المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القراءة بعد التعوذ - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب القراءة بعد التعوذ

في "الأم". والثاني: يسنُّ الجهر، وهو نصه في "الإملاء".

ومنهم من قال: فيه قولان. أحدهما: يجهر، صححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام أصحابنا العراقيين، وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُسِرُّ، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم.

‌باب القراءة بعد التعوذ

اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يجزئ غيرها لمن قدر عليها.

ــ

الجهر بالتعوذ سكت عن نقل ذلك عنه في الروضة وعبارتها ولا يجهر به في الصلاة السرية ولا في الجهرية أيضًا على الأظهر وعلى الثاني يستحب الجهر فيها كالتسمية والتأمين والثالث أنه يجهر بين الجهر والإسرار ولا ترجيح وقيل يستحب الإسرار قطعًا اهـ. لكن زاد فيها نقل قول باستحباب الإسرار قطعًا وتعقبه فيه في المهمات بأن الرافعي لم يحكه في الشرح وقضية كلامهم أنه خارجها يجهر به للفاتحة وغيرها وعليه أئمة القراء للاتباع ومحله إن كان ثم من يسمعه لينصت لئلا يفوته من المقروء شيء والتعوذ للقراءة خارج الصلاة سنة عين ثم محل التعوذ بعد الافتتاح إذا أرادهما فيفوت الافتتاح بالتعوذ والتعوذ بالشروع في القراءة. قوله: (وهو الذي كان يفعله أَبو هُرَيرَةَ) قال الحافظ أخرجه الشافعي في الأم من طريق صالح بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته يقول ربنا أننا نعوذ بك الشيطان الرجيم قال وكان ابن عمر يتعوذ سرًّا قال الشافعي وأيهما فعله الرجل أجزأه اهـ.

باب القراءة بعد التعوذ

قوله: (القِرَءَةَ واجبة) أي للأدلة الآتية وما ورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما من عدم وجوب القراءة من أصلها ضعيف وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه القراءة سنة

ص: 190

للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقْرَأ فيها بِفاتِحَةِ الكِتَاب"، رواه ابن خزيمة وأبو حاتم بن حِبان، بكسر الحاء، في "صحيحيهما" بالإسناد الصحيح وحَكما بصحته.

وفي "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

أي طريق متبعة وإن خالفت مقاييس العربية. قوله: (للحديثِ الصحيح) هو بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة كما في الخلاصة قال رواه ابن خزيمة وابن حبان وصححاه ثم هذا اللفظ لشعبة واتفق غيره من رواة الخبر عن إيراده بلفظ كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج وفيه أن الراوي عن أبي هريرة قال فإني أكون أحيانًا وراء الإمام قال فأخذ بيدي فقال اقرأ بها في نفسك يا فارسي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي الحديث رواه مسلم والبخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والنسائي والترمذي قال الحافظ فخالف شعبة جميع رواة الحديث في سياق المتن اهـ. وقال المصنف في الخلاصة بعد ذكر حديث الباب ما لفظه وقد ورد من حديث عبادة بن الصامت بهذا اللفظ لكن بإسقاط الباء من قوله بفاتحة ورواه الدارقطني وقال إسناده حسن وعدي القراءة بالباء في الرواية الأولى قيل على تضمين يقرأ معنى يبدأ ورد بأنه يلزمه بطلان صلاة من لم يبدأ بها وأتى بها بعد وهو باطل قيل والصواب أنها زائدة في المفعول للتأكيد. قوله: (رَوَاه ابْنُ خزَيمَةَ وابْنُ حِبانَ إلخ) ورواه الحاكم في مستدركه والدارقطني بإسناد حسن قال في المجموع ورجاله ثقات كلهم وقدمه على حديث الصحيحين الآتي ولذا قال بعض المحققين وبه يتعين حمل النفي في خبر الصحيحين على الأجزاء. قوله: (وفِي الصَّحِيحينِ إلخ) هو من حديث عبادة بن الصامت قال الحافظ لم أر هذا اللفظ في الصحيحين ولا في أحدهما والذي فيهما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أخرجاه جميعًا من رواية ابن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت

ص: 191

"لا صَلاة إلا بِفاتِحَةِ الكتابِ".

ويجب قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم،

ــ

وأخرجه مسلم لكن بلفظ بأم القرآن وفي لفظ آخر له لم يقرأ ويجاب بأن مراد المصنف في الصحيحين بهذا المعنى وإن لم يكن بخصوص هذا المبنى ومثله كثير في استعمال المحدثين، قال الحافظ ووقع لي الحديث أي حديث عبادة المذكور باللفظ الذي صدر به المصنف هذا الباب ثم أخرج عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال هكذا أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري ورجاله حفاظ

ثقات ورواه الدارقطني اهـ. وفي شرح العمدة للقلقشندي بعد إيراد حديث الصحيحين كما رواه المصنف ما لفظه وقد أخرجه مالك والشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهم والطبراني في الكبير والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم في مستخرجاتهم والدارقطني والبيهقي في سننهما وغيرهم اهـ. قوله: (لَا صَلاةَ إلا بفاتحةِ الكتاب) وقع في بعض طرقه عند مسلم كما تقدم لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ووقع عند الشافعي والحَميدي ويعقوب بن سفيان والبيهقي في آخره زيادة لفظة فيها وهي زيادة لفظ فصاعدًا وأعلها البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام وقال ابن حبان تفرد بها معمر عن الزهري وهذا الخبر دليل وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وآخرين ووجه الاستدلال أنه نفي للحقيقة الشرعية لأن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه فإنه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوع الألفاظ في اللغة والحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء جزئها وإن وجد ما يصدق عليه اسم الصلاة لغة وبه يندفع ما نقل عن الباقلاني وغيره من الأصوليين من التوقف وإن اللفظ مجمل من حيث أنه يدل على نفي الحقيقة وهي غير منفية فيحتاج إلى إضمار ولا سبيل إلى إضمار كل المحتملات لأن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة وهي تندفع بإضمار كل فرد كالكمال مثلًا ولأن إضمار الكل قد يتناقض كالكمال يقتضي إثبات الصحة والإجزاء يقتضي نفيها فيتعارضان وإذا تعين إضمار فرد فليس الإجزاء بأولى من الكمال ولا عكسه فتعين الإجمال وأجيب أيضًا بأن نفي الإجزاء أي نفي الصحة أقرب لكونه أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال مع

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن نفي الإجزاء يستلزم نفي الكمال ولا عكس ونفي الكمال خلاف الحقيقة والظاهر والسابق للفهم فكان إضمار الإجزاء متعينًا لا يقال الإجزاء يستعمل إثباتًا ونفيًا في غير الواجب ولا يثبت منه المقصود لأنا نقول محل ذلك فيما إذا لم تنف فيه العبادة بانتفاء بعضها أما في ذلك فلا يكون الإجزاء فيه إلا بمعنى الواجب أي لا بد للصحة منه وهذا غير محل الخلاف في الأصول في الموصوف بالإجزاء إثباتًا ونفيًا هل هو المطلوب أو الواجب الأرجح الأول وعلى الثاني يتم الاستدلال بالحديث السابق ويظهر قول أصحابنا إن الإجزاء لا يقال إلّا في الواجب وإن كان خلاف ترجيحهم إذ الحديث بناء على المخالف القائل أنه لا يوصف بالإجزاء إلَّا الواجب أول على ما قلناه وأبلغ في إلزامه هذا ومما يعين حمل الخبر على ما سبق خبر مسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثًا غير تمام الحديث ولفعله صلى الله عليه وسلم كما في مسلم مع خبر صلوا كما رأيتموني أصلي ثم هي عندنا واجبة في كل ركعة قيل والحديث بناء على إطلاق الصلاة على الركعة يدل لذلك ويدل له خبر المسيء صلاته ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وخبر مسلم إنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في العصرين في الركعات كلها وهو مقدم على ما صح عن ابن عباس أنه لم يكن يقرأ فيهما لأنه نفى على أن رواة الأول وما بمعناه أكبر منه سنًّا وأقدم صحبة وأكثر احتياطًا وأيضًا قد صح أنه شك في ذلك فقال لا أدري أكان يقرأ في الظهر والعصر أم لا وغيره مع كثرتهم جزموا بالقراءة فكانوا أحق بالتقديم وفي حق المأموم وإن كانت الصلاة جهرية والمأموم يسمع واستدل له بعموم هذا الخبر ويدل لدخوله في هذا العموم ما صح بسند لا مطعن فيه وعنعنة راو

فيه مدلس لا تضر لأنه صرح بالتحديث في طريق أخرى صحيحة أيضًا وممن صححه الترمذي والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطابي وغيرهم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فثقلت عنه القراءة فلما فرغ قال لعلكم تقرأون خلفي قلنا نعم قال لا تفعلوا إلّا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وأما خبر مسلم إذا قرأ فأنصتوا فمحمول على السورة جمعًا بين الأدلة.

