المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فضيلة الأذان - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب فضيلة الأذان

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ

رأيْتُموهُ يُنْشِدُ شِعْرًا في المسجِدِ فقُولُوا لَهُ: فَضَّ اللهُ فاكَ"، ثلاثَ مراتٍ.

‌باب فضيلة الأذان

روَينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

أخرجه ابن السني وهو قصة الشعر وأخرجه ابن منده في معرفة الصحابة بجملته كما أخرجه الحافظ وقال غريب تفرد به محمد بن حُمَير قال الحافظ وهو ثقة من رجال البخاري وإنما تفرد بوصله ورواه أبو خيثمة الجعفي عن عباد بن كثير عن يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ولم يقل عن جده والافة من عباد وهو ضعيف جدًّا وقال خالف فيه الداروردي والذاروردي ثقة وسنده هو المعروف فقال حدثنا يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة كما تقدم في آخر الباب قبله ثم لم يرو عن عبد الرحمن بن ثوبان إلا ولده محمد فهو في عداد المجهولين وقد ورد النهي عن إنشاد الشعر في المسجد عن عبد الله بن عمرو قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد وأن ينشد فيه الأشعار وأن ينشد فيه الضالة الحديث قال حديث حسن أخرجه أصحاب السنن الأربعة وفي سنده ثوبان وهو غير مولى النبي صلى الله عليه وسلم المشهور هذا رجل لا يعرف

إلَّا في هذا السند. قوله: (عَنْ ثَوْبَانَ) هو ابن مجدد بضم الميم وسكون الجيم وضم الدال المهملة الأولى الهاشمي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصله من حُمَيِّر فسي في الجاهلية فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه فلازمه حضرًا وسفرًا فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام فنزل الرملة ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارًا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعة وعشرون حديثًا روى منها مسلم عنه عشرة أحاديث وخرج عند الأربعة وروى عنه أبو أسماء وخالد بن معدان وخلق توفي سنة خمس وأربعين أو أربع وخمسين. قوله: (فَض الله فَاكَ) بالفاء المفتوحة والضاد المعجمة المشددة أي أسقط أسنانك قال في النهاية قل لا يفضض الله فاك أي لا يسقط أسنانك وتقديره لا يسقط الله أسنان فيك فحذف المضاف يقال فضه إذا كسره اهـ.

باب فضيلة الأذان

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويقال الأذين والتأذين بالمعجمة وهو لغة الإعلام ومنه (وَأَذَانٌ من اللهِ وَرَسُولِهِ)[التوبة: 3] وشرعًا قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة أصالة وبقولنا يعلم إلخ، خرج الأذان لغير الصلاة فليس مما نحن فيه وشرع الأذان قيل في السنة الثانية من الهجرة والذي في المجموع أنه في الأولى بعد بنائه صلى الله عليه وسلم مسجده والروايات المصرحة بأنه شرع بمكة قبل الهجرهَ لم يصح منها شيء لرؤيا عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأنصاري فإنه صح عنه أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده فقلت أتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أولًا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى قال تقول الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر إلى آخر الإقامة فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال أنها رؤيا حق إن شاء الله قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه فيؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائمًا لصدقت رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر إلخ، في رواية ضعيفة عند ابن ماجة أن رؤياه كانت ليلة تشاوروا أي فيما يجعلونه علامة للصلاة من الناقوس أو النار وفي أوسط الطبراني أن أبا بكر رضي الله عنه رآه أيضًا وفي الوسيط رآه بضعة بمشر رجلًا وفي الجيلي أربعة عشر وأنكره المصنف كابن الصلاح ومن ثم قال بعض المحققين لم يثبت إلّا رؤيا عبد الله بن زيد وقصة عمر جاءت في بعض الطرق. وفي سنن ابن ماجة بعد إيراده خبر الأذان عنه قال أبو عبيد فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:

