الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روينا في "صحيح مسلم" عن علي رضي الله عنه قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا".
وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألا وإني نُهِيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ راكعًا أوْ ساجدًا".
باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله
والسنة أن يقول حال رفع رأسه: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدهُ،
ــ
مقام مقالًا يليق به ولا يتعداه ولا يشتغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيحِ مسلم إلخ) لفظه نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ولمسلم في رواية أخرى عن علي نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا قال الحافظ أخرجه مسلم وابن حبان.
قوله: (وَرَوَينَا في صحيح مسلم أَيضا) هو من حديث لفظه قال أي ابن عباس كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلّا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أر ترى له ألا وأني نهيت أن أقرأ وأنا راكع أو ساجد فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن إن يستجاب لكم قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه أحمد وهذا لفظه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي اهـ، وذكر الحافظ في باب أذكار السجود شاهدًا لحديث ابن عباس من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا إذا ركعتم فعظموا الرب وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فقمن إن يستجاب لكم وقال الحافظ بعد تخريجه من طرق هذا حديث غريب أخرجه البزار في مسنده قال البزار لا نعلمه عن علي مرفوعًا إلَّا بهذا الإسناد قال الحافظ المنفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف اهـ.
باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله
قوله: (السنةُ أَنْ يقولَ حال رفع رَأْسهِ) أي مع رفع يديه كما في التحرم ويكون مع بدو رفع رأسه. قوله: (سَمعَ الله لمَنْ حمدَهُ) أيَ تقبل الله منه حمده وجازاه عليه وقال المصنف معنى سمع أجاب
ولو قال: من حمد الله سمع له، جاز، نص عليه الشافعي في "الأم" فإذا استوى قائمًا قال: "رَبنا لكَ الحَمْدُ
ــ
أي من حمد الله متعرضًا لثوابه استجاب له وأعطاه ما تعرض له وفي البدر المنير لابن الملقن وضع سمع موضع أجاب لأن ما لا يجاب كأنه غير مسموع وجاء في بعض الأحاديث ودعاء لا يسمع أي لا يعتد به ولا يجاب فكأنه غير مسموع قاله ابن الأنباري. قوله: (وَلَو قَال مَنْ حمِدَ الله سمعَ الله لَه جازَ) أي لكن الأول أفضل لورود السنة به وكذا يجوز من حمد الله سمعه، إنما أجزأ غير الوارد مما ذكر لتضمنه لفظ الوارد ومعناه وبه فارق الله أكبر. قوله:(قَال ربَّنا لكَ الحمدُ إلخ) أو ربنا ولك الحمد وعن المصنف والرافعي إن ما في المتن أولى وفي المجموع عن الشافعي والأصحاب الثاني أولى لصحة الحديث بكل منهما مع زيادة الثاني فإنه يجمع معنيين الدعاء والاعتراف أي ربنا استجب لنا ولك الحمد على هدايتك إيانا وعلى إن الواو عاطفة لا زائدة خلافًا للأصمعي.
فإن قلت يلزم على ما ذكر عطف الخبر على الإنشاء وهو ممتنع.
