الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن الإمام لا يأتي بجميعها، إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثِرون التطويل. واعلم أن هذا الذكر سُنة ليس بواجب، فلو تركه كره له كراهة تنزيه، ولا يسجد للسهو، ويكره قراءة القرآن في هذا الاعتدال كما يكره في الركوع والسجود، والله أعلم.
باب أذكار السجود
فإذا فرغ من أذكار الاعتدال كَبَّر وهو ساجد ومد التكبير إلى أن يضع جبهته على الأرض. وقد قدَّمنا حكم هذه التكبيرة، وأنها سُنة لو تركها لم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو، فإذا سجد أتى بأذكار السجود، وهي كثيرة.
ــ
كذا في الإيعاب لكن جرى في شرح المنهاج على كلام الأذرعي. قوله: (إلا أَن الإِمَامَ لَا يأْتي بجمِيعهَا إلا أنْ يَعلمَ) أي وإلا فتكره الزيادة على قوله من شيء بعد وقيل على قوله لك الحمد وإذا علم رضاهم بالإتيان بذلك يكره له وكذا للمنفرد ترك شيء من ذلك لغيره من التسبيح ونحوه كما يشير إليه قول المصنف "واعلم إن هذا الذكر سنة فلو تركه كره" وفي المجموع التسبيح وسائر الأذكار في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد أي وما معه من الذكر حيث سن وتكبير غير التحرم سنة لكن يكره تركه عمدًا هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء اهـ، ملخصًا ومحل اعتبار إيثار المأمومين التطويل ما لم يتعلق بعينهم حق وإلا نحو أجير عين ورقيق وزوجة اعتبر صاحب الحق كما تقدمت الإشارة إليه.
باب أذكار السجود
السجود لغة الميل وشرعًا وضع الأعضاء السبعة مع رفع الأسافل على الأعالي بالطمأنينة ولكونه أبلغ من الركوع في التواضع خص بالتكرار كما تقدم ولأنه لما ترقى مما قبله إليه وأتى بنهاية الخدمة أذن له في الجلوس وأمر بإعادته شكرا على استخلاصه إياه ولأن الشارع لما أمرنا بالدعاء فيه
وأخبر بأنه حقيق بالإجابة سجدنا ثانيًا شكرًا على ذلك كما هو المعتاد فيمن سأل ملكًا شيئًا فأجابه قاله القفال من أئمتنا. قوله: (كبَّر) أي من غير رفع يد كما رواه البخاري ورواية إثبات الرفع عند الهوي ضعيفة وإن أخذ بها جمع (وهوي) بكسر
فمنها ما رويناه في "صحيح مسلم" من رواية حذيفة المتقدمة في الركوع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قرأ (البقرة) و (النساء) و (آل عمران) في الركعة الواحدة، لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، قال: ثم سجد فقال: "سُبحَانَ رَبِّي الأعلى" فكان سجوده قريبًا من قيامه.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت. كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحانَكَ اللَهُمَّ رَبنا وبِحَمْدِكَ، اللَهُمَّ اغْفِر لي".
وروينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها ما قدمناه في الركوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ".
وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قال: "اللَّهُم لَكَ سَجَدْتُ، وبكَ آمَنْتُ، ولكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ وصَوَّرَهُ،
ــ
الواو مصدره هوى بضم أوله وتشديد ثالثه أي إلى السجود فإن أخر التكبير عن ابتداء الهوي أو كبر معتدلًا أو ترك التكبير كره كما في الأم.
قوله: (فَمنها ما روينَاهُ في صحيح مُسْلمٍ إلخ) سبق تخريجه وكذا تخريج حديثي عائشة الذين بعده في أذكار الركوع. قوله: (فَقَال سبحانَ رَبي الأَعْلَى) قضية هذا إنه لا يتقيد التسبيح بعد نظير ما سبق في الركوع وتقدم عن المجموع إنه يحصل أصل سنة التسبيح فيه بنحو سبحان ربي الأعلى وقضيته هنا إنه يحصل أصل السنة بنحو سبحان ربي العظيم كما في الإيعاب وقد جاء في رواية فإذا سجد قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثًا وحينئذٍ فسبحان ربي الأعلى فيه للأفضلية فقط وقد ورد في رواية هنا وفي الركوع زيادة وبحمده ورواه الطبراني أيضًا كما تقدم بسطه.