أحمد الله ذا الجلال وذا الإكـ

ـرام حمدًا على الأذان كبيرا

إذ أتاني به البشير من اللـ

ـه فأكرم به لدي بشيرا

في ليال وإلى بهن ثلاث

كلما جاء زادني توقيرا

وثبت حكم الأذان بالرؤيا مع أن رؤيا غير الأنبياء لا يثبت بها شيء من الأحكام

ص: 70

"لو يَعْلمُ الناسُ ما في

ــ

لاحتمال مقارنة وحي لذلك ويؤيده رواية عبد الرزاق وأبي داود في مراسيله من طريق عبيد بن عمير الليثي من كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلَّا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي وهو أصح مما حكى الداودي أن جبريل أتى به قبل هذه الرؤيا بثمانية أيام وفي مسند الحارث أول من أذن بالصلاة جبريل أذن في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال فسبق عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال صلى الله عليه وسلم لبلال سبقك بها عمر وظاهره أنهما سمعاه يقظة والحديث الصحيح السابق يرد ذلك وجزم المصنف بأنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه لخبر الترمذي وقواه وعورض بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي بلفظ فأمر بلالًا فأذن وبه يعلم اختصار رواية الترمذي وإن معنى أذن فيها أمر الأذان كما يقال أعطى الخليفة فلانا الفا ورواه الدارقطني أيضًا بلفظ فأمر بلالًا فأذن قال البيهقي والمفصل يقضي على المجمل المحتمل كذا قال الحافظ ابن حجر.

وفي التوشيح للسيوطي قلت قد ظفرت بحديث آخر مرسل أخرجه سعد بن منصور في مسنده حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن أبي مليكة قال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقال حي على الفلاح وهذه رواية لا تقبل التأويل اهـ، وعلى أنه أذن فهل كان يتشهد مثلنا أو كان يقول أشهد أني رسول الله ظاهر كلام الرافعي الثاني فإنه قال أنه المنقول في تشهده لكن رد عليه بأن المنقول أنه كان يتشهد كتشهدنا كما رواه مالك في الموطأ ويؤيده خبر مسلم عن معاوية أنه قال في إجابة المؤذن وأشهد أن محمدًا رسول الله إلخ، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك. قوله:(لَوْ يعلمُ النَّاسُ) وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار تجدد العلم قاله الطيبي وقال أطلق مفعول أعلم لأنه لا يدخل تحت الوصف والمعنى لو يجدوا شيئًا من وجوه الأولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الأوقات وحسن الصوت ونحو ذلك وأما الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا اهـ. نقله عنه الحجازي. وفي شرح المشكاة وأطلق ولم يبين حقيقة الفضل الذي في ذلك إعلامًا بأنه لا يدخل تحت الحصر والوصف ونظيره {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وقال المصنف في شرح مسلم لو علموا فضيلة الأذان

ص: 71

النداءِ والصف الأوَّلِ، ثُمّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عليهِ لاسْتَهمُوا"

ــ

وأجرها وقدرها ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلّا مؤذن واحد لاقترعوا في تحصيله ولو يعلمون في فضيلة الصف الأول نحو ما سبق وجاؤوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ولم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه اهـ. ففيه التنبيه على التعميم المستفاد من الموصول ووقع في رواية أبي الشيخ لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول من الخير والبركة الحديث. قوله: (النداء) هو بكسر النون والدال المهملة بعدها ألف ممدودة أي الأذان وروي بهذا اللفظ عند السراج كذا في حاشية سنن النسائي للسيوطي وقدم النداء على ما بعده لأن النداء وسيلة ومقدمة له. قوله: (والصف الأَولِ) وهو عندنا الذي يلي الإمام وإن يتخلل أو حجز بينهما بنحو سارية

أو منبر وقال القرطبي اختلف في الصف الأول هل هو الذي يلي الإمام أو هو المبكر والصحيح الأول وعلم من قولنا الذي يلي الإمام أن ما هو أقرب من الإمام إلى الكعبة في غير جهته ليس بالصف الأول فقول القارئ الحنفي إنه هو الصف الأول وألف فيه جزءأً سماه القول المعول مردود وقيل الصف الأول أول صف خلف المقصورة حكاه القرطبي. قوله: (يَستَهِمُوا) بتخفيف الميم أي يقترعوا وقيل للاقتراع استهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام فمن خرج سهمه فاز بالحظ المقسوم وقيل الاستهام تمثيل واستعارة لتحصيل السبق إليه وعبر بالاستهام إشارة إلى غاية تعظيم ذلك إذ لا يقع إلّا في أمر من شأنه التنافس فيه وزاد ذلك مبالغة وتأكيدًا أخرجه مخرج الاستثناء والحصر وفي هذا أعظم باعث على فعل الأذان وحضور الجماعة سيما الصف الأول قال المأزري وفي قوله لاستهموا عليه حجة للعمل بالقرعة في الحقوق التي يزدحم عليها اهـ. قوله: (عَلَيهِ) استشكل افراد الضمير مع تقدم متعاطفين بالواو وقال السيوطي في التوشيح افراد الضمير باعتبار ما ذكر. وفي شرح الأنوار السنية قال عياض حمل الباجي الاستهام على أنه في النداء والصف الأول وهو ظاهر اللفظ وقال أبو عمر المراد الصف