قلت أجازه جمع نحويون وغيرهم وبتقدير اعتماد ما عليه الأكثر من امتناعه فالخبر هنا بمعنى إنشاء الحمد وإيجاده لا الإخبار بأنه موجود إذ ليس فيه كبير فائدة وقال المصنف في شرح المهذب ربنا أطعنا وحمدنا لك الحمد وهو أولى مما قبله لسلامته مما ذكر هو وقال الحافظ اختلف في تخريج الواو فقيل هي عاطفة على شيء محذوف وعليه اقتصر ابن دقيق العيد وقيل حالية وجزم به في النهاية
وقيل زائدة ومقتضى قول المصنف إن كلا منهما حسن ويحتمل إنه لا يرى زيادتها والعلم عند الله اهـ. قال الأذرعي وغيره وروايات إثباتها أصح وأكثر وعبارة المجموع وثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة ربنا ولك الحمد بالواو وفي روايات اللهم ربنا ولك الحمد وكله في الصحيح انتهت وبها يرد على من زعم إن اللهم ربنا إلخ. لم يصح على أنه في البخاري من رواية الأصيلي عن أبي هريرة مرفوعًا إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد اهـ، وقد يؤخذ منها مع ما مر من التعليل بالزيادة إن اللهم ربنا ولك الحمد أفضل من الثاني إلا أن يجاب بأن زيادة هذا لا تقتضي زيادة في المعنى ولو قال لك الحمد ربنا أو الحمد لربنا حصل أصل
حمْدًا كَئِيرًا طَيبًا مُبارَكًا فيهِ، مِلْءَ السماوَاتِ، ومِلْءَ الأرْضِ، ومِلْءَ ما بَيْنَهُما، ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ، أهْلَ الثنَاءِ والمَجْدِ، أحَق ما قال العَبْدُ،
ــ
السنة لأنه أتى باللفظ والمعنى كما تقدم في التسميع. قوله: (حمدا كثيرًا طَيبًا مبارَكًا فيهِ) ذكره كذلك في التحقيق، والمجموع قيل وهو غريب أي من حيث النقل وإلّا فقد صح دليله كما يأتي وزيد في بعض الروايات مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى قال الحافظ ابن حجر أما قوله مباركًا عليه فيحتمل أن يكون تأكيدًا وهو الظاهر وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ولما كان الحمد يناسب المعنيين جمعهما كذا قرره بعضهم وأما قوله كما يحب ربنا ويرضى ففيه من جنس التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد ذكره ميرك. قوله:(مِلْءَ السموَاتِ إلخ) قال الخطابي هو تمثيل وتقريب والمراد تكثير العدد حتى لو قدر ذلك أجسامًا ملأ ذلك كله ولحتمل أن يكون المراد بذلك أجرها وقال غيره المراد بذلك التعظيم لقدرها لا كثرة عددها كما يقال هذه كلمة تملأ طباق الأرض وكان ابن خالويه يرجح فتح الهمزة من ملء والزجاج يرى الرفع فيها أيضًا وكلاهما جائز فالأول على الحال أي مالًا بتقدير جسمه السموات إلخ، وهو المعروف في روايات الحديث كما قاله المصنف في شرح المهذب وعزاه إلى الجمهور والثاني على أنه صفة أو خبر مبتدأ محذوف. قوله:(ومَا بينَهُما) هذه الجملة في رواية لمسلم ولعل تركها لإرادة العلويات والسفليات منهما وهي شاملة لما بينهما لأنه لا يخلو عنهما. قوله: (ومِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شيْءٍ بعدُ) قال القرطبي بعد ظرف قطع عن الإضافة مع إرادة المضاف إليه وهو السموات والأرض مبني على الضم لأنه أشبه حرف الغاية الذي هو منذ والمراد بقوله من شيء بعد العرش والكرسي ونحوهما مما في مقدور الله تعالى ويخلق ما لا تعلمون. قوله: (أَهلَ الثنَاءِ) بالنصب على الاختصاص أو منادى حذف حرف ندائه أو على المدح أو على أنه وصف المنادى وجوز رفعه على كونه خبر مبتدأ محذوف أو عكسه أي أنت أهل الثناء عليك وأطلق الثناء لاختصاصه عند الجمهور بالحسن وضده يقال فيه ثناء بتقديم النون والمجد غاية الشرف وكثرته وروي الحمد حكاها عياض وليست بمعروفة. قوله: (أَحق مَا قَال العَبدُ إلخ) أحق مبتدأ خبره قوله لا مانع إلخ، وما بينهما اعتراض والواو الداخلة عليه واو الاعتراض