قوله: (وَروَينا في صحيح مُسْلم أَيْضا عَنْ علي) وفي السلاح ورواه أبو داود والنسائي وفي رواية أبي داود والنسائي وإحدى روايات مسلم وصوره فأحسن صوره وأشار الحافظ إلى أن الطبراني أخرجه في كتاب الدعاء له. قوله: (سجد وجهي) بسكون الياء وفتحها أي ذاتي كما مر في وجهت وجهي أو المراد به الحقيقة أي خضع وذل وباشر بأشرف ما فيه مواطئ الأقدام والنعال وخص لأنه أشرف الأعضاء فإذا خضع فغيره
وَشق سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، تبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخالِقينَ".
وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدَّمناه في فصل الركوع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركوعَه الطويل يقول فيه: "سُبْحانَ ذِي الجَبرُوتِ وَالمَلَكُوتِ والكِبْرِياءِ
ــ
أولى. قوله: (وشَق سمعه وبصَرهُ) أي منفذهما إذ السمع ليس في الأذنين بل في مقعر الصماخ وفيه دليل على أن الأذنين من الوجه وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وقال
الشافعي هما عضوان مستقلان والمراد بالوجه في الخبر الذات ومنه ما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أو على حقيقته والإضافة فيه لأدنى ملابسة وهي المشارفة والمقاربة. قوله: (أحسَنُ الخالقينَ) أي المصورين والمقدرين أو حسن الخالقية وإلَّا فلا خالق أي موجد غيره قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وفي كتاب "روضة التحقيق في قصة يوسف الصديق"، قوله تعالى:({فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14] إن الخلق الذي يضاف إليه تعالى من ثلاثة أوجه بمعنى الإبداع والاختراع من العدم إلى الوجود ويكون شيء من لا شيء وبمعنى التغيير والتحويل من حال إلى آخر قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14] إلخ، أي حولناها من حالة إلى حالة وبمعنى التصوير فالخلق بمعنى الإحداث والاختراع هو الذي انفرد به قال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] أما الخلق الذي يدخل في باب المبالغة فبمعنى التحويز والتصوير نحو {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} أي المحوزين والمصورين اهـ. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه هذا ونحو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مشكل لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلَّا إلى جنسه وهنا ليس كذلك لأن الخلق من الله بمعنى الإيجاد ومن غيره بمعنى الكسب وهما متباينان والرحمة إن حملت على الإرادة صح المعنى لأنه يصير أعظم إرادة من سائر المريدين وإن جعلت من مجاز التشبيه وهو أن معاملته تشبه معاملة الراحم صح المعنى أيضًا لأن ذلك مشترك بينه وبين عباده وإن أراد إيجاد فعل الرحمة كان مشكلًا إذ لا موجد إلّا الله تعالى وأجاب السيف الآمدي إن معناه أنه أعظم من تسمى بهذا الاسم قال الشيخ وهذا مشكل لأنه جعل التفاضل في غير ما وضع اللفظ بإزائه وهذا يساعد المعتزلة ويصح على مذهبهم لأن الفاعلين عندهم كثيرون اهـ.
قوله: (وَرَوَينَا في الحدِيث الصحيح إلخ) تقدم تخريجه في أذكار الركوع وما في قول الشيخ إنه
والعَظَمَةِ، ثم قال في سجوده مثل ذلك".
وروينا في كتب السنن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وإذا سَجَدَ -أي أحدكم- فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ رَبي الأعلى ثلاثًا" وذلك أدناه.
وروينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: افتقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحَسَّسْتُ، فإذا هو راكع أو ساجد يقول:"سُبْحانَكَ وبِحَمْدِكَ لا إلهَ إلا أنتَ".
ــ
صحيح وبيان أن الحديث منقطع مع ذكر ما له من شاهد وكذا تقدم فيه تخريج الحديث الذي بعده المذكور في قوله وروينا في كتب السنن وهو حديث ابن مسعود. قوله: (وذلكَ أَدناهُ) أي أدنى الكمال أما أدنى السنة فيحصل بذلك مرة واحدة وأقصى الكمال إحدى عشرة مرة وأكمل صيغة سبحان ربي الأعلى وبحمده ويحصل بسبحان ربي العظيم كما تقدم عن الإيعاب وفي فتح الجواد في باب سجود السهو قال شيخنا ويحصل أصل السنة بسبحان ربي العظيم في السجود وسبحان ربي الأعلى في الركوع كما في المجموع هذا وقياسه الأول بل جاء في رواية اهـ.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلمٍ) وكذا رواه النسائي كما في السلاح وأخرجه الحافظ من طريق
عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبيه ومن طريق أبي نعيم في المستخرج ومدار سندهما عن عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء فما تقول أنت يعني في الركوع والسجود فقال أما سبحانك وبحمدك فأخبرني ابن أبي مليكة عن عائشة قالت افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فظننت إنه ذهب إلى بعض نسائه فتجسسته ثم رجعت فإذا هو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلَّا أنت فقلت بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي شأن وفي السند لطيفة رواية تابعي عن مثله عطاء عن أبي مليكة. قوله: (ذَاتَ ليلةٍ) كتب الطاهر الأهدل بهامش أصله ليلة النصف من شعبان وهذا التخصيص يحتاج إلى توقيف والله أعلم. قوله: (فتجسستُ) في النهاية التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير وقيل التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره وبالحاء المهملة إن يطلبه لنفسه.
