الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ مَنْ فِيهَا دُونَ الصَّحْرَاءِ وَمِنْ عِلَّتَيْ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَالنَّوَوِيِّ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَّلَ عَدَمَ الْحِلِّ بِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الصَّيْدِ لِلْهَلَاكِ.
وَالثَّانِي عَلَّلَ الْحِلَّ بِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الِاصْطِيَادِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْحِلِّ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْبُنْدُقَ لَا يُهْلِكُهُ، وَالثَّانِي يَقُولُ بِالْحُرْمَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْبُنْدُقَ يَقْتُلُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ هَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ هُوَ مَلْحَظُ مَا فِي فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَمْيِ الطَّيْرِ بِالْبُنْدُقِ مَا حُكْمُهُ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ أَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الضَّرَرِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبُنْيَانِ، وَأَمَّا رَمْيُ الطُّيُورِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَالنَّهْيُ بَاقٍ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا يُرْجَى أَنْ يَسْقُطَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَيُذْبَحُ بِحَيْثُ يَحِلُّ فَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُرْجَى ذَلِكَ فَالنَّهْيُ بَاقٍ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ضَرَرٌ اقْتَضَى تَنْفِيرَ ذَلِكَ الطَّيْرِ فَيَجُوزُ. اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَخْذًا مِنْ عِلَّتِهِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْبُنْدُقَةَ لَا تُهْلِكُهُ وَإِنَّمَا تُزِيلُ مَنَعَتَهُ حَتَّى يَصِيرَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَالرَّمْيُ بِهِ حِينَئِذٍ حَلَالٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ الْفَوَاسِقِ أَوْ صَالَ عَلَيْهِ مَثَلًا وَلَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِذَلِكَ فَيَرْمِيهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الِاصْطِيَادِ بِهَا وَأَمَّا حِلُّ مَا صِيدَ بِهَا فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَذَبَحَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَمَا وَصَلَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مُطْلَقًا وَمَا لَمْ يَصِلْ لِذَلِكَ حَلَّ إنْ تَيَقَّنَ حَالَ الذَّبْحِ أَنَّ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَكَذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَانْفِجَارُ الدَّمِ وَمَتَى شَكَّ فِي اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ حَرُمَ وَإِنْ وَجَدَ انْفِجَارَ الدَّمِ وَغَيْرَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[بَابُ الْأُضْحِيَّةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ الْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ لَهُ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَلَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ يَصْرِفُهُ مَصْرِفَهَا وَأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ وَيَكْفِيهِ نِيَّتُهُ لِلْبَدَلِ وَيَكُونُ بِقِيمَتِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ يَشْتَرِي بِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ إنْ كَانَ " نَبَّا " وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إتْلَافَهُ كَأَنْ تَطَيَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ وَدَكِهَا أَوْ عَثَرَ بِإِنَائِهِ فَانْقَلَبَ وَكَذَا قَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ هِرَّةٍ أَوْ غَيْرِ آدَمِيٍّ مِنْهُ.
وَفِي كُلِّ مَا ذُكِرَ حَرَجٌ وَخِلَافٌ لِلْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِيهِ سَعَةٌ فَلْيَتَفَضَّلْ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَلَوْ مَاتَ فَوَرَثَتُهُ مَوْضِعُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَهُمْ الْأَكْلُ وَالِانْتِفَاعُ وَالْإِهْدَاءُ كَهُوَ قَالَ السُّبْكِيّ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالذَّبْحِ وَلَا تُورَثُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِوَارِثِهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ مِثْلَهُ وَلَا تَقُلْ فِيهَا بِخُصُوصِهَا. اهـ. وَلَا يَشْكُلُ ذَلِكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا ضَحَّيْت الْأُضْحِيَّةَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْأَكْلِ مِمَّا ضُحِّيَ عَنْهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَقُومَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.
وَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَهُوَ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا ضَحَّى بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلَوْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ صِغَارًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْهَا بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يَضِيعَ وَاسْمُ الْقِسْمَةِ عَلَيْهَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمْ شَيْئًا يَخْتَصُّ بِهِ مَمْنُوعٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِلتَّعَلُّقِ اللَّازِمِ بِهِ الْمَانِعِ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ أَبَدًا كَالْمَرْهُونِ بِلَا وَلِيٍّ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ التَّفْتِيشِ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ كَمَا يَرْمِي إلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي غُضُونِ الْمَسَائِلِ لِتَعَيُّنِهَا لِذَلِكَ وَكَوْنُهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي شُرِعَتْ التَّضْحِيَةُ لَأَجْلِهِ.
وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْأَكْلَ تَرْخِيصًا كَمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ فِي مَنْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلًا مِنْ ادِّخَارِهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ نُسِخَ لِزَوَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ إنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا فَالظَّاهِرُ جَوَازُ أَكْلِهِ مِنْهَا حَالًا إنْ كَانَ فَقِيرًا كَغَيْرِهِ وَلَا نَقُولُ هُنَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ يَتَّحِدُ فِيهِ قَبْضُهُ وَإِقْبَاضُهُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ
وَالْمَالِكُ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِذَلِكَ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِادِّخَارُ لِيَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِتَرْكِ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي فِي الْحَالِ.
وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ اثْنَيْنِ مَيَّزَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَبْل أَنْ رَآهُ وَإِنْ اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمْ وَضَافَ الشَّيْءُ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ تَشْبِيهًا بِالْغَانِمِينَ فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ أَوْطَانِهِمْ فَيَكُونُ كُلٌّ مُخْتَصًّا بِمَا مُيِّزَ لَهُ لَا مِلْكًا وَيَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ ضَعِيفًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ وَخَشِيَ تَغَيُّرَهُ إذْ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَلَهُ نَظِيرٌ مِنْ الشَّرْعِ هَذَا مَا تَقَرَّرَ لِي بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ بِخِلَافِهِ فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَهُوَ أَوْلَى فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ عَنْ صَغِيرٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ أَبُو فَضْلٍ الظَّاهِرُ مَنْعُ أَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا فِي ضِمْنِ التَّضْحِيَةِ قَبْلَهَا أَقُولُ وَمَا قَدَّرَهُ مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ التَّمْلِيكِ وَفِي غَيْرِهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ بِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَقْدِيرِ انْتِقَالِ مِلْكٍ إلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْأَبَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِنَفْسِهِ أَقُولُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الضَّحِيَّةُ مِثْلَهَا وَيَتَصَرَّفُ الْأَبُ فِيهَا كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتَصِحُّ مِنْهُمَا بِتَقْدِيرِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ ثُمَّ يَتَضَيَّقُ الْأَمْرُ فِيهَا بِأَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الصَّبِيَّ فَقَطْ وَيَكُونُ فِي التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي لَحْمِ الضَّحِيَّةِ الْمُخَلَّفِ عَنْ الْمَيِّتِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظُلْمَةٌ أَزَالَهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى وَسَائِرَ الظُّلُمَاتِ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ فَالْمَسْئُولُ مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَ بِهِمْ إمْعَانُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ مَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ بِنَقْلٍ أَوْ بَحْثٍ بِإِيضَاحٍ بَيِّنٍ لَا أَخَلَا اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْهُمْ آمِينَ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تبارك وتعالى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تبارك وتعالى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَخْ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَذَلِكَ لَيْسَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرَّحُوا بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ يَدُ أَمَانَةٍ وَهَذَا حُكْمُهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَبْحُهَا وَتَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَتْلَفَ مَا عَدَاهُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.
وَإِنَّمَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَوْ ضَمِنَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِأَكْلِ الْجَمِيعِ وَإِنْ نُدِبَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ وَضَمَانُ الْإِنْسَانِ مُتْلَفَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَا يَئُولُ إلَى نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ وَالِاسْتِحَالَةِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ وَهُوَ بِالتَّضْحِيَةِ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَإِنْ زَالَ بَقِيَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْأَكْلِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ فَانْحَصَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا انْحَصَرَ اسْتِحْقَاقُهُ لَهُ فَالِاسْتِحَالَةُ بَاقِيَةٌ.
