المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الأذان - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب صفة الأذان

‌باب صفة الأذان

اعلم أن ألفاظه مشهورة،

ــ

بخلافها فطلبت من الأكبر قال الإمام الشافعي ولأن أظهر الأغراض منه الدعاء للجماعة ومنها القيام بها والقيام بالشيء أفضل من الدعاء إليه قال بعض المحققين والحق إن أدلة الفريقين قريبة من التكافؤ وأن المنقول من كلام الشافعي وأكثر الأصحاب ترجيح الأذان ومما يرجحه ورود ثواب فيه لم يرد في الإمامة وأفتى البلقيني بأن الرئيس الذي يراعي نحو الشمس والنجوم

والأظلة لذكر الله تعالى وينصب محاريب المسلمين أفضل من المؤذن الذي يجهل ذلك من حيث أنه قائم بفرض والمؤذن قائم بسنة وهو أفضل منه من حيث القيام بالشعار وفضيلة الأذكار اهـ.

باب صفة الأذان

قوله: (علَمْ أَن أَلفاظَهُ مشهورَةٌ) قال القاضي عياض في الإكمال اعلم أن الأذان كلمات جامعة لعقيدة الإيمان ومشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات فابتدأ بإثبات الذات بقوله الله وما يستحق من الكمالات والتنزيه عن أضدادها متضمنة بحث قوله الله أكبر فإن هذه اللفظة مع قلة حروفها واختصار صيغتها مشعرة بما قلناه لمتأمله.

قلت قال ابن حجر في شرح المشكاة وللاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر كرر الدال عليه أربعًا إشعارًا بعظيم رفعته وكأن حكمة خصوص الأربع أن القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربع الناشئة عن أخلاطها الأربع وفي شرح العباب له وكان حكمة الأربع أن الطبائع أربع لكل منها كمال ونقص يخصه بإزاء كل منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهر نقصها وكذا يقال بذلك في كل محل ورد فيه التربيع اهـ. قال القاضي ثم صرح بإثبات الوحدانية والألوهية ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المتقدمة على سائر وظائف الدين ثم جاء بإثبات النبوة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته إلى هداية الخلق أجمعين ودعائه إلى الله تعالى إذ هي ثابتة بالشهادتين وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات التي قبلها من باب الواجبات وهنا كمل تراجم العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في

ص: 83

والترجيع عندنا سُنَّةٌ، وهو أنه إذا قال بعالي صوته:

ــ

حقه تعالى ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فصرح بالصلاة ثم رتبها بعد إثبات النبوة إذ معرفة وجوبها من جهته صلى الله عليه وسلم لا من جهة العقل زاد غير القاضي ثم أشار إلى بقية الفروع إجمالًا تعذر تفصيلها ولئلا يشذ عن الأذان شيء كما لم يشذ من العقائد عنه شيء فقال حي على الفلاح وقال القاضي عياض هو البقاء في النعيم وفيه الإشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم العقائد الإسلامية ثم كرر التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق لأن هذا المقام هو الأصل المبني عليه جميع ما تقرر من العقائد والقواعد وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة للتوحيد المحض ومن ثم كانت مرة فقط وسقط منها لفظ أشهد قصدًا لسرعة الانتقال إلى ذلك وكان آخره اسم الله ليطابق البداءة به إشارة إلى أنه الأول والآخر في كل شيء قال القاضي ثم كرر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وفي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حق من عبده وجزيل ثوابه على عباده اهـ. قال في شرح العباب وكرر ذلك مكررًا أهمه فقط في الصلاة قصد التأكيد الإيمان إلخ. قوله: (وَالترجيع عِنْدَنَا سُنَّة) لخبر مسلم عن أبي محذورة أنه صلى الله عليه وسلم علمه الأذان كذلك ورواه أبو داود والنسائي وفي التمهيد لابن عبد البر واتفق مالك والشافعي على الترجيع في