قلت وعليه اقتصر الأهدل في حاشية نسخته هنا لأنه المطلوب في هذا المقام والله أعلم، وقيل بالجيم البحث عن العورات وبالحاء الاستماع وقيل معناهما واحد في تطلب معرفة الأخبار اهـ. وفي المشارق للقاضي عياض بعد نقل الأخير عن الحربي
وفي رواية في مسلم: "فوقعت يدي على بطن قدميه
ــ
إلَّا أنه قال معناهما متقارب ما لفظه وقيل التجسس بالجيم إذا تجسس بالخبر والقول والسؤال عن عورات الناس وأسرارهم وما يعتقدونه أو يقولونه فيه أو في غيره وبالحاء إذا تولى ذلك بنفسه وسمعه بإذنه وهذا قول ابن وهب وقال ثعلب بالحاء طلب ذلك لنفسه وبالجيم طلبه لغيره وقيل اشتق الحسس من الحواس لطلب ذلك منها وهذا كله ممنوع في الشرع اهـ. وفي المفهم للقرطبي هو بالحاء البحث عما يدرك بالحس بالعين أو بالأذن.
قوله: (وفي روايةٍ في مُسلم إلخ) قال الحافظ هو حديث آخر عن عائشة أيضًا ثم أخرجه الحافظ وقال بالسند إلى أحمد حدثنا حماد بن أسامة هو أبو أسامة عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد الحديث هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وفي السند لطيفة رواية صحابي عن مثله أبو هريرة عن عائشة اهـ، ولهذا الحديث طرق أخرى منها عند ابن خزيمة من رواية أبي النضر عن عروة عنها نحو حديث أبي هريرة وزاد في آخره أثني عليك ولا أبلغ كل ما فيك وسنده صحيح ومنها ما في جامع ابن وهب ووقع لنا في تعليق الخلعيات من طريق علي بن الحسين عنها وقال في آخره لا أحصي أسماءك ولا ثناء عليك وسنده ضعيف ومنها عند أبي يعلى من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه عنها وزاد فيه سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي وسنده ضعيف فيه لا يعرف وعطاء هو الخراساني لم يدرك عائشة وجاء عن عائشة في نحو هذا ألفاظ آخر منها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أين مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام
أحمد هكذا أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلَّا صالح بن سعيد فلم أجد له ذكرًا إلَّا في ثقات ابن حبان ومنها قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم في مضجعه فجعلت التمسه وظننت إنه أتى بعض جواريه فوقعت يدي عليه وهو ساجد يقول اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت أخرجه الحافظ من طريق ابن السني سنده صحيح وقد أخرجه أحمد اهـ. قوله: (فوقعَتْ يدِي على بطنِ قدمَهِ) استدل به من لم ير النقض باللمس وأجيب بمنعه لأن وقائع
وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: "اللهُم أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبِمُعافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ،
ــ
الأحوال الفعلية متى طرقها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال وهو هنا محتمل لكونه من وراء حائل فلا يعارض ما دل عليه قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] من النقض باللمس. قوله: (وهُو في المسجِدِ) هذا ما في صحيح مسلم وفي بعض نسخ المشكاة في السجدة وفي بعضها السجود. قوله: (وهمَا منصوبتَانِ) فيه نصب القدمين في السجود ويجب عندنا الاستقبال برؤوس أصابعهما ولا يحصل ذلك إلَّا إذا كان معتمدًا على بطونهما. قوله: (أَعوذُ بِرضاكَ منْ سَخَطِكَ إلخ) في حاشية السيوطي عن النسائي قال ابن خاقان البغدادي نقلا طلب الاستعانة من الله تعالى نقص في التوكل وقوله صلى الله عليه وسلم أعوذ برضاك من سخطك أي أنت الملجأ دون حائل حال بيني وبينك فصدق فقره إلى الله تعالى بالغيبة عن الأحوال وإضمار الخبر أي أسألك الرضا عوضًا عن السخط ذكره ابن باكويه الشيرازي في أخبار العارفين اهـ، وقال الخطابي كما نقله عنه المصنف في شرح مسلم مع زيادات فيه من كلام