فَإِنْ قُلْت كَلَامُهُمْ فِي إتْلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ يُنَافِي ذَلِكَ قُلْت لَا يُنَافِيهِ لِظُهُورِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَلْ مَنْ بَعْدَهُ يَسْتَحِقُّهُ أَيْضًا فَضَمِنَهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ فِيهِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ وَأَيْضًا فَالْوَقْفُ فِيهِ نَاظِرُهُ إمَّا عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ يُطَالِبُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ وَهُنَا لَا مَطَالِبَ وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الدَّوَامُ فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَنَا فِي مَقْصُودَهُ وَالْقَصْدُ مِنْ التَّضْحِيَةِ إرَاقَةُ الدَّمِ مَعَ إرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ بِأَدْنَى جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرِ تَافِهٍ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ فَلَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ الْوَكِيلِ قَالُوا إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُ - لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّضْحِيَةِ أَتَمَّ. اهـ. وَالتَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَحَسْبُ وَأَمَّا الضَّحِيَّةُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَكَسَائِرِ الذَّبَائِحِ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا وَكَذَا يُقَالُ فِي جِلْدِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً دُونَ نَحْوِ بَيْعِهِ هَذَا حُكْمُ الْإِتْلَافِ مِنْ
حَيْثُ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ لِأَنَّ قَوَاعِدَهُمْ تُصَرِّحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِثْمِ فَإِنْ تَعَمَّدَ أَثِمَ لَا مِنْ حَيْثُ التَّضْحِيَةُ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا إضَاعَةَ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَمْ يَأْثَمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَذَا قَدْ يَتَخَيَّلُ إلَخْ.
فَهُوَ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي الْغَنِيِّ الَّذِي أُهْدِيَ إلَيْهِ دُونَ نَفْسِهِ وَدُونَ الْفَقِيرِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لَا تَمْلِيكِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَلْ بِالْأَكْلِ وَلِذَا جَازَ إطْعَامُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ ضَحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
قَالَ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فَيَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ حَتَّى مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَجِبُ تَمْلِيكُهُ نِيئًا وَيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فِيمَا يُهْدَى إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ كَمَا يُطْعِمُ الضَّيْفَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا أَنْ يَمْلِكَهُ الْأَغْنِيَاءُ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ وَلَهُمْ الْأَكْلُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ.
وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ الْإِهْدَاءِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي الْهِبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا الْإِطْعَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدِيَّةً وَيُرَدُّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْإِهْدَاءَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ أَكْلِهِمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُوَسِّعَ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَظَاهِرُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَنِيٍّ أُهْدِيَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا إهْدَاؤُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْمَلُ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا الْمِلْكِ فَلِلْمُهْدِي اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأَذْرَعِيِّ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْأَكْلِ مِنْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَفِي مَنْعِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِيثَارِ بِهِ بُعْدٌ بِخِلَافِ مَنْعِهِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَالْمُضَحِّي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَيْ الْبَيْعُ دُونَ الصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَالْمُضَحِّي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِجَوَازِ التَّصَدُّقِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُهْدَى إلَيْهِ. اهـ. مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ أَمَّا الْفَقِيرُ فَوَاضِحٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَأَوْلَى إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَأَمَّا الْمُضَحِّي فَلَمَّا عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ بِالْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ وَإِطْعَامِ نَحْوِ الْهِرَّةِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْغَنِيُّ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَلِمَا عُلِمَ أَنَّهُ إبَاحَةٌ لَهُ وَأَنَّهُ كَالضَّيْفِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ وَلَا إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُضَحِّي قَوْلُهُمْ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا وَأَنْ يَسْبِقَهُ غَيْرُهُ أَيْ وَلَوْ وَلَدَ دَابَّةٍ أُخْرَى فَكَمَا جَازَ لَهُ سَقْيُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَى قَوْلِهِ اهـ ظَاهِرٌ.
وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرْعٌ مَاتَ الْمُضَحِّي وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَإِهْدَاؤُهُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَكِنْ لِوَارِثِهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ وَالتَّفْرِقَةِ وَالْإِهْدَاءِ وَالْأَكْلِ كَمَا كَانَ لَهُ ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَتَعْلِيلِهِ دَفَعَ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَ مَوْتِهِ إلَخْ فَتَخَيُّلُ الْأَشْكَالِ بِذَلِكَ بَعِيدٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَعِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْ جَوَازُ الْأَكْلِ لِلْمُضَحِّي إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي الْمَيِّتِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ أَيْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ الْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ الْمَيِّتِ.
وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ عَنْهُ بِجَمِيعِهَا وَاعْتَمَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَطْلَبِ هَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا
تَطَوُّعٌ أَوْ نَقُولُ قَدْ صَارَتْ وَاجِبَةَ الذَّبْحِ بَعْد الْمَوْتِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَنْذُورَةِ أَوْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْجَمِيعِ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الثُّلُثِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ انْتَهَتْ وَفِيهِ بَسْطٌ مُهِمٌّ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَحِّي إذَا مَاتَ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَالْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ فَثَبَتَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لِوَارِثِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ.
وَلِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ حُسِبَتْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا فَصَارَتْ جَمِيعُهَا مُسْتَحِقَّةً لَهُمْ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُوصَى لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ثُلُثِهِ الْمُوصِي بِهِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ الْقَابِضُ وَالْمُقْبَضُ وَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَلِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ إلَيْهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ صِغَارًا إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ بِهِمْ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِوُجُوبِ صَرْفِ جَمِيعِهَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي حِكَايَةِ كَلَامِ الْقَفَّالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقُلْهُ الْقَفَّالُ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ أَكْلِ الْمُضَحِّي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يَضِيعَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّقْسِيطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَخَشْيَةُ الضَّيَاعِ لَيْسَتْ هِيَ الْمُبِيحَةُ لِلْأَكْلِ لِمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ مَمْنُوعٌ فِيمَا يَظْهَرُ ظَاهِرٌ لَكِنْ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِلتَّعَلُّقِ اللَّازِمِ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ التَّعَلُّقُ اللَّازِمُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ وَالْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالُهَا لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَضَوْا الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِمْ وَلَوْ بِيعَتْ فِيهِ كَانَتْ زَوَائِدُهَا مِنْ حِين الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ مِلْكًا لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ إلَخْ هُوَ كَذَلِكَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ فَحَسْبُ بَلْ لِمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحُوا بِهِ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الْمُضَحَّى عَنْهَا وَعَدَمِ إرْثِهَا عَنْهُ وَإِنَّ الثَّابِتَ لِلْوَارِثِ إنَّمَا هُوَ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَجَوَازُ الْأَكْلِ فَالْمُورَثُ لَيْسَ إلَّا الْوِلَايَةُ وَالْجَوَازُ الْمَذْكُورَانِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَيَخْلُفُ الْوَارِثَ الْمَحْجُورَ فِيهَا وَلِيَّهُ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِ لَهَا وَأَمَّا جَوَازُ الْأَكْلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهَا لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِذَا خَلَفَهُ وَلِيُّهُ فِي وِلَايَةِ التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إطْعَامه وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ وَأَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ.
فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ جَوَازَ إطْعَام الْوَلِيِّ غَيْرَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْهُ. اهـ. وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَلَا نَظَرَ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمُضَحَّى مِنْهَا رُخْصَةٌ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّهَا الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ النَّسْخِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ وَأَتَمُّ. اهـ. مَا مُتَوَارِدَاتٌ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَأَمَّا حِلُّهُ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَحَلَّ الْأَكْلُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَسْخٌ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُسِخَ امْتَنَعَ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فَلَا يُعْمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَأَيْضًا فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلَى الْوُجُوبِ فَهِيَ بِجُزْءٍ غَيْرِ تَافِهٍ فَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ فِي مَنْعِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَالْمَأْخَذُ الظَّاهِرُ فَهُوَ مَا ذَكَرْته وَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَحَرَّرْته فَلَا مَسَاغَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ جَوَازُ أَكْلِهِ إلَخْ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ فِيمَنْ أَوْصَى إلَى إنْسَانٍ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ وَانْتَصَرَ لَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هُنَا أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لِاتِّحَادِهِمَا وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَيْضًا نَائِبُ الْمَالِكِ.
وَقَدْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نِيَابَتَهُ عَنْهُ تُقَوِّي ذَلِكَ الِاتِّحَادَ الْمَمْنُوعَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت يَفْرُقُ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ
لِلْمُضَحِّي كَالْكَلَإِ الْمُبَاحِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اتِّحَادٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِنَائِبِ الْمَالِكِ فَلَا لِأَنَّهُ مَالٌ يَلِي تَفْرِقَتَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ وَقَدْ صَارَ النَّائِبُ وَكِيلًا عَنْ ذَلِكَ الْوَلِيِّ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ كَانَ مُقْبَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ لَكَ أَنَّ تَعْلِيلَ جَوَازِ الِاتِّحَادِ بِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِمَا يُبْطِلُهُ وَيَرُدُّهُ وَقَوْلُهُ نَعَمْ الظَّاهِرُ إلَخْ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَ لَهُ الْأَكْلَ كَيْفَ يَمْنَعُهُ مِنْ الِادِّخَارِ وَيُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهَلْ هَذَا إلَّا التَّنَاقُضُ الْبَيِّنُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ أَكْلِهِ وَتَعْلِيلُهُ جَوَازِ أَكْلِهِ بِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الِادِّخَارِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ بَلْ يَتْرُكُ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهَا وَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ فَيُتْرَكُ وَقَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ وَقَوْلُهُ مَيَّزَ.
وَقَوْلُهُ وَزَّعَ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ نَعَمْ وَقَوْلُهُ إنْ رَآهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنْ رَآهُ لِحَاجَةِ مَحْجُورِهِ إلَيْهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَقَوْلُهُ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ إلَخْ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ مَنْعِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ صُوَرًا مِنْهَا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ أَخَذَهُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَمِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا قَالَ فَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ مِنْ مَالِهِ. اهـ.
وَبِنَحْوِ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ عَبَّرَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْضًا وَجَرَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَالِحُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ وَالِدِهِ فِي تَتِمَّتِهِ وَتَدْرِيبِهِ فَقَالَ الثَّانِيَةُ الْوَلِيُّ إذَا ضَحَّى مِنْ مَالِهِ عَنْ الَّذِي تَحْتَ حِجْرِهِ مِنْ الْأَطْفَالِ وَالسُّفَهَاءِ وَالْمَجَانِينَ فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الْجَوَازُ. اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي مَنْعِ الْمُضَحِّي عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا إذَا ضَحَّى عَنْ مُوَلِّيهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ لِلْمَحْجُورِ.
وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِمَا وَبِمَدَدِهِمَا لَا هُوَ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَضْحِيَةَ الْوَلِيِّ عَنْ مُوَلِّيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبًا وَلَا جَدًّا فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا قُلْت لَيْسَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ هُنَا إلَّا لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهَا تَوْسِعَةً فِي تَحْصِيلِ طُرُقِهِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ مِنْهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ فَارَقَ مَا هُنَا مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ الْوَلِيُّ عَنْ مَحْجُورِهِ أَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ عَنْهُ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ فَأُدِيرَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَمَا هُنَا الْقَصْدُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ الثَّوَابُ فَوُسِّعَ لَهُ فِي طُرُقِ تَحْصِيلِهِ كَمَا وُسِّعَ لِلْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مُطْلَقًا وَأَلْحَقَ بِهِمَا مَنْ جُنَّ أَوْ سَفَهَ بَعْدَ كَمَالِهِ طَرَدَ اللُّبَابِ.
وَقَوْلُهُ أَقُولُ فَأَمَّا إلَخْ الْأَوْجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقِيقَةِ وَالتَّضْحِيَةِ فَلِلْأَبِ إذَا عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَبَ مُخَاطَبٌ بِهَا أَصَالَةً فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ نَفْسِهِ وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ عَنْ طِفْلِهِ فَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَإِنَّمَا وُسِّعَ لَهُ فِيهَا تَحْصِيلًا لِلثَّوَابِ لِمُوَلِّيهِ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ نَفْسِ الْمُوَلَّى لَا يَعُودُ عَلَى الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُوَلِّي وَالْوُقُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ فَإِنَّ نَفْعَهَا مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ بِسَبَبِهَا يَشْفَعُ لِأَبِيهِ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ مُجْتَهِدُونَ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمُضَحِّي عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ لِلْعَاقِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا وَمَنْ تَأَمَّلْ حُكْمَ ذَلِكَ وَعِلَلَهَا الَّتِي قَرَّرْتُهَا لَمْ يُبْدِ تِلْكَ التَّرْدِيدَاتِ وَلَزَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلْمَةُ أَزَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنَّا وَعَنْهُ ظُلْمَ نُفُوسِنَا وَحُظُوظِنَا وَبَوَّأَنَا مَنَازِلَ شُهُودِهِ وَمَعَالِيهَا إلَى أَنْ