ص: 72

رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطَانُ وله ضُراطٌ

ــ

وحده وهو وجه الكلام وكلا الوجهين لا يصح أما الأول فلأن الضمير الواحد لا يعود على الاثنين وأما الثاني فلأنه يبقى النداء بلا جواب فلا يفيد والأولى عندي أن يعود على الثواب المفهوم من السياق أي لو يعلم الناس ثواب النداء والصف الأول ثم لم يجدوا الوصول إليه إلّا بالاستهام لاستهموا قال الأبي وأقرب مما قال أن يعود على لفظ ما اهـ. وفي شرح المشكاة إلّا أن يستهموا عليه أي على السبق إليه اهـ، فالسبق مفهوم من السياق نظير ما تقدم في الثواب. قوله:(رَوَاه البخارِي ومُسْلم) أي من جملة حديث تتمته ولو يعلمون ما في الهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا وفي المشكاة بعد إيراده كذلك متفق عليه وفي الجامع الصغير بعد إيراده بجملته كذلك رواه أحمد وابن ماجة والنسائي ولم يذكر الشيخين فيمن رواه قلت ورواه كذلك مالك في الموطأ وكذا الترمذي من طريق مالك وأشار الحافظ إلى اختلاف فيه عند رواته والله أعلم.

قوله: (نُودِيَ لِلصلاةِ) أي بالأذان ويمنع من حمله على ما يعم الإقامة وإن كان الشيطان يذهب عندها وله ضراط أيضًا ذكرها في آخر الخبر فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر وفي الكرماني الفرق بين ما في قوله تعالى: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58] وما في قوله تعالى: ({إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9] من التعدية بإلى في الأولى واللام في الثانية هو أن صلاة الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص اهـ. قال الحجازي ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى والعكس اهـ، ولك أن تقول كلام الكرماني في حكمة مغايرة الحرفين واستعمال كل منهما فيما ذكر من الآيتين وهو لا يخالف احتمال توافق معنى ذينك الحرفين والله أعلم. قوله: (وَلَهُ ضُرَاطٌ) قال

ص: 73

حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ"

ــ

القاضي يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنه كناية عن شدة غيظه ونفاره وقد حكاه عنه شراح مسلم المصنف والأبي

والسيوطي وغيرهم من شراح السنن ومن الغريب ما في شرح المشكاة لابن حجر يحتمل الحقيقة وهو الظاهر وإن لم أر من صرح به إذ لا استحالة في أن يصدر منه تلك الأصوات القبيحة وإن كانت على خلاف عنصره مبالغة في إهانته وتحقيره وإعلامًا بأنه يحصل له من سماع الأذان ذهول مفرط يفزعه ويخرجه عن شعوره وإحساسه فتنحل قواه ويخرج منه تلك الأصوات ويحتمل المجاز وأنه شبه شغله نفسه أي بالهرب عن سماع صوت الأذان بصوت يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره تقبيحا له اهـ، والوجه الأخير ذكره الطيبي وزاد بعد قوله ويمنعه عن سماع غيره قوله ثم سماه ضراطًا تقبيحا له اهـ، ولعل سقوط ثم سماه ضراطًا من كلام شرح المشكاة من قلم الناسخ كما لا يخفى وفي شرح مسلم للأبي لكن سبق أن الأولى الكناية عن المعنى المستقبح سماع لفظه إلَّا أن تدعو ضرورة لذكر اللفظ أو يتضمن ذكره مصلحة كالتقبيح المتقدم ذكره. قوله:(حَتَّى لَا يَسْمع التأْذِينَ) حتى تعليلية لإدباره وقيل ذهابه هروب أن يسمع الأذان بالإيمان كما يفعل بعرفة لما يرى من اجتماع الناس على البر والتقوى وما ينزل عليهم من الرحمة، وقيل لئلا يسمع ذلك فيشهد لقائله لخبر لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن الحديث، ورد بأنه عام مخصوص بالمؤمن منهما قال المصنف وهذا لا يقبل من قائله لما جاء في الآثار من خلافه وبإخراج غير الناطق وما لا يسمع كالجماد، ورد بأنه عام فيهما بإدراك يخلقه الله تعالى لغير الناطق وادراك وحياة يخلقهما للجمادات ليشهد الجميع ولهذا ذهب ابن عمر فقال المؤذن يشهد له كل رطب ويابس، وقيل إنما يهرب لئلا يسمع الدعاء إلى السجود الذي بسببه عصى، ورد بمجيئه للمصلى بعد انقضاء التثويب قال الأبي وهذا لا يلزم لاحتمال أن يكون رجوعه مغالطة أنه لم يسمع دعاء ولا خالف أمرًا وقيل هروبه لانقطاع طمعه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد إذ لا يقدر أن يصرف الناس عنه حينئذٍ فإذا سكت المؤذن رجع إلى حالته التي أقدره الله عليها من تشويش الخاطر على المصلي. وبقولنا لئلا يسمع وما بعده يجاب عما يقال ما الحكمة في هربه