غيره في هذا معنى لطيف وذلك إنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته وأتى بالمفاعلة مبالغة وصرح بهذا مع تضمن الأول له لأن الإطناب في مقام الدعاء محمود ولأن المطابقة أقوى من التضمن ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لحق الغير فكان التصريح بذلك لا بد منه والرضا والسخط ضدان متقابلان وكذا المعافاة والعقوبة فاستعاذ من أحد الضدين بالآخر وفيه تدل لما فيه من الانتقال من صفات الذات إلى صفات الأفعال وفي رواية عكسه ليكون من باب الترقي إذ صفات الذات أجل وأفخم وإنما استعاذ بصفات الرحمة لسبقها وظهورها من صفات الغفحب ثم لما ترك النظر إلى الأكوان وترقى مما له ضد صار إلى ذكر ما لا ضد له فني عن جميع صفاته وارتقى إلى مشاهدة ذاته وأحسن التجريد بإظهار التوحيد فاستعاذ به منه لا غير فقال. قوله:(وأَعوذُ بكَ) مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق وهذا محض العرفان الذي لا يعبر عنه قول ولا يضبطه صفة ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من عبادته والثناء
لا أحْصِي ثَنَاء عَلَيْكَ، أنْتَ كما أثْنَيتَ عَلى نَفْسِكَ".
ــ
عليه ثم لما تم قرب شهوده الذات وحدها استحى من الإتيان في هذا المقام لولا الخوف المزعج لباطنه والمخرج لكامنه بلفظ الإعاذة فانتقل منه إلى غاية الثناء وهي الاعتراف بالعجز والقصور عن إحصاء أدنى ذرة منه فقال. قوله: (لَا أُحصي ثناءً عليْكَ) أي لا أطيق أن أعد أو أحصر وأصل الإحصاء العد بالحصى لأنهم معتمدون في عندهم عليه كاعتمادنا فيه على الأصابع، ثناء عليك أي فردًا من أفراد الثناء الذي يلزم من العجز عن إحصائه أي ضبطه العجز عن ضبط ما زاد عليه ولذا نكر ثناء ليدل على العجز عن ضبط فرد من أفراد الثناء الواجب لك عليّ في كل لحظة وذرة إذ لا يخلو لمحة قط من وصول إحسان منك إليّ في كل ذرة من تلك الذرات فلو
أردت أن أحصي ما في طيها من النعم لعجزت لكثرتها جدًّا ({وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وروى مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك وإن اجتهدت في ذلك فأنا المقصر في شكر نعمك العاجز عن القيام بشيء من حقوقك فأسأل رضاك وعفوك وقيل المراد لا أطيق الثناء عليك أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي وهذا أولى للحديث المذكور ولقوله في الحديث أنت كما أثنيت على نفسِك ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عندما ظهر له من صفات جلاله تعالى وكماله وحمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته ما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحمله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام ولذلك قال الصديق الأكبر العجز عن درك الإدراك إدراك وقال بعض العارفين سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته اهـ. ثم. قوله: (أَنتَ كمَا أَثنيْتَ إلخ) قيل أنت فيه تأكيد للكاف في قوله عليك لأن المقام للإطناب والتقدير لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت إلخ. قال ابن الجزري ولا يخفى ما فيه فقد روى النسائي في اليوم والليلة من حديث علي كرّم الله وجهه ولفظه لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولكن أنت كما أثنيت على نفسك فبطل ذلك التمحل اهـ، وقيل أنت مبتدأ على حذف مضاف تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانفصل وارتفع ذكره ابن عبد السلام جوابًا عما استشكل به ظاهر الخبر من تشبيه
وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فأما الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيه الرب، وأما السجُودُ، فاجْتَهِدوا فيه بالدُّعاءِ فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".