وكُلنا لكَ عَبْد، لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ،
ــ
ويحتمل كما في المجموع عن ابن الصلاح أن يكون أحق خبر ربنا لك الحمد أي هذا الكلام أحق قول أو خبر لمبتدأ محذوف أي أنت أحق بما قال لك العبد من المدح فيكون جملة لا مانع إلخ، دعاء آخر ورجحان الأول أولى لما فيه من كمال التفويض وجوز الحنفي في أحق النصب أيضًا وهو مخالف للرواية والدراية وهو بالهمزة في أحق
وقال ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير وقع في المهذب إسقاط ألف أحق وواو وكلنا وهو كذلك في رواية النسائي وهو يدفع قول شرح المهذب الذي رواه سائر المحدثين بإثباتهما والواقع في كتب الفقه بإسقاطهما وقد تعرض القاضي حسين في تعليقه للروايتين اهـ، وذكر مثله الزركشي ثم "ما" يحتمل أن تكون موصولة وإن تكون موصوفة وإن تكون مصدرية وأل في العبد للجنس أو للعهد والمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله:(وكلنا لَكَ عبدٌ) الجملة معترضة أي على إثبات الواو نافية لتوهم إن أل في العبد عهدية ومثبتة أنها استغراقية كذا قيل وأقول يجوز كون أل فيما سبق عهدية وأتى بهذه الجملة تنبيهًا على إنه تعالى مالك لجميع العباد فإليه يرجع الأمر كله وحكم أمته في العبادات اتباعه ما لم يرد ما يدل على التخصيص وعلى حذف الواو فالظاهر أنها خبر عن قوله أحق قال السبكي ولم يقل عبيد مع عود الضمير على جمع لأن القصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد اهـ، وقال غيره يحتمل إنه قال ذلك موافقة لقوله تعالى ({إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 93] كما أنه قال لا أحصي ثناء عليك موافقة لقوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وقال: وابعثه (مَقَامًا محمُوَدًا)[الإسراء: 79] على إحدى الروايتين موافقة لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79] ويحتمل إنه للمح الأصل وهو آدم أو البشر إذ يجوز أن يطلق على الأشياء لفظ واحد وإن كثرت إذا كان أصلها واحدًا كأنه قال إنا وإن كثرت قبائلنا كعبد واحد لأنا اجتمعنا في صلب واحد قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأنعام: 98] قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] وخلق منها زوجها. قوله: (لَا مانع) ووقع في رواية النسائي بلفظ لا نازع لما أعطيت وهذا وما بعده على وفق قوله تعالى {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] ولكن قوله لا مانع أحسن لحسن
ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَد مِنْكَ الجَدُّ".
ــ
المقابلة اللغوية المسماة بالطباق لا سيما مع قرينته المقلوبة وقال القلقشندي لا مانع لما أعطيت أي أردت إعطاءه فإن من أعطى شيئًا لا مانع له إذ الواقع لا يرتفع. قوله: (وَلَا مُعطِيَ لمَا منعتَ) بفتح الياء وكذا العين في قوله لا مانع واستشكل بأن اسم لا إذا كان شبيهًا بالمضاف لا يعرب ولا يبنى لكن حكى الفارسي في الحجة أن أهل بغداد يجرون المطلول مجرى المفرد فيبنونه فيتخرج عليه الحديث وجوز عليه الزمخشري في (لَا تثريبَ عَلَيكمُ)[يوسف: 92] إن يتعلق عليكم بلا تثريب ورده أبو حيان بأنه مطول وهذا جوابه وجوز ابن كيسان في المطول التنوين وعدمه قال وتركه أحسن قال الزمخشري في الفائق وروي انطيت ولا منطي بالنون فيهما والإنطاء الإعطاء بلغة بني سعد وقال في موضع آخر أنها لغة أهل اليمن اهـ. قوله: (وَلَا ينفَعُ ذا الجَد منْكَ الجَدُّ) قال القرطبي رواه الجمهور بفتح الجيم باللفظين وهو بمعنى الحظ والبخت وقال ابن الجزري في التصحيح كذا ضبطه المتقدمون والمتأخرون ومن بمعنى عند أي لا ينفع ذا الغني عندك غناه وحظه فلا يعيذه من العذاب ولا يفيده شيئًا من الثواب وإنما النافع ما تعلقت به إرادتك فحسب أو سلوك سبيل رضاك والكف عما يسخطك وأيد بما ورد في الحديث عند ابن ماجة في سننه من حديث أبي جحيفة إن جمعًا من المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تذاكروا فيما بينهم الجدود فقال بعضهم جدك في النخل وقال الآخر