الأذان وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ترجيع في الأذان اهـ. وفي شرح الهداية لابن الهمام ويرجح عدم الترجيع بأن حديث عبد الله بن زيد هو الأصل في الأذان وليس فيه ترجيع اهـ. وقال البيهقي اتفاق أبي محذورة وأولاده في حرم الله تعالى وسعد القرظ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثبات الترجيع وإفراد الإقامة مع توافر الصحابة فمن بعدهم مؤذن بضعف ما سواه اهـ. بمعناه وفي قول إن الترجيع ركن لا يصح الأذان إلَّا به حكاه المصنف في شرح مسلم ورد بحذفه من أحاديث صحيحة مع عدم إخلال حذفه بالإعلام المشروع له الأذان وحكمته تدبر كلمتي الإخلاص لكونهما المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام وتدبر هذا الفضل العظيم من ظهورهما بعد مزيد خفائهما في أول الإسلام وظاهر كلامه إن الترجيع اسم لمجموع السر والجهر وهو ظاهر

ص: 84

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قال سرًّا بحيث يُسمِع نفسه

ــ

كلام الروضة وأصلها لكن في التحقيق والمجموع والدقائق والتحرير أنه اسم للأول وصوبه الأذرعي وجرى عليه صاحب العباب وفي شرح مسلم أنه اسم للثاني قال في شرح العباب وفي نص ما يشهد له ومال إليه الزركشي وسمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد تركه أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما وبين المصنف المراد بالأسرار قال في العباب فإن جهر بالأولين أسر بالآخرين قال شارحه هو ما بحثه الزركشي ثم قال أنه راه نص عليه في الأم وما ذكره من النص لا يشهد لما قاله وعلى التنزل فهو إنما يأتي على أن الترجيع اسم لهما أو للثاني الذي مال هو إليه لأنه لم يفت وقته أما على المعتمد للأسرار فلا لأنه بالجهر فوت سنة الترجيع فلا يأتي بعد الشهادتين اللتين جهر بهما بشيء لفوات وقت الترجيع بفوات محله اهـ، باختصار. قوله:(الله أَكبر الله أَكبر) قال المصنف في المجموع قال البندنيجي وصاحب البيان ويستحب وقوف المؤذن على آخر الكلمات قال الهروي وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء وكان المبرد يفتح الراء من أكبر الأولى ويسكن الثانية قال لأن الإتيان روي موقوفًا كقوله حي على الصلاة حي على الصلاة فكان الأصل أن يقول الله أكبر الله أكبر بإسكان الراء فحولت فتحة الألف من اسم الله في اللفظة الثانية إلى الراء قبلها ففتحت كقوله تعالى (الم (1) اللَّهُ لَا إلَهَ إِلا هُوَ) [آل عمران: 1، 2] قال صاحب التتمة يجمع كل تكبيرتين بصوت لأنه خفيف انتهت عبارة المجموع وقد بين هذا المقام وأطنب فيه ابن حجر في شرح العباب بما لم يوجد مجموعًا لغيره في كتاب فلذا أحببت نقله برمته وإن كان فيه طول لعموم نفعه وجزيل عائدته.

قال بعد نقل كلام المجموع وهو ظاهر في اعتماد الأول لتقديمه وتقدير علته وهو أنه روي موقوفًا على أن ما بعده لا ينافيه كما هو ظاهر لأنه بيان لما هو الجائز أو الأفصح عند إرادة ترك السنة التي هي الوقف ولا ينافيه أيضًا ما ذكره عن صاحب التتمة لأنه لا يلزم من القرآن تحريك الراء الأولى بل يوجد مع الوقف عليها بسكتة لطيفة وبهذا يعلم أن لقول المبرد وجهًا وجيهًا ومن ثم وافقه ابن الأنباري وجماعة وإن قول ابن هشام في المغني نقل عن المبرد وجمع إن حركة الراء فتحة وأنه وصل بنية الوقف ثم

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قيل هي حركة الساكنين وقيل حركة الراء نقلت وكل هذا خروج عن الظاهر لغير داعٍ والصواب إن حركة الراء إعرابية وليس لهمزة الوصل

ص: 86

ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله.