ص: 74

رواه البخاري ومسلم.

وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المُؤَذِّنُونَ

ــ

عند الأذان دون نحو الذكر في الصلاة وسماع القرآن ثم الشيطان المذكور يحتمل أنه قرين المؤذن ويحتمل أنه جنس الشياطين لا يقال كيف يهرب عند الأذان والضرورة تقتضي ثبوت المخالفة حين الأذان إما من المؤذن أو السامع لأنا نقول فعل تلك المخالفة يكون من وسوسة سبقت ذلك الأذان وإن لم يقم دليل على أن كل المخالفات من الشيطان إذ قد يكون من النفس قال السيوطي نقلًا عن ابن بطال ويشبه أن يكون الزجر عن خروج الإنسان من المسجد بعد الأذان مأخوذا من هذا المكان لئلا يكون متشبهًا بالشيطان اهـ. قال أصحابنا يكره الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر حتى يصلي لقول أبي هريرة في فاعل ذلك أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم قال بعض المحققين ولك أن تقول القول بالكراهة مع ذلك مشكل لأن قول الصحابي ذلك في حكم المرفوع فيكون نصًّا في التحريم كيف وقد أخذوا تحريم الصوم بعد نصف شعبان من قول عمار بن ياسر نظير ذلك اهـ. وقول عمار بن ياسر إنما هو في يوم الشك لا في النصف الأخير من شعبان والله أعلم، وهل المراد حتى يصلي ولو وحده أو مع الجماعة كل محتمل وإطلاقهم يؤيد الأول وعلى الثاني قال في شرح العباب فالظاهر أن من العذر كون الإمام يكره الاقتداء به والإفراد أفضل من الاقتداء به أي

بالمخالف اهـ. والراجح أن الاقتداء بالمخالف أفضل من الانفراد وقد اقتصر البخاري في باب فضل الأذان على هذا الخبر قال ابن العز الحجازي في شرحه قد ورد في فضل الأذان أحاديث كثيرة اقتصر المصنف على هذا الخبر هنا لأنه تضمن فضلًا لا ينال بغير الأذان بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها ينال بأنواع أخرى من العبادات اهـ، والله أعلم. قوله:(رَوَاه البُخَاري ومُسلم) من جملة حديث آخره فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل لا يدري كم صلى، ورواه مالك وأبو داود والنسائي قال الخطابي رحمه الله التثويب

ص: 75

أطوَلُ الناسِ أعْناقا يَوْمَ القِيامةِ"

ــ

هنا الإقامة وكذا قال الحافظ والعوام لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وإنما سميت الإقامة تثويبًا لأنه إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة والله أعلم. وأخرج الحافظ من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس وأخرج من هذا الطريق ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعًا قال إن الشيطان إذا أذن المؤذن هرب حتى يحول بالروحاء وهي على ثلاثين ميلا حديث صحيح أخرجه مسلم وبين أن ذكر اليسافة في الحديث من جهة الراوي اهـ.

