الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه
روينا في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضالةً في المسْجِدِ فلْيَقُلْ: لا رَدَّها اللهُ عَلَيكَ
ــ
بعض السلف قال ابن حجر في شرح المشكاة ويؤيده ما صح عن جابر بن زيد الإمام الكبير التابعي أنه قال إذا دخلت المسجد فصلى فيه فإن لم تصل فاذكر الله فكأنك قد صليت اهـ. ونقله عن جابر المذكور أيضًا ابن بطال في شرح البخاري وفي أحكام المساجد للزركشي وقد يحتج له بأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك لمن لم يحسن قراءة الفاتحة فإذا صح قيامها مقام الفرض فالنفل أولى لكن هناك النائب والمنوب عنه من جنس واحد وهو القول وهنا نيابة قول عن فعل اهـ، وفي الحرز وإلا فليقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة قال المساجد قيل وما الرتع قال سبحان الله الخ"، اهـ، أي إن ما ذكر من جملة ما يتناوله الخبر لا أن الخبر محمول على ذلك كما لا يخفى.
باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه
قوله: (وَرَوينَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ) وكذا رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان كلهم عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول فذكره وأبو عبد الله مولى شداد تابعي كبير لا يعرف اسمه ليس له في الصحيح عن أبي هريرة غير هذا الحديث. قوله: (يَنْشد) بفتح التحتية وإسكان النون وضم الشين المعجمة من النشد وهو رفع الصوت أي يرفع الصوت بطلبها قاله في مفتاح الحصن وفي القاموس نشد الضالة طلبها وعرفها وقال غيره يقال نشدت الضالة طلبتها وأنشدتها عرفتها. قوله لي: (لَا رَدّهَا الله عليكَ) أي أو ما يقوم مقامها من الدعاء عليه المناسب له لما يأتي في الحديث بعد لا وجدت قال المصنف في شرح مسلم وينبغي لسامعه أن يقول لا وجدت أو لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا وما في معناه كما قال صلى الله عليه وسلم اهـ. ومثله في الحرز ثم قال ويمكن الاكتفاء بالدعاء نفسه فإن العلة إنما صدرت من صاحب الشريعة لتعلم الأمة جهة المنع من صاحب الشرع لكن المذكور في كتب الأصحاب الاقتصار على الدعاء من غير ذكر التعليل واختلف في قول ذلك هل هو على طريق الوجوب أو الندب على الخلاف في حمل أوامره صلى الله عليه وسلم قال
فإن المساجِدَ لمْ تُبْنَ لهَذا".
ــ
القرطبي وكذا يدعى على من فعل في المسجد ما لا يليق بمقصوده اهـ. وقال القاضي عياض وأخذ من هذا الخبر كراهة نشد الضالة فيه اهـ. لكن استثنى المصنف المساجد الثلاثة وكنشدها فيما يظهر إنشادها أي تعريفها. قوله: (فإِن المَساجِدَ لَمْ تُبنَ لِهذَا) وفي الحديث إنما بنيت المساجد لما بنيت له أي من ذكر الله تعالى والعلم والصلاة والمذاكرة في الخير ونحوه قال القاضي عياض في الخبر دليل على منع عمل الصنائع في المسجد كالخياطة وشبهها قال وقد منع بعض العلماء من تعليم الصبيان في المسجد وقال بعض شيوخنا إنما يمنع في المساجد عمل الصنائع التي تختص بها آحاد الناس ويكتسب بها فلا يتخذ المسجد متجرًا وأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم كالمثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا مهانة للمسجد في عمله فلا بأس به اهـ، واستوجه في شرح العباب ما نقله عن بعض شيوخه قال ولا يبعد أن يعد من ذلك تجليد كتب العلوم الشرعية وترميمها لأنه مما يشمل نفعه المسلمين في دينهم وظاهر إن هذا مقيد بعدم الإزراء بالمسجد واتخاذها حانوتًا وإلا حرم ونقل الزركشي عن القفال المنع من تعليم الصبيان في المسجد لأن الأغلب منهم الضرر ثم قال كابن العماد وينبغي أن يقال إن كان على وجه يؤدي إلى انتهاك حرمة المسجد وقلة احترامه زاد الثاني أو التشويش على المصلين أو التضييق عليهم منع وإلا فلا وما قالاه أوجه والمنع في كلامهما واجب كما هو ظاهر وفي الحرز وكذا ما يشغل المصلي ويشوش عليه حتى قال بعض علمائنا رفع الصوت ولو بالذكر حرام في المسجد وكان بعض السلف يرى ألا يتصدق على السائل المتعرض في المسجد قال بعضهم
إنه يحرم إعطاء السائل المتعرض برفع صوت أو إلحاح أو مبالغة أو بمجاوزة صف وخطوة على رقبة أو حال خطبة أو نحو ذلك اهـ. وتقدم ما في الجهر بالذكر في المساجد في الباب السابق وأما اعطاء السائل في المسجد فالمختار عند أصحابنا عدم الكراهة لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال هل منكم من أحد أطعم مسكينًا فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا سائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن أي ولده فأخذتها ودفعتها إليه الحديث نعم إن تأذى الناس به بتخط أو إلحاف
وروينا في "صحيح مسلم" أيضًا عن بريدة رضي الله عنه: أن رجلًا نشد في المسجد فقال:
ــ
كره إعطاؤه لما فيه من الإعانة على الأذى بل قد يحرم إن حرم السؤال كما في شرح العباب قال ابن العماد والسؤال فيه مكروه إلَّا إذا شوش على مصل فيحرم أو مشى أمام صف أو تخطى رقابهم اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وما ذكره آخرا ضعيف بل الحرمة مقيدة بمن مشى أمام مصل إلى سترة معتبرة وما ذكره أولًا هو قول بعضهم لكن كلام النووي في شرح المهذب وغيره أنه يكره رفع الصوت بحضرة المصلى صريح في الكراهة لا الحرمة وإطلاق كراهة السؤال في المسجد قد ينافيها ما في الأم من تقييد كراهة السؤال يوم العيد بحالة الخطبة فإن فعلوا فقد تركوا الفضل من السماع لكنه حمل على من بمصلى العيد لأنه غير مسجد اهـ.