والتثويب أيضًا مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه

ــ

ثبوت في الدرج فتنقل حركتها اهـ. وقول شيخنا زكريا تبعًا لكلام الهروي وهو القياس وما علل به المبرد ممنوع إذ الوقف ليس على أكبر الأولى وليس هو مثل الميم من الم كما لا يخفى اهـ، ممنوع وإن قال ابن دحية ما قاله المبرد خطأ عند البصريين

وقال في الخادم إن المبرد نوزع في ذلك وذلك لما علمت أنه يسن الوقف على أكبر الأول أيضًا فيرجع الفتح لذلك وإن سلمنا أنه ليس مثل ميم من حيث أنه مبني قياسه الفتح لأنه أخف وأكبر معرب مرفوع لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين فالحركة لالتقائهما بالاعتبار وبه اندفع تخطئة ابني دحية وهشام السابقة لأنهما بنياها على هذا المنفي وكأن من قال لو وصل كلمات الأذان لم يجز غير الفتح وعلله بما ذكره المبرد نظر إلى ما ذكرته من ذلك الاعتبار لكن نفيه الجواز غريب بعيد وظهر أن لما نقله الزركشي من جواز الكسر أيضًا وجها وإنما اختير الفتح عليه حفظا لتفخيم اللام وإن قوله يجوز الإسكان بسكتة لطيفة فيه نظر لما تقرر أن الإسكان بذلك سنة وإن قوله في أحكام المساجد كل من الرفع والفتح غلط هو الغلط اللهم إلَّا أن يكون مراده إن كلا منهما غلط من حيث مخالفته للسنة ثم رأيت بعض المحققين من المتكلمين على المغني صرح بما ذكرته فقال ردًّا عليه بل هو خروج عن الظاهر لداع صحيح إذ الأذان لم يسمع إلّا موقوفًا قال النخعي الأذان جزم ففي نقل الحركة إيذان بأنه واقف حكمًا ولولا ذلك لما نقل وإنما فعله حرصًا على عدم الخروج بالكلية عن السنة في الأذان من إيراد كلماته موقوفًا على أواخرها فهو إن لم يقف حسًّا فقد وقف حكمًا من جهة أنه اعتبر آخر الكلمة ساكنًا لأجل الوقف ثم نقل إليها حركة الهمزة ووصل مع نية الوقف ولو ضم الراء بالحركة الإعرابية كما استصوبه المصنف كان غير واقف لا حسًّا ولا حكمًا فخرج عن سنة الأذان بالكلية فبان إن ثم غرضًا صحيحًا وداعيًا مقبولًا إلى ارتكاب ذلك واحتجاج المصنف بأن همزة الوصل لا ثبوت لها في الدرج لا يفيد إذا فرضنا إن الناقل حركتها إلى الراء واقف حكمًا لا وصلًا فلهمزة الوصل ثبوت إذ الدرج مفقود حكمًا فتأمله اهـ.

فإن قلت لا نسلم أن الوقف على أكبر الأولى سنة وكلام المجموع لا يدل لذلك لأنه إنما ذكر الوقف على آخر كلمات الأذان والآخر في كلمتي التكبير هو الثانية ونقله ما مر عن الهروي والمبرد ليس معارضًا لما قبله لأنه في أواخر الكلمات وما قالاه في الراء الأولى وليست من الآخر وحينئذٍ فليس معنى الوقف فيها إلا قوليهما والأرجح منه كلام الهروي لأن كلام المبرد مبني على أن الوقف على الراء وقد تقرر أنه لا وقف عليها.