يقال:
ــ
ذاته تعالى بثنائه وهما في غاية التباين وقيل إنه مبتدأ خبره محذوف أي أنت القادر على أن تحصي الثناء على ذاتك أو خبره متعلق الظرف بعده والكاف قيل بمعنى على وهو ما جرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال أنت الباقي الدائم المستمر كما أي على الأوصاف العلية الجليلة التي أثنيت بها على نفسك اهـ. وقال الطيبي "ما" فيه يحتمل أن تكون موصولة أو موصوفة والكاف بمعنى مثل كهي في مثل ({لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11] أي أنت الذات الذي له صفات الجلال والإكرام والعلم الشامل والقدرة الكاملة تعلم بالعلم الشامل صفات كمالك وتقدر بقدرتك أن تحصي ثناء نفسك فنفى في قوله لا أحصي ثناء عليك عن نفسه القدرة على ذلك اعترافًا بالعجز والقصور وأثبتها لله في قوله أنت كما أثنيت على نفسك إجلالًا وإعظامًا له وذلك إن صفات الجلال والجمال لا نهاية لها فلا تدرك ولا تطاق إلّا بعلم وقدرة لا نهاية لهما وهذا الثناء أي قوله أنت كما أثنيت على نفسك يجوز أن يكون بالقول كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 2 - 4] وبالفعل كما في قوله تعالى: ({شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ} [آل عمران: 18] وحاصله أن الكاف بمعنى مثل وأنها زائدة وإن ما مع ذلك محتملة لكونها موصولة أو موصوفة قيل فيكون التركيب على الوجه الأول على حد.
أنا الذي سمتني أمي حيدره
ونظر فيه ابن حجر في شرح المشكاة بأن فيه بعدًا أي بعد وتكلفًا أي تكلف قال وما ذكره من تفسيره أثنيت بقوله أنت الذات إلخ. لا يطابق اللفظ كما هو ظاهر جلي اهـ، وفيه أن قوله أنت الذات
إلخ، ليس تفسيرًا لأثنيت إنما هو تفسير لحاصل الكلام الحاصل مما ذكر من كون الكاف زائدة وما
موصولة والمطابقة عليه جلية.
قوله (وَرَوَينَا في صحيحِ مُسلم عَنِ ابْنِ عباس إلخ) تقدم تخريجه في فصل تكره القراءة في الركوع والسجود وله شاهد من حديث علي ولفظه قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركعتم فعظموا الرب وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه البزار وقال لا نعلمه عن علي
قمن بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة: قمين، ومعناه: حقيق وجدير.
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ ربهِ وَهُوَ ساجِدٌ،
ــ
مرفوعًا إلَّا بهذا الإسناد قال الحافظ والمنفرد به ضعيف اهـ. قوله: (قمنٌ بفتحِ الميم) وهو حينئذٍ مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث (وكسرِها) أي وهو وصف يثنى ويجمع ويؤنث وكذَا القمين بالياء. قوله: (ومعناه حَقيق وجدير) وكذا يقال حرى وأهل وعسى.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مُسلم) وكذا رواه أبو داود والنسائي بهذا اللفظ وكذا روي من ذكر حديث أبي هريرة الذي بعده قاله الحافظ والدعاء الذي فيه قال في الإيعاب صرح غير واحد بأنه أفضل أدعية السجود اهـ. قوله: (أَقربُ ما يكونُ العبدُ منْ ربه) أي أقرب أكوانه من رضا ربه وعطفه وعطائه حاصل إذا كان أي وجد (وهُو ساجد) فأقرب مبتدأ وما مصدرية صلتها يكون وحاصل خبره وإذا ظرف متعلق به وكان تامة وجملة وهو ساجد سدت مسد الخبر المحذوف وجوبًا لقيام جملة الحال مقامه ولا يجوز أن تكون الجملة خبرًا لكان المحذوفة قال في المغني وهذا من أقوى الأدلة على أن انتصاب قائمًا في ضربي زيدًا قائمًا على الحال لا على الخبر لكان محذوفًا إذ لا يقترن الخبر بالواو اهـ. قال الدماميني حكى الرضي اقتران خبر الأفعال الناقصة بالواو لكنه قليل اهـ. ثم المفضل عليه محذوف وإسناد الأقربية إلى الوقت مجاز وتقديره إن للعبد حالين في العبادة كونه ساجدًا وكونه غير ساجد فهو حالة السجود أقرب إلى ربه من نفسه في غير حالة السجود وتفضيل الشيء على نفسه باعتبارين كثير شائع والقرب كما أشرنا إليه قرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة والمساحة لأنه تعالى منزه عن الزمان والمكان قال القاضي بدر الدين بن جماعة في كلام له فالحديث تمثيل لقرب العبد من ربه ورحمته وإجابة دعائه ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد اهـ، وفي حواشي سنن النسائي للحافظ السيوطي قال البدر بن الصاحب في تذكرته في الحديث إشارة إلى نفي الجهة على الله تعالى فإن العبد في انخفاضه غاية الانخفاض يكون أقرب ما يكون إلى الله تعالى اهـ. ثم الحديث على وفق قوله تعالى: ({وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] قال الواحدي اسجد أي صل واقترب إليه بالطاعة ثم
فأكْثِرُوا الدعاءَ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده:"اللهُم اغْفِر لي ذَنبي كُلَّهُ دِقَّهُ وجلهُ، وأوَّلهُ وآخِرَهُ، وعَلانَيَتَهُ وَسِرَّهُ" دقه وجله: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره.