فائدة

ذكر الثعلبي وغيره أن لفاتحة الكتاب عشرة أسماء أخر سورة الفاتحة وأم الكتاب وأم القرآن وقع تسميتها بهذا وما قبله في الصحيح وبه يرد على

ص: 193

وهي آية كاملة من أول الفاتحة، وتجب قراءة جميع الفاتحة بتشديداتها وهي أربع عشرة تشديدة: ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخل بتشديدة واحدة بطلت قراءته.

ويجب أن يقرأها مرتبة متوالية، فإن ترك ترتيبها أو موالاتها، لم تصح قراءته، ويعذر في السكوت بقدر التنفس.

ولو سجد المأموم مع الإمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإمام فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار

ــ

قوم كرهوا ذلك زاعمين أن أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ وغلط قائله بأنه ورد ذلك في الخبر المرفوع في مسلم وغيره وأطلقا عليها لأنها مقدمة في المصحف وقيل لأن أصل القرآن منها بدئ وأم الشيء أصله والصلاة لحديث قسمت الصلاة إلخ، وسميت به لتوقف صحة الصلاة أو كمالها عليها والسجع المثاني لحديث الحمد لله السبع المثاني قيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل صلاة وقال مجاهد سميت المثاني لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة وأدخرها لهم والوافية بالفاء أي لا تبعض بأن يقرأ بعضها في ركعة وباقيها في أخرى والكافية لأنها تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها والأساس روي تسميتها به عن ابن عباس والشفاء لحديث مرفوع به والكنز والله أعلم. قوله:(وهي آية كاملةٌ مِنْ أَولِ الفاتحةِ) من فيه زائدة على مذهب الأخفش أو بيانية أو تبعيضية بناء على أن المراد بالأول الأول النسبي وكونها آية من أول الفاتحة باعتبار العمل لا باعتبار الاعتقاد وكذا هي عندنا آية من كل سورة غير براءة بالإجماع للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك. قوله: (فإِنْ أَخَلَّ بتشديدةٍ) ولو بأن قرأ الرحمن بفك الإدغام ولا نظر لكون أل لما ظهرت خلفت الشدة فلم يحذف شيء لأن ظهورها لحن فلم يمكن قيامه مقامها. قوله: (بطلَتْ قراءَتُهُ) أي لأن المشدد حرفان أولهما ساكن لا عكسه بل لو علم معنى إياك بالتخفيف من أنه ضوء الشمس وأتى به عمدًا كفر أو سهوًا أعاد القراءة وسجد للسهو. قوله: (مُرَتَّبةً) أي لأنه مناط الإعجاز ولذا وجب فيها خارج الصلاة أيضًا. قوله: (بِقدْرِ التنفسِ) وفي نسخة بقدر النفس وكذا سكتة الاستراحة والعي ثم هذا حد السكوت القصير الذي لا يضر في حصول الموالاة ما لم ينوبه قطع القراءة والتطويل بخلافه قاله المتولي والأكثرون ودل عليه كلام المجموع

ص: 194

لقراءة الإمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة، لم تنقطع قراءته على أصح الوجهين، لأنه معذور.

ــ

قيل هو أولى من ضبط الروضة كأصلها كالإمام للطويل بما يشعر بقطع القراءة وإعراضه عنها مختارًا أو لعائق لما في المجموع وغيره عن الإمام أن السكوت للإعياء ونحوه لا يؤثر وإن طال لأنه معذور فإطلاقهما إن

السكوت عمدًا العائق قاطع مخالف للنص المذكور ويستثنى من كلام الضابطين ما لو نسي آية فسكت طويلًا ليتذكرها فإنه لا يؤثر وإن طال فإن سكت المصلي طويلًا فإن كان ناسيًا أو جاهلا لم يضر لعذره أو عامد عالما ضر واستأنف القراءة. قوله: (لقراءَةِ الإِمامِ) وكقراءة الإمام فيما ذكر قراءة نفسه وأفهم كلام المصنف أنه لا يتعين لسؤاله ما ذكر من الرحمة ونحوها صيغة وهو كذلك لأنه لم يثبت فيه شيء فيأتي ما يناسب اللفظ المتلو وبما يتضمن امتثال ما مر نحو اللهم إني أسألك من فضلك الله من فضله وسبحان ربي العظيم فسبح باسم ربك العظيم قال الزركشي والمتجه إن الإمام يجهر بسؤال الرحمة والاستعاذة من العذاب أي في الجهرية بخلاف المأموم والمنفرد فإن أهمله الإمام فينبغي للمأموم أن يجهر بهما لينبه الإمام على قياس ما ذكروه في التأمين اهـ، وبما بحثه من ندب الجهر بذلك صرح في المجموع وجعله أصلًا مقيسًا عليه الجهر بالقنوت اهـ. ثم مثل سؤال الرحمة وما ذكر معه الاستغفار عند قوله:(استَغفِرُوا رَبَّكُم)[هود: 52] ولا يكفي إعادة الآية إلَّا أن صلح لفظها للاستغفار كقوله تعالى: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5] وقوله بلى وإنا على ذلك من الشاهدين عند آخر سورة التين وما في معناه والله أعلم. قوله: (لمْ تنقطع إلخ) جواب لو أي لا تنقطع القراءة لما ذكر وإن طال ذلك كما اقتضاه إطلاقهم لأنه لما ندب إليه لمصلحة الصلاة كان الاشتغال به عند عروض سببه غير مشعر بالإعراض وإن طال لكنه يسن له استئنافها كما في المجموع خروجًا من الخلاف واستئنافها قبل فراغها لا خلاف فيه كما حققه ابن الرفعة ونقله عن الأصحاب بخلاف كلها فقيل بأنه مبطل وفرق بأن تكرار كلها مشبه لتكرار الركوع بخلاف تكرار بعضها أما استئنافها بعد إكمالها فقيل يبنى على تقديم أقوى الخلافين إذا تعارضا بأن يكون فيه من صفات الترجيح المذكور في القضاء ما ليس في الآخر فإن استويا تخير أشار إليه في شرح

ص: 195

فصل: فإن لحن في الفاتحة لحنًا يخل المعنى، بطلت صلاته، وإن لم يخل المعنى

صحت قراءته، فالذي يُخلُّه مثل أن يقول: أنعمت بضم التاء أو كسرها، أو يقول: إياك نعبد، بكسر الكاف، والذي لا يخل مثل أن يقول: رب العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقول: نستعين، بفتح النون الثانية أو كسرها، ولو قال: ولا الضالين بالظاء بطلت صلاته على أرجح الوجهين، إلا أن يعجز عن الضاد بعد التعلم فبعذر.

فصل: فإن لم يحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يحسن شيئًا من القرآن

ــ

العباب.

فصل

قوله: (فِي الفَاتِحةِ) ظاهر سكوته عن غير الفاتحة إن اللحن المغير للمعنى لا يضر فيه مطلقًا وهو ما اقتضاه كلام المجموع والمنهاح وغيرهما لكن في شرح العباب الأوجه فيه التفصيل الذي في الفاتحة بين العدو فتبطل الصلاة وإلا فلا. قوله: (يُخلّ المَعْنى) أي يغير إلى معنى آخر. قوله: (بطَلَتْ صَلاتهُ) أي إن كان قادرا أو مقصرا عالمًا بالتحريم وإن لم يكن كذلك بطلت قراءته فإن طال الفصل استأنف الفاتحة وإلَّا أعادها على الصواب وكمل عليها ومثل ما ذكر إبدال الذال المعجمة في الذين دالا مهملة وكذا سائر إبدال حروف الفاتحة حتى إبدال ياء العالمين بواو مبطل للصلاة وبما يذكر يعلم إن الإبدال ليس من قبيل اللحن حتى يجري فيه التفصيل بين أن يغير المعنى فتبطل أولًا لأن في الإبدال تركًا لحرف من حروف الفاتحة بخلاف الحركات الإعرابية فإنما في إبدالها تغيير

وصف للحرف وهو أخف. قوله: (بفتح النون الثانية أو كسرها) أما كسر النون أول الفعل فلغة لبني تميم قال البيضاوي وقرئ بكسر النون في الفعلين أي شاذا فحكم كسر النون الأولى بحكم القراءة بالشاذ اهـ. في له: (إِلَّا أَنْ يعجِزَ) بكسر الجيم على الأفصح وكذا إذا لم يكن فيه أهلية للتعلم فيعذر أي تصح صلاته لنفسه ولمن كان مثله في خصوص ذلك الحرف أو يقتدي به لا لقارئ لنقصه بالنسبة إليه.