قلت هذا كله ممكن إلَّا أنه صريح عبارة المجموع السابقة فتأملها ثم رأيت القمولي وغيره فهموا من عبارة المجموع ما ذكرته فقالوا يسن الوقف على آخر كلمات الأذان وقال الهروي إلى آخر ما مر فجعلوا كلام الهروي والمبرد مقابلًا لندب الوقوف على الآخر الشامل لا كبر الأول ثم قضية علة المبرد أن الأولى في الإقامة الضم لأنه ليس الأصل فيها الوقف أي لأنه يسن إدراج كلماته كما سيأتي انتهى برمته والله أعلم. قوله: (ومَنْ بِقُرْبِهِ) أي عرفًا أو يسمعه أهل المسجد الذي هو واقف عليه المعتدل الخطة بكسر الخاء المعجمة أي المتوسطها.

قوله: (والتَّثويبَ سنة عِنْدَنا) هو بالمثلثة ويقال التثويب من ثاب إذا رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ثم عاد فدعا إليها بذلك.

فإن قلت إذا كان كل من الحيعلات فيه دعاء إلى الصلاة فهو بالتثويب مستمر في الدعاء إليها لا عائد إليه.

قلت هو عائد إلى الدعاء إليها بخصوصها بعد أن دعا إليها وإلى غيرها بقوله حي على الفلاح فهو أولًا دعا إلى الخصوص بحي على الصلاة ثم إلى العموم بحي على الفلاح ثم عاد إلى الدعاء بالخصوص بقوله الصلاة خير من النوم وقيل أصل التثويب أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء إلى الصلاة تثويبًا لذلك وكل داع مثوب ودليل استحبابه ذكره في أذان الصبح في حديث أبي محذورة رواه أبو داود وفي التمهيد وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا من حديث عبد الله بن زيد ورواه ابن خزيمة عن أنس بلفظ من السنة

ص: 87

من حيَّ على الفلاح:

ــ

إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم وقول الصحابي من السنة كذا حكمه حكم المرفوع على الأصح وسيأتي لهذا مزيد عند قول المصنف وقد جاءت الأحاديث بالتثويب والترجيع وفي التمهيد اختلفوا في التثويب لصلاة الصبح فقال مالك والثوري والليث يثوب وهو قول الشافعي بالعراق وقال بمصر لا يقول ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يثوب في نفس الأذان ويثوب بعده إن شاء وروي عنه جوازه في الأذان وعليه عمل الناس اهـ، وسكت شارح الحصين مع كونه حنفيا على قوله في الأصل ويزاد في أذان الصبح الصلاة خير من النوم وقال قال ابن الهمام روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل له هو نائم فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر وابن المسيب لم يدرك بلالا فهو منقطع وهو حجة عندنا بعد عدالة الرواة وثقتهم على أنه روي في حديث أبي محذورة اهـ، وخص التثويب بالصبح لما يعرض للنائم من التكاسل بسبب النوم والصحيح أن التثويب في أذانيه كما صرح به في التحقيق ونقله في المجموع عن كلام الأصحاب ويمكن حمل عبارته هنا على ذلك لأن المفرد المضاف للعموم وقال البغوي وأقره في الروضة ورجحه في الشرح الصغير والسبكي وغيره إن ثوب في الأول لا يثوب في الثاني وضعفه بعض المتأخرين ويثوب في أذان الفائت أيضًا كما صرح به ابن عجيل اليمني وأقره الزركشي وأبو زرعة وغيرهما نظرًا إلى أصله قيل التثويب هو المحفوظ من فعل بلا ولم ينقل إن ابن أم مكتوم كان يقوله وخرج بأذان الصبح غيره فيكره لقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد رواه الشيخان وفي حديث ضعيف عن بلال أمرني صلى الله عليه وسلم إن أثوب في الفجر ونهى إن أثوب في العشاء وفي رواية لا يثوب إلَّا في صلاة الصبح وهو ضعيف ومرسل كما في الخلاصة للمصنف. قوله:(من حَيَّ عَلَى الفَلاح) أي يأتي بالتثويب بعد فراغه من هذا القول قال الأبي في شرح مسلم حي اسم فعل بمعنى هلم وأقبل ومنه قول ابن مسعود إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر أي اقبل وهلم بذكره قال ابن الأنباري وفتحت فيه الهاء لسكونها مع الياء التي قبلها كليت اهـ. وقال الأزهري معنى حي هلم

وعجل قال البعلي وقد يتركب حي مع هلا

ص: 88

الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم.