جدك في الإبل وقال الآخر جدك في كذا فسمع به النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضي صلاته ورفع رأسه من آخر الركعة قال هذا الذكر اللهم ربنا لك الحمد إلى قوله منك الجد وطول صلى الله عليه وسلم صوته بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون قيل فإن صح فهو الوجه لا معدل عنه إلَّا أن فيه مقالًا ولو صح فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل من بمعنى بدل على حد {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} [الزخرف: 60] الآية أي بدلكم أي لا تنفع الحظوظ بدل طاعتك أو توفيقك إنما النافع طاعتك وثوابها لا غير قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88 - 89] أي من الشرك أو مما سوى الله وقيل إنه على حذف مضاف أي لا ينفعه من قضائك أو سطوتك أو عذابك قال ابن دقيق العيد ينبغي أن يعلق قوله منك بقوله ينفع ويضمن معنى يمنع وما قاربه أي كيدفع اهـ، وقيل المراد يالجد الأصل أي لا ينفع أحدًا نسبه لقوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم:"رَبنا لكَ الحَمْدُ".
ــ
يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: 101] وفي الحديث ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وقيل المراد إن صاحب الحظ العظيم لا ينفعه حظ بدون عناية مولاه وإسعافه إذ نفع الحظ خيره وناسب ما قبله المفهوم منه أن معطي الحظ ومانعه هو الله تعالى إعلامًا بأن الحظ المعطى لا ينتفع به المعطى إلَّا إن جعل الله فيه نفعًا وإلَّا فكم من ذي حظ عظيم مالًا وعلمًا لا ينفعه ماله ولا علمه لإرادته تعالى حرمانه وخذلانه ومن ثم كان الاعتزاز بالأحوال فضلًا عن الأموال موجبًا للانحطاط عن معالي الكمال وللخسارة والبوار والنكال أعاذنا الله من ذلك وقيل لا ينفع معطوف على ما قبله أي لا ينفع عطاؤه وذا الجد منادى أي يا ذا الغني والعظمة منك الجد لا من غيرك ويحتمل أن يكون المعنى لا يسلم من عذابك الجد أي الغنى فيكون على حذف مضاف وحكى الشيباني في الحرفين كسر الجيم وقال معناه لا ينفع ذا الاجتهاد والعمل منك اجتهاده وعمله وأنكره الطبري قال القرطبي هذا خلاف ما عرفه أهل النقل ولا نعلم من قاله غيره وضعفه وقال غيره المعنى الذي أشار إليه الشيباني صحيح ومراده أن العمل لا ينجي صاحبه إنما النجاة بفضل الله ورحمته كما جاء في الحديث لن ينجي أحدًا منكم عمله وهذا أولى مما قيل لعل مراده الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع الآخرة لبعده عن المقام وفي الخلاصة للمصنف وروي بكسرها أي الهرب وفي السلاح وروي بكسر الجيم من الاجتهاد في الرزق أي لا ينفعه ذلك مما كتب له اهـ.
قوله: (روينا في صحيح البخَاري ومُسلْم إلخ) كذا في نسخة مصححة روينا بحذف الواو وفي أخرى بإثباتها قال الحافظ هو طرف من حديث وهو كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد أخرجه مسلم بطريقين وأخرجه البخاري بمثله لكن قال لك الحمد بغير واو. قوله: (صُلْبهُ) هذا لفظ الحديث في الصحيحين ووقع في نسخة شامية "رأسه" بدل صلبه والظاهر أنها من الكتاب.
وفي روايات: "ولَكَ الحَمْدُ" بالواو، وكلاهما حسن.
وروينا مثله في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة.