فصل

قوله: (فإِنْ لَمْ يُحسنِ الفاتحَةَ) كلها أي بأن عجز عنها في الوقت لنحو ضيقه أو بلادة أو عدم معلم أو مصحف ولو عارية أو بأجرة مثل كتب وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة. قوله: (قرأ بقدْرِها مِنْ غَيرِها) أي يقرأ سبع آيات ولا بد أن تكون بقدر

ص: 196

أتى من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما

ــ

حروف الفاتحة في العدد ولا يعتبر أن يكون عدد حروف الآي فيها وفي الفاتحة متساويان قيل المعتجر تساوي مجموع حروف الآيات بمجموع حروف الفاتحة حروفها بالبسملة والتشديدات مائة وخمسة وعشرون حرفًا ولو بالإدغام خلافًا لبعضهم لأن غايته أنه يجعل المدغم مشددًا وهو حرفان من الفاتحة والبدل أما دون السبع فلا يجزئه وإن طال اتفاقًا لرعاية العدد فيها في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] وقوله صلى الله عليه وسلم هي السبع المثاني وكذا ما نقص عن حروفها على الأصح وإنما أجزأ صوم يوم قصير عن طويل لعسر رعاية الساعات فرعاية العدد في آياتها آكد منه في حروفها للنص على الأول دون الثاني وقضية إطلاق المصنف الاكتفاء بسبع الآيات المتفرقة ولو مع حفظه المتوالية وهو ما صححه هو ونقله عن النص وجمع وبالعدد المذكور وإن لم تفد معنى منظومًا قال في المجموع والتنقيح المختار ما أطلقه الأصحاب أي من شمول ما ذكر من المتفرقة والمتوالية والمفيدة معنى أو لا قال الزركشي وهو ظاهر لأن ذلك لا يخرجه عن كون كل كلمة قرآنًا وإنما يجوز له الانتقال إلى الذكر عند عدم شيء من القرآن اهـ. وقال غيره أنه القياس كما يحرم على الجنب قراءة ذلك وإن لم يفد. قوله: (أَتى مِنَ الأذكارِ) أي سبعة أنواع منها لقوله صلى الله عليه وسلم إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم ثم كبّر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلَّا فأحمد الله وهلله وكبِّره رواه الترمذي وحسنه وليكون كل نوع مكان آية وقول الإمام لا تجب رعاية أنواعه ضعيف وإن رجحه ابن الرفعة واستبدل له بالحديث فإنه كالنص في عدم اعتبار سبعة أنواع اهـ، ويرد بأن ظاهر الحديث وجوب ثلاثة أنواع ولم يقل به الإمام فالحديث إذا ليس فيه متمسك لأحد المقالتين وقد صح أن ما قيل لكن بين في المجموع ضعفه أن

رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن أجد من القرآن شيئًا فعلمني ما يجزئني منه في صلاتي فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم وهذا مشتمل على خمسة أنواع بل ستة والظاهر أنه كان يحفظ البسملة فهو على تقدير صحته دليل على اعتبار الأعداد فكان أولى بالاعتماد ومن ثم قال المصنف كالرافعي أنه

ص: 197

بقدر آيات الفاتحة، فإن لم يحسن شيئًا من الأذكار، وضاق الوقت عن التعلُّم،

ــ

أقرب تشبيهًا لمقاطع الأنواع بغايات الآي والأولى أن تضيف إلى الأنواع الخمسة في الحديث ما روي في بعض الأخبار ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قاله ابن الرفعة وصاحب البيان وغيرهما ويجزئ ما ذكر من الذكر ولو بغير العربية كما في شرح العباب أي بشرط العجز عن العربية. قوله: (بقدْرِ آياتِ الفاتِحةِ) أي وحروفها وكان الاقتصار على الآيات لكونها منصوصًا عليها كما سبق أو لكون فيها الخلاف السابق بيانه قال الإمام ويجزئ عن الذكر سبعة أنواع من الدعاء المحض الأخروي وإن لم يعرف إلَّا ما يتعلق بالدنيا أجزأه الدنيوي اهـ، وهو متجه ومنازعة الأسنوي تبعًا للسبكي وابن عبد السلام بأن الشافعي نص على أنه لا يجزئ غير الذكر وليس الدعاء بذكر، لحديث من شغله ذكري عن مسألتي أجاب شيخ الإسلام زكريا عنها بحمله على ما إذا قدر على الذكر أو مراده بغير الذكر الدعاء المحض الدنيوي إذ الفاتحة نفسها مشتملة على الدعاء والدعاء الأخروي كافٍ اهـ، وناقشه تلميذه ابن حجر في شرح العباب بأن الحمل الأول تبع فيه بحث الأذرعي أنه لا يجزئ الدعاء للقادر على الذكر وفيه نظر بل الأوجه إجزاء الدعاء وإن قدر على الذكر وقوله والدعاء ليس بذكر ممنوع ولا دلالة في الحديث لأنه كما يدل عليه الاصطلاح الشرعي إن قوبل بالذكر كان غيره باعتبار وهو ما في الحديث وإلَّا شمله وهو ما في كلام الإمام الشافعي فاندفع ما ذكر اهـ، ويشترط ألا يقصد بالذكر والدعاء غير البدلية ولو معها فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنة والبدل لم يكف وظاهر قول المصنف هنا "فإن لم يحسن شيئًا من القرآن الخ" أنه لو عرف بعض آية لم يجز له العدول إلى الأذكار وليس مرادًا بل حكم المسألة أنه إذا عرف آية كاملة أتى بها ثم إن لم يعرف شيئًا من الأذكار كرر الآية قدر حروف الفاتحة وإن عرف شيئًا من الأذكار فإن كانت الآية من أول الفاتحة أتى بها أولًا ثم بالذكر وإن كانت من آخرها بدأ بالذكر ثم أتى بالآية التي يحفظها من آخرها وكذا يأتي بالآية قبل الذكر إذا كانت من غير الفاتحة ثم يأتي بالذكر ولا يجزئه تكرارها لأنه إنما يكتفي به عند عدم حفظ شيء من الأذكار والله أعلم، ولو شرع في البدل وقدر

ص: 198

وقف بقدر القراءة ثم يركع، وتجزئه صلاتُه إن لم يكن فرَّط في التعلُّم، فإن كان فرَّط في التعلُّم، وجبت الإعادة، وعلى كل تقدير متى تمكن من التعلُّم وجب عليه تعلُّم الفاتحة أما إذا كان يحسن الفاتحة بالعجمية ولا يحسنها بالعربية، فلا يجوز له قراءتها بالعجمية، بل هو عاجز، فيأتي بالبدل على ما ذكرناه.