ــ

ومع علا فيقال حيْهلا وحيعلا وفيهما عدة أوجه نظمها شيخنا أبو محمد بن مالك في هذا البيت:

حيهل حيهل احفظ ثم حيهلا

أو نون أو حيهل ثم حي علا

وهي كلمة استعجال قال لبيد:

يتمارى في الذي قلت له

ولقد يسمع قولي حيهلا

اهـ: وبقي عليه لغتان هما حيهلا بسكون الهاء والتنوين وحيهلا كذلك بألف من غير تنوين لإرادة التنكير وإسكان الهاء كراهة اجتماع الحركات وهذه اللغات السبع حسماها صاحب البسيط وقال ذهب أبو علي إلى أن في كل واحد منهما ضميرًا واحدًا لأنهما صار بمنزلة الكلمة الواحدة وجاء متعديًا بنفسه كحيهلا الثريد أي ائته أو احضره أو أقر به وبالباء كحيهلا بعمر أي ائت به وبإلى كحيهلا إلى كذا أي سارع وبادر إليه وبعلى كحيهلا على كذا أي أقبل عليه وقال ابن يعيش في شرح المفصل حيهلا من أسماء الأفعال مركب من حي وهل وهما صوتان معناهما الحث والاستعجال وجمع بينهما وبنى للمبالغة وكان الوجه ألا ينصرف كحضرموت إلَّا أنه وقع موقع فعل الأمر فبنى كصه ومه ويستعمل حي وحده نحو حي على الفلاح وهلا وحدها واستعمال حي وحدها أكثر من استعمال هلا وحده اهـ، والفلاح هو الفوز ومنه حديث استفلحي برأيك أي فوزي وقيل البقاء ومنه.

لكل هم من الهموم سعه

والمسى والصبح لا فلاح معه

وقال في المطلع نقلًا عن الأزهري الفلاح الفوز بالبقاء والخلود في النعيم المقيم ويقال للفائز مفلح ولكل من أصاب خيرًا مفلح قال بعضهم ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من الفلاح قال الأبي وعدي حي بعلى لأن أقبل يتعدى بها ومنه قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقبَلُوا عليهم} [يوسف: 71]. قوله: (الصلاةُ خير مِنَ النَّوْمِ) قال في المستعذب معناه اليقظة للصلاة وقيل الراحة التي يعتاضون بها يوم القيامة من شدة فرط قيام الليل ومكابدته خير من راحة النوم الذي هو الموت وقيل المعنى الخير في الصلاة لا في النوم اهـ. وقال بعضهم أقرب من هذا أن المراد صلاة الصبح التي شرع فيها التثويب فاللام فيها للعهد أي الصلاة التي دعيتم الآن لها خير من النوم عنها لأن الصلاة غنيمة وفي النوم سلامة فليست الخيرية منتفية عن النوم إذ السلامة

ص: 89

وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة.

واعلم أنه لو ترك الترجيع والتثويب

ــ

خير كثير لكن الغنيمة من حيث اشتمالها عليها، إذ لا غنيمة إلَّا بعد السلامة، خير منه فالتفضيل هنا على بابه نعم قد يقال إنما شرع التثويب خطابًا للمتيقظ حينئذٍ إما بالأذان أو غيره بأن لا ينام عن الصلاة بعد سماع مناديها فيعرضها للفوات وربما عصى به وذلك بأن يكون استيقاظه بعد طول الفجر ثم ينام ولا يغلب على ظنه استيقاظ فنومه حينئذٍ لا خير فيه أصلًا لأنه عاصٍ به اهـ.