قوله: (وَرَوينَا فِي صَحِيح مُسْلِم إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الإمام أحمد بن حنبل حديث صحيح وقد رواه جابر وَأنس بَلفظ نشد ضالة في المسجد قال الحافظ وهو رواية لمسلم في حديث بريدة وحديث جابر قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا ينشد ضالة في المسجد فقال لا وجدت قال الحافظ حديث صحيح أخرجه محمد بن إسحاق السراج في مسنده عن أبي بكر الأعين عن أحمد بن حنبل وأخرجه النسائي وقال الحافظ ما رأيته في مسند أحمد وحديث أنس أخرجه الحافظ بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم قال قلت لأبي قرة ذكر موسى بن عقبة عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك أن رجلًا دخل المسجد ينشد ضالة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت فأقر به أبو قرة وقال نعم قال الحافظ حديث صحيح أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده وأخرجه البزار من وجه آخر عن عمرو بن أبي عمرو ما وجدته في سنن النسائي الصغرى ولا الكبرى وأخرجه البزار أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص بنحو حديث أنس وسنده ضعيف وأخرج أبو العباس السراج عن أبي عثمان قال سمع ابن مسعود رجلًا ينشد ضالة في المسجد فغضب وسبه فقال له رجل ما كنت فاحشًا فقال بهذا أمرنا قال الحافظ حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه البزار وقال في آخره بهذا أمرنا إذا وجدنا من ينشد ضالة في المسجد أن نقول له لا وجدت قال وفي الباب
من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا وَجَدْتَ إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ".
وروينا في "كتاب الترمذي" في آخر "كتاب البيوع" منه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رَأَيْتُم مَنْ يَبيعُ أوْ يَبْتاعُ في المَسجدِ فَقُولُوا: لا أرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وإذا رأيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فيهِ ضالةً فقُولوا: لا رَدَّ اللهُ عَلَيكَ"، قال الترمذي: حديث حسن.
ــ
عن ابن عمرو وثوبان جد محمد بن عبد الرحمن وسأذكره في الباب الذي يليه اهـ. قوله: (مَنْ دَعا إلي الجَمَلَ الأحمَرَ) قال الحافظ هو بتشديد الياء معناه من يعرف الجمل فدعا صاحبه اهـ.
قوله: (وَرَوينَا فِي كِتَابِ التُّرْمِذِي) وكذا رواه النسائي وابن السني والحاكم وابن خزيمة وابن
حبان عنه كلهم من حديث أبي هريرة وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ أخرج مسلم لرجاله من الداروردي فصاعدًا وأخرج لمحمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة حديثًا غير هذا لكن مقرونًا فهو على شرطه في المتابعات لا في الأصول اهـ. ورواية ابن حبان بمعنى حديث الترمذي المذكور في الأصل كما نبه عليه في السلاح في آخر كتاب البيوع منه قال الحافظ يزاد عليه أنه لم يترجم له اكتفاء بما قدمه في أبواب المساجد فقال "باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الشعر والضالة في المسجد" وأورد فيه حديث ابن عمرو وتكلم عليه وسنذكره في الباب بعده. قوله: (مَنْ يبِيعُ أَوْ يَبْتاعُ) أي يشتري في المسجد، يكره نحو البيع والشراء من سائر العقود في المسجد ولو لغير معتكف وإن لم يكثر منه كما هو حاصل كلام المجموع في باب الاعتكاف ومحله ما لم يتخذه حانوتًا وإلَّا فيحرم وما لم يحتج إليه لتحصيل قوته وما لا بد منه وإلا فلا يكره ويستثني من العقود عقد النكاح. قوله:(فِي المسجِد) لخبر الترمذي أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد. قوله: (لَا أَرْبَح الله تِجَارَتَكَ) أي لا جعلها رابحة أو لا جعلك رابحًا وما اشتهر عن بعض العوام أن المراد من الخبر لا تفعل أربح الله تجارتك فهو من التأويل البعيد الذي لا يعول عليه ولا يلتفت إليه كيف وهو مخالف لظاهر الحديث والله أعلم. قال الترمذي حديث حسن غريب والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ورخص فيه بعضهم