ــ

على الفاتحة بنحو تعلم لزمته إن كان قبل فراغها لا بعد. قوله: (وقفَ بقدرِ القراءَةِ ثُمّ الفاتحة) أي في ظنه لأنه واجب في نفسه وزعم المحب أنه يدل عن القراءة غير صحيح ولا يلزم هنا تحريك لسانه وكذا يلزمه القعود بقدر التشهد الأخير ويسن له الوقوف بقدر السورة والقنوت والقعود بقدر التشهد الأول ولو نسي الفاتحة فهل يقف لتذكرها وإن خرج الوقت أو إلى أن يضيق أو يقف بقدرها قال في شرح العباب احتمالات لي والمنقدح أنه يلزمه الوقوف لتذكرها ما دام يرجوه إلى أن يضيق الوقت ويعيد لندرة ذلك اهـ. قوله: (وتجزئُهُ صَلاته إلخ) لإتيانه بمقدوره من غير تقصير. قوله: (وَجَب عَليهِ تعلم

الفاتِحةِ) ومثلها كل ذكر واجب من تكبيرة تحرم وتشهد فيجب تعلمه إن قدر عليه ولو بسفر أطاقه وإن طال كما اقتضاه إطلاقهم لأن ما لا يتم الواجب إلَّا به واجب وإنما لم يجب السفر للماء على فاقده لدوام نفع هذا بخلافه. قوله: (قراءَتُها بالعجميةِ) أي لأن الإعجاز مختص بالنظم العربي دون معناه ولقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: 113] والعجمي ليس كذلك ومن ثم كان التحقيق امتناع وقوع المعرب في القرآن وما فيه مما يوهم ذلك من توافق اللغات فيه وللتعبد بلفظ القرآن وبه فارق وجوب الترجمة عن تكبيرة الإحرام وغيرها مما ليس بقرآن فإن ترجم عنه في الصلاة بطلت إن علم وإلَّا سجد للسهو سواء في ذلك القادر على العربية وغيره ومعنى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] أي لأبلغه لمن بلغه ولو بنقل معناه إليه بالعجمية وخبر أنزل القرآن على سبعة أحرف دليل للمنع من الترجمة لاقتضائه المنع مما زاد على السبعة والترجمة كذلك وما ورد عن سلمان أنه كتب الفاتحة بالعجمية معناه أنه كتب تفسيرها لا ألفاظها قال الإمام ومن العجب قول المخالف لا تعطي الترجمة حكم القرآن بالنسبة إلى الجنب بل بالنسبة للصلاة التي مبناها على التعبد والاتباع كذا في الإيعاب.

ص: 199

فصل: ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة؛ وذلك سُنَّة، لو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحب قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصح الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار، إن شاء قرأ سورة،

ــ

فصل

قوله: (أَوْ بعضَ سورةٍ) أي فتتأدى السنة ببعض السورة ولو آية والأولى ثلاث آيات كما نص عليه في الأم ليكون كأقصر سورة وخروجًا من خلاف من أوجب الثلاثة قيل ودليله قوي إذ لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم النقص عنها ويجاب بحمل ذلك على التأكد لا الوجوب لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضًا عنها وظاهر قولهم ولو آية أنه إن قرأ معظم آية الدين لم يحصل له أصل السنة وفيه وقفه وللأذرعي في بعض الآية احتمالان إن أفاد قال في شرح العباب الأوجه حصول السنة به وعموم قوله هنا أو بعض سورة وقوله في المجموع ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيءٍ من القرآن يشملان ما استوجهه بل قال رأيت المجموع صرح بذلك ووجهه أن ما شمله عموم الكلام الأصل بقاؤه على ذلك حتى يقوم ما يخالفه ثم قال وظاهر أنه في المفيد إذ القصد بالسورة التدبر وهو لا يحصل بغير المفيد ولو قرأ البسملة حصل السنة لأنها آية من كل سورة ولا فرق بين أن يقصد كونها غير التي في الفاتحة أو يطلق لأنها لا تكون من الفاتحة حينئذٍ كما هو ظاهر فينبغي حصول السنة بذلك اهـ. قوله: (وذلك سنة) قال الحافظ وفيه حديث أبي قتادة كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأولتين بفاتحة الكتاب وسورة الحديد وحديث زيد بن ثابت في الأعراف في الركعتين كلتيهما وسيأتي تخريجهما في الفصل الذي يليه بما حاصله أن حديث أبي قتادة أخرجه .. وحديث زيد بن ثابت أخرجه هكذا ابن خزيمة والحاكم قال ورد في الاكتفاء بالفاتحة حديث ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قرأ فيها بأم القرآن لم يزد عليها حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي واختلف في الراوي عن ابن عباس فعند أحمد والبيهقي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس وعند البيهقي من وجه

ص: 200

وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضل من قدرها من الطويلة.

ــ

آخر عن عكرمة عن ابن عباس قال والأول أولى وجاء في الاكتفاء بالفاتحة حديث أبي هريرة قال في كل صلاة قراءة فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم يزد على أم القرآن أجزأت ومن زاد فهو أفضل حديث صحيح أخرجه أحمد ومسلم اهـ. قوله: (وإِنْ شَاءَ قرأ بعضَ سورَةٍ) أي ولو بعض آية مفيد كما تقدم. قوله: (وَالسورة القصيرةُ أَفضلُ مِنْ قدرِها مِنَ الطّويلةِ) هذا ما جرى عليه المصنف في الروضة والمجموع والتحقيق وجرى عليه السبكي وابن دقيق العيد قيل وهو القياس لما صح أن كل حرف بعشرة وعلله في المجموع بأن الوقف على آخرها صحيح بالقطع أي ومثله الابتداء بخلافهما في بعض السورة فإنهما قد يخفيان لكن صرح المتولي والبغوي بأن السورة الكاملة أفضل من البعض وإن طال كالتضحية بشاة فإنها أفضل من المشاركة في بدنة قيل وهو قضية إطلاق الأكثرين وجزم به الأنوار واقتضاه كلام الرافعي في شرحيه واعتمده الأسنوي قال ولا استبعاد في أن قراءة الكوثر مثلًا أفضل في الصلاة بخصوصها أو أكثر أجرًا من معظم قراءة البقرة فقد يكون الثواب المرتب على قراءة السورة الكاملة في الصلاة أفضل والزركشي أجاب كالأذرعي عن الاستبعاد المذكور بأن المأخذ التأسي والغالب من قراءته صلى الله عليه وسلم السورة التامة زاد الزركشي فإن في التأسي ما يزيد على المضاعفة ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة الكاملة ولم ينقل التفريق إلَّا في المغرب قرأ فيها الأعراف في ركعتين وركعتي الفجر قرأ بآيتي البقرة وآل عمران وتعليل المجموع يقتضي أنه لو عرف المواقف لا تكون القصيرة أفضل وفيه نظر اهـ، ويوجه النظر بما تقر أن الملحظ في التفصيل ليس إلَّا الاتباع لا غير والتعليل المذكور إنما هو كالحكمة له وحينئذٍ فلا نظر لما يفهمه وقال ابن السبكي يظهر أن الأطول أفضل من حيث الطول والسورة أفضل من حيث أنها سورة كاملة وذكر أبو زرعة مثله وزاد ولكل منهما ترجيح من وجه اهـ، وعليه فقد يجاب عن القياس على مسألة التضحية السابقة بأن إراقة الدم قربة مستقلة في نفسها ولم توجد في المشاركة على أن الأذرعي قال الظاهر أن محل الأولوية إذا شارك بربع البدنة بدلًا

ص: 201

ويستحب أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية

ــ

عن الشاة لا مطلقًا فعلى تسليمه ينتفي القياس من أصله ومن نذر قراءة بعض سورة طويلة لم تكف قراءة سورة قصيرة عنه وإن قلنا أنها أفضل على الأوجه كمن نذر التصدق بفضة لا يجزئه التصدق بالذهب ومحل الخلاف في غير التراويح أما هي فالبعض المعروف فيها وهو التجزئة حتى يختم القرآن جميعه أولى من سورة قصيرة كما أفتى به ابن عبد السلام وابن الصلاح وغيرهما وعللوه بأن السنة القيام فيها بجميع القرآن واعتمده الأسنوي وغيره قال الزركشي وغيره ويقاس بذلك كل ما ورد فيه الأمر ببعض معين كآية البقرة وآل عمران في ركعتي الفجر فالاقتصار عليهما أفضل من سورتين طويلتين اهـ. وأفتى البلقيني بأن من قرأ سورة في ركعتين إن فرقها لعذر كمرض حصل له ثواب السورة كاملة قال وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالأعراف في أولى المغرب وذلك لبيان الحد في المد ومثله يقتضي إثبات الأجرة بقراءة السورة التي هي ثلاث آيات أو أربع فتفريقها خلاف السنة فلا يثاب عليه ثواب سورة كاملة بخلاف السورة الطويلة فإن التفريق قد يكون مطلوبًا فيها كما قدمناه اهـ. قوله: (وَيُستحَبُّ أَنْ يَقرأَ