واعلم أنه يستحب أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكَّن منه في وقت أتى به أوقات، كما قدمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويقدم التسبيح، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه وباقي الفروع.
فصل: اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه: القيام أفضل.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
أورد الحديث المذكور قال العراقي في شرح الترمذي ذكر من حكمة ذلك أمور "أحدها"
إن العبد مأمور بإكثار الدعاء في السجود كما في تتمة الحديث والله تعالى قريب من السائلين كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]"الثاني" إن حالة السجود حالة خضوع وذل وانكسار لتعفير الساجد وجهه في التراب ولذا قال ابن مسعود ما حال أحب إلى الله تعالى أن يجد العبد فيه من أن يجده عافرًا وجهه رواه الطبراني في الكبير بسند حسن ومثله لا يقال من قبل الرأي "الثالث" السجود أول عبادة أمر الله بها بعد خلق آدم فكان المتقرب بها إلى الله أقرب منه في غيره "الرابع" إن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصي الله به من التكبر في السجود اهـ. قوله: (فأكثِروا الدعاءَ) أي فيه فإن ذلك القرب سبب لكل مغنم. قوله: (واعلم أَنهُ يُستحب أَنْ يجمَعَ في سجودِه إلخ) قال الحافظ لم أر ذلك صريحًا في حديث ولعله أخذه من الأحاديث المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم أطال السجود ولم يكن يطيله إلَّا بالذكر فاحتمل أن يكرر واحتمل أن يجمع والثاني أقرب لكن على هذا لا يختص بما ذكره الشيخ بل يضم إلى جميع ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قاله في سجوده وكذا ما ورد عنه من أدعية الصلاة فإنه منحصر في السجود وفيما بين التشهد والسلام اهـ، ولا يرد عليه ما تقدم من إنه صلى الله عليه وسلم دعا في ركوعه بقوله رب اغفر لي لأنه فيه يسير جدًّا فلقلته لم يتعرض لذكره.
فصل
قوله: (فمذهبُ الشافعي إلخ) ثم الأفضل بعده إطالة السجود ثم الركوع
في الحديث في "صحيح مسلم": "أفضل الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ" ومعناه: القيام، ولأن ذكر القيام هو القرآن، وذكر السجود هو التسبيح، والقرآن أفضل، فكان ما طول به أفضل. وذهب بعض العلماء إلى أن السجود أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:"أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ ربهِ وَهُوَ ساجِدٌ".
قال الإمام أبو عيسى الترمذي في كتابه: اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: طول القيام في
ــ
لخبر أقرب ما يكون العبد إلخ، خرج منه تطويل القيام لما ذكر فيه فبقي على عمومه فيما عداه وفي التحفة والحاصل أن تطويل القيام أفضل من تكرير السجود فإذا استوى الزمان فالمصروف لطول القيام أفضل من المصروف لتكرير السجود وإطالة القيام أفضل من تكثير الركعات هذا وقد اختلف أصحابنا فيما إذا طول القيام والركوع والسجود ونحوها كوقوف عرفة هل يثاب على الجميع ثواب فرض أو نفل فقال كثير بالأول وهو أليق بسعة الفضل وقال كثيرون بالثاني وهو أرجح حيث أمكن تمييز الفرض من غيره بخلاف بعير مخرج عن خمس من الإبل.