وروينا في "صحيح مسلم" عن علي وابن أبي أوفى رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبنا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءَ السماوَاتِ ومِلْءَ الأرْضِ ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ".
ــ
قوله: (وفي روَاياتِ إلخ) قال الحافظ علقها البخاري لعبد الله بن صالح عن الليث عقب روايته
الحديث الأول عن يحيى بن بكير ووصلها من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري وهي عند أحمد من رواية معمر عن الزهري.
قوله: (وروينَا مثلَهُ في الصحيحينِ عَنْ جماعةٍ منَ الصحابةِ) قال الحافظ لم أره في الصحيحين بالواو إلَّا فيما ذكرت من حديث أبي هريرة مع الاختلاف ووقع فيهما في حديث أنس قال سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأجن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا فلما فرغ قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كثر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد الحديث قال الحافظ بعد تخريجه هكذا لك الحمد بغير واو أخرجه الشيخان وأخرجه النسائي وابن ماجة ووقع في رواية أكثرهم بغير واو كما ذكرت وفي رواية الصحيحين بالواو وكذا أحمد ووقع بالواو أيضًا في حديث رفاعة بن رافع عند البخاري لكنه ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ووقع من لفظه بغير واو في حديث أبي سعيد وعلي وابن أبي أوفى وابن عباس وكلها في مسلم كما ذكره المصنف بعد ثم ذكر الحافظ إنه أورد زيادة الواو في ولك الحمد من طريق علي وأبي هريرة وأنس قال ثم وجدته كذلك في صحيح مسلم في حديث عائشة الطويل في صلاة الكسوف وفي البخاري من حديث ابن عمر في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه فكمل عدة من روى زيادة الواو في الصحيح خمسة اهـ.
قوله: (وروينَا في صحيحِ مسلم عَنْ عليّ وابنِ أَبِي أَوفَى رضي الله عنهم واللفظ الذي أورده لابن أبي أوفى كما في الخلاصة وزاد بعد قوله من بعد اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الوسخ ورواه كذلك عنه كما في السلاح أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي رواية لمسلم من الدرن وفي أخرى من الدنس وعند
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع من الركوع قال: "اللهم رَبنا لكَ الحَمدُ، مِلْءَ السماواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيء بَعْدُ، أهْلَ الثناءِ والمَجْدِ، أحَق ما قال العَبْدُ، وكلُّنا لكَ عَبْد، اللهُم لا مانِعَ لِمَا أعْطَيتَ، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ".
ــ
أبي داود وابن ماجة كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول فذكره ولفظ رواية علي كزم الله وجهه وإذا رفع رأسه قال ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وقال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ونبه الحافظ على اختلاف وقع في الحديث عن ابن أبي أوفى فأخرج مسلم وغيره من طريق شعبة أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فذكره من غير ذكر المحل وأخرجه مسلم أيضًا عنه من طريق شعبة بزيادة في ألفاظ الذكر من غير تعيين المحل وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق الأعمش بتعيين محله وأنه في الاعتدال والأعمش ثقة حافظ فزيادته معتمدة.
وابن أبي أوفى اسمه عبد الله واسم أبي أوفى علقمة بن خالد الأسلمي وأسلم هو ابن أفصى بالفاء ابن حارثة وأبو أوفى هو الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء صدقته، غزا عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ست غزوات وكان من أصحاب الشجرة وأصابته ضربة يوم حنين في درعه خرج عنه أصحاب السنن
الأربعة وغيرهم روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعون حديثًا أخرج الشيخان منها ستة عشر حديثًا اتفقا منها على عشرة وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بواحد سكن الكوفة وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة ست وثمانين وهو آخر الصحابة موتًا بالكوفة وأيضًا هو آخر أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه.