قوله: (أطولُ النَّاسِ أَعْنَاقًا) هو بفتح الهمزة جمع عنق بضمتين واختلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله لأن المتشوف يطيل عنقه لما يطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب قال الحافظ وفسره ابن حبان في صحيحه بذلك لما ذكر حديث أبي هريرة وهو مثل حديث معاوية قال وقال غيره يمتد لكونهم كانوا يمدونها عند رفع الصوت في الدنيا فمدت في القيامة ليمتازوا بذلك عن غيرهم وفي ذلك إبقاء للطول على حقيقته اهـ. وقيل معناه أنهم سادة رؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق وفيه استعارة لأنهم شبهوا بالأعناق كما قيل هم الرؤوس والنواصي والصدور وقيل معناه أكثر اتباعا فهو جمع عنق أي جماعة أي أن جمعهم يكون أكثر لأن من أجاب دعوتهم يكون معهم فالطول مجاز عن الكثرة لأن الجماعة إذا توجهوا لمقصدهم يكون لهم امتداد في الأرض وقال ابن الأعرابي معناه أكثر الناس أعمالًا يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه سمي العمل عنقًا لنقله وجيء بأطول كالترشيح لهذا المجاز وقيل معناه القرب من الله تعالى لأن طول العنق يدل غالبًا على طول القامة وطولها لا يطلب لذاته بل لدلالته على تمييزهم على الناس وارتفاع شأنهم عليهم كما وصف المتوضئون يأنهم يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء وقيل معناه لا يأخذهم العرق لأن العرق يأخذ الناس بقدر

ص: 76

رواه مسلم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَسْمَعُ

ــ

أعمالهم وقيل معناه عدم الخجل من الذنب لأن الخجل ينكس رأسه قال تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم، وفي مصباح الزجاجة للسيوطي في سنن البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول ليس معنى الحديث إن أعناقهم وقيل معناه عدم الخجل من الذنب لأن الخجل ينكس رأسه قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ}

[السجدة: 12]، وفي مصباح الزجاجة للسيوطي في سنن البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول ليس معنى الحديث إن أعناقهم تطول ولكن ذلك إن الناس يعطشون يوم القيامة فإذا عطش الإنسان انطوت عنقه والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة اهـ، وخرجه الحافظ في تخريجه وقال فيه إبقاء الطول على حقيقته اهـ. هذا وجعل شارح الأنوار السنية قوله صلى الله عليه وسلم أطول الناس أعناقًا إلخ، كناية عن كل من هذه المعاني فقال وقال المأزري هو حقيقة لأن العرق إذا ألجم الناس طالت أعناقهم لئلا يصيبها.

قلت قال الحافظ هذا إذا انضم إلى القول قبله أي مما فيه إبقاء الطول على حقيقته بين ثمرته اهـ. وفي فتح الإله والوصف على هذا بطول العنق ليس لذاته بل للنجاة من العرق اهـ، ثم قال شارح الأنوار السنية وقيل هو كناية عن كثرة تشوفهم لما يرونه من ثواب الله تعالى وفعل ذلك في باقي الأقوال التي نقلها فيه وذكرناها في جملة ما سبق من الأقوال وهذا منه يقتضي أنها ليست مجازًا إذ الكناية ليست حقيقة ولا مجازًا كما هو مقرر في علم البيان لكن ظاهر كلام غيره أنها مجاز في غالب تلك المعاني التي أريدت منها وحقيقة في بعضها وروي إعناقًا بكسر الهمزة أي أشد إسراعًا إلى الجنة وهو سير العنق أي أكثر إسراعًا وأعجل إلى الجنة يقال أعنق يعنق إعناقًا والاسم العنق بالتحريك وقال الحافظ شذ بعضهم فكسر الهمزة وقال الأعناق بمعنى العنق إلخ، فأشار إلى أن ذلك من شذوذه لا أنه رواية خلاف ما يوهمه قول ابن حجر المكي وروي بكسر الهمزة إلخ، من أنه رواية والله أعلم. قوله:(رَوَاه مُسلم) وأخرجه النسائي وأبو عوانة كما أشار إليه الحافظ وللحديث شاهد من حديث زيد بن أرقم قال قال صلى الله عليه وسلم بلال سيد المؤذنين يوم القيامة ولا يتبعه إلَّا مؤمن والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه حديث غريب أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وقال لا نعلمه عن زيد بن أرقم إلّا بهذا الإسناد وتفرد به

