنَا.
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ إذَا عَجَزْنَا عَنْ أَنْ نَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَمْ نَأْثَمْ بِأَخْذِهِمْ لَهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُمْ إلَّا بِجَلَائِنَا عَنْ أَوْطَانِنَا فَلَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ الرَّدِّ أَيْ تَمْكِينُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ مُطْلَقًا حَيْثُ قَالُوا لَوْ جَاءَنَا مِنْهُمْ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ عَلَيْنَا لَزِمَنَا إنْ كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ وَطَلَبَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَقْهَرُهُمْ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا اهـ.
فَأَفْهَمَ قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَجُوزُ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَوَازِ بِقَيْدِهِ ظَاهِرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَنَا أَخْذُ قِيمَةِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا وَلَا يَمْلِكُونَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْنَا وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْهُدْنَةِ مِنْ مِلْكِهِمْ لَهُ بِدَفْعِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ فَعَلَيْهِ لَا يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ دَفَعُوا الْقِيمَةَ إلَيْنَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ لِلْحَيْلُولَةِ فَإِذَا رَدُّوهُ إلَيْنَا رَدَدْنَاهَا إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَنْ رَجُلٍ سُرِقَ لَهُ شَاةٌ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا فَوَجَدَ السَّارِقَ قَدْ ذَبَحَهَا وَحَنَذَهَا فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ شَاتِهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِهِ حَرُمَتْ وَمَا يَلْزَمُ السَّارِقَ بَعْدَ إتْلَافِهَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تبارك وتعالى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَاتِهِ وَيَلْزَمُ السَّارِقَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَحَنِيذَةً، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اعْتَدَى رَجُلٌ عَلَى مَاشِيَةِ قَوْمٍ فَقَطَعَ بُطُونَهَا وَبَعْضُهَا قَطَعَ لِسَانَهَا وَبَعْضُهَا قَطَعَ إحْدَى قَوَائِمِهَا أَوْ جَمِيعَ الْقَوَائِم مَثَلًا أَوْ أَخْرَجَ كُرُوشَهَا وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ بَعْضُ حَيَاةٍ فَمَاذَا يَحِلُّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاشِي الَّتِي هَذَا حَالُهَا وَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قُلْتُمْ إنَّ الَّذِي قُطِعَ لِسَانُهَا تَحِلُّ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا إذَا كَانَ يُرْجَى لِصَاحِبَةِ اللِّسَانِ الْعَافِيَةُ وَكَذَا الْبَقَرَةُ إذَا قُطِعَ لِسَانُهَا هَلْ يَحِلُّ لَحْمُهَا وَبَيْعُهَا لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ أَمْ لَا فَإِنَّ هَذَا وَاقِعٌ فِي بَلَدِنَا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مَا فِيهَا سُلْطَانٌ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ الْبَهِيمَةِ سَوَاءٌ لِسَانُهَا وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ بِأَنْ كَانَتْ حَيَّاتُهَا مُسْتَقِرَّةً وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْتِهَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ حَلَالًا إذَا ذُبِحَتْ وَيَحِلُّ بَيْعُهَا وَأَكْلُهَا وَعَلَى الْجَانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَجْرُوحَةً، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّا لَوْ لَقِيَ شَيْئًا مَطْرُوحًا وَشَكَّ أَهُوَ مُعْرَضٌ عَنْهُ فَيَأْخُذَهُ أَمْ لَا فَيَتْرُكَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) رحمه الله تبارك وتعالى بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ فِي الْعَادَةِ عَلَى أَنَّ مِثْل ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَطْرُوحِ مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ، أَوْ لَا فَإِنْ اقْتَضَتْ أَنَّهُ مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ جَازَ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَمْلِك الْكِسْرَةَ وَالسَّنَابِلَ وَنَحْوَهَا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
وَهَذَا ظَاهِرُ حَالِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُمْ وَلَمْ يُحْكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْلُهُ: الْأَرْجَحُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي السَّنَابِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِصَغِيرٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَاءِ هُوَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَفِلُ بِهِ مُلَّاكُهُ وَلَا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَحَدًا وَعَادَتُهُ الْمُطَّرِدَةُ.
كَذَلِكَ فَهَذَا يُجَوِّزُ الشُّرْبَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي مِلَاكِهِ فِي الْأَصْلِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ
مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَعْرَضَ عَنْ كَسْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَعْتَبِرُ إعْرَاضَهُ وَأَمَّا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ.
وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِسْرَةِ وَالسَّنَابِلِ فِي أَنَّ الْأُولَى لَا بُدَّ فِي الْمُعْرِضِ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَضُ عَنْهُ، أَوْ لَمْ تَقْتَضِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ إلَّا عَلَى جِهَةِ الِالْتِقَاطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ سَنَةً، أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ وَجَدَ دِرْهَمًا فِي بَيْتِهِ لَا يَدْرِي أَهُوَ لَهُ، أَوْ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ لِمَنْ يَدْخُلُ بَيْتَهُ كَاللُّقَطَةِ أَيْ الْمَوْجُودَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ الْجَرَادِ حَيًّا لِأَكْلِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ يَجُوزُ شَيُّ الْجَرَادِ حَيًّا لِأَكْلِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ جَوَازِ قَلْيِهِ حَيًّا وَمُنَازَعَةُ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْحُرْمَةِ رَدَدْتهَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْمَذْهَبُ الْحِلُّ وَبِأَنَّ قَوْلَ الشَّيْخَ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْحُرْمَةِ مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ حُرْمَةَ ابْتِلَاعِ السَّمَكِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِنْ ثَمَّ تَبِعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ مَعَ تَحْقِيقِهِ وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ النَّوَوِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ وَرَدَدْت فِيهِ أَيْضًا اسْتِشْكَالَ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَقَلْيُ السَّمَكِ حَيًّا جَائِزٌ كَابْتِلَاعِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ لِإِعْيَائِهَا وَتَرَكَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلِمَنْ هِيَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا إذْ الْإِعْرَاضُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إنَّهَا لِلْآخِذِ وَمَالِكٌ لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى هَلْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِالْبُنْدُقِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ رحمه الله تبارك وتعالى بِحِلِّهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْحَذْفِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ قَتْلًا يُبِيحُهُ فَخَرَجَ الْبُنْدُقَ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ قَتْلًا لَا يُبِيحُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الذَّخَائِرِ بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ الرَّمْيُ بِهِ وَبِمَا لَا حَدَّ لَهُ كَالدَّبُّوسِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضُ الْحَيَوَانِ لِلْهَلَاكِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ الْبُنْدُقَ يَقْتُلُهُ قَتْلًا مُحَرَّمًا بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْطِلَ حَرَكَتَهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيهِ فَإِذَا ذَبَحَهُ حِينَئِذٍ حَلَّ فَهُوَ طَرِيقٌ لِإِبْطَالِ امْتِنَاعِهِ لَا لِقَتْلِهِ وَتَقْوِيَتِهِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ وَرَدَ فِي أَبِي دَاوُد مَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُمْ اصْطَادَ وَلَدَ حُمْرَةٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ تُعَرِّشُ فَرَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا فَقَالُوا فُلَانٌ فَأَمَرَهُ بِإِطْلَاقِهِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُ - مِنْ تَحْرِيمِ إطْلَاقِ مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) رحمه الله تبارك وتعالى بِقَوْلِهِ ذَكَرَ بَعْضُ مُحَقِّقِي مَشَايِخِنَا أَنَّ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم بِإِطْلَاقِهِ مَحْمُولٌ عَلَى خَوْفِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ حَبْسِهَا عَنْهُ.
(وَسُئِلَ) رحمه الله تبارك وتعالى عَنْ بَنَادِقِ الْأَرْوَامِ وَالْإِفْرِنْجِ الَّتِي فِيهَا الْبَارُودُ وَالنَّارُ هَلْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَا لِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُحَدَّدِ؟ وَهَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبَنَادِقِ الَّتِي يُصَادُ بِهَا؟ وَهَلْ الْمُرَادُ بِمَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ رحمه الله تبارك وتعالى مِنْ حِلِّ الِاصْطِيَادِ بِهَا جَوَازُ الِاصْطِيَادِ بِهَا، أَوْ حِلُّ أَكْلِ مَا صِيدَ بِهَا، أَوْ لَا؟ وَالْحَيَوَانُ إذَا صَارَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِجَرْحِ هِرَّةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، أَوْ بُنْدُقٍ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ بِذَبْحِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ أَنَّهُ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا بَعْدَ الذَّبْحِ وَيَنْفَجِرُ مِنْهُ الدَّمُ، أَوْ لَا يَحِلُّ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَنَا اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ الرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ بِالْبُنْدُقِ الَّذِي فِيهِ النَّارُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبُنْدُقِ الَّذِي مِنْ طِينٍ فَصَاحِبِ الذَّخَائِرِ يَقُولُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْحَيَوَانِ لِلْهَلَاكِ وَالنَّوَوِيُّ يَقُولُ: يَحِلُّ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْحَذْفِ، وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ» قَالَ فَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ إبَاحَةُ الصَّيْدِ بِالْبُنْدُقِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّمْيَ بِهِ فِي الْقُرَى