قوله: (وَرَوينَا في صحيح مسلم) ورواه أبو داود والنسائي كذا في السلاح قال الحافظ أخرجه أحمد وابن خزيمة ووقع عند بَعض رواة الحديث اللهم ربنا وذكر أبو داود أن في رواية عبد الله بن يوسف ربنا ولك الحمد بزيادة واو قال الحافظ ووقع لنا كذلك من وجه آخر عن سعيد بن عبد العزيز ثم أخرجه كذلك من طريق أبي نعيم في المستخرج وأخرجه أيضًا من طريق أخرى بمثله لكن قال لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقال عقبها هكذا أخرجه البيهقي وعبد
وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا: من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: "رَبنَا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السماواتِ ومِلْءَ الأرضِ وما بَينَهُما ومِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ".
وروينا في "صحيح البخاري" عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم،
ــ
الله بن يوسف أحد الرواة له عن سعيد بن عبد العزيز.
قوله: (وَرَوينَا في صحيح مسلم أيضًا إلخ) أخرجه الحافظ عن عطاء عنه بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد إلخ، وزاد بعد قوله اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم أخرجه من طريق روح بن عبادة عن عطاء أيضًا عن ابن عباس وينتهي حديثه إلى قوله بعد، قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أحمد ومسلم والنسائي، قلت وكذا ينتهي حديث مسلم عن ابن عباس إلى قوله بعد وزاد النسائي عليه في روايته حق ما قال العبد كلنا لك عبد لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد كما ذكره الرداد في موجبات الرحمة له.
قوله: (ورَوينَا في صحيح البخاري) ورواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي أيضًا كما في موجبات الرحمة قال وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بلفظ آخر قال فيه صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى وفيه إنه صلى الله عليه وسلم سأل ثلاثًا عن المتكلم بذلك فأجاب رفاعة بقوله أنا والباقي سواء وقال الحافظ بعد تخريجه باللفظ الذي أورده المصنف حديث صحيح أخرجه البخاري وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان. قوله: (رِفاعةَ بِنْ رافع الزُّرقي) هو ابن مالك بن العجلان الأنصاري الخزرجي الزرقي المزني وقد ينسب إلى جده فيقال رافع بن مالك أمه أخت عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق شهد رفاعة العقبة وبدرًا وما
بعدها وشهد أيضًا معه أخواه خلاد ومالك واختلفوا في شهود أبيهم لها مع الاتفاق إنه شهد العقبتين وكان أحد النقباء الاثني عشر نقيب بني زريق وكان هو ومعاذ أول خزريين أسلما وكان أول من قدم المدينة بسورة يوسف قيل إنه هاجر إلى النبي
فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، فقال رجل وراءه: رَبنا ولكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيبًا مُبارَكًا فِيهِ، فلما انصرف قال:"مَنِ المُتَكَلِّمُ؟ " قال: أنا، قال: "رأيتُ بِضْعَةً وثَلاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَها
ــ
صلى الله عليه وسلم إلى مكة واستشهد يوم أحد ولم يحفظ عنه رواية سوى ما ثبت في صحيح البخاري إنه كان يقول لابنه رفاعة ما يسرني إني شهدت بدرًا بالعقبة وظاهره إنه لم يشهد بدرًا أما رفاعة فشهد العقبة ورفاعة وشهد المشاهد كله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد مع علي الجمل وصفين انفرد به البخاري عن مسلم فروي له ثلاثة أحاديث وروى عنه أصحاب السنن الأربعة خلا ابن ماجة روى عنه ابناه عبيد ومعاذ وابن أخيه يحيى بن خلاد توفي أول سنة معاوية رضي الله عنه قوله: (فَلمَّا رفعَ رأْسهُ) أي شرع في