ص: 77

مَدَى صوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شَيءٌ إلَّا شَهِدَ لهُ يَوْمَ القِيامة"

ــ

حسام بن مصك وهو بصري روى عنه جماعة وأخرجه ابن عدي في ترجمته ونقل تضعيف حسام عن جماعة ثم قال عامة أحاديثه غرائب وأفراد وهو مع ضعفه حسن الحديث قال الحافظ لعله أراد الحسن المعنوي وإلا فحسام متفق على تضعيف حديثه ولم يسمه ابن أبي شيبة في روايته عن يزيد عنه بل قال حدثنا شيخ وكأنه أبهمه لضعفه وهو بضم الحاء وتخفيف السين وأبوه مصك بكسر أوله وفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف قال الحافظ ووجدت لهذا الحديث سببًا من حديث بلال قال يا رسول الله إن الناس يتجرون ويبتغون معايشهم ولا نستطيع أن نفعل ذلك فقال ألا ترضى إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه البزار وقال لم يرو قبيصة عن بلال إلَّا هذا الحديث ولا نعلم له إلّا هذا الإسناد وقال الحافظ ولا بأس برواته إلَّا أن في رواية البزار مخالفة في بعض رواته قال ومع ذلك فالحديث حسن.

قوله: (مَدَى صَوْتِ المُؤَذنِ) قال ابن النحوي في البدر المنير المدى بفتح الميم مقصور يكتب بالياء وهو الغاية اهـ، وإنما أتى به ولم يقتصر على صوت المؤذن تنبيهًا على أن من ينتهي إليه صوته يشهد له وإن لم يسمع إلّا همسه ففيه الحث على استفراغ الجهد في رفع الصوت بالأذان وقال

الخطابي في الحديث يغفر للمؤذن مدى صوته، مدى الشيء غايته والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله عز وجل إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت قال الحافظ المنذري في الترغيب ويشهد لهذا رواية من قال يغفر له مد صوته بتشديد الدال أي بقدر مد صوته قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه ضوته لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبًا تملأ تلك المسافة غفرها الله تعالى اهـ. قوله:(جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ) قدم الجن إما للترقي منه إلى الإنس الأشرف أو للاهتمام لأن شهادة الإنس بعضهم لبعض لا تستبعد لاتحاد الجنس بخلاف الجن لاختلافه وتضاده فإذا شهدوا مع ذلك فالإنس أولى. قوله: (وَلَا شَيْءٌ) من عطف العام على الخاص ليعم سائر الحيوان والجماد بأن يخلق الله تعالى فيه فهما وسمعًا فيسمع ويعقل. قوله: (إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) بلسان القال بفضله وعلو درجته تكميلا لسروره وتطييبًا لقلبه كما أنه تعالى يفضح

ص: 78

رواه البخاري،

ــ

أقوامًا ويهينهم بشهادة الألسن والأيدي والأرجل وغيرها بخسارهم ووبالهم. قوله: (رَوَاه البُخَاري) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه مالك والنسائي وابن ماجة وزاد ولا حجر ولا شجر إلَّا شهد له وابن خزيمة في صحيحه ولفظه قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يسمع مدى صوته شجر ولا مدر ولا جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة ثم قوله سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف فيه فقيل المراد سمعت جميع ما قلته لك بخطابه لي وهذا ما فهمه الرافعي والغزالي وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط لا أصل لذلك في شيء من طرق الحديث إنما وقع ذلك من أبي سعيد التابعي وقد رواه الشافعي في الأم عن مالك على الصواب اهـ. وقال المصنف وغيره المحقق عوده إلى قوله لا يسمع إلخ، دون ما قبله من قوله إني أراك إلخ، قال ابن الرفعة ولعل أولئك اطلعوا على ما دلهم على ذلك وفيه نظر فإن رواية ابن خزيمة مصرحة بما قاله النووي وغيره ونقل الحافظ عن ابن الرفعة أنه اعتذر عن الغزالي بأنه فهم من قول أبي سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جمع ما تقدم فذكره بالمعنى والعلم عند الله، وتعقبه الحافظ بأن الحديث قد رواه جماعة من الصحابة وليس في شيء من طرقهم الثابتة الأمر برفع الصوت إنما يؤخذ ذلك بطريق الاستنباط من الحديث المذكور اهـ. ثم خرج من حديث أبي هريرة يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس وقال حديث حسن أخرجه أحمد والبخاري في خلق الأفعال خارج الصحيح وأبو داود والنسائي ورجاله رجال الصحيح إلَّا واحدًا فلم يسم ولم ينسب وأخرج من حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول والمؤذن يغفر له مدّ صوته ويشهد له من سمعه من رطب ويابس ويكتب له أجر من صلى معه حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي ورجاله رجال الصحيح إلَّا

ص: 79

والأحاديث في فضله كثيرة.