قوله: (وَقدْ جاءَتِ الأَحادِيث فِي التَّرجيعِ وَالتَّثويب إلخ) قال الحافظ أما الترجيع فثبت فيه حديث أبي محذورة وجاء من وجه غريب عن سعد القرظ فعن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوًا من عشرين رجلًا أن يؤذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الله أكبر أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي والنسائي والطحاوي وابن خزيمة ومن طريق آخر عن أبي محذورة قال قلت علمني سنة الأذان قال فمسح برأسي فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله فذكر بقيته وزاد فإذا كان أذان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم مرتين قال الحافظ أخرجه أبو داود وأخرج الحافظ من طريق الطبراني عن أبي محذورة قال كنت أؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فأقول في أذان الفجر إذا قلت حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين قال الحافظ حديث حسن أخرجه النسائي وأخرج الحافظ عن أنس قال من السنة أن يقول المؤذن إذا قال حي على الفلاح في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وقال حديث صحيح أخرجه الدارقطني وعن ابن المسيب عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة فقيل إنه نائم فنادى الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الفجر حديث حسن أخرجه ابن ماجة ورجاله رجال الصحيح

ص: 90

صحَّ أذانه وكان تاركًا للأفضل، ولا يصحُّ أذان من لا يميز، ولا المرأةِ، ولا الكافر، ويصحُّ أذان الصبي المميز، وإذا أذن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلامًا على المذهب الصحيح المختار، وقال بعض أصحابنا: لا يكون إسلامًا، ولا

خلاف أنه لا يصحُّ أذانه، لأن أوَّله كان قبل الحكم بإسلامه، وفي الباب فروع كثيرة مقررة في كتب الفقه ليس هذا موضع إيرادها.

ــ

لكن اختلف على الزهري في سنده وسعيد لم يسمع من بلال وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن ابن المسيب مرسلًا اهـ. قوله: (صح أذانه) أي لأصح أعلى وإلا فقد سبق حكاية المصنف لقول أنه ركن. قوله: (وَلا يصح أَذَانُ مَنْ لَا يميِّز) أي كمجنون ومغمى عليه وصبي قبل التمييز لعدم تأهله للعبادة نعم يصح أذان السكران أوائل نشوته لانتظام قصده وفعله. قوله: (وَلَا المرأَةَ) ومثلها الخنثى فلا يصح أذانهما للرجال أو الخناثى كما لا يصح إمامتهما لهما ولا فرق بين المحارم وغيرهم كما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما خلافًا لما أشار إليه الأسنوي نعم إن بانت ذكورة الخنثى عقب أذانه فالوجه إجزاؤه أما أذانها للنساء فيجوز بلا كراهة كما في الروضة لكن لا يثاب عليه ثواب الأذان لكونه غير مطلوب منها بل ثواب التمجيد فإن جهرت فوق أسماع النساء حرم وهل تثاب معه لاختلاف الجهة أو لا محل نظر والأقرب كما في شرح العباب الأول كالصلاة في المغصوب قال في العباب وغيره والخنثى كالأنثى نعم لا تقيم المرأة له كما هو ظافر لاحتمال كونه رجلًا ولا يصح أذانه لمثله ولا للنساء لحرمة نظر الفريقين إليه وسيأتي لهذا مزيد في فصل آخر الباب. قوله: (ويصح أَذان المميزِ) أي ويتأدى بأذانه وإقامته الشعار وإن لم يقبل خبره بدخول الوقت وما في المجموع عن الجمهور من قبول خبره فيما طريقه المشاهدة دون الأخبار كرؤية النجاسة ضعيف كما ذكره هو في باب الشك في نجاسة الماء قال الأسنوي الأصح عند الأصوليين والمحدثين والفقهاء أنه لا يقبل خبره إلّا فيما احتفت به قرينة كالإذن في دخول الدار وإيصال الهدية والإخبار بطلب ذي وليمة عرس له فيلزمه إجابته إن وقع في قلبه صدقه. قوله: (وأَتَى بالشهادَتَينِ) أي مع الإيمان بالقلب. قوله: (كأن

ذلك) أي الإتيان بالشهادتين باللسان مع التصديق القلبي بالجنان

ص: 91