قوله: (في الحدِيثِ الصحيحِ في صحيحِ مُسْلمٍ) رواه فيه عن جابر وكذا رواه عنه أحمد والترمذي وابن ماجة ورواه الطبراني من حديث أبي موسى وعمرو بن عبسة وعمير بن قتادة الليثي كما في الجامع الصغبر للحافظ السيوطي وقد ذكر الحافظ في جملة من خرجه ابن خزيمة وقد أشار المحب الطبري إلى الاعتراض على الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب أي أفضلية طول القيام في الصلاة على كثرة السجود لأن لفظ القنوت وإن أورد بمعنى القيام قد ورد بمعنى الخشوع فليس الحمل على أحدهما بأولى من الآخر لكن ورد في خبر آخر حسن عند أحمد وأبي داود وغيرهما بلفظ القيام فترجح الحمل عليه وأولى ما فسر الحديث بالحديث اهـ. قوله: (ومعناهُ القيَامُ) أي معناه هنا القيام ويطلق القنوت على الطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادات وعلى طول القيام والسكوت وينصرف لكل منهما بحسب القرينة اللائقة به. قوله: (وذَهبَ بعضُ العلمَاءِ إلى أَن السجودَ أفضَلُ)
الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: روي فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقض فيه أحمد بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار، فكثرة الركوع والسجود، وأما بالليل، فطول القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إلي لأنه يأتي على حزبه، وقد ربح كثرة الركوع والسجود. قال الترمذي: وإنما قال إسحاق هذا
لأنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ووصف طول القيام، وأما بالنهار، فلم يوصف من صلاته صلى الله عليه وسلم من طول القيام مما وصف بالليل.
ــ
عبارة المصنف في شرح مسلم أحدها أي الأقوال أن تطويل القيام وتكثير الركوع والسجود أفضل حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة وممن قال بتفضيل السجود ابن عمر وقال قبل ذلك وفي الخبر دليل لمن يقول السجود أفضل من القيام اهـ. وفي التحفة لابن حجر وكون المصلي أقرب ما يكون من ربه إذا كان ساجدًا إنما هو بالنسبة لاستجابة الدعاء فيه فلا ينافي أفضلية القيام اهـ. قوله: (وقَال أَحمدُ رُويَ فيِهِ حديثَانِ) قال الحافظ أشار إلى حديثي أفضل الصلاة القنوت وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ويحتمل أن يكون أراد بالثاني الحديث الوارد في الترغيب في كثرة السجود وهو حديث ثوبان مرفوعًا عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلَّا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة الحديث عند مسلم وغيره وقد ورد هذا المعنى من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة. قوله: (وقَال إسْحاقُ) يعني ابن زاهويه كما في شرح مسلم للمصنف. قوله: (قَال الترمذِي وإنمَا قَال إِسْحاقُ إلخ) قال ابن الجوزي وهذا هو الصحيح لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم طول قيام في صلاة النهار والسر في ذلك أن القيام إنما يراد للقراءة والقراءة إنما تراد للتفكر فالقلب يخلو بالليل عن الشواغل فيحصل المقصود من التلاوة بخلاف النهار اهـ. وقال
فصل: إذا سجد للتلاوة، استحب أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة، ويستحب أن يقول معه:
"اللهُم
ــ
ابن القيم في الهدي النبوي
وقالت طائفة طول القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود في النهار أفضل واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام كقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 2] وقال من قام رمضان إلخ، ولذا يقال قيام الليل ولا يقال قيام النهار قالوا وكان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي الركعة في بعض قيامه بالبقرة والنساء وآل عمران وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك بل كان يخفف السنن اهـ.
فصل
قوله: (ويستَحب أَنْ يقولَ معه إلخ) قال في السلاح وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا وضع عني بها وزرًا واجعلها لي عندك ذخرًا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام قال الحسن قال لي ابن جريج قال لي جدك قال ابن عباس فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجة والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم هو من شرط الصحيح اهـ. قال المنذري في الترغيب بعد ذكر من ذكر من مخرجيه سوى الحاكم ما لفظه كلهم رووه عن محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه وخنيس بضم المعجمة وفتح النون وسكون التحتية بعدها سين مهملة والحسن قال بعضهم لم يرو عنه غير محمد بن يزيد وقال العقيلي لا يتابع على حديثه قال الحافظ ابن حجر ومحمد بن يزيد شيخ مكي قال أبو حاتم الرازي كتبنا عنه بمكة وذكره ابن حبان في الثقات قال وربما أخطأ وأخرج مع ذلك حديثه في صحيحه ثم حديث ابن عباس هذا قال فيه الحافظ حديث حسن وعلى حديث ابن عباس اقتصر الشيخ المصنف كما سيأتي في قوله "وأما قوله اللهم اجعلها عندك ذخرًا الخ" قال الحافظ المنذري
اجْعَلْها لي عِنْدَكَ ذُخْرًا وأعْظِمْ لي بِهَا أجْرًا، وَضَعْ عَني بِها وزرًا، وتَقَبلْها مِني كما تَقَبلْتَهَا مِنْ داوُدَ عليه السلام".