واختلف أصحابنا في الأذان والإمامة، أيهما أفضل على أربعة أوجه: الأصح أن الأذان أفضل،

ــ

أن فيه عنعنة قتادة وشيخه أبي إسحاق السبيعي وهما مدلسان اهـ. قوله: (وَالأَحاديث في فضله كثيرة) فمنها حديث عبد الله بن أبي أوفى قال قال صلى الله عليه وسلم إن خيار عباد الله الذين

يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وتعقبه الحافظ بأن عبد الجبار بن العلاء الذي أخرجه الحاكم من طريقه لم يخرج له البخاري ومع كون باقي رجاله بعده أي سفيان بن عيينة عن مسعر عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما ثقات فهو معلول لأن ابن المبارك رواه عن مسعر عن السكسكي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الدرداء فذكره موقوفًا من قوله وقد اعترف الحاكم بهذه العلة قال إلَّا أنها لا تؤثر اهـ. قال الحافظ وقد وجدت من حديث ابن أبي أوفى شاهدًا من حديث أنس مرفوعًا لو أقسمت لبررت إن أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم يعني المؤذنين كذا في الأصل قال حديث غريب أخرجه الطبراني انفرد به عن أنس الحارث بن النعمان وهو ابن أخت سعيد بن جبير اختلف فيه اهـ.: (علي أربعَةِ أَوجهٍ) بقي وجه خامس جرى عليه المصنف في نكت التنبيه واعتمده ابن الرفعة والقمولي وغيرهما هو أن مجموع الأذان والإقامة أفضل لكن قال أبو زرعة ظاهر كلام الجمهور إن التفضيل بين الأذان والإمامة وحدهما اهـ. قوله: (الأَصَحُّ أَن الأَذَانَ أَفضلُ) وهذا الذي رجحه المصنف في كتبه ونقله عن نص الأم وأكثر الأصحاب قال المحاملي وهو مذهب الشافعي وعامة أصحابنا اهـ، وذلك لأنه علامة على الوقت فإنه أكثر نفعا منها ولقوله تعالى: ({وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] قالت عائشة نزلت في المؤذنين قيل وفيه نظر وإن وافقها على ذلك عكرمة لقول كثيرين منهم ابن عباس أنه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عنه أنه أبو بكر وفي أخرى عنه أنصاره وأصحابه ومما يرد الأول أن السورة مكية والأذان مدني وأيضًا فالأحسنية إنما جاءت من مجموع الدعاء إلى الله وما بعده

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وخبر البخاري السابق لو يعلم الناس إلخ، وخبر أحمد لو يعلم الناس ما لهم في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف ولخبر الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين لكنه ضعيف نعم في رواية صححها ابن حبان والعقيلي وإن أعلها ابن المديني وقال أحمد ليس لها أصل فقد صححها من المتأخرين الضياء وغيره: الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين وضمانهم لنحو الإسرار بالقراءة وللدعاء بأن يعم القول أو لتحمل القراءة عن المسبوق أو لسقوط فرض الكفاية بفعلهم أقوال والأمانة أعلى من الضمان إذ الأمين متطوع بعمله والضامن ملزم به قال الرافعي والدعاء بالمغفرة أعلى من الدعاء بالإرشاد ووجه قول الماوردي دعا للإمام بالإرشاد خوف زيغه وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله وقول البحر الإرشاد سبب المغفرة وسبب الشيء دونه وقول بعضهم الدعاء بالإرشاد إنما يكون بما فهي خطر لأن المعنى أرشدهم لما كلفوه واغفر للمؤذنين ما عسى أن يكون من تفريط اهـ. وفي حاشية السيوطي على سنن أبي داود وزاد البيهقي بعد واغفر للمؤذنين فقال رجل يا رسول الله لقد تركتنا ونحن نتنافس الأذان بعدك زمانًا فقال إن بعدكم زمانًا شغلتهم مؤذنهم أورده البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن الأعمش اهـ، وبأن المؤذن له مثل أجر من صلى بأذانه لأنه دعاه لذلك.