السورةَ عَلَى ترتيب المُصحَفِ) وفي نسخة صحيحة جدًّا أن يقرأ السورة على ترتيبها في المصحف قال الحافظ لم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من الخروج من خلاف من أوجبه اهـ، وقد علل الأصحاب ذلك بأنه إذا كان الترتيب توقيفًا وهو ما عليه جماعة فواضح أو اجتهاديًّا وهو ما عليه الجمهور فقد وقع إجماع الصحابة فمن بعدهم عليه وقراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة بالنساء عقب البقرة ثم آل عمران لبيان الجواز وقال ابن النقيب لأن آل عمران كانت مؤخرة قال ابن حجر الهيتمي وهو إن ثبت ما يدل له حسن وإلا فالأحسن أنه لبيان الجواز أما ترتيب أي كل سورة فتوقيفي من الله تعالى بلا خلاف. قوله:(وتكونُ تَلِيها) أي تكون السورة المقروءة في الركعة عقب المقروءة في الأولى وتلوها في المصحف من غير فاصل لكنه خصه الأذرعي بحثًا بغير ما جاءت السنة فيه بخلافه كصبح الجمعة وبما إذا لم تكن التي تليها أطول كالأنفال وبراءة لئلا تطول الثانية على الأولى وهو خلاف السنة اهـ. قوله: (فيقرأُ فِي الثانيةِ

ص: 202

سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز، والسُّنَّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة، لم تحسب له قراءة السورة.

واعلم أن ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإمام والمنفرد، وللمأموم فيما يسرُّ به الإمام أما ما يجهر به الإمام، فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإمام،

ــ

سورةَ بَعْدَ السورة الأولى) أي فإن قرأ في الأولى سورة الناس قرأ في الثانية أول البقرة كذا في المجموع عن الأصحاب وقضية قوله أول البقرة أنه لا يقرؤها بكمالها بل بعضها ويلزم فوات كمال السورة في الثانية ولو قيل بإكمالها لزم عليه تطويل الثانية على الأولى وهو خلاف السنة اهـ. وأجيب بأن القصد التمثيل لبيان الترتيب مع التوالي وإن فات بسببه سنة أخرى. قوله: (فَلَوْ خَالفَ هذا جازَ) أي ولو كان خلاف الأولى وفي التبيان للمصنف وكان مرتكبا مكروهًا وهو منكوس القلب قال الحافظ ولم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من الخروج من خلاف من أوجبه اهـ. قوله: (والسنة أَنْ تَكونَ السورَةُ إلخ) قال الحافظ لم أقف على دليل ذلك ولعله يؤخذ من حديث كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين.

قوله: (أما مَا يجهرُ بهِ الإمامُ) أي لحديث عبادة بن الصامت الأنصاري قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال إني لأراكم تقرؤوا خلف إمامكم إذا جهر قالوا إنا لنفعل ذلك قال لا تفعلوا إلَّا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام وغيره حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي وابن خزيمة والدارقطني وغيرهم وأخرجه النسائي من حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى وفيها قصة لعبادة وفي آخر الحديث لا يقر أن أحد منكم إذا جهرت إلّا بأم القرآن وللحديث شاهد من حديث أنس أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى وهو في مسنده من رواية أيوب عن أبي قلابة عنه وهو في مسند أحمد وجه القراءة خلف الإمام للبخاري من رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عمن شهد النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال ابن حبان الطريقان محفوظان وقال البيهقي المحفوظ رواية خالد الحذاء وكذا قال غيره. قوله: (فَلَا يَزيدُ المأْمومُ إلخ) قال تعالى: ({وَإِذَا قُرِئَ

ص: 203

فإن لم يسمعها أو سمع هينمة لا يفهمها، استحبت له السورة على الأصح بحيث لا يشوش على غيره.

ــ

الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا

لَه} [الأعراف: 204] ولما صح من النهي عن قراءتها قال ابن حجر الهيتمي ومنه يؤخذ كراهتها له كما رأيته منقولًا عن التحقيق اهـ. قوله: (فإِنْ لَمْ يَسْمعْه إلخ) قال الحافظ يؤخذ ذلك من مفهوم النهي عن القراءة إذا جهر الإمام اهـ. قوله: (هَمهمةَ) بالهاء المفتوحة فالتحتية الساكنة فالميم بعدها هكذا في النسخ المصححة وفي نسخة (همهمة) بهاء وميم مكررين آخرها هاء وفي النهاية الهينمة الكلام الخفي الذي لا يفهم والياء زائدة ومنه حديث الطفيل بن عمرو وهينم في المقام أي قرأ فيه قراءة خفية وفيها الهمهمة الكلام الخفي الذي لا يفهم وأصلها صوت البقر اهـ، والمراد إذا لم يميز ما يقرؤه الإمام ولو بأن يسمع صوتًا لا يميز حروفه فيسن له قراءة السورة حينئذٍ وقضية قوله فيما يسر به الإمام أن ما يجهر به الإمام لا يقرأ فيه المأموم السورة لكن هل العبرة حينئذٍ بالمفعول دون المشروع فيما لو جهر في محل الإسرار أو عكس وهو الذي تقتضجه عبارة الروضة وصرح به في المجموع فيترك السورة في الأول دون الثاني اعتبارًا بفعل الإمام أو بالمشروع دون المفعول وهو الذي تقتضيه عبارة المنهاج فيقرأ في السرية وإن جهر الإمام فيها لا عكسه وجرى عليه في العباب فقال خلافًا للروضة قال شارحه والمعتمد مقابله احترامًا للإمام وإن أساء ألا ترى أنه لو أساء وقام عن التشهد الأول مثلًا اعتبر فعله ولزم المأموم متابعته فكذا هنا يعتبر فعله بالأولى وإنما فعل جلسة الاستراحة وإن تركه إمامه لخفتها ويفرق بينها وبين ما نحن فيه بأن جهره مع إسراره أو عكسه فيه ظهور مخالفته له مع استوائهما في الركن الواحد ولا كذلك جلوسه يسيرًا لها ثم متابعته ويفرق بين هذا وبين ما في المجموع لو ترك الإمام الدعاء المناسب لما قرأه سن للمأموم أن يأتي به جهرًا ليسمعه فيأتي مثله ومثله التامين كما سيأتي بأن في ذينك ترك الشيء من أصله وما كان كذلك ففعل الإمام فيه غير معتجر إلَّا أن تفحش المخالفة كما مر في التشهد الأول وما نحن فيه إنما فيه ترك مجرد صفة فيعتبر فعله فيه لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره اهـ. قوله:(بحيث لَا يُشوِّشُ) وفي نسخة صحيحة يهوش بهاء

ص: 204

فصل: السنة أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر

ــ

بدل الشين المعجمة الأولى وفي النهاية النهوش.

فصل

قوله: (من طوال المفصل) في الروضة وغيرها يسن نقص الظهر عن الصبح بأن يقرأ فيها قرب طواله لأن النشاط في الصبح أتم وعبارة المنهاج مثل عبارة الأذكار ولا منافاة بين عبارتيهما وبين عبارة الروضة لأن السنة فيها الطوال لكن يتحرى للصبح أطول مما يتحراه للظهر اتباعًا لما صح عنه، لحديث أبي برزة الطويل في الصحيحين في بيان المواقيت وكان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ فيها بالستين إلى المائة، ولحديث جابر بن سمرة كان صلى الله عليه وسلم يصلي الغداة بنحو صلاتكم التي تصلون اليوم ولكنه كان يخفف الصلاة وكان يقرأ فيها بالواقعة ونحوها من السورة هذا حديث صحيح أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه قال الحافظ بل

أخرجه عنه لكن ما سمي الواقعة بل غيرها، ولحديث قطبة بن مالك صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] قال الحافظ حديث صحيح أخرجه مسلم وله شاهد من حديث أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت ق والقرآن المجيد إلَّا من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح أخرجه النسائي بهذا اللفظ وهو في صحيح مسلم لكن بلفظ يقرأ فيها في خطبة الجمعة ولحديث الأغر المزني قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة الروم في الصبح قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد إلَّا أنه لم يسم الصحابي وقال عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر رجاله من رجال الصحيح وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما قرأ في الصبح غير المفصل وقد جاء من حديث عبد الله بن السائب أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فافتتح سورة قد أفلح لحديث الآتي في قراءة بعض السورة وجاء من حديث جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بيس وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبحِ بأوساط المفصل ففي حديث عمرو بن حريث أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وعند أبي داود عن عمرو بن حريث صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الغداة فكأني أسمع صوته {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} [التكوير: 15 - 16]، قال وذهب بي أبي إليه، ولحديث ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر فقرأ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد)[الإخلاص: 1] رجاله ثقات إلَّا واحدًا ففيه ضعف وكأنه وهم في قوله بهم فإن الثابت أنه كان يقرأ بهما في ركعتي الفجر كما سيأتي، ولحديث معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلًا من جهينه أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي صلى الله عليه وسلم أم فعله عمدًا أخرجه أبو داود ورواته موثقون قال وما ورد من قراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بقصار المفصل يحمل على بيان الجواز وخففه للسفر المناسب فيه التخفيف كما جاء ذلك في بعض طرق حديث عقبة بن عامر أو لأمر اقتضاه ففي حديث أبي قتادة عند البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال إني لأدخل الصلاة وأنا أريد إطالتها فأتجوز كراهية إن أشق على أمه أورده الحافظ وبنحو ذلك أجاب عما ورد من قراءته صلى الله عليه وسلم بأوساط المفصل في صلاة الظهر قال في المطلع طوال بكسر الطاء لا غير جمع طويل وبضمها الرجل الطويل وبفتحها المدة وذكره أبو عبد الله بن مالك في مثلثته اهـ. وقال ابن حجر في شرح العباب بكسر الطاء وبضمها مع تشديد الواو والمفصل أوله الحجرات على الأصح من عشرة أقوال فيه قال في الإمداد وقد جمعتها في بيتين مع بيان الراجح وزيادة حديث يؤذن بشأن المفصل فقلت:

مفصل حجرات وقيل قتالها

فياسين ملك ثم فتح وجاثيه

فقاف ضحى صف وسبح عاشر

وجاء وأعطيت المفصل نافله

وفي شرح الترمذي للحافظ العراقي ومن خطه نقلت اختلفوا في سبب تسمية الجزء السابع من القرآن بالمفصل على أقوال أحدها لكثرة الفصل فيه بين السور لقصرها والثاني للفصل بين كل سورتين ببسم الله الرحمن الرحيم والثالث لأحكامه وقلة المنسوخ فيه حكاها القاضي عياض في المشارق والرابع لكثرة آياته والخامس لانفصاله عن الأسباع الستة التي قبله وعدم اتصال غيره به.

فائدة

المفصل مما اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي نعيم وأعطيت خواتيم سورة البقرة من كنوز العرش وخصصت به دون الأنبياء وأعطيت المثاني مكان التوراة والمبين مكان الإنجيل والحواميم مكان الزبور وفضلت بالمفصل والمراد بالمثاني الفاتحة وقد ذكر الحافظ مستند ما ذكره المصنف من استحباب ما لكل من الصلوات

ص: 206

والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل،

ــ

من الأحاديث في محله وأطال في بيانه فليراجعه من أراده بقوله: (وفِي المغرب إلخ) قال الحافظ لم أر حديثًا صحيحًا صريحًا في أن المغرب يقرأ فيها بقصار المفصل بل الوارد في الأحاديث الصحيحة أنه قرأ فيها بطوال المفصل كالطور وبالمرسلات وبأطول منهما كالدخان وبأطول من ذلك أضعافًا كالأعراف وأقوى ما رأيت في ذلك حديث أبي هريرة قلت قال الحافظ في محل إخراجه حديث صحيح لكن سياقه ليس نصًّا في رفعه أخرجه النسائي وابن ماجة عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان قال سليمان وكان يطيل الركعتين الأولتين وكان يقرأ في العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل وقد أنكر زيد بن ثابت على مروان قراءته في المغرب بقصار المفصل والمرفوع من الحديث تشبيه أبي هريرة صلاة ذلك الأمير بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عداه موقوف إن كان الأمير صحابيًّا أو مقطوع إن لم يكن فلم يصب من عزا إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل كما وقع للطحاوي فإن أبا هريرة لم يتلفظ بقوله كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب إلخ، إنما تلفظ بالتشبيه وهو لا يستلزم المساواة في جميع صفات الصلاة والله أعلم اهـ. وإنكار زيد على مروان سيأتي بيانه بقوله:(أَوساطِ المفصَّلِ) قال في المطلع جمع وسط بالتحريك بين القصار والطوال قال الجوهري شيء وسط بين الجيد والرديء وقال الواحدي الوسط اسم لما بين طرفي الشيء بقوله: (قِصارِ المفَصَّل) قال في المطلع بكسر القاف جمع قصير ككريم وكرام وفي المهمات للأسنوي طوال المفصل كالحجرات واقتربت وأوساطه كالشمس وضحاها والليل إذا يغشى وقصاره معروفة وقال ابن معين في التنقيب طواله إلى عم ومنها إلى الضحى أوساطه ومن الضحى إلى آخر القرآن قصاره اهـ، ونظر فيه الأذرعي ثم

ص: 207

فإن كان إمامًا خفف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل.

والسُّنة: أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة "الم

ــ

قال بل طواله كقاف والمرسلات وأوساطه بالجمعة والمنافقون وقصاره سورتي الإخلاص ونحوها وقال العراقي لا أدري من أين لابن معين هذا التحديد وقد مثل الترمذي أوساطه بالمنافقون وجاء في بعض الأخبار الصحيحة ما يقتضي أن الضحى واقرأ باسم ربك من الأوساط ولا شك أن الأوسط مختلف كالطوال والقصار اهـ، وعبارة ابن الرفعة وطواله كقاف والمرسلات وأوساطه كالجمعة وقصاره كسورة الإخلاص قال البندنيجي وغيره وقيل قل هو الله أحد من أقصره وقصاره نحو العاديات وبهذه العبارة وما قبلها يعلم أن المنقول خلاف ما قاله ابن معين قال شيخ الإسلام زكريا عقب كلام ابن معين وفيه نظر قال العلماء واختلاف قدر القراءة فيها كان بحسب الأحوال فكان صلى الله عليه وسلم إذا علم من حالهم إيثار التطويل طول وإلا خفف قال جمع وألحقت الظهر بالصبح والعصر بالعشاء لأنهما سريتان ولم يثبت ما كان صلى الله عليه وسلم يقرؤه فيهما اهـ. قال في شرح العباب وهو فاسد لثبوته والظاهر أن حكمة ذلك أن النشاط والفراغ في الصبح أكثر ثم في الظهر أما العصر فيقارنها سآمة

الاشتغال ومعاناة الأنقال فلم تلحق بذينك وكانت العشاء مثلها لميل النفس إلى الدعة والراحة ولقصر وقت المغرب مع الاشتغال فيه بالعشاء ومقدماته كانت أقصرهن قراءة قال ثم رأيت عن الإمام التصريح ببعض ذلك اهـ. قوله: (فإِنْ كانَ إِمامًا خَفَّفَ عَنْ ذَلِك إِلا أَن يعلَم أَن المأْمُومِينَ) أي المحصورين ممن لم يتعلق بعينهم حق ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره ولم يكن المسجد مطروقًا يرضون بالتطويل والتقييد بإمام المحصورين الراضين هو ما في التحقيق والمجموع وشرح مسلم وهو ظاهر فقد نص عليه الشافعي فقال ما حاصله ولو زاد على أقصر سورة كإنا أعطيناك كان أحب إلي ما لم يكن إمامًا فيثقل اهـ. وفي المجموع عن الأصحاب لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع ولا على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد في الاعتدال إلّا إن أم محصورين راضين وهو صريح فيما ذكر أما ما جزم به ابن الرفعة نقلًا عن

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضي وغيره من ندب طواله وأوساطه فيما ذكر للإمام مطلقًا ضعيف وإن أطال الأذرعي في الانتصار له ونقله عن جمع وأنه لم ير الأول لغير النووي وإن عبارات الأئمة ترد عليه وإن محل الكراهة فيما وراء طواله قال وقد يفهم كلامهم أنه لو طول المنفرد وامام الراضين على ما ذكر يكون تاركًا للسنة وهو بعيد والظاهر أنهم أرادوا أن الأكمل ألا ينقص عن ذلك لا ما يتبادر من التحديد ويوافقه قول الشافعي لا أكره في المغرب الطوال بل أستحسنه للخبر الذي رواه مالك نقله عن الترمذي والبغوي في شرح السنة وأشار إلى ما صح أنه قرأ فيها مرة بالأعراف ومرة بالطور ومرة بالمرسلات وتأويله بأن المراد إنه قرأ فيها بالآيات التي يذكر فيها ذلك بعيد لا يلتفت إليه وقد صح أنه قرأ فيها مرة بالصافات ومرة بحم الدخان قال الزركشي نعم المداومة على قصار المفصل كما اعتيد ليس بمسنون ولذا لما اخترعه مروان أنكر عليه زيد بن ثابت بقراءته صلى الله عليه وسلم فيها بالأعراف اهـ. قال البلقيني ويطيل المنفرد ما شاء كما صح به الحديث حتى في المغرب فالتطويل الذي لا ضرر فيه ولا خلل في العبادة أفضل في المنفرد، وفي الكفاية كالشامل نقلًا عن الأصحاب لو قرأ الإمام والمنفرد في الصبح والظهر قصار المفصل أو أوساطه لم يكن خارجًا عن السنة لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بذلك ومنه أنه قرأ في الصبح فإذا زلزلت أي كما تقدم من حديث أبي داود برجال موثقين والمراد امام من ذكر، ولا يعارض ما ذكر في القصار ما رواه الطبراني بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يقرأ في الصبح بدون عشرين آية ولا يقرأ في العشاء بدون عشر آيات لإمكان حمله على شأن الأكمل مما دونه جمعا بين الأخبار قال الغزالي والشيخ أبو حامد وغيرهما واعتمده المتأخرون ويسن للمسافر في الصبح أن يقرأ بسورة الإخلاص وأورد فيه حديثًا قلت هو من حديث عقبة بن عامر رواه الطبراني في الكبير في سنده ضعيفان قال الأذرعي وفي مسند أحمد إنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر في السفر بالمعوذتين ثم قال ولا شبه أن التخفيف في السفر لا يختص به الصبح بل يعم سائر الصلوات لأن السفر مظنة التخفيف وتبعه الزركشي ونقله عن صريح مقتضى كلام الرافعي في شرح المسند وهو ظاهر وعليه فالظاهر إنه لا فرق بين طويل السفر وقصيره ولا بين النازل والسائر والمنفرد الإمام كما اقتضاه كلام الرافعي وقول الأذرعي يحتمل الفرق بين النازل وغيره فيه نظر كذا في شرح

ص: 209

تنزيل" السجدة، وفي الثانية:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] ويقرأهما بكمالهما، وأما ما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما، فخلاف السنة،

ــ

العباب.

قوله: (تنزيلُ) بضم اللام على الحكاية. قوله: (السجدة) بالجر صفة أو بالرفع أو النصب على القطع بتقدير هو أو أعني وهو صفة موضحة. قوله: (بكمالِهما) وذلك للاتباع رواه الشيخان وأخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وبه يندفع قول المزي نقلًا عن ابن عساكر إنه لم يجد طريق محمد بن يوسف في البخاري ولا ذكره أبو مسعود في الأطراف وأقره عليه المزني وأخرج الخبر ابن حبان وأصحاب السنن الأربعة كلهم من حديث ابن عباس قال الترمذي وفي الباب عن سعد وابن مسعود وأبي هريرة قال الحافظ وفي بعض طرقه حديث ابن مسعود بزيادة يديم ذلك قال بعد تخريجه حديث حسن وللزيادة شاهد من حديث ابن عباس بلفظ كل جمعة أخرجه الطبراني في الكبير قال وروينا في المعجم الأوسط للطبراني عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في الصبح يوم الجمعة في الم تنزيل وهذه زيادة حسنة تدفع احتمال أن يكون قرأ السورة ولم يسجد اهـ، والخبر صحيح كما في شرح العباب لابن حجر لكن في التوشيح للسيوطي نقلًا عن الحافظ أن سنده ضعيف ولعل ضعفه مما ينجبر وتعددت طرقه فكانت صحته لغيره وعليه يحمل قول من صححه وظاهر أن المراد بالصحة حينئذٍ الحسن للغير لمشاركة ذلك للصحيح في القبول والعمل بالمدلول والله أعلم، وحكمة قراءتهما اشتمالهما على ذكر المبدأ والمعاد وخلق آدم ودخول الجنة والنار وأحوال القيامة وكل ذلك كان ويقع يوم الجمعة وظاهر كلام المصنف إنه لا يقتصر على بعضهما وإن ضاق الوقت قال في شرح العباب وبإطلاقه يرد قول الفارقي لو ضاق الوقت عن قراءة السجدة جميعها قرأ البعض ولو آية السجدة وكذا في الثانية فإن قرأ غير ذلك فخلاف السنة اهـ، وتعقبه الأذرعي وغيره أيضًا بأن هذا من تفرده وإن تبعه عليه ابن أبي عصرون وبقولهم السورة القصيرة أفضل من بعض طويلة اهـ، وظاهر إطلاق المصنف أيضًا أنه يأتي بهما صبح كل جمعة وهو كذلك لخبر الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يديم قراءة هاتين السورتين

ص: 210

والسنة أن يقرأ في صلاة العيد، والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة (ق) وفي الثانية:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]، وإن شاء قرأ في الأولى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} فكلاهما سُنة،

ــ

في صبح يوم الجمعة وبه يندفع قول ابن دقيق العيد ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا وخبر إنه قرأ آية سجدة غير الم تنزيل قال الزركشي في إسناده نظر وقال غيره ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بغيرهما لكنه نادر وعلى تقدير صحته هو لبيان الجواز ولا تأييد فيه لمن قال يستحب الإتيان بالسجدة وهل أتى تارة وتركهما أخرى وتصويب أبي حاتم إرسال حديث الطبراني السابق لا ينافي على تقدير تسليمه الاحتجاج به فإن المرسل يحتج به في مثل ذلك سيما وله شاهد أخرجه الطبراني أيضًا في الكبير عن ابن عباس بلفظ كل جمعة كما تقدم آنفًا وتعليل المالكية كراهة قراءة السجدة في الصلاة باشتمالها على زيادة سجود في الفرض قال القرطبي منهم فاسد بشهادة هذا الحديث ولا نظر لاعتقاد العامة وجوبهما مع الدوام ولا محذور فيه والترك لأجله لا يناسب قواعدنا إنما يناسب قواعد مالك القائل لا يستحب صوم الست من شوال مع رمضان لئلا يعتقد وجوبها.

فائدة

صح إنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في عشاء ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وفي مغربها الكافرون والإخلاص فينبغي أن يكون ذلك سنة وهو ما اعتمده التاج السبكي وداوم عليه ما أمكنه بالجامع

الأموي ونقل عن بعض أئمتنا إنه كان لا يتركه سفرًا ولا حضرًا كذا في شرح العباب بقوله: (والسنةُ أَنْ يَقرأَ فِي صَلاة العيدِ والاسْتسقَاءِ إلخ) للاتباع في العيدين رواه مسلم والترمذي وأبو داود كلهم عن مالك قوله: (وإنْ شَاءَ إلخ) رواه في العيدين مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي فكل سنة لكن الأوليان أولى قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي أكثر أحاديث الباب يدل على استحباب قراءة سبح والغاشية في العيدين والحكمة في قراءة ما ذكر أن في قراءة سبح الحث على الصلاة وزكاة الفطر على ما قاله سعيد بن المسيب في تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14 - 15] فصل فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها قاله ابن قدامة في المغني والحكمة في قراءة سورة ق واقتربت ما نقل عن المؤلف في شرح مسلم عن

ص: 211

والسُّنَّة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية:

(المنافقون) وإن شاء في الأولى: (سَبِّحِ)[الأعلى: 1]، وفي الثانية: ({هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] فكلاهما سنة،