ــ
وروي الحديث أي حديث ابن عباس أبو يعلى والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري قال رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة وكأن الشجرة تقرأ ص فلما أتت على السجدة سجدت وقالت في سجودها اللهم اغفر لي بها اللهم حط عني بها وزرًا وأحدث لي بها شكرا وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال سجدت يا أبا سعيد قلت لا قال فأنت أحق بالسجود من الشجرة ثم قرأ سورة ص ثم أتى على السجدة فسجد وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها وفي إسناده يمان بن نصر ذكره الذهبي في الميزان وقال بيض له ابن أبي حاتم فهو مجهول.
قلت كلا قد روى عنه عمرو بن علي والجراح ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات ولكن شيخه يعني عبد الله بن سعيد بن المدني ما عرفته والعلم عند الله اهـ. قلت وكذا أخرجه ابن السني من حديث أبي موسى الأشعري قال رأيت في المنام كأني في ظل شجرة ومعي دواة وقرطاس وأنا أكتب من أول ص حتى بلغت السجدة فسجدت الدواة والقرطاس والشجرة وسمعتهن يقلن في سجودهن اللهم احطط بها وزرًا وأحرز بها شكرًا وأعظم بها أجرًا الحديث ولم يذكر في آخره إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك اهـ. قوله: (اجعلها لي عندك ذخرًا) أي اجعل السجدة المدلول عليها بالفعل باعتبار ثوابها والذخر بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين ما يدخر والمراد ذخرا في غاية الشرف والعظمة كما أفادهما عندك وسيأتي في أذكار الصلاة في قوله فاغفر لي مغفرة من عندك ما يزيد هذا المقام وضوحا. قوله: (وأَعظمْ لِي بهَا) أي بسببها أو بدلها أو مقابلها وفي لفظ الحديث واكتب لي بها عندك أجرًا وكررت في الخبر مع أن مضمونها مرادف لمضمون اجعلها لي عندك ذخرًا لأن مقام الدعاء مقام إطناب ويصح أن يكون هذا غير ذاك لأن هذا فيه طلب كتابة الأجر وذاك فيه طلب بقائه سالما من محبط أو مبطل. قوله: (كمَا قَبلْتها منْ عَبدَكَ دَاودَ) لا يقال فيه إيماء إلى إن سجدة ص للتلاوة لأنا نقول هو مسلم لو لم يعارضه ما هو صريح في أنها سجدة شكر من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ونحن نسجدها شكرًا ثم داود يكتب بواو واحدة وما
ويستحب أن يقول أيضًا: "سُبْحانَ رَبنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبنا لَمَفْعُولا" نص الشافعي على هذا الأخير أيضًا.
روينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَذي خَلَقَهُ، وَشَق سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَولِهِ وَقوَّتِهِ" قال الترمذي: حديث صحيح،
ــ
أحسن قول بعض الأدباء:
إنما كان ضرب زيد لعمرو
…
في اصطلاح النحاة قولًا ورسما
أن داود قال يا زيد عمرو
…
أخذ الواو من حروفي ظلما
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي عسر علي في هذا الحديث إن يقول أحد ذلك فإن طلب قبول مثل ذلك القبول وأين ذلك اللسان وأين تلك النية قال الجلال السيوطي ليس المراد المماثلة من كل وجه بل في مطلق القبول وقد ورد في دعاء الأضحية كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومحمد نبيك وأين المقام من المقام ما أريد بهذا إلَّا مطلق قبول وفيه ايماء إلى أن الإيمان بهؤلاء الأنبياء وإذا ورد الحديث بشيء اتبع ولا إشكال اهـ.
قوله: (ويستَحب أَنْ يقُولَ أَيضًا سبحانَ ربنا إلخ) قال الحافظ سبق الشافعي إلى ذلك سعيد بن أبي عروبة وكان أحد فقهاء البصرة وأدرك بعض الصحابة وأخرجه ابن أبي شيبة من طريقه ولا يعترض بالنهي عن القراءة في السجود لأنه يحمل على إرادة التلاوة كما في الذي قبله يعني قوله في حديث الحاكم {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] اهـ.
قوله: (رَوَينْا في سنَنِ أَبِي داوُدَ إلخ) قال في السلاح بعد أن أورده باللفظ المذكور هنا وفيه بعد
وخلقه "وصوره" كما هي في بعض النسخ المصصحة ملحقة: ما لفظه رواه أبو داود والترمذي والنسائي واللفظ له والترمذي وقال حسن صحيح ولفظ أبي داود يقول في السجدة مرارًا ورواه الحاكم في المستدرك وزاد فيه {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14] وقال صحيح على شرط الشيخين اهـ، وكلامه ظاهر في أن من ذكر رووا قوله وصوره لكن راجعت نسختين