واستشكل ترجيح المصنف أفضلية الأذان مع كونه سنة على الإمامة والجماعة فرض كفاية.

وأجيب بأنه كرد السلام مع ابتدائه على أن موجبه الإمامة ليس من جهة الجماعة بل من جهة خصوص ما فيها من الضمان وكونها مظنة التقصير قال الشافعي أحب الأذان لحديث اللهم اغفر للمؤذنين وأكره الإمامة للضمان وكما صح مع اختلاف الجهة الحكم بالفرضية والكراهة صح معها تفضيل المندوب على فرض الكفاية على أن الجماعة قدر مشترك بين الإمام والمأموم إن نواها وإلا حصلت بنية المأموم وحده بخلاف نية الإمام وحده فنيته محصلة لثواب الجماعة من غير أن يتوقف عليها ومن ثم لم يشترط مقارنتها للتحريم فلم تكن الإمامة وحدها فرضًا ولم يحصل تفضيل نفل على فرض وأيضًا فالأذان عبادة مستقلة والجماعة صفة وتفضيل الفرض على النفل إنما هو في صفتين أو مستقلتين أما صفة ومستقلة فقد يختلف أو في متحدى الجنس فمع اختلافهما قد يختلف ويبعد أن يفضل بعض رذائل الصنائع

ص: 81

والثاني: الإمامة، والثالث: هما سواء، والرابع: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة واستجمع خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل.

ــ

لكونه فرض كفاية على تطوع الصلاة وإن سلم لما فيه من الخروج عن الإثم ففي فضل تطوع الصلاة ما يجبر ذلك أو يزيد عليه ذكره وما قبله السبكي. قوله: (والثاني الإمامة) أي أفضل من الأذان سواء قام بحقوقها أو لا كما أن الأذان عند المصنف أفضل منها سواء قام بحقوقها أو لا وتقييد بعضهم ترجيحه الإمامة بمن قام بحقوقها ليس في محله لأن التفضيل وجه آخر وقول الشافعي فإن فعل أي قام بحقوقها رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره لا يشهد للتقييد ولا لما قال الرافعي بل للوجه المفصل الذي حكاه المصنف هنا آخرا على أن قوله من غيره مقيد بغير الأذان لما مر عن الأم إن الأذان أفضل من الإمامة. واستدل من فضلها بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده عليها دون الأذان وأجيب بأن ذلك لاشتغالهم بمهمات الدين التي لا يقوم غيرهم فيها مقامهم ولذا صح عن عمر رضي الله عنه لو كنت أطيق مع الخليفي لأذنت والخليفي بكسر الخاء المعجمة وتشديد اللام مصدر ولا نظر إلى كونه صلى الله عليه وسلم كان يتفرغ في بعض الأوقات لأنه لو أذن صلى الله عليه وسلم واظب عليه لأن عمله كان ديمة ومداومته تقتضي وجوب الإجابة خلافًا لمن نازع فيه ولأن تعاطي غيره للأذان أفخم لشأنه كما بينه السهيلي ولأنه صلى الله عليه وسلم لو أذن لوجب حضور الجماعة بالاعتبار الذي قدمناه على أن الأصل في الأمر الوجوب قال في شرح العباب ورد الأسنوي لهذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في بعض أسفاره كما في المجموع عن الترمذي بإسناد جيد فيه نظر لما مر أن معنى أذن أمر بالأذان، قلت تقدم نقلًا عن التوشيح أنه جاء في رواية صريحة غير قابلة للتأويل أنه صلى الله عليه وسلم أذن وعلى ذلك فالجماعة الذين أذن لهم كانوا حاضرين معه فلا دلالة فيه على رد ذلك وبأنها أشق من الأذان ويجاب بأن غير الأشق قد يفضل الأشق على أنا لا نسلم أنها أشق منه وبحديث الصحيحين ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ويجاب بأن هذا الخبر معارض بخبر أبي داود وابن ماجة ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم وبأنه لا يحتاج في صحته إلى كثير شروط ومزيد تبصر فطلب من كل أحد

ص: 82