رفعه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة منها حديث أبي هريرة السابق. قوله: (فَقَال رجلٌ) زاد الكشميهني وراءه قال ابن بشكوال هو رفاعة بن رافع راوي الخبر، قلت ويدل له الرواية الثانية عند أبي داود ومن معه قال الحافظ ابن حجر وكثيرًا ما يقع في الأحاديث إبهام اسم وهو الراوي وذلك إما منه لقصد إخفاء عمله أو من غيره تصرفًا أو نسيانًا. قوله:(مبارَكًا فيِهِ) زاد النسائي وغيره مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى. قوله: (من المتكلمُ) زاد النسائي أي ومن معه في الرواية السابقة في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة فقال رفاعة بن رافع أنا فقال والذي نفسي بيده الحديث وللطبراني فسكت الرجل ورأى إنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كرهه فقال من القائل فإنه لم يقل إلا صوابًا فقال الرجل أنا قلتها وأرجو بها الخير ولأبي داود من القائل فإن لم يقل بأسًا فقال إني قلتها لم أرد بها إلَّا خيرًا كذا في التوشيح للسيوطي. قوله: (رأَيتُ بضعةً وثلاثينَ مَلَكًا) وفي رواية لمسلم اثني عشر ملكًا وللطبراني ثلاثة عشر ملكًا قال في السلاح البضع والبضعة في العدد بكسر الباء وهو من الثلاث إلى التسع وقيل إلى العشرة وقيل ما بين الواحد والعشرة قال ابن العز الحجازي في شرح البخاري وفيه رد على من زعم أن البضع يختص بما دون العشرين والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة ويؤيده خبر الصحيحين إن لله ملائكة يطوفون بالأرض يلتمسون أهل الذكر
أيُّهُمْ يَكْتبُهَا أوَّلُ".
فصل: اعلم أنه يستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدمناه في أذكار الركوع، فإن اقتصر على بعضها، فليقتصر على "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد"، فإن بالغ في الاقتصار اقتصر على "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد"، فلا أقل من ذلك.
واعلم أن هذه الأذكار كُلها مستحبة للإمام والمأموم والمنفرد،
ــ
الحديث وبه استدل على إن بعض الطاعات قد يبهتجها غير الحفظة والحكمة في اختصاص العدد المذكور إن عدد حروفه مطابق للعدد المذكور فإن البضع من الثلاث إلى التسع وعدد الذكر المذكور ثلاثة وثلاثون حرفًا ويعكر عليه الزيادة المتقدمة وهي قوله مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى بناء على إن القضية واحدة ويمكن أن يقال المتبادر هو الثناء الزائد على المعتاد وهو من قوله حمدًا كثيرًا إلخ، دون قوله مباركًا عليه فإنها كما تقدم للتأكيد وعدد ذلك سبعة وثلاثون حرفًا وأما ما وقع عند مسلم والطبراني فهو مطابق لعدد الكلمات في سياق رفاعة ولعددها في سياق الباب لكن على اصطلاح النحاة اهـ. قوله:(أَيهم يكتبُها أَوَّلُ) أما أيهم فرويناه بالرفع وهو مبتدأ خبره يكتبها قاله الطيبي وغيره متبعًا لأبي البقاء في إعراب قوله تعالى: {يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] قال وهو في موضع نصب والعامل فيه ما
دل عليه يلقون وأي استفهامية والتقدير مقول فيه أيهم يكتبها ويجوز في أيهم النصب بأن يقدر ذلك المحذوف ينظرون أيهم وعند سيبويه أي موصولة ولتقدير يبتدرون الذي يكتبها أول وأنكر جماعة من البصريين ذلك اهـ، وأول بالبناء على الضم لأنه ظرف قطع عن الإضافة وبالنصب على الحال، وتسارع كل منهم إلى كتابتها قبل الآخرين ليصل لحضرة الحق قبلهم بشيء نفيس يرجى عود أثر من آثاره الصالحة عليه.
فصل
قوله: (وملءَ مَا شئتَ منْ شيْءٍ بعدُ) هذا ما في التحقيق والروضة وأصلها وفي المجموع عن الأصحاب محل إتيان الإمام بذلك إذا رضي به المأمومون وإلَّا اقتصر على ربنا لك الحمد، ومنازعة الأذرعي في ذلك بأن هذا احتمال للإمام لم أره لغيره ردت بأنه ليس كما قال كما يصرح به سياق القمولي وكفى به مطلعًا