ــ

العلماء إن ذلك لما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس في العيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر اهـ. وقال الحافظ أما القراءة في الاستسقاء فلم أر ما قاله الشيخ صريحًا لكن يؤخذ من حديث هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء فقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتذلًا متواضعًا وذكر الحديث في الخطبة وفي آخره وصلى كما يصلي في العيد حديث حسن أخرج أحمد وابن خزيمة وأبو عوانة اهـ، وقال بعضهم روى قراءة ما ذكر في الاستسقاء الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس وقال في إسناده محمد بن عبد العزيز وهو غير قوي قال لكنه يقوى بما قبله من الشواهد وفي شرح العمدة للفاكهاني رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ذكر ابن حاتم إنه ضعيف قيل ويقرأ في الكسوف مع ما يقرأ في العيد سورة إنا أرسلنا نوحًا لأنها لائقة بالحال لما فيها من قوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود: 90] الآية بقوله (والسنةُ أَنْ يقرأَ فِي الأُولَى مِن صلاةَ الجمعَةِ إلخ) لما روى مسلم والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون وورد أيضًا عن أبي هريرة مثله. قوله: (وإنْ شَاءَ فِي الركعَة الأُولى إلخ) أي لما رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي أيضًا عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا فقرأ فيهما بهما وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة عن سمرة بن جندب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال الحافظ حديث حسن صحيح اهـ. قوله: (وكِلاهمَا سنةٌ) أي لما ذكر لكن الأوليان أفضل ولو لغير محصورين لوروده بخصوصه وما ورد بخصوصه لا تفصيل فيه ولو ترك ما في الأولى قرأه مع ما في الثانية وإن أدى لتطويلها على الأولى لتأكد أمر هاتين السورتين ولو قرأ ما في الثانية

ص: 212

وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءته من غير هذرمة. والسنة أن يقرأ في ركعتي سُنة الفجر، في الأولى بعد الفاتحة:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية، وفي الثانية:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64] وإن شاء في الأولى: ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] وكلاهما صح.

في "صحيح مسلم" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله،

ــ

في الأولى عكس في الثانية لئلا تخلو صلاته عنهما ولو اقتدى في الثانية فسمع قراءة الإمام للمنافقون فيها فظاهر إنه يقرأ المنافقون أيضًا وإن كان ما يدركه أول صلاته لأن السنة له حينئذٍ الاستماع فليس كتارك الجمعة الأولى وقارئ المنافقون فيها حتى يسن له الجمعة في الثانية فإن لم يسمع وسنت له السورة

فقرأ المنافقون احتمل أن يقرأ الجمعة في الثانية كما شمله كلامهم وإن يقال يقرأ المنافقون لأن السورة ليست متأصلة في حقه كذا في تحفة الشيخ ابن حجر بقوله: (ولْيحْذَر الاقْتِصارَ عَلَى بعْض السورَةِ إلخ) هذا مع اتساع الوقت ففي العباب للمزجد لو ضاق الوقت أي عن قراءة السجدة جميعها قرأ البعض منها ولو آية السجدة وكذا في الثانية اهـ. لكن نوقش في ذلك بأنه من تفرد قائله وإن تبعه عليه بعضهم وإن السورة القصيرة أفضل من بعض الكبيرة بقوله: (هَذْرَمَةِ) بإسكان الذال المعجمة وفتح الراء المهملة قال في النهاية الهذرمة السرعة في الكلام والمشي ويقال للتخليط هذرمة اهـ، والظاهر إن المراد السرعة الزائدة على الحدر الذي يفوت به هنا أداء الحروف حقها. قوله:(فكِلاهما سُنة صحَّ في صَحيح مسلم) كذا في أصل مصحح معتمد وفي نسخة وكلاهما صح بالواو بدل الفاء وحذف قوله سنة ثم إنه قد روى الأول فيه من حديث ابن عباس ولفظه كان أكثر ما يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وفي الأخرى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله مسلمون قال الحافظ وأخرجه بهذا اللفظ أبو داود أيضًا والثاني فيه من حديث أبي هريرة ولفظه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و (قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد)[الإخلاص: 1] قال الحافظ حديث صحيح

ص: 213

ويقرأ في ركعتي سُنة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وأما الوتر،

ــ

وأخرجه عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة اهـ، ورواه أحمد والترمذي وابن حبان من حديث ابن عمر قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن قال الترمذي وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة وابن عباس وحفصة قال الحافظ وفيه عن عبد الله بن جعفر وأبي أمامة وجابر بن عبد الله ثم بين طرق ذلك كله وعلى الأول فالاقتصار عليهما أفضل من الاقتصار على ما عدا سورتي الإخلاص وإن كانا بعض آية لورود النص به واستحسن الغزالي أن يقرأ فيهما ألم نشرح في الأولى وألم تر في الثانية وقال إنه يدفع شر ذلك اليوم وتقدم فيما يقال بعد ركعتي الفجر إنه يجمع بين هذا كله لما سبق في الجمع بين الأدعية الواردة في الافتتاح وكيفيته منقولًا كل ذلك من شرح الشمائل لابن حجر.

فائدة

تسن سورتا الإخلاص في سنة الصبح والمغرب والطواف وأحاديثها عند مسلم وصرح بها الأصحاب وحكمتهما في الأولى ما سبق من اشتمالها على التوحيد العلمي والعملي فطلبا في ركعتي الفجر ليكون ذلك باعثًا على امتثال الأوامر واجتناب النواهي وفي ركعتي المغرب ليفتتح بهما الليل ليتذكر فجأة الموت الذي هو أخو النوم فيستعد له بالنوم على غاية من التنصل من الحقوق خوفًا من

انتقام ذي الجلال والإكرام وفي ركعتي الإحرام كما ذكره المصنف في مناسكه والاستخارة كما يأتي في بابها وكذا في صبح المسافر لما تقدم وسنة الضحى لحديث رواه العقيلي وسنة السفر والوتر لحديث رواه أبو داود والترمذي وسنة الزوال ذكرها أبو حامد في الرونق كذا رأيت منقولًا عن خط العلامة ابن زياد اليمني وبقي ركعتا التحية كما في الروضة بقوله: (ويقرَأُ فِي ركْعَتي سنةِ المَغرِب إلخ) أخرج الحافظ عن عبد الله بن مسعود قال ما أحصى ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتيَن قبل صلاة الفجر وفي الركعتين بعد المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] أخرجه الترمذي وقال الحديث غريب وابن ماجة ومحمد بن نصر في قيام الليل نعم أخرج ابن نصر له شاهدًا قويًّا بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن يزيد النخعي أي وهو تابعي كبير قال كانوا يستحبون أن يقرؤوا

ص: 214

فإذا أوتر بثلاث ركعات، قرأ في الأولى بعد الفاتحة:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثالثة: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] مع المعوّذتين،

ــ

في صلاة الفجر والركعتين بعد المغرب فذكره، وأخرج النسائي عن ابن عمر نحو الحديث المرفوع وأخرج الطبراني عنه أيضًا نحوه، وما أخرجه أبو داود عن ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد فقال محمد بن نصر بعد أن أخرجه مرسلًا وموصولًا إن ثبت إن هذا فلعله في بعض الأوقات وأما ركعتا الطواف فجاء فيهما عن جابر بن عبد الله في حجة الوداع ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين قال جعفر بن محمد الراوي عن جابر لا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة كلهم بالترديد نعم جزم به الترمذي في روايته وأخرجه كذلك النسائي عن مالك تفرد به الوليد بن مسلم عن مالك يعني ابن أنس كما قاله الدارقطني في الموطآت قال الحافظ ووافق الوليد بن مسلم عن مالك عبد الله بن مسلمة القعنبي أخرجه عنه الدارقطني في غرائب مالك كذلك اهـ، وأما ركعتا الاستخارة فسيأتي بسط دليل ما يقرأ فيهما مما ذكره المصنف وغيره في باب صلاة الاستخارة بقوله:(فإِذَا أَوْتَر بثَلاثِ ركعَاتٍ قَرَأَ إلخ) روى أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال حسن غريب وابن ماجة عن عَائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] والمعوذتين وقال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن وجاء عنها من طريق آخر كذلك وهو حديث حسن أيضًا أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل ورجاله رجال الصحيح إلَّا واحدًا فلم يخرج له إلّا استشهادًا وللحديث شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبزى أخرجه محمد بن نصر وشاهد آخر من حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وشاهد ثالث من حديث عبد الله بن سرجس أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة شعبة وفي شرح المنهاج لابن حجر وقضيته إن ذلك إنما يسن